في ظل لقاء الناتو، لعبة الأحلاف

سأحكي لكم من ذكريات صبي وفتى وشاب، قد لا يكون كلامي دقيقا. لن أحاول أن أوثق شيئا، بل سأجعل الكلام عفويا...

ونشأت في أوج استعار الحرب الباردة. وبدأت أعي السياسة وعمري ثماني سنوات. في الصف الثاني الابتدائي، ومع حرب السويس في مصر سنة 1956 كنت أحفظ أسماء ايزنهاور ودلس وخريتشوف كما أعرف القوتلي وعبد الناصر ونهرو وتيتو وسكارنو...

وكذا نشأنا أو نشّئنا على كراهية الأحلاف السياسية العالمية والمحلية، ورفضها، ونصفها بالعمالة. العالمية، مثل حلف الأطلسي "الناتو" وحلف وارسو، وكذا حلف بغداد ، وكذا ما سمي بعد "الحلف الإسلامي" حلف بغداد كان يضم العراق نوري السعيد وشاه إيران، والحلف الإسلامي دعا إليه الملك فيصل بن غبد العزيز مع شاه إيران..

في عصرنا عصر طفولتنا وفتوتنا أقصد شاعت فكرة "الحياد الايجابي وعدم الانحياز" ومع أننا كنا ندرك أن كل من في الكتلة منحاز، إلا أننا كنا نفرح بالعناوين. لا تظنوا الفرح بالعناوين أمرا بسيطا...

أتذكر من عالم السياسة في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات، قيادات من مثل عبد الناصر، وجواهر لال نهرو الرعيم الهندي، وكذا جوزيف تيتو الذي حكم يوغسلافيا الموحدة بدكتاتورية مطلقة، وأبعدها عن قبضة السوفييت وحلف وارسو,, في ذاكرتي أن هؤلاء الزعماء الثلاثة هم الذين رعوا وأسسوا كتلة عدم الانحياز التي كانت شكليا الأكبر في العالم..

وفي ذاكرتي أيضا مؤتمر كان عنوانه "مؤتمر باندونغ" عقد في أندونيسيا بمشاركة عبد الناصر ونهرو والزعيم الأندونيسي أحمد سوكارنو، وكان على طريق "الحياد الإيجابي" وعدم الانحياز.

في ذاكرتي عندما قرأت مذكرات خالد العظم أنه كان أول من طرح فكرة التأرجح على حبال الحرب الباردة. وأن جمال عبد الناصر اقتنصها منه. هكذا زعم . لم أكمل قراءة مذكرات هذا الرجل لكثرة تبجحه وخلقني الله لا أحب المتبجحين. الحياد الايجابي كانت مهربا، بعد أن كانت الأنظمة العربية، قد وضعت نفسها في سلة الولايات المتحدة.

الاستثمار في فضاءات الحرب الباردة نوع من السمسرة. يباع الموقف لمن يدفع أكثر. عمليا تقول العامة في بلدنا "حلال على الشاطر" . الذين علمونا الفقه كانوا يتوقفون كثيرا عند هذه العبارة، ويحذرون منها بل يلمزونها ويغمطون أصحابها..

هناك فتوى أو فقه حنفي قائم بذاته، لا يستوفي معايير المثالية التي تربينا عليها، ربما يخدم بعض الناس. ولكنني لا أريد أن أفتح على نفسي نافذة تأتيني منها الريح...

السمسرة على حساب الناتو الذي تجتمع قيادات 48 دولة في إطاره اليوم، ويحضر اجتماعه نحو من أربعين رئيس دولة ، هل هي جائزة شرعا...؟؟!!

قال سيدنا عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا...وقال الحنفية : بعض الآحكام تتبع الدار..

هذا يوم كان العالم يقسم لأكثر من دار ...

وتحقيق مصلحة إذا تأكد أنه على حساب مفسدة مؤكدة تلحق بمسلم ، فكيف يمكن للأمر أن يكون؟؟ تخربطت الأوراق جدا وما عدنا نعلم كيف نقول..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1040