أوراق مختلطة .. حول غدر العصابة الأسدية بالمغرورين المصالحين

في المشهد العام في منطقتنا العربية تختلط الأوراق وتتداخل المواقف والسياسات إلى حد كبير . لم يعد من السهل فرز المواقف على قواعد إيديولوجية مطلقة ، في زمن ساد فيه النفاق والزيف والادعاء على كل المستويات الدينية والفكرية والسياسية .

ولم يعد من السهل تحديد المواقف والحكم عليها على قواعد البوصلات الكبرى التي ظلت تحكم الرأي العام الشعبي منذ قرن من الزمان ، فقد غدت مؤشرات هذه البوصلات خاضعة لكثير من كتل الجذب والنبذ  والتحويل والانحراف ..

حتى الموقف الرجراج في حراك شعوبنا اليومي بات محكوما بكثير من الضرورات والإلجاءات والإملاءات والاضطرارات فلا تدري وأنت ترقب المشهد من حولك من المصيب ومن المخطئ ؟!  هذا إن كنت قادرا على تمييز الخطأ من الصواب !!

في ثقافتنا الفكرية بيت من شعر الحكمة معبر عن بعض ما آل إليه حالنا يقول حكيمه :

يُقضى على المرء في أيام محنته .. حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

فترى بعض الناس يدافعون عن الخطأ درأ للخطيئة . ويتبنون القليل من المفسدة دفعا للكثير منها . هذا إذا وجد من يدرك المعايير الدقيقة للمفاسد والمصالح . الإدراك الذي وصفه ابن تيمية رحمه الله بالفقه الحق . حين قال لا يكون الرجل فقيها حقا حتى يدرك أعلى المصلحتين من أدناها ، وأعظم المفسدتين من أحقرها ؛ فيحقق الأعلى إن اضطر لتفويت الأدنى ، ويدرأ الأعظم وإن اضطر لاحتمال الأحقر .

الأوراق المختلطة على خارطتنا العربية والوطنية اليوم كثيرة ومتكاثرة . وهي اختلاطات شائكة حساسة ما أن تمسك بطرف إحداها حتى تنالك وتستزلك وتحشرك في دوائر انغلاق الفهم ، وسوء النية ، وتسارع بعض الناس إلى التخوين والتهوين ..

من هذه الأوراق المختلطة مثلا لا حصرا ، ما تقدم عليه العصابة الأسدية من نكث وغدر بحق مواطنين سوريين وثقوا بها ، وما كان لهم أن يفعلوا ، فعقدوا معها الاتفاقات والمصالحات ، بعد انخراطهم في ثورة ما تزال وستظل تهدد هذه العصابة من أساس وجودها .

وتصل الأخبار من وطننا المدمى بجراحه ومن مناطق ما سمي ، المصالحات ، عن تصفية العديد من رجال الثورة السابقين الذين غرر بهم فاغتروا ، وضُمن لهم فوثقوا بالضامنين ، وتحول بعضهم بفعل فعل إلى أدوات قتل وتشبيح بيد من ثاروا عليه وخرجوا لخلعه وتغييره ...

الأسماء تتناثر حولنا ، وبعضنا يرى فيما يقع على هؤلاء الجزاء الوفاق . وأنهم ينالون استحقاقات نكوصهم وغرورهم وانقلابهم على أهليهم ، إن لم يتعد ذلك إلى إعلان الشماتة والتشفي وإتباع هؤلاء المقبوحة ،عن الثورة، ردتهم بألفاظ النبذ واللعن ..

الحقيقة التي لا حقيقة وراءها هي أننا مهما اختلفنا في تقويم فعل هؤلاء ، والحكم عليهم، وتفهم دوافعهم وذرائعهم وضروراتهم واضطراراتهم ....

فإننا لا يجوز أن نختلف على اعتبار ما يقع عليهم  جريمة جديدة تضاف إلى جرائم المجرم الأول ، وجرائم الضامن الروسي المشرف على المصالحات والمتعهد بإعادة كل اللاجئين إلى حضن سورية الجديدة ..ليعاملوا بطريقة التصفية العاجلة نفسها.

قد يقول قائل إن هؤلاء المغرورين المنقلبين على ذواتهم يجنون جراء ما كسبت أيديهم؛ ولكن لا يجوز أن نزيد على هذا غير استنكار الغدر بهم ، والنكث معهم ، واستنكار الجرائم التي ترتكب بحقهم ورفع الصوت عاليا في إدانة ما يقع عليهم ..

ومن كان في جعبته سهم فليرمه باتجاه من قتل السوريين وشردهم ودمر ديارهم . وحين تختلط الأوراق يحتاج الموقف إلى حكمة ، ويحتاج الخطاب إلى كلمة فصل . "وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب".

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 803