التعليم العالي في المناطق السورية المحررة بين الواقع والمأمول

البحث الفائز بالمركز الأول مكرر في مسابقة البحث العلمي الرابعة للشباب والشابات 2018م

يقول المؤرخ البريطاني أرنولد جوزف توينبي: "إن تاريخ المجتمعات البشرية هو تاريخ المنافسة بين التعليم والكارثة"، فإذا كنا ومنذ قرن تقريباً نطلق الشعارات المتعلقة بالوحدة ونقول: إنّ قوتنا في وحدتنا، فالحقيقة أنّ الشعار الأكثر أهميّة يجب أن يكون "إن قوتنا في نهضتنا" ونهضتنا مقترنة بمستوى التعليم، إذ أنّ النهضة متلازمة تلازماً وثيقاً مع التعليم.

لقد وعت المجتمعات المتقدمة هذه المعادلة بين نهوضها والتعليم، وأنّ الارتقاء بالمجتمع يعود بشكل أساسي لدور التعليم في هذا المجتمع، فأعطته – أي الدول المتقدمة – دور الصدارة في الاهتمام، في حين يواجه التعليم في بلادنا إشكاليات متعددة لاسيما في السنوات العشر الأخيرة في بعض البلدان العربية إذ أصبح التعليم في جميع مستوياته ومنها التعليم العالي ضحيّة حربٍ وصراعاتٍ داخليّة وإقليميّة ودوليّة جعلته في مهب الريح، ومن المؤسف أنّ التعليم العالي في سوريا التي سيكون بحثنا متعلقاً بها قد عصفت به هذه الحرب التي يشنها النظام السوري على شعبه، فدمرت الحرب التعليم العالي مادياً، بشرياً ومؤسساتياً، إذ أن نسبة لابأس بها من الكوادر التعليمية غادرت الجامعات – بل وغادرت البلاد – وأنّ نسبة كبيرة من طلبة الجامعات وجدت نفسها أمام أحد خيارين، إمّا البقاء في الجامعات الواقعة في مناطق سيطرة النظام ومن ثمّ التعرض لخطر الاعتقال أو التجنيد الإجباري في صفوف الجيش الذي يقاتل الشعب، أو ترك جامعاتهم ومغادرتها إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والتي بقيت فترة من الزمن بدون جامعات أو معاهد أو حتى مدارس بسبب القصف المستمر لهذه المناطق الذي أخرج معظم المؤسسات عن العمل، حيث دمرت المباني واستشهد الكثير من الطلبة والكوادر التعليمية الأمر الذي دفع قسما كبيرا لمغادرة البلاد باتجاه دول الجوار أو أوروبا.

نتيجة لهذا الفراغ في مؤسسات التعليم العالي فقد أُسّست جامعة إدلب ومن ثمّ جامعة حلب في العام الدراسي 2015 – 2016 وذلك بغرض احتواء الطلبة الذين غادروا مناطق سيطرة النظام وانقطعوا عن دراستهم، أو استقبال الطلاب الذين حصلوا على الشهادة الثانوية ولم يكن بإمكانهم الالتحاق بالجامعات السورية النظامية.

إشكاليّة البحث وأسئلته:

جاءت الجامعات في المناطق المحررة كبديل عن الجامعات في مناطق سيطرة النظام، وهي جامعات أُنشئت بعد مرور خمس سنوات تقريباً على بدء الثورة السورية وقد ساهم في إنشائها أكاديميون معظمهم كان يعمل في الجامعات السورية النظامية، إلّا أنّ هذه الجامعات تواجه العديد من المعوقات والتحديات كغيرها من المؤسسات التي أُنشئت في مناطق سيطرة المعارضة، فهل تستطيع هذه الجامعات أن تكون بديلاً حقيقياً عن جامعات النظام؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة التالية:

هل تستطيع هذه الجامعات أن تذلل الصعوبات والتحديات التي تعترضها؟ هل تستطيع هذه الجامعات أن تقنع الطالب في المناطق المحررة برسالتها وبرامجها وأن تجذبه إليها؟ وبالنتيجة هل تستطيع أن تحصل جامعات المناطق المحررة على اعتراف دولي أو محلي بشهاداتها، ومن ثم هل لديها الفرص الكافية لاستمرارها؟

نتائج البحث:

تتلخص النتائج التي توصلنا في هذا البحث إليها بما يلي:

الحاجة الملحة في المناطق المحررة إلى مؤسسات جامعية لاستيعاب الطلبة المستجدين والمنقطعين عن دراستهم في هذه المناطق من أجل رفع مستوى الوعي في صفوف الشباب ولتغطية سوق العمل وحاجات المجتمع السوري بالمختصين المؤهلين علمياً القادرين على المساهمة في إعادة الإعمار. يعد التعليم - لا سيما العالي منه - أحد أهم عناصر قياس مستوى التنمية البشرية، وتعد التنمية البشرية هدفاً أساسياً للتعليم الذي يساهم في دفع عجلة التنمية إلى الأمام وتحقيق "القوة الناعمة" القادرة على تحقيق القوة المادية في المجتمع. ضعف البرامج الأكاديمية مقارنة مع حاجات سوق العمل والتطور التكنولوجي والعلمي في العالم ومن ثم ضعف المخرجات التعليمية وعدم قدرتها على تغطية سوق العمل إلا بشكل محدود برغم تنوع الاختصاصات في الجامعات محل البحث. ضعف في الكوادر الأكاديمية والعلمية والإدارية حيث تعاني المؤسسات التعليمة من نقص الكوادر بسبب غياب أو تغييب جزء من المختصين المؤهلين وعدم القدرة على استقدام الأكاديميين بسبب نقص الموارد المالية وانعدام البيئة الآمنة. وجود مرونة في القبول الجامعي لاستيعاب الطلاب المنقطعين والمستجدين، إلا أن هذه المرونة تؤثر سلباً على مستويات الطلبة ومن ثم التأثير على مستوى العملية التعليمة بأكملها وما يترتب على ذلك من ضعف في تغطية سوق العمل وتحقيق التنمية البشرية. ضعف عام في المرافق والبنى التحتية في المؤسسات الجامعية نتيجة ضعف التمويل من جهة، والتعرض لمخاطر الحرب من جهة أخرى. صعوبات في التمويل، والاعتماد في الأعم الأغلب على التمويل الذاتي ( الرسوم الجامعية )، مما يزيد العبء المالي على الطالب مع عدم قدرة البعض على إكمال تعليمهم بسبب هذه الرسوم المرتفعة مقارنة مع الظروف الصعبة للمجتمع الذي يعاني من ويلات الحرب، والمقبولة مقارنة مع انخفاض قيمة العملة. تعدد الجهات المشرفة على التعليم العالي وتشتت القرارات وتهاترها، مما أثر على العملية التعليمية نتيجة الخلافات بين هذه الجهات. عدم الاعتراف الخارجي بالشهادات الصادرة عن هذه الجامعات مما يجعل مستقبل الطلبة مجهولاً، وهو أمر يجعل نسبة لا بأس بها من الطلبة تمتنع عن التسجيل أو تسعى للسفر من أجل الدراسة في الخارج.

وسوم: العدد 803