أخطر من التكفير

أحمد الجمال الحموي

أخطر من التكفير

أحمد الجمال الحموي

منذ عدة عقود (وبعض) دول العالم منشغل أصالة بتسليط الأضواء على مسألة التكفير (وبعضها) منشغل تبعية وذيلية وخوفا على الكرسي بالمسألة ذاتها الى درجة يخيل معها للمرء أن هذه المسألة أخطر من أسلحة الدمار الشامل كلها وذلك لكثرة الحديث عنها أولا ولتضخيمها ثانيا وكأن مصير كوكب الأرض ومصير الحياة عليه مرتبط بمعالجة هذه المشكلة العويصة.

وأود أن أنوه الى أنني لا أريد التقليل من شان هذه المسالة لكنني في هذه المقالة أريد أن ألفت الأنظار الى ما هو أخطر منها بكثير. وسأورد من أجل هذا أولا بعض الملاحظات.

1- ان الحديث عن التكفير يجري بأسلوب مترع بالمكر والخداع وبطريقة توحي أن المسلمين هم التكفيريون دون سواهم أو انه لا يوجد تكفيريون الا في المسلمين.

وهذا اما كذب متعمد لأغراض خبيثة أو جهل قبيح يزري بصاحبه ويحط من قدره ولا يليق بمفكر ولا باحث يحترم نفسه والحق أن التكفيريين موجودون في الأديان والطوائف غلى اختلافها ولو أننا سألنا انسانا غير مسلم على دراية بدينه أو مذهبه عن رأيه في المسلمين وحكمه عليهم وهل هم كفار أم لا لأجاب اذا نبذ اللف والدوران وتكلم بصراحة أن المسلمين كفار لا يدخلون الجنه ولا يجدون ريحها.

2- ان غير المسلمين سواء منهم أهل الكتاب وغير أهل الكتاب هم أهل الغلو والتطرف وليس نحن. فمن الثابت أنهم لا يعترفون أننا أصحاب دين سماوي أصلا ولا يقرون بأن محمدا (صلى الله عليه وسلم) رسول موحى اليه ومعنى هذا أنهم يتهمون أصدق انسان عرفته البشرية بأقبح أنواع الكذب ألا وهو الكذب على رب العباد وليس على العباد فحسب فلا عجب بعد هذا أن نكون كفارا في زعمهم.

3 -اما نحن المسلمين فاننا نؤمن بالأنبياء والرسل السابقين جميعا (امن الرسول بما أنزل اليه من ربه والمؤمنون كل امن بالله و ملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) وعلى رأس هؤلاء الرسل موسى وعيسى على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ونحترمهم ونجلهم ومن انتقص واحدا من الرسل مجرد انتقاص يكون خارجا عن الملة في حكم الاسلام فحسبهم هذا التفاوت بيننا. ومن هو التكفيري المتطرف بعد هذا؟ نحن ام هم. وأليس هذا تكفيرا بالجمله لما يقرب من ملياري مسلم في العالم. لكن هذا التطرف الخطير لا يأبه له الغرب الممسك بسوط التكفير هذا يجلد به ظهور المسلمين دون سواهم لأتفه الاسباب.

4- ان السؤال عن الاخرين هل هم كفار أم لا, كثيرا ما يوجه الى علماء المسلمين ودعاة الاسلام ونادرا ما يوجه الى رجال الدين من غير المسلمين الذين يكفروننا ولا يحترمون ديننا ولا رسولنا , فلماذا التركيز علينا دون سوانا؟

5- وليس اهل الأديان والملل الأخرى وحدهم من يكفروننا , بل ان بعض الطوائف والملل المحسوبة زورا على الاسلام تكفر المسلمين بدءا من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم الى اخر مسلم سوف يخلقه الله على هذه البسيطة. ويكاد لا يخلو كتاب من كتب هذه الطوائف من الشتم البذيء والقصص المفتراة التي تشوه تاريخ الأمة ورجالها علاوة على التكفير.

6- لكن ماذا يضير المرء اذا كفره اخرون قلوا أم كثروا اذا كان مؤمنا حقا ولو في راي نفسه على الأقل. وأقول منطلقا من هذه الفكرة ليعتقد من شاء في المسلمين ما يشاء فليس لهذا قيمة في الاخرة. أليس الله تعالى هو الذي سيفصل بين عباده يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون؟ والله تعالى هو العدل ولا يملك غيره جنة ولا نارا ولا يستطيع أحد ان يفرض عليه ادخال أحد من العباد دار النعيم او دار الجحيم. فلا قيمة للتكفير اذن اذا وقف عند حد الاعتقاد المحبوس في القلوب ولم ينتج عنه شيء عملي.

7- نعم لا ينكر عاقل أن التكفير مؤذ نفسيا وأن له اثارا اجتماعية ضارة لكنه ليس هو المشكلة الحقيقة, بل هناك ماهو أخطر منه بمرات ