السعوديه انتشلت العراق فهل يتعلم لبنان

على وقعِ 21 طلقة مدفعيّة واستعراضٍ جوّيّ رُسِمَ خلاله علم العراق في سماء العاصمة السّعوديّة الرّياض، اقتحم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ومعه العراق، إلى الحضن العربي عبر البوابة السّعوديّة، في 31 آذار الفائت.

الحفاوة التي استُقبِلَ بها الكاظمي من وليّ عهد المملكة الأمير محمّد بن سلمان، الذي كان في طليعة المُرحّبين بالزيارة التاريخيّة، لها دلالاتها، وليس أوّلها الترحيب السّعودي بعودة الأخ المخطوف إيرانياً، وليس آخرها المصلحة العربيّة عامّة.

أراد الكاظمي بزيارة الرّياض أن يُعيدَ الوزن العراقي في الإقليم المتشتّت على حساب النّفوذ الإيراني، الذي كان عماده تدمير أركان الدّولة والمؤسسات في بلاد الرّافدين. ولا يخفى أنّ رئيس الوزراء العراقي سعى منذ اليوم الأوّل لتسلّمه منصبه إلى إعادة النّهوض ببلاده الغارقة في أزمات اقتصاديّة وماليّة وأمنيّة، وبطبيعة الحال، سياسيّة.

ويُحسَب للكاظمي التوقيت الذي اختاره لمحاولة النّهوض بالعراق من الكبوة العميقة. فالرّجل يُحاول منذ عدّة أشهر أن يُحيّد العراق عن الصّراع الإيراني – الأميركي ومشاريع الصّراعات الطائفيّة والتقسيم. ولعلّه وجدَ في الانشغال الإيراني بالانتخابات الرئاسيّة المُقبلة وبجائحة كورونا، وانشغال الولايات المُتحدة بكورونا وصراعها مع الصّين وروسيا، فرصةً لسحبِ العراق من براثن النّزاعات نحو برّ الاستقرار والنّهوض. وفي هذا الإطار، عَرِفَ الكاظمي جيّداً أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة هي المدخل الرئيسي لِما يصبو إليه.

يُنتَظَر من زيارة الكاظمي السّعوديّة أن تستكمل ما بدأه الرّجل. فالمهمّة ممتلئة بالألغام الإيرانيّة، بلا شك، واستقرار العراق ونهوضه مجدّداً وتوثيق علاقته بالمملكة له أبعادٌ استراتيجيّة لا ترغَب طهران في إقامتها. خصوصاً أنّ السّعوديّة والعراق دولتان نفطيّتان أساسيّتان، ناهيك عن ثقلهما الجيوسياسي لِما يُمثّلانه من تقاطعٍ جغرافيّ استراتيجي.

فالمملكة العربيّة السّعوديّة تتربّع في قلب المنطقة العربيّة. وهي طريق وصول العراق إلى دولة الإمارات والبحرين وقطر وسلطنة عُمان. ويمتدّ ساحلها على البحر الأحمر 2600 كلم. فيما ساحلها على منطقة الخليج العربيّ الاستراتيجيّ يمتدّ 1200 كلم.

أمّا العراق فيتشارَك مع المملكة حدوداً تصل إلى 812 كلم من النّاحيتين الشّماليّة والشّرقيّة للمملكة. وهو بوّابة عبور نحو البحر المُتوسّط عبر سوريا ولبنان غرباً، وعبر تركيا شمالاً، بالإضافة إلى نافذته على الخليج العربيّ الذي تسعى المملكة إلى ضمان أمنه وتجعل له الأولويّة على أجندتها.

وقد أسفرَت زيارة الكاظمي الرياض عن توقيع خمسة اتفاقات في مجالات ماليّة وتجاريّة واقتصاديّة وثقافيّة وإعلاميّة. واتفق الجانبان السّعودي والعراقي على التالي:

- تأسيس صندوقٍ مُشترك بقيمة 3 مليارات دولار.

- إنجاز مشروع الرّبط الكهربائي بينهما.

- التعاون في مجالات الطّاقة والطّاقة المُتجدّدة.

- تعزيز التنسيق في مجال الدّعم والتأييد الدّبلوماسي المُتبادَل.

- وتعزيز فرص الاستثمار للشّركات السّعوديّة في العراق.

ولم يغِبِ الملفُّ الأمنيُّ عن اللقاءات الثّنائيّة. فقد تداول الطرفان موضوع الحدود المُشتركة بينهما واتّفقا على فتح معبرٍ حدوديّ جديد بعد إعادة فتح معبر "عرعر" رسميّاً في وقت سابق من شهر تشرين الأوّل الماضي. وعلم "أساس" أنّ لقاءات ستُعقَد في وقتٍ لاحق بين كبار رجال الأعمال من البلدين لبحث سُبل تعزيز الاستثمار والتّبادل التجاري بين الرّياض وبغداد.

