الأمة بين امتلاك الرؤية ووضوح المنهج

عبد المنعم إسماعيل

إن القارئ لتاريخ التدافع بين الأمة الاسلامية والأمم المخالفة لها في المنهج، سواء كانوا بقايا الجاهلية القديمة بأشكالها المختلفة، أو بقايا اليهودية المنحرفة أو النصرانية المغايرة لما كان عليه المسيح ابن مريم، أو المعتقدات الخليطة من بقايا اليهودية والنصرانية والفارسية القديمة، حتى تكونت عقيدة باطنية رافضية خبيثة، حيث جعلت من الطعن في الصحابة رضي الله عنهم دينًا...

 ليبقى المنهج الإسلامي ناصعا لا يتغير بتعاقب الزمان، واختلاف الخصوم، وتجدد أساليب الإغواء والسعي الماكر من العلمانيين والصفويين والأزارقة الجدد الذين حملوا على عاتقهم مهمة القضاء على الفكر الوسطي في الأمة المسلمة، وقد استعانوا بالتكفيريين الذين نجحوا إلى حد كبير في تشويه حقائق الإسلام أيما تشويه، حيث قدموا للعالمين صورة مشوهة عن الإسلام، صورة في غاية في البشاعة والدموية، وبالتالي قدموا خدمة كبيرة للمتربصين بالإسلام وأهله، فأتاحوا الفرصة للطائرات الصليبية المتربصة بالإسلام السني وبوسطيته.

 لا شك أن امتلاك المسلمين للمنهج الصحيح الذي به يتم اصلاح الفساد بكل أشكاله وألوانه وبكل تجلياته وتقلباته، فلن تستجد قضية من القضايا أو تحدث مشكلة من المشاكل إلا وللإسلام فيها هدي شاف وبيان كاف.

 ولكن السؤال الأبرز هل يمتلك أبناء الأمة (أفرادا، وجماعات) تلك الرؤية الموازية لحجم هذه التحديات القائمة أوالقادمة؟! 

 لا شك بأن الجميع يزعم امتلاكه لخارطة الطريق، ويعرف سبيل النجاة من ضغوط الواقع، وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا. ولكن الواقع والتجارب الكثيرة التي عاشتها الأمة وظلت تعيشها حتى اليوم أثبتت عكس ذلك. فمنذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 وحتى يومنا هذا ونحن ننتقل من خيبة أمل إلى أخرى، ومن إخفاق إلى إخفاق، اللهم إلا نجاحات ضئيلة نادرة تحصل بين الحين والآخر رحمة من الله كي لا تستسلم الأمة لليأس والقنوط.

 فامتلاك الرؤية ضرورة تحتمها الثوابت والأصول التي كان عليها سلف هذه الأمة، وتحتمها طبيعة هذا الدين الذي يأمر أتباعه بأن يكونوا على إدراك لطبيعة الصراع، ويطالبهم بأن يعدوا العدة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ويطالبهم بادراك سنة التدافع الحضاري بين الأمم وكيف يوظفوا هذا التدافع لصالح قضايا الأمة المسلمة.

 فإذا لم يستطع أبناء الأمة اغتنام الفرص الكثيرة المواتية والتي تنهمر عليهم مثل المطر، وظلوا يسوفون ويعيشون في عالم الأوهام، ينتظرون يقظة الضمير الغربي ليسمع إلى شكايتهم ومظلوميتهم، فإنهم سيستمرون في تجرّع الخيبات وإهدار الفرص. وسنة التدافع الحضاري لن ترحم تقاعسهم وتأخرهم عن ركب الأمم الزاحفة نحو الأمام. فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ومن عاند طبيعة الحياة فقتل في نفسه الطموح، وفي فكره التجدّد، وفي عمله الابتكار، ثم استسلم لليأس والقنوط والراحة والكسل والدعة... كان حريا به أن يدع دينه للمبشر ووطنه للمستعمر ويبقي نفسه كالريشة في مهب الرياح والأعاصير ليتحسر على المجد الموؤد ويتعلل بالأماني الكواذب.

 إن امتلاك الأمة للرؤية المنسجمة مع مقتضيات السنن الربانية هو: المخرج الوحيد لها من وتبعيتها وهامشيتها وذيليتها ولن تعود إلى سابق عزها ومجدها مالم تستوعب حقيقة الرسالة الخاتمة وطبيعة السنن الحاكمة ...

وسوم: العدد 803