أسئلة أفغانستان: الاجابات يقدمها وليد الحاج!

عندما وصلت إلى نهاية شهادة السوداني وليد محمد الحاج، أحد الناجين من مذبحة قلعة «جانجي»، والنزيل السابق في سجن غوانتانامو، أدركت أن كثيراً من الأسئلة المطروحة الآن، إجاباتها في هذه الشهادة، التي أذيعت قبل عشر سنوات!

في الأسبوع الماضي وعندما كتبت هنا عن شهادة وليد الحاج، كان هذا بعد أن شاهدت أربع حلقات منها في ليلة واحدة، ثم أكملتها بعد ذلك، بمشاهدة الحلقات الست الأخرى، تلك عشر كاملة، ثم شاهدت المقابلة التي أجريت معه في برنامج «بلا حدود» المذيع أحمد منصورنفسه ، وهي الحلقة التي يخصصها «بلا حدود» للرد على ما يثيره المشاهدون حول أقوال ضيف «شاهد على العصر»، وقد بدأت بسؤال المشاهدين عن أبنائهم من خلال صور أرسلوها للبرنامج، ولنا أن ندرك أن الحوار كان بعد تسع سنوات من الغزو الأمريكي لأفغانستان، والمعنى هنا أنه رغم مرور كل هذا الفترة، فإن أسراً لم تكن تعرف مصير أبنائها، إن كانوا قد ماتوا في مذبحة القلعة، أو أنهم من معتقلي غوانتانامو، عندما يتحول الإنسان إلى مجرد رقم، وكان البشر بحضور الغزو الأمريكي، ليسوا أكثر من أرقام، بلا قيمة، ولم تبذل الدولة الغازية أي جهد في أن تعطي دروساً في التحضر، وقد بدت وكأنها وصلت لأفغانستان لانتشال الإنسانية المعذبة من محنتها!

عدم الاكتراث بإبلاغ الأهالي بمصير أبنائهم، كان إجابة على السؤال حول النموذج الذي قدمه الغزاة بعد الغزو، وهو نموذج رديء على كل المستويات، وبالتالي فان المرء يصاب بالدهشة عندما يجد لديهم كل هذه الجرأة وهم يطالبون طالبان بدولة حديثة، وفق المعايير الغربية، فأين دولتهم النموذج؟!

وأين القيم التي أرسوها ليباهوا بها الأمم؟ وقد انحدر الأداء فلم يقيموا وزناً، لحقوق الإنسان، أو حقوق السجناء، وقد تجاهلوا الحقوق البديهية بإبلاغ أسرة المعتقل بمصيره، ناهيك عن مصير من قتلوا في مذابحهم التي خرجت على كل قيم الإنسانية، قديمها وحديثها!

فمذبحة قلعة جانجي هي عنوان لحالة من التوحش يتأذى لها الضمير الإنساني، وإذ وقع الشاهد وعدد يتراوح بين خمسمئة إلى ستمئة شخص، أسرى، وقد سلموا سلاحهم بعد مفاوضات، فان الجانب الأمريكي وحلفاءه لم يحترموا قواعد معاملة الأسير، حسب القانون الدولي، وقد قيدوهم وأطلقوا عليهم الرصاص الحي، ليقتلوا أكثر من مئة شخص في الحال، وكأنهم جراد منتشر، وفي هذه اللحظة وما بعدها حدث ما مثل إجابة على السؤال المطروح؛ كيف لهؤلاء الحفاة العراة، أن يوقعوا هزيمة بالغزاة الذين يملكون أحدث الأسلحة الفتاكة والمتطورة، وكان ينفق عليهم يومياً قرابة الثلاثمئة مليون دولار على مدى عشرين عاماً، والاجابة مهمة على سؤال الوقت، لأن خروج الغزاة، دفع البعض في البداية للقول إنه اتفاق مع طالبان، لتقوم بمهام لفائدة المصالح الأمريكية في المنطقة، وهو التشكيك الذي لم يعد قائماً الآن!

إن هؤلاء الأسرى الذين حرموا من الطعام والشراب، تم وضعهم في فناء القلعة وهم مقيدون بالأصفاد بهدف اذلالهم قبل أن يبدأ الرصاص في حصدهم، وهم في الحالة هذه يهتف أحدهم أن موتوا ميتة الرجال، فاذا بهم يتغلبون على هذه الأغلال، ويهبون من هذا الوضع، ويشتبك أحدهم بالأيدي مع أحد قوات المارينز، ليتغلب فتى صغير على جراحه ويتمكن من الوصول لسلاح الجندي الأمريكي فيقتله وتبدأ عملية الاستيلاء على سلاح الحاضرين من القوات الأمريكية والأكثرية من قوات رستم، ليتمكن هؤلاء من السيطرة على القلعة تماماً، ويلوذ الآخرون بالفرار، في معركة خلفت جرحي كثيرين وإصابات مميتة، وقد اختفوا في خندق في القلعة وظلوا أياما بدون لقمة خبز أو قطرة ماء، وببندقية واحدة في يد أقلهم إصابة وهو وليد الحاج، وفي معركة لم تتمكن القوات الأمريكية من حسمها في مواجهة هؤلاء الجرحى إلا بالقصف العنيف بالطيران، وبالقنابل، وباستخدام المياه لإغراقهم، ليصطحبوا من بقي منهم على قيد الحياة إلى سجن غوانتانامو سيئ الصيت، وكان وليد من بينهم!

