الكرة من ملعب الفقهاء إلى ملعب العلمانيين

طلع علينا كعادته الموقع المشهور بالدعاية الرخيصة لما يسمى التوجه  العلماني التنويري  بمقال تحت عنوان : " الكرة في ملعب الفقهاء " ، وهو لأحد  أصحاب هذا التوجه الذي يكرس معظم  مقالاته في ذات الموقع  للنيل من  العلماء ،والدعاة ، والخطباء ، وأسلوبه في ذلك التغطية الماكرة على الاستهداف المباشر للإسلام عن طريق استهداف المشتغلين به فكرا ، أوعلما ، أودعوة ، أونصحا ، أو وعظا وإرشادا . وعلى مثل هذا الأسلوب الماكر الذي لا مندوحة للعلمانيين عنه يقيمون  قاعدة لهم مفادها  : " ما لا يتم النيل من الإسلام إلا به ،  يجب النيل منه " . وأيسر المسلك عندهم للتعبير عما يضمرون للإسلام من عداء تصريحا أو تلميحا ، وأقصر جدار يتسلقونه  كما يقال ، هو التعريض بكل من يتحدث باسمه . وكل ما لا يستطيعون التصريح به من عداء لهذا الدين ، في بلد إمارة المؤمنين، البلد المتدينون المحافظون أهله، يسوق عندهم  عبر استهداف  كل من أو ما يمت إليه بصلة . و صاحب هذا المقال ، وعلى غرار شريحته من العلمانيين الذين يعد الموقع المشار إليه حاضنتهم الأولى ، ومسوق فكرهم ، اغتنم صاحب هذا المقال فرصة إجراء مباريات كأس إفريقيا لكرة القدم ،لاقتناص من لهم صلة بالإسلام ، لأن مواسم قنص العلمانيين لهؤلاء مفتوحة في كل وقت وحين ، خلافا لمواسم قنص الطرائد .

و لقد عاد العلماني قنّاص الفقهاء أو الدعاة  من جديد إلى ظرف إجراء مباريات كأس العالم في قطر ، لينال منهم ، وسنسوق بعض عباراته  التي استهدفهم بها وهي كالآتي :

   " أمام انتشار كرة القدم وشغفِ شعوب الدول الإسلامية بها لم يَعُد شيوخ التطرف قادرين على الإعلان صراحة عن تحريمها كما فَعل أئمتُهم مِن قبل. لكنهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي بحجة عموم البلوى واتساع الخرْق على الراتق، فأخذوا يسلكون طرقا ملتوية وتكتيكات مراوِغة للترويج لأطروحاتهم واستمالة الناس إلى آرائهم الشاردة ".

" تفتَّقَت أذهانهم عن أفكار شيطانية تحْمل الناس على الإصغاء لأئمة الضلال والانصياع لدعوتهم؛ وما أكثر الأبواق المخادعة التي تضادُّ الرأي العام السائد كأهداف تسجَّل ضد المرمى وعكس مجرى اللعب! وما أشدَّها على المواهب الشابة حين تجرُّها إلى الخلف وتبعدها عن مِنَصات التتويج. "

" أثناء إقامة كأس العالم بقطَر أخذ دعاة الرجعية يُشَنعون على كل من يشاهد المباريات على الشاشات أو يسافر ليتابعها على الملاعب مستعمِلين في ذلك قياسات خاطئة واستدلالات مُموِّهة. "

 "افتراءات الشيوخ كانت تنْبَني خاصة على مغالطة القسمة الثنائية الزائفة، منها قولهم: “ذهب الناس إلى قطَر لمشاهدة مباريات المونديال ولم يذهبوا إلى مكة لحج بيت الله الحرام. "

" كانوا يُصِرون على وضع المقهى في مواجهة المسجد مُردِّدين: “لقد جلسوا في المقهى لمتابعة كرة القدم ولم يحضروا صلاة الجماعة في المسجد”، على اعتبار أن المساجد تكون مملوءة عن آخرها خارج أوقات “المونديال”! بل منهم من لجأ إلى التكفير المقَنَّع عندما قال بشأنهم “واش دابا هادو مسلمين؟ "

" وهكذا قالوا بنِيَّة التضليل الفقهي: “خرجَ المَفْتونون بكرة القدم إلى الشوارع فرَحا بفوز المنتخب ولم يخرجوا لصلاة الاستسقاء" .

 "ومما يؤخَذ أيضا على فقهائنا السُفِسْطائيين قولهم: “تَجد الشاب يحفظ أسماء اللاعبين، ولو سألتَه عن اسم صحابي ما عَرَفَه”؛ وهُمْ بذلك يتصورون ذاكرة الإنسان مكوَّنة من خانات لا تَسَع إلا فئةً واحدة من الأسماء، سُرْعان ما تمتلئ وترفض المزيد " .

