هل نستطيع بل هل نطيق التفكير الاستراتيجي، في مصيرنا، ومصير شعبنا ووطننا !!؟؟

وربما قبل أن ألقي ضوءً على هذا السؤال..

أجيب عن نفسي: قد لا أطيق فعل ذلك، وإن أطقته، ربما لا أجرؤ عليه!!

وقد حمتُ حول هذا السؤال طويلا منذ ٢٠١٣، فقدمت وأخرت، وكنيت وما صرحت) ولم أجرؤ من قبل على طرحه..ولا أزال لا أطيق مثل كثير منكم الجواب المباشر عليه!!

لقد دندنت حوله طويلا، ومنذ بدأ من حولنا يلملمون أوراقهم فيما يحدث لنا، وعلينا..

لقد أيقظ عفاريت هذا السؤال عن الاستراتيجية، منطلقاتها وأبعادها وآفاقها، تصريح للسياسي الأمريكي التسعيني، الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في سورية منذ الخمسينات؛ يقول على إحدى الفضائيات: "استراتيجيتنا في سورية هي الانهاك المتبادل" بمعنى تسليط بعض السوريين على بعض؛ لإنهاكهم أو لتدميرهم وإهلاكهم"

ثم ما تبعه من عفو عن خط أوباما الأحمر مقابل عملية تدمير، الحديث الاستراتيجي عنها قد يطول..

كان كل هذا في الوقت الذي كانت فيه غرف الموك والموم، والداعمون متعددو الجنسيات، يغدقون المال على ما سميناه الجيوش والفصائل الثورية، وكان فيه - الوقت عينه- بشار الأسد يستخدم السارين والكلور ويحشو براميله الغبيه لقتل المزيد من السوريين، وتدمير المساحة الأكبر من العمران السوري. وبيع أو رهن ما بيده من المقدرات السورية، لمساعديه في عمليتي التقتيل والتدمير!!

وفي الحديث الاستراتيجي، عن "الإنهاك المتبادل" أو "الإنهاك البطيء" ألقى البروفسور الاستراتيجي الأمريكي "ماكس مانورارينج" محاضرة في إسرائيل بتاريخ ١/ ١٢/ ٢٠١٨/ زاد الأمر فيه تفصيلا؛ فقد نعى بالنسبة للأمريكيين، أساليب الحرب التقليدية، وتحدث عن اعتماد أسلوب "الإنهاك والتآكل البطيء" بتسليط أبناء الشعوب على أنفسهم، باللعب على تناقضاتهم. الداخلية. مهما كانت عادلة أو ظالمة، محقة أو مجحفة.

الانهاك البطيء الذي يحول الدولة القائمة رغم كل مآسيها، إلى دولة فاشلة، بكل ما يعنيه مصطلح الدولة الفاشلة، من معنى.

وهذا ما نراه اليوم في سورية ، على الضفة أو الصفّة التي يزعم المتسيدون فيها أنهم منتصرون!!

السؤال الاستراتيجي الذي يجب أن يفرض نفسه:، من الذي كان يجب أن يتفهم اللعبة، من لحظاتها الأولى، فيصادرها؟؟

بالطبع المطلوب منه ذلك هو المسمى رسميا وعمليا رئيس الدولة، مع الزعانف السورية التي أعانته على حربه، ولكنهم وإذ لم يفعلوا، وارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات الجريمة الدولية، والمؤامرة الكونية، كما كان يسميها بشار الأسد، وهو منهمك بوعي أو بغير وعي فيها، ومحقق لأهدافها!!

اليوم المشهد السوري على ضفتيه وصل إلى قرارته، ويزعم البعض أنه منتصر، ويزعم الآخر أنه ما زال قادرا على الانتصار، من سواليف المجالس، التي تقضى بها السهرات.

الأمريكي وحده حتى الآن، هو الذي يعتقد أنه ما آن الأوان لتصل حرب الانهاك إلى نهاياتها، فلا يزال بعض السوريين يجدون الرغيف.

سؤالي الأصعب، والذي قلت منذ البداية: إنني لا أطيق طرحه على المستوى الاستراتيجي، ولا أجرؤ أصلا الجواب عليه، إن أصبت بعض الحق فيه؛ فماذا كان على الفريق الآخر أن يتصرف؟! وما هي الاستراتيجية العاقلة الرشيدة التي كان وما زال يجب عليه، أن يتبنى؟!

معنى التدبر الذي أمرنا به القرآن الكريم: النظر في أدبار الأمور، يعني مخرجاتها، يعني خواتيمها، في قواعدنا الفقهية: الأمور بخواتيمها..

ثم هذا تشبيه بلاغي استعرته دائما لتنبيه الزعانف التي ما تزال تفتك بالجسد السوري العام: الخلايا السرطانية التي تنتصر على جسد صاحبها، تموت بموته..

لعلكم تعقلون..

ولعلي لا أطيق الكلام أكثر وإن كنتم تطيقون..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1044