العقوبات الأميركية: إيران لا صوت يعلو على صوت الشعارات

مع بدء سريان الوجبة الثانية من العقوبات الأمريكية المشددة على إيران ودخولها حيز التنفيذ، والتي جاءت تزامناً مع الذكرى التي تحتفل بها طهران بُعيد سيزده آبان / ذكرى احتجاز الدبلوماسيين الإيرانيين لمدة 444 يوماً عقب انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وهذا بالتأكيد له مغزاه ودلالاته، تأتي هذه العقوبات ضمن إطار استراتيجية ترامب حيال طهران لتحجيم نفوذها المدمر في المنطقة، والحدّ من مضي إيران في عسكرة برنامجها النووي، وتكبيل أيديها في تطوير برنامجها الصاروخي الذي بات يهدّد الأمن الإقليمي والعالمي، إلى جانب تقليص دعمها لمخالبها ووكلائها.

خيارات إيران

 إيران التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات للنفط في العالم وثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي، وتعد ثالث أكبر منتج للنفط في "أوبك" إذ تنتج نحو 3.4 مليون برميل يوميا. وتُصدر منه 3و2 مليون برميل لكنها اليوم باتت مكبلة ومغلولة اليد في التسويق لنفطها.

 وكعادتهم القادة في طهران في المسارعة إلى إطلاق الشعارات "الرنانة" لتحدي الإدارة الأمريكية، حيث أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني، على أنه لا توجد قوّة في الأرض تستطيع منع إيران من تصدير نفطها، وأنها ماضية بعزم وإصرار لمواجهة العقوبات ".

 لكن السؤال المحوري هل تستطيع إيران الاستمرار في استراتيجية " المواجهة البطولية " مع انخفاض مستوى صادراتها النفطية أكثر من مليون برميل يوميا، إلى جانب منح استثناءات مؤقتة لثمانية دول لاستيراد النفط حتى تستطيع ترتيب أوضاعها والبحث عن مصادر جديدة، خشية من اندلاع أزمة طاقة مع قرب حلول الشتاء؟

 تكابر طهران كعادتها أنها قد اعتادت على العقوبات، وأن استحقاقات المواجهة هي أمر روتيني ما دام هناك شعب مقاوم، لكنها نسيت أن الظروف التي تمر بها طهران جعلت الشعب الإيراني كله في مهب الريح، والجدير بالذكر أن الخبرة التي اكتسبتها في الالتفاف على العقوبات عبر حيل وطرق عديدة لم تعد تجدي نفعا وبخاصة مع الانهيار الشامل للاقتصاد الإيراني، بعبارة أخرى أن قادة إيران لم يدركوا بعد أن الشرعية قد سقطت عن النظام الإيراني كله. وإكرام الميت دفنه، وهذا بالمناسبة ما حذر منه الرئيس السابق " محمد خاتمي في وقت سابق.

 من المؤكد أن استراتيجية إيران الرئيسة هو الالتفاف علي العقوبات من خلال الطرق التي انتهجتها سابقاً، فهي تعوّل على الدول الضامنة للاتفاق النووي، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي تلك التي اتفقت معها على آليّة ماليّة جديدة لتعويض الفاقد من العملات الصعبة بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي على الرغم من أننا نشكك في تأثير ذلك، ومدى قدرة هذه الدول على مواجهة أميركا اقتصاديا، إلا أن طهران لم تعد تجد خيارا آخر أمامها، و مدى صحة ما تحدث به وزير الخارجية جواد ظريف من أن سبعة بنوك مركزية أوروبية أبدت استعدادها لإنشاء آلية مالية خاصة للتبادل التجاري مع طهران، وأن هذه البنوك ستسعى إلى تحويل هذه الآلية إلى مؤسسة مالية مستقلة مستقبلا، ويمكن تفهم تصريحات الوزير ظريف في إطار رفع المعنويات للشعب الإيراني المتهالكة أصلاً ليس إلا.

 المثير أن خبراء الاقتصاد الإيراني يؤكدون على عدم جدواها في مساعدة إيران للالتفاف على العقوبات والحدّ من تأثيرها، حيث أن هناك عقبات عدة، سوف تحول دون تنفيذ الآلية الأوروبية الجديدة للتجارة مع إيران، للالتفاف على العقوبات، مع ضعف خيارات طهران لممارسة المزيد من الضغوط على الدول الضامنة للاتفاق النووي، مع السعي لتوظيف مواقف الدول التي ترتبط بجبرية جغرافية مع إيران وفي مقدمتها العراق وتركيا وجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز وباكستان للحد من تأثير هذه الحزمة من العقوبات الطامحة في خنق الاقتصاد الإيراني، إلى جانب ممارسة سياسة " الصبر الاستراتيجي"، والتي تركّز أساساً على ضرورة احتمال السنتين المتبقيتين من عهد " ترامب" على أمل رحيل إدارته ، وتغيير السلوك الأمريكي تجاه إيران.

 أما شعارات إيران الطامحة للضغط على الدول الضامنة للاتفاق النووي للحد من التعامل بالدولار كأساس للتعاملات التجارية في حال أراد الأوروبيين التصدي للعقوبات الأمريكية ومساعدة إيران، فهو أمر غير واقعي، وسيجلب نتائج عكسية بين دول الاتحاد الأوروبي التي ترتبط بعلاقات تجارية مع أميركا تفوق 600 مليار دولار، في الوقت الذي لا تزيد تبادلاتها التجارية مع طهران عن 25 مليار دولار على أحسن تقدير.

 يبدو أن خيارات إيران الاقتصادية والتي تتراوح ما بين تقديم الدعم للمواطن الإيراني من خلال الكوبون الإلكتروني الذي لا يزيد عن سبعة دولارات شهرياً، وهي طبعاً لن تسمن ولن تغن من جوع، هذا فضلا عن إجراءات خارجية لرفد الموازنة الإيرانية بالعملات الأجنبية كتهريب النفط عبر ناقلات الشبح، وكذلك بيع النفط إلى القطاع الخاص في بورصة النفط بأسعار تفضيلية ، أو مقايضة النفط بالغذاء خشية من المجاعة ، كيف لا وهناك أكثر من أربعين مليون إيراني تحت خطّ الفقر، و12 مليون إيراني يعانون من فقر غذائي " مجاعة " ... هذا بالطبع سوف يتزامن مع رفع وتيرة الشعارات والاتجار بها، وهي الأسطوانة المشروخة التي اعتاد على ترديدها قادة النظام الإيراني دوماً.

وسوم: العدد 797