محكمة العدل الدولية .. لأن تأتي متأخرا نصف قرن.. خير من أن لا تأتي أبدا..!!

وأبدأ بتسجيل الشكر والامتنان والعرفان لدولتي هولندا وكندا، لتقدمهما برفع دعوى ضد بشار الأسد ونظامه على ما جنت أيديهم بحق الشعب السوري ...

وأثني بالقول إن عمر "الجريمة بحق الإنسانية" في سورية من عمر انقلاب الثامن من آذار  1963 أي ستة عقود، وما تزال,,

وأضيف وأؤكد أن "الجريمة ضد الإنسانية" في سورية المحكومة بالنظام البعثي الطائفي الأسدي، ارتُكبت بطريقة معومة ومعممة ضد كل الرجال والنساء المؤمنين بحرية الإنسان  من مفكرين ومبدعين وسياسيين ومتفوقين واقتصاديين، واتسعت دائرتها، لتشمل في مرحلة  ما البعثيين أنفسهم، والعلويين في أشحاص بعضهم، وقوى اليسار واليمين، وتلقى أقسى العقوبات وأكثرها شراسة، المسلمون على خلفياتهم الدعوية والفكرية والسياسية والمذهبية. كما شملت الجريمة التي ما تزال مستمرة، مواطنين من كل دول المنطقة بمن فيهم الفلسطينيون واللبنانيون والعراقيون وغيرهم، من جنسيات عربية وأوربية ومن هؤلاء مفكرون  وصحفيون وكتاب. ويسلم عليكم "مبشيل سورا " الصحفي الفرنسي صاحب كتاب  "الدولة المتوحشة" الذي باعته الدولة الفرنسية بثمن بخس. كما يسلم عليكم المواطن الكندي من أصل سوري، الذي سلمته الولايات المتحدة،  عام 2002 لوكيلها بشار الأسد لينوب عنها في تعذيبه حسب الأصول التي تأنف الأناقة الأمريكية منها..

ستون عاما والجريمة مستمرة، والعالم "سنطة" وقوانين العدالة الدولية محبوكة بطريقة لا تنال المجرمين.

ستون عاما مضت، وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، تنوء بعبئها إنسانية الإنسان في كل مكان، وتتجاوز بعمقها ومساحتها كل ما شهده التاريح الإنساني من محارق وهولكسات ومجازر حتى وصلنا إلى لحظة يقال فيها: وكأن قد,,!! فلا نار نمرود ولا أخدود ذي نواس، ولا جذوع نخيل فرعون، ولا ما جناه هتلر أو ستالين..

وفي التاسع عشر من الشهر الجاري شهر تموز 2023 ستجتمع محكمة العدل الدولية في لاهاي، تحت عنوان الأمم المتحدة، لتفتح ملف الجريمة المنتهكة لإنسانية الإنسان في سورية..ولعلها المرة الأول بعد الجريمة السبعين بأس سبعة وسبعين، كما يقول أهل الرياضيات. الجريمة المتمادية حسب متوالية هندسية قانون تعاظمها سبعة وسبعون.

وفي حين يصادر علينا البعضُ البشرى بتذكيرنا أن أحكام هذه المحكمة لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها المجرم المدان نفسه!! إلا أنه وبعد ستين عاما من الجدب سنستبشر ونتذكر مثلنا المبشر: أول الغيث قطر ثم ينهمر.

ومما يزيد تعلقنا بانفراجة الأمل هذه أنها تأتي في مرحلة "فتّحت فيها للمجرم الأبواب" وأصبح في مكانة "خطب الود" من بعض من كنا نظن ونخال!!

في التاسع عشر من الشهر الجاري ستجتمع محكمة العدل الدولية، بطلب من دولتي كندا وهولندا، لفتح ملف الانتهاك والتعذيب والكيماوي في بنية نظام الأسد، وستذاع المداولات والمطالعات وشهادات الشهود، ومرافعات المترافعين على الهواء، على منبر الأمم المتحدة نفسها، وباللغات المعتمدة فيها..

نعم قد تطول المحاكمة، ولكنها ستبدأ ، وستبدأ بالأوامر المباشرة والآنية بثلاثة أمور :

الأول: إطلاق سراح المعقلين على الخلفيات الفكرية والسياسة فورا..

الثاني: وقف كل أشكال التعذيب، المجرمة أصلا في جميع وثائق حقوق الإنسان.

الثالث: الأمر بالسماح للمراقبين الحقوقيين الدوليين، بزيارة السجون ومراكر الاغتقال، والاطلاع على أوضاعهم، وتأمين تواصلهم مع أهليهم، وكشف مصير المفقودين منهم...

لست نائما في العسل، و لا مستغرقا في حلم وردي، وأعجبني أن البرلمان الفرنسي قد أقر قانونا يطالب بتوسيع صلاحيات المحاكم الدولية.

ويشجعني علمي أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوةـ وأرجو أن تكون هذه هي الخطوة...

وأتوقع من كل سوري حر أصيل يرفض سلخ فروات رؤوس الناس، أن يسجل تحيته على طريقته لهذه الخطوة المكينة ...

"لم أبعث عمالي عليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذو أموالكم"

عمر بن الخطاب...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1040