في حكم إشغال الناس عن فرض وقتهم

من مصطلحات الفقهاء "الوقت المضيق" والوقت المضيق، هو بقية الوقت الذي لا يتسع لغير ما شرع له.

الوقت الموسع لقضاء فريضة الظهر مثلا، هو في الوقت الممتد من لحظة الزوال، حتى يصير ظل الشيء مثله أو مثليه..

فإذا افترضنا أن رجلا تراخى في أداء فريضة الظهر، حتى بقي دقائق معدودة لدخول وقت العصر، فهذه الدقائق هي الوقت المضيق الذي لا يصح فيه من الأعمال غير أداء الفريضة الذي ضاق وقتها، وتعينت له.

وإذا أخذنا بمذهب الأحناف بالأحكام السبعة، نستطيع أن نتصور أن للأوقات، فرض وقت، وواجب وقت، ومندوب وقت..ويقابل واجب الوقت ما يحرم، فمن جلس يأكل في وقت الظهر المضيق، والذي لم يؤده فأكله في ذلك الوقت حرام..وهكذا..

وعلى هذا فيكون إشغال الوقت المتعين لفرضه، بما دونه من الأحكام، وإن كانت مندوبة أو مباحة في أصلها؛ هو من التفريط…

وينشأ عن هذه المسألة مسائل في تزاحم الفروض والواجبات والمندوبات على الأوقات، وكذا حين يزدحم الفرض العيني والكفائي!! مثلا أؤدي الظهر في وقته المضيق، أو أنقذ غريقا، لا ينقذه غيري، أو أطفئ حريقا لا يطفئه غيري…مع العلم أن الكفائي إذا تعين، لم يعد كفائيا بحق من تعين عليه، وهذه قضية من نفيس العلم تخفى على الكثيرين!!

وما أكتبه هنا ليس فذلكة فقهية في هذا الوقت المشحون بالفروض والواجبات من وقت الأمة..ولاسيما أهل الشام من العريش حتى القامشلي، نسينا حتى اسمنا وعنواننا، ورحنا نردد سورية وفلسطين!! وبعض يبكي غزة وبعض يبكي حلب وإدلب!!

ويتلقى أحدنا في كل يوم، عشرات الدعوات لمحاضرات وندوات هي من نوافل الوقت والعلم معا..

منذ سنوات، مع ضعفي، ألح على هذا، وألح على ضرورة أن نشتغل على واجب وقتنا، وحكيت أكثر من مرة حكاية صبيغ بن عسل أو عسيل؛ الذي ضربه عمر مرة بعد مرة، لأنه كان يسأل المجاهدين عن تفسير بعض المتشابه م القرآن!!

يجيبني أخ : ماذا يفعل من لا يعرف غير فقه إسباغ الوضوء، وأن الوسادة والطيب لا يردان..

أقول يصمت، ويتحول من معلم شاغل للناس بما لا ينفعهم في وقتهم الذي هو فيه، إلى متعلم يبحث عمن يجمع الناس على المهم من أمرهم، فيتعلم منه ويجمع الناس عليه، لا يشتتهم عنه…

وأضيف هنا ويعقل العقلاء أن لهم من فرض وقتهم وواجبه ما هو يومي وما هو أسبوعي وما هو شهري أو فصلي..

وشغلنا اليوم على هذه القضايا فقط، وشغلنا هذه الأيام - نحن أهل الشام- على ما يدور على أهلنا في الشام..

والحديث عن ترجمة الشيخ ابو الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى، يمكن أن نتعلمها في غير هذا الزحام.

أحكي لكم أنني ازددت حبا لهذا الإمام عندما علمت أنه كان في جند مدينة المنصورة، عندما أسرت المنصورة بحسن صنيعها لويس التاسع ملك فرنسا. وحجز في قيده في دار ابن لقمان، وتوكل بحفظه الطواشي صبيح…

إن العلم الذي لا ينفعنا في يومنا الضيق، في موقفنا الضنك، وقد ضاق الحبل على الودج تعلمه لا ينفع..

وإن الجهل الذي لا يضرنا فيما نعانيه في يومنا هذا، هو من الجهل الذي لا يضر…

فسيروا على سيري فإني ضعيفكم

وراحلـــتي بيــــــن الرواحـــــــل ظالـــــع

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1054