العروبة هي الأساس

وعن الزّيارة وأهميّتها، تحدّث الباحث في الشّأن العراقي الدّكتور غانم العابد لـ"أساس" مُعتبرًا أنّ العراق والمملكة يجمعهما "العديد من القواسم المُشتركة كالدّين والعروبة وصلة القرابة والامتداد العشائري". وأشار العابد إلى أنّ "العراق كان مُنعزلًا عن محيطه العربيّ والمُجتمع الدّولي منذ عام 2003 بينما كان مُنفتحًا نحو إيران فقط". وأشار إلى أنّ مُصطفى الكاظمي نجح منذ بداية مُهمّته في "الانفتاح على دول المنطقة والولايات المُتّحدة وأوروبا ساعيًا لفرض دبلوماسيّة عراقيّة جديدة تُطمئن جميع الأطراف وتُعيد العراق إلى وضعه الصّحيح".

وعزا الباحث العراقي "البُنية المُتهالكة" لبلاده إلى "الفساد والإرهاب"، مُعتبرًا أنّه "بحاجة لانتشاله من حالته الصّعبة، وهو في هذا الإطار بحاجة للاتجاه نحو السّعوديّة للاستفادة من رؤوس الأموال فيها ومشروع الرّبط الكهربائي، والأهم التّخلّص من الهيمنة الاقتصاديّة الإيرانيّة التي استحوذت على العراق بشكلٍ تامّ منذ عام 2003، هنا تكمُن أهميّة زيارة الكاظمي للرّياض للمساعدة على دخول منافسين إلى السّوق العراقيّ".

في الوقت عينه، أعرب الدّكتور العابد عن مخاوفه من النّوايا الإيرانيّة التي لن تسمح بمرور نتائج الزّيارة بسهولة، خصوصًا أنّها تخضع لعقوبات أميركيّة قاسية وليس لها متنفّس منها غير العراق. وقال العابد: "أدوات إيران في العراق سيُحاولون عرقلة هذه الاتفاقيّات وإفشالها خصوصًا أنّ العراق طلب زيادة المعابر الحدوديّة مع المملكة، وإيجاد فرص استثماريّة للسّعوديين في البلاد".

وبرأيه أنّ "إيران هي أكبر المُتضررين من زيارة الكاظمي التاريخيّة للسّعوديّة"، وتابع: "حالياً تُمررّ ما تريد من مخدّرات وأسلحة وسلع مُهرّبة عبر معابر حدوديّة رسميّة وغير رسميّة تخضع لسيطرة ميليشياتها. ولهذه الأسباب أتوقّع أن تسعى الميليشيات الإيرانيّة لإفشال الاتفاقيات مع السّعوديّة. وأنهى كلامه لـ"أساس" بالسّؤال إن كانت الدّولة العراقيّة ستنجح في تشكيل قوّة رادعة بوجه الميليشيات.

معادلة جديدة في العراق

ظهرت مُعادلة جديدة، في الأعوام الأخيرة، مع تصاعد النّفوذ الإيراني في لبنان والعراق، تبيّن أنّ "ما يحصل في العِراق يمتدّ إلى لبنان". وصار بعض المراقبين، قبل مجيء الكاظمي، ينتظرون أيّ حدثٍ أو خرقٍ سياسي يقع في بلاد ما بين النّهرين ليقيسوا عليه مجريات الأمور في لبنان.

أمّا اليوم فقد لاحت مؤشّرات التغيير من بغداد. وصار لبنان وحيداً في مساره ومصيره، ينتظر "كاظمي" خاص به، لعلّه ينتشله ممّا فيه ويعيده إلى الحضن العربيّ مجدداً، كما يحاول العراق.

فهل تكون زيارة رئيس الوزراء العراقي الريّاض، وما نتج عنها من اتفاقاتٍ وتوثيقٍ للعلاقات، دافعاً لـ"صحوة لبنانية" تعيدهم إلى الحضن العربيّ من بوّابة السّعوديّة للنهوض من الأزمة؟ أم تظلّ مشاريع الاتفاقات الـ22، التي سبَق لبنانُ العراقَ في توقيت إعدادها بإلحاح مع السفير السعودي وليد البخاري وسبقه العراق في توقيعها لتبقى في أدراج اللبنانيين الذين يجرّهم المشروع الإيراني نحو الزّراعة على "البلكون" أو الطّلب من الجار "الحاجّ" 50$ عند مطلع كلّ شّهر؟

وسوم: العدد 923