إسرائيل .. فشل وشلل وحيرة خيارات أمام المقاومة الفلسطينية

لا تكف آلة المقاومة الفلسطينية عن الدوران  الذي يفاجىء كل التقديرات بثباته وتصاعده متحديا كل ما تقوم به إسرائيل من اقتحامات متكررة للمدن والمخيمات التي يكثر فيها دوران تلك الآلة مثل جنين ونابلس والقدس والخليل وأريحا  وطولكرم .، ولا يفوتنا مغزى انضواء المدينتين الأخيرتين ، أريحا وطولكرم ، إلى فاعلية آلة المقاومة منذ عام ، وهذه إشارة قوية إلى تصاعد دوران تلك الآلة ، واستحالة توقفه أو هدوئه مثلما تشتهي إسرائيل وتحلم ، وتستغول عنفا وشراسة في محاربة المقاومة أملا في تحقيق ما تشتهيه وتحلم به . في 72 ساعة ،  السبت والاثنين ، قتل مستوطنان في حوارة جنوبي نابلس ، وقتلت مستوطنة في الخليل وجرح 6 مستوطنين ، منهم زوجها الذي صنفت إصابته تصنيف خطورة . ومساء  الأحد ، كاد الفلسطينيون يفتكون بمستوطن في ترمسعيا القريبة من رام الله لو لم تنقذه القوات الإسرائيلية بعد   إحراق سيارته . وحدوث العمليات الثلاث في ثلاثة أيام متواصلة لا فاصل زمنيا بينها يبشر بعمليات جديدة متقاربة زمنيا ، ويؤكد أن دوران آلة المقاومة الفلسطينية يشتد سرعة ، وتطورا في كفاءة الأداء وتوفير احتمالات السلامة للمنفذين لحظة العملية وبعدها رغم كثرة الجنود الإسرائيليين والمستوطنين المسلحين وكاميرات المراقبة في الأماكن التي تحدث فيها العمليات . وتقف إسرائيل الآن في دائرة ضيقة خانقة من الفشل والشلل وحيرة الخيارات أمام المقاومة الفلسطينية المتحدية المتصاعدة . جربت كل وسائل الشدة ضدها في اقتحامات برية وجوية متلاحقة ، وكلما أملت بنجاح اقتحام في وأد المقاومة في مكان ما صدمها اشتدادها فيه بعد الاقتحام ، وامتدادها إلى أماكن أخرى عرفت بهدوئها وندرة العمليات فيها . ويتجادل الإسرائيليون جدالا صاخبا متوترا حول خطورة عمليات المقاومة على احتلالهم الاستيطاني في الضفة والقدس ، بل على مصير دولتهم ، ويقترح بعضهم ، مثل الأحمقين سموتريتش وبن غفير ، مزيدا من الاقتحامات الواسعة للمدن والمخيمات والقرى الفلسطينية . ويصب آخرون نار غضبهم على المستوطنين الذين يستفزون الفلسطينيين باعتداءاتهم المتكررة عليهم كأن هؤلاء المستوطنين يتصرفون منفردين عن الجيش ودون تنسيق معه ، ومما يلومون عليه المستوطنين دخولهم المدن والقرى الفلسطينية للتسوق فيها استرخاصا لأسعار البضائع والخدمات  موازنة مع أسعارها العالية في الداخل الفلسطيني المحتل ، وهو ما فعله المستوطنان ، رجل وابنه ، اللذان قتلا في حوارة في مغسلة سيارات دخلاها لغسل سيارتهما . والهزل والسخف ما فسر به تساهي هنجبي مستشار الأمن القومي سبب عمليات المقاومة . في رأيه الهزلي السخيف أن إيران هي التي تحرك هذه المقاومة التي سماها إرهابا ، وأنها ، إيران ، تفعل هذا انتقاما من الضربات " الموجعة " التي سددتها لها إسرائيل ! يحجب بصره وبصيرته متعمدا  مخادعا لنفسه ولكيانه ولمستوطنيه عن السبب الأصلي الشرعي للمقاومة الفلسطينية الذي هو اغتصاب كيانه للوطن الفلسطيني ، واقتراف كل صنوف الجرائم ضد شعب هذا الوطن . ويدانيه في هزله وسخفه  الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد حين يفسر تصاعد العمليات الفلسطينية باستمرار الانقسامات الإسرائيلية ، وتكثيف حماس والجهاد الإسلامي لنشاطهما في الضفة ، وتهاوي السلطة الفلسطينية . يبتعد مثل هنجبي عن السبب الأصلي الشرعي  للمقاومة الفلسطينية ، وكل مقاومة في العالم . اتواصوا به ؟! نعم تواصوا به في روايتهم المختلقة الباطلة من ألفها إلى يائها ، وليس لديهم الشجاعة الأخلاقية للاعتراف باختلاقها وبطلانها لما يترتب على الاعتراف  من تداعيات سياسية كبرى تتصل بوجود كيانهم كله في الوطن الفلسطيني ، بَيْدَ أن هذه الخلطة المكثفة من الهزل والسخف يناوئها رأي ذو رشد وعقلانية ، هو رأي رام بن باراك من حزب " يوجد مستقبل " الذي شغل سابقا منصب نائب رئيس الموساد ، ومنصب رئاسة لجنة الشئون الخارجية والأمن في الكنيست . يرى باراك أن الحل للمواجهة في الضفة هو الانسحاب منها ، ووقف سيطرة إسرائيل على " مليوني فلسطيني " ، وواضح من العدد الذي ذكره أنه مثل بقية الإسرائيليين يؤلمه الاعتراف علنا بكثرة عدد الفلسطينيين في فلسطين ، وتفوقه على عدد الإسرائيليين ، وطبعا يعترفون به في وثائقهم السرية  وخططهم ، ويجتهدون للتقليل من خطورته المميتة على مستقبل كيانهم . وفي هذا العام ، أعلن مكتب الإحصاء الوطني الفلسطيني أن مواطني الضفة ثلاثة ملايين وربع  . وسيوالي الإسرائيليون جدلهم حلا لمأزقهم التاريخي الذي حشروا أنفسهم فيه ، وسيواصل الفلسطينيون مقاومتهم الباسلة في صلابة وبسالة حتى يخرجوا الإسرائيليين من مأزقهم بطردهم نهائيا من الوطن الفلسطيني ، وبذلك يصنع الفلسطينيون إنجازين  تاريخيين كبريين : تحرير وطنهم ، وتحرير أعدائهم  الإسرائيليين من التوابع المهلكة لروايتهم المختلقة الباطلة عن حقهم في الوطن الفلسطيني ، وسيكون الإنجاز الثاني من عجائب التاريخ حيث ينقذ المظلوم ظالمه من شروره وموبقاته التي سلطها عليه لمحوه من الوجود ؛ تلك الشرور والموبقات التي قالت جولدا مائير إن إسرائيل لن تغفر للفلسطينيين دفعهم إياها لاقترافها في حقهم ! نذالة فريدة في تسويغ الشرور والموبقات ، وتبرئة الذات المعتدية المجرمة الملطخة الأنياب والمخالب بدماء الضحية .      

وسوم: العدد 1046