قصاصة

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

قابلته في إحدى حافلات النقل الداخلي ،  جلس بجانبي على استحياء ، بادرته بالسؤال  ، وقلبي يخفق في صدري  مثل عصفور وضع حديثا في قفص ، فملامحه ليست غريبة علي   من أين أنت يا  أخي ؟   لم يجب   بل مد  يده بقصاصة كتب عليها كلمات لم أتبينها ، وقال :  هل تعرف هذا العنوان ؟  من لهجته وطريقة سؤاله ، عرفت أنه من بلدي ...

آه... يا  بلدي .. أحملك في صدري  وأخبئك في قلبي مثل لؤلؤة في صدفة , منذ ثلاثين عاما .

حين خرجت من بلدي هاربا ... خائفا ...طريدا ..أصبحت قصاصة ورق مثل هذه القصاصة التي عرضها علي صاحبي الجالس حائرا بجانبي , نعم أصبحت قصاصة .. قصاصة عنوان .. قصاصة عمل ..قصاصة سكن.. قصاصة تعارف  قصاصة سفر .. قصاصة أمن ... وما زلت قصاصة تلعب بي الغربة  تقذفني في مجاهل المدن والبلدان ,  ومع ذلك كنت ألملم نفسي , وأضع يدي فوق الصدفة , أستمد من الدرة المكنونة فيها أملا   أني سوف أعود إلى بلدي يوما مهما الزمن طال .

التفت إلى صاحبي  وقلت له بكل ود  ومحبة :  لا بأس سنعود قريبا بإذن الله  سنعود .. لا شك في ذلك .. سنعود أنا وأنت  وكل المهجرين  والخائفين والهاربين  .. سنعود بحلة جديدة  ووجوه مشرقة بالأمل  والإيمان .

ارتسمت على وجه صاحبي علامة تعجب كبيرة  وكأنه يقول لي : كيف.. وإلى أين؟