جاهزية أحمد منصور

لقد كان أحمد منصور جاهزاً – كما هي عادته -بالمعلومات المكثفة التي نشرت عن موقعة القلعة، في الإعلام الغربي، ومن شهود غربيين، حضروا هذه الجريمة، التي وعد الأمريكان أنفسهم بفتح تحقيق فيها إلا أنهم لم يفعلوا.

والمهم هنا أن «منصور» في مقابلاته لا يكون ضحية لتلاعب الضيوف، وقد كان «وليد» أكثر تواضعاً من أن يضلل أو يتلاعب، وهو في تواضعه وخجله يدفع المشاهد لأن يسأل: أهذا الفتى الوديع يمكن أن يكون طرفاً في كل هذه التجربة القاسية، وفي هذا الصمود الأسطوري؟ وهذا بيت القصيد للإجابة على سؤال الوقت!

ومهما يكن فأحمد منصور الحاضر بأوراقه ومعلوماته ليس مذيعاً هيناً، يقول من عملوا معه في الإعداد، إنهم يعدون له المعلومات الخام ليأخذها منهم ويقول لهم «توكلوا على الله»، وهي عبارة تعني إذن بالإنصراف فيسهر معها، يقلبها ويفحصها، ويضع أسئلته ويدون معلوماته.

وفي مصر نطلق على المنتج معداً، وفي اتصال السيسي بعزة مصطفى على قناة «صدى البلد»، اعتذر لها على أنه أخذ من وقتها الكثير، ولم ينس أن يعتذر للمخرج و»المنتج»، عندئذ أدركت أنه أصبح مهتما بتفاصيل العمل الإعلامي، لدرجة معرفته للمنتج، لكن من الواضح أن مجمل ثقافته جاءت له مكتوبة من الصديق الإماراتي، وربما تمت عبر قناة العربية (على قاعدة كتاب كيف تتعلم الإنكليزية بدون معلم)، حتى صار يعرف المنتج، بدلاً من المعد، بشكل يدفعنا لدعوته أن يمصر ثقافته التلفزيونية!

ما علينا، فقد اصطحب أحمد منصور الشاهد إلى سجن غوانتانامو، الذي يشبه سجون العالم الثالث، وهي سجون تنتمي للعصور الوسطى، فلم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية نموذجاً يحتذى ويعطيها الحق أن تعطي الدروس في مادة حقوق الإنسان، ورغم هذا كان صمود السجناء أسطوريا، بل إنهم لم يريدوا أن يتجاوزوا إهانة المصحف من قبل الجنود الأمريكيين، أو المبالغة في إهانتهم، فكانت عقوبة النووي ضد من يهين القرآن الكريم أو يمس عورة معتقل، والنووي هو سلاح فتاك، أوقف هذا العدوان، وأرهب الحراس، وذلك بقذف المعتدي بالغائط في وجهه، ومن يتطوع بذلك يدرك العقوبة القاسية في الحبس الانفرادي، لكنهم كانوا يفعلون، وهذه نوعية من البشر لا بد وأن تنتصر في النهاية، وشجاعة الشجعان رواها وليد الحاج بشكل مفصل!

إن إهانة المصحف لم تكن سوى امتداد لتصرف أمريكي آخر، عندما استغلوا، في معسكر الأسر في قندهار، أن أسراهم ظلوا أياما بدون طعام أو شراب، فقدموا لهم لحم خنزير، وهتفت فيه الجندية الأمريكية بأنه لحم خنزير فامتنعوا عن الأكل جميعا مع الرخصة الشرعية، وهي واقعة تجيب على السؤالين معاً، سؤال النصر، وسؤال النموذج؟!

التمسوا الإجابات على أسئلة الحاضر في حوار الماضي.

المُلا نوران سلام

لا أعرف إن كانت «بي بي سي» قد أسقطت من العمل بها وظيفة المنتج لأسباب مالية؟ لكن ما أعرفه أن هؤلاء الذين يقفون خلف الكاميرا ويوجهون المذيع عبر السماعة الخاصة، هم ستر وغطاء على كثيرين، لو تعطلت السماعة لتعروا أمام المشاهدين!

في الأسبوع الماضي قدمت «نوران سلام» حلقة من برنامج «بلا قيود»، لكنها مثلت قيداً على ضيفها من قيادات حركة طالبان، بسؤال انتحلت فيه صفة الملا، فاذا بها تفتقد للياقة، وتفتقد – لطوله – للمهنية، إذا كان طوله متراً، وهي تحدثه عن حقول المرأة، وهو يرجع هذا للشرع، فتجادله بالقول: «السؤال من يفسر الشرع في بلد به نسبة أمية كبيرة (ولنعترف بهذا) ولا يستطيع الإنسان فيه قراءة القرآن. أنتم (تحتكرون) تفسير الشرع في ما يختص بحقوق المرأة».

الحلقة ينقصها من يقوم بدور المذيع، لإدارة المناظرة بين الملا نوران سلام، والملا من طالبان!

وسوم: العدد 946