حكم البيادة !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يمكن أن نتفهم لماذا رحبت أحزاب ساويرس والأقلية الطائفية بالانقلاب العسكري الدموي الفاشي ، وأطلقت الزغاريد تحية له ، وأنفقت الملايين من خلال منشئها شماتة في تعطيل الدستور ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه واختطاف الرئيس المنتخب وحل المجلس التشريعي القائم وإغلاق القنوات والصحف الإسلامية واعتقال قيادات الإسلاميين .. ولكننا لا نفهم لماذا تبارى الشيوعيون والناصريون والليبراليون والمرتزقة في الترحيب بالانقلاب الدموي الفاشي ، وفاقوا في ترحيبهم أحزاب ساويرس والأقلية الطائفية المتمردة ، بل تطوعوا في خسة واضحة في التشهير بالأسرى المعتقلين من القيادات الإسلامية ، ودعوا إلى محاكمة الإسلاميين جميعا محاكمات عسكرية فورية وإعدام الإخوان المسلمين ، ومصادرة أموالهم وثرواتهم وعزلهم من الحياة السياسية والاجتماعية .

الخسة الشيوعية الناصرية الليبرالية الارتزاقية تؤكد أن كل ما يزعمونه من حديث عن الحرية والديمقراطية والمشاركة وعدم الإقصاء هو كذب فاجر لا أساس له في الواقع ، فضلا عن أنه فضح مزاعمهم عن الحرية والديمراطية التي صدعونا بها عقودا طويلة ، فقد تهافتوا على خدمة البيادة بأي ثمن يمكن تقاضيه ، كما نرى ما يفغلونه في الصحافة والإعلام وتشكيل الوزارة إزاء المناصب التي يغدقها العسكر على من يقف بجانبهم ويروج لهم .

إن حكم البيادة لا يعنيه أمر الحريات ولا الأخلاق ولا الدستور ولاالقانون ولا القسم على القرآن الكريم ، وقد عاشت مصر تحت حكم البيادة منذ ستين عاما ، فعرفت مطاردة الإسلام وشطبه من التعليم والإعلام والثقافة والصحافة والمجتمع ، وعانت من تحريمه على الناس كي لا يؤمنوا به عقيدة وشريعة ودينا ودنيا وعبادة وعملا ، ثم واجهت تحريض أجهزة الدعاية على تشويه صورة المسلم وشيطنته ووضعه في صورة الإرهابي الدموي الذي يكره الحياة والبهجة ولايتحاور مع الآخرين لأنه جاهل وغبي وشرير وسفاح ، ومتطرف ومتشدد ولا يقبل بالآخرين .

لقد اخترعت البيادة ما يسمى الإسلام الوسطي والإسلام المعتدل ، ومفهومه أن تفرط في  دينك وأن ترفض تطبيق الشريعة ، وأن تخضع لأهل الأديان الأخرى في قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم ، وتنبذ ما يسمى الحلال والحرام ، وأن تعيش وفقا لما يريده العالم غير الإسلامي في سلوكك وحركتك وعملك . ومن أعجب ما نراه الآن من بعض من تم غسل أمخاخهم على مدى عقود أنهم يعتقدون أن المسلم كائن خرافي متوحش لا  يجوز الثقة فيه أو الاطمئنان إليه .

كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير فرصة ليشاهد الناس الإسلاميين على أرض الواقع ، فوجدوهم عناصر بشرية إنسانية مثل بقية خلق الله  يتميزون بالرغبة في خدمة الناس والتفاعل معهم وتقديم ما يستطيعون من مساعدة ومودة ، وقد حققوا نجاحا كبيرا في الانتخابات التشريعية والرئاسية واستفتاء الدستور . ولكن الآلة الدعائية للبيادة العسكرية لم ترحمهم فأسندت إليهم من الأقوال والأفعال ما لم تسنده الى العدو الصهيوني طوال سبعين عاما . جعلتهم شياطين الإنس وحللت دماءهم وأعراضهم وأموالهم ، ولم تتورع عن السطو على الحرية والدستور والرئيس المنتخب في مسرحية هزلية حضرها الخونة وخصوم الإسلام والمنافقون من ذوي اللحي !