" أما في كأس العالم للسيدات فقد ارتفعت أصوات التيارات المغردة خارج السرب إلى أقصى مدى، خاصة تلك التي تكرس هيمنة الرجل وتهميش المرأة. ومن الجدير بالذكر هنا أن شيوخ التطرف يرَوْن أن كأس العالم مَحْفل شيطاني تقف وراءه الماسونية والصهيونية العالمية، وأن المرأة -صوتا وصورة- هي السبب الأساسي وراء كل فتنة عظيمة؛ فكيف بهما إذْ يجتمعان في “مونديال” السيدات؟"

" فلا عجب إذن أن يقول أحد الفقهاء الذين يُميِّعون الدين بتسطير التقسيم الجنْدَري في العقول “مَن بارَك لِفوز منتخب النساء فقد رضِي أن يَعصيَ الله " .

" هذه الفتوى فتحت المجال لمواصلة زرع الفتنة بين الناس، حيث أعلن أحد المشايخ الاحتفالَ بإقصاء المنتخب المغربي للنساء ،طبعا هلَّل الأتباعُ لموقف شيخهم وفرِحوا بإقصاء “لبؤات الأطلس” على صفحاتهم المعزولة في العالم الافتراضي " .

 " واستعمل آخرون مغالطة المنحدَر الزلق عندما اعتبروا متابعة النساء للمباريات في المقاهي قلة حياء تجرُّ حَتْمًا إلى ما لا تُحمد عقباه، وكأن أوضاعهن في أماكن أخرى كالحافلات والسويقات أفضل حالا ".

" لم ينطفئ شغبهم برؤية الحجاب والسجود على رقعة الملعب، إذ كثُرَ لغطهم حول شروطهما وضوابطهما الشرعية بإغراق الساحة الدعوية المغربية بالفتاوى المهربة من الخارج التي لا تراعي مقاصد الشريعة ولا تقِيم وزنا لتَديُّن المغاربة " .

 " صراحة، أعجب لهؤلاء الذين لا يَجدون في خريطتهم الفقهية مكانا للمستطيل الأخضر، حيث تُزرع الروحُ الرياضية المؤلِّفة بين الشعوب وتتجلى الروح القتالية النابعة من حب الوطن. ولا أدري لِمَ يُكِنون كل هذا الكُرْه للساحرة المستديرة " .

"  كان الصحابة رضي الله عنهم يتجنبون سؤال رسول الله عن الأشياء التي يسكت عنها. أما الآن، فإن الفقهاء الذين يمتلكون مهارات فردية في اللعب بالعقول يرحبون بكثرة السؤال، ربما لكسْب المزيد من المتابعين والحصول على أجر عظيم " .

"  وبخلاف هؤلاء الخُنْفُشاريين الذين يتكلمون في كل شيء بالباطل هناك العلماء الحقيقيون، الذين يتَوَرَّعون عن إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة، ولا يتكلمون في سفاسف الأمور، ويعتقدون أن الأصل في الأشياء الإباحة " .

"  وإذا بقيت الأمور على هذا المنوال، سيأتي عصرٌ يتحدث فيه الناس عن إجماع الفقهاء على ما نراه اليوم آراء متهافتة؛ هذا ما حدث في الماضي وسَمَّوه الإجماع السكوتي " .

" الكرة الآن في ملعب الفقهاء؛ فتسلُّطُ تجار الدين الذين انسلخوا عن الدعوة إلى الله وانخرطوا في التنمر على اللاعبات واللاعبين وجماهيرهم قد يضع مستقبل الرياضة في كف عفريت ".

هكذا أجرى الخُنفشائي العلماني الذي يدعي معرفة أمور الدنيا والدين مباراته ضد من انتقدهم  من الدعاة ، وقد تركز لعبه في محيط مرماهم ، وفي اعتقاده أنه سجل عليهم أهدافه  التي رغب في تسجيلها ، و في الأخير رمى بالكرة في ملعب غيرهم ممن نزههم عما سماه سفاسف الأمور ، وممن يجعلون الأصل في الأشياء الإباحة  على الإطلاق دون قيود  ، وهو ما يوافق أهواء العلمانيين الذين يستبيحون كل المحرمات ويحلونها  تحت  ذريعة استعمال هذه القاعدة التي وضعت للحق ، لكنهم حوّروها لخدمة باطلهم .

ومع أن في سرد أقوال هذا الخُنفشائي ما يكفي لبيان نواياه المبيتة ، فلا بأس من رد الكرة إلى ملعبه  ومحيط شبكته من  خلال وضع خُنفشائيته أمام  محك نصوص القرآن  الكريم ، والحديث النبوي الشريف كي يثبت لنا أن الأصل في العلمانية الإباحة  أيضا .