بعد أن كان الناس على أرض مصر يتمتعون في ظل الرئيس المنتخب بالحرية والديمقراطية وحق التعبير والمشاركة ، صاروا تحت حكم البيادة ممنوعين من التعبير في الصحف التي يملكونها والقنوات التي أنشأوها ، وعاد زوار الفجر الأشرارمن الجلادين والطغاة ليهتكوا الحرمات ويعتقلوا الشرفاء في جوف الليل ويفرضوا هيمنتهم القبيحة على الصحف فلا يظهر فيها رأي يخالف رأي البيادة الفاجرة ، لدرجة أن بعض القراء شبه الصحف القومية بالبرافدا وإزفستيا من جرائد الشيوعيين السوفييت التي كانت تصدر في موسكو برأي واحد وصياغة واحدة من الصفحة الأولى إلى الأخيرة . الأخبارالصحفية تفرضها الآن الأجهزة الأمنية الخائنة قبل أن يعلم بها المعنيون كما رأينا في الخبر الذي تناول حبس الرئيس الشرعي محمد مرسي واستغرق الصفحة الأولى الكاملة في الأهرام يوم 22/7 منسوبا إلى النائب العام الذي نفى أنه أصدر قرارا بالحبس ، ولكن رئيس التحرير صمم أنه يستند إلى مصادر وثيقة ـ أي أمنبة - تؤكد صحة ما نشره .

البيادة تقول كلاما لينا للاستهلاك المحلي ، ولكنها لا تقبل بوجود دولة ذات تقاليد دستورية وقانونية ، بل تؤمن بشعب من العبيد يسمع ويطيع وينفذ ولا يرفع رأسه . لأن من يرفع رأسه مصيره بحر الظلمات والعذاب والقهر والموت . لوكانت البيادة تؤمن أن ثلاثين مليونا من المصريين وقفوا عشرات الساعات في طوابيرطويلة على مدى أيام عديدة يدلون فيها بأصواتهم ويعبرون عن إرادتهم الحرة في اختيار نوابهم ورئيسهم ودستورهم لما أقدمت في لحظة خيانة وعار على شطب كل ذلك في دقائق قليلة . ألغت المجلس النيابي المنتخب والرئيس المنتخب والدستور المختار من الأغلبية ،واعتقلت الشرفاء ولفقت لهم التهم الرخيصة المتهافتة ، وانحازت إلى الأقليات الخائنة التي تشاطرها رفض الإسلام والحرية والديمقراطية .

البيادة لا تقبل أن تخضع لنظام الدولة العام ، ولذا رفضت مراقبة أنشطتها الاستثمارية ، وحركة الوارد والمنصرف ، لأنها لا تقبل بنظام ديمقراطي يتساوى فيه الناس .

بالطبع لم تعد ضمن حسابات البيادة قضية الوطن وحمايته من الأعداء والمتربصين به ومن يخربونه ، فقد رأى المحلل  الصهيوني روني دانئيل على القناة الإسرائيلية الثانية أن الانقلاب جيد للكيان الصهيوني وأن قائد الانقلاب اتصل بقادة الكيان قبل قيامه بالجريمة بثلاثة أيام ، وأنه ومعه البرادعي على اتصال مستمر بقيادة العدو ، وقد أذاع التلفزيون الصهيوني من قبل أن البرادعي مع مجموعة من القادة الانقلابيين زاروا الكيان بعد الانقلاب ، ثم إن الانقلابيين قبلوا بضخ أموال كثيرة داخل مصرللعملاء والخونة من أمريكا والخليج خاصة السعودية والإمارات لإنهاء الحرية والديمقراطية والإسلام وثورة يناير التي أزعجت العسكر ، وأنزلتهم من مرتبة الآلهة، إلى مستوى البشر المصريين العاديين .

إن الانقلابيين يظنون أن دولة العبيد هي الباقية ، بيد أن الزمان اختلف ، وأن الدنيا تغيرت، وأن عشاق البيادة من أحزاب ساويرس والطائفة المتمردة والأقليات الشيوعية والناصرية والليبرالية والمرتزقة ما زالوا أقلية ، وأن الأحرار يمثلون أغلبية الشعب المصري ، التي تتذكر جيدا كلمات المتنبي :

أكلما اغتال عبد السوء سيده                    أو خانه فله في مصر تمهيد

صار الخصي إمام الآبقين بها                  فالحر مستعبد والعبد معبود

نامت نواطير مصر عن ثعالبها                 فقد بشمن وما تفنى العناقيد

العبد ليس لحر صالح بأخ                       لو أنه في ثياب الحر مولود