 ـ يقول الله تعالى في سورة المنافقين  : (( يا أيها الذين آمنوا لا تلهيكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )) .  فهل من يدعو إلى الاستجابة لهذا الأمر الإلهي ، يضع مستقبل الرياضة في كف عفريت ؟  وإذا لم يقبل الله تعالى أن تلهي الأموال والأولاد عن الصلاة ، وهي أهم من كرة القدم  في سلم الأولويات الشاغلة للناس ، فهل يقبل أن يلهي مجرد اللعب واللهو عنها سواء في الملاعب أوفي المقاهي أو في غيرهما ؟ وهل تنفع هنا قاعدة : " الأصل في الأشياء  الإباحة "  التي تذرع بها الخُنفشائي العلماني مبتذلا استعمالها ؟

ـ ويقول الله تعالى في سورة آل عمران : (( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ))  ، وهنا نسأل صاحبنا الخُنفشائي ، ما قولك فيمن صرف ثمن مال يعدل مال فريضة الحج لحضور المونديال في قطر، وهو بلد على مرمى حجر من الكعبة المشرفة ، ولم يستجب لأمر ربه في إقامة الركن الخامس من أركان الإسلام ، وهو عليه واجب ، مع أنه محسوب على هذا الدين ؟

ـ يقول الله تعالى في سورة النور : (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ...)) الآية  ، ونسأل الخُنفشائي  أيضا هل خبرتك العلمانية فوق خبرة الله تعالى بما يصنع الرجال والنساء إذا ما اجتمعوا في أماكن ، سواء  كان ذلك في ملاعب كرة القدم أو في  المقاهي أو في الأسواق أو في غيرها . فإذا كان الله قد قيد أبصارهم بالغض ، وإن كانوا في أقدس الأماكن ، أوفي أماكن تدعو الضرورة إلى ارتيادها من مشاف، وأسواق .... وغيرها  ، فكيف يطلقها في ملاعب كرة القدم أو في المقاهي  حيث الأجواء أجواء لهو ولعب، تسمح بالتواصل غير المشروع ؟وقد قال الله تعالى لنساء النبي أمهات المؤمنين في سورة الأحزاب  : (( ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا )) ، فهل النساء اللواتي يرتدن الملاعب والمقاهي لمشاهدة مباريات كرة القدم  وسط الرجال، وبين الأجساد تماس ، والأجواء أجواء لهو ولعب وتبادل النظرات والابتسامات ، والعبارات الصادرة عن مرضى ومريضات القلوب ، وعبارات الفحش الصارخ هن أتقى من نساء النبي اللواتي أمرن بهذا الأمرالإلهي صيانة لحرمتهن ، ولحرمة كل مؤمنة بعدهن إلى قيام الساعة  ؟  وهل تصح هنا قاعدة " الأصل في الأشياء الإباحة " ؟ وهل كل مسكوت عنه مهما كان خروجه عن تعاليم دن الله عز وجل، يمنع السؤال عنه  اقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لم يكونوا يسألون تحديدا عما منعهم الله تعالى من سؤال نبيهم عنه؟ ألست بهذه المقارنة الفجة التي لا تستقيم لا شرعا ولا منطقا أيها الخُنفشائي  خالص الخُنفشائية التي ترمي بها غيرك دون خجل ؟

ونسأل الخُنفشائي أيضا، هل تستطيع أن تثبت  لنا أن الماسونية والصهيونية بريئة من ركوب مجال الرياضة لبث سمومها ، وهي التي تقتحم كل مجالات الحياة  في كل المعمور ، و هي التي يسبح العلمانيون أمثالك بحمدها بكرة وأصيلا، وهي من تصدر العلمانية ، ويحتضن من يلوذ بها  ؟      

ـ  ونسأله كذلك، إذا كانت صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع أهل العلم ، فهل يستقيم عند  محسوب على الإسلام  أن يخرج في تظاهرة رياضية ، بينما يتخلف عن سنة مؤكدة ، وهي عبارة عن فرصة إعلان توبته من المعاصي ، والتضرع  إلى خالقه سبحانه وتعالى من أجل استدراررحمته ، وغيثه الذي تتوقف عليه لقمة عيشه ؟

وأخيرا نقول للخبير في الخُنقشائية ألا ترى أنك بما رميت به الدعاة والفقهاء والخطباء إنما هو استهداف صريح لدين الله عز وجل ، وأنك لا تملك الشجاعة للكشف عن ذلك ،ولهذا تتسلق أقصر جدار في ظرف مُكّن فيه لعلمانيتك كل التمكين كي تصول وتجول ، وبذلك صرت تلعب بكل حرية في مرمى غيرك ، في حين نجدك تزبد وترغي حين يلعب غيرك  في مرماك  بل تجرم من يفعل ذلك ، وتحرض عليه ، وتصفه بأقبح النعوت من ظلامية وقروسطية ، وإرهاب ... إلى غير ذلك مستأثرا بصفات التنوير ، والتحرر ، والتحضر ، والتفتح ... مموها بمثل هذه النعوت عن كل أنواع العار والخزي من دياثة تعبرعنها شعارات العلمانية الداعية إلى قذر الرضائية والمثلية وغيرهما من الآفات الخطيرة  التي تحط من الكرامة الآدمية، مستهدفة بذلك خصيصا الهوية الإسلامية العصية عليها  وهي من تشغلك أنت وأمثالك كعرابين لكل مسخ من مسوخها المستقذرة ، وقد رضيت بأن تلعب أنت وأمثالك هذا الدور المهين .

ولا تزايدن أيها الخُنفشائي على  الصادقين ممن يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالمترسمين المحسوبين على الدين  خشية فقدان رسمهم المرسوم لهم .

وسوم: العدد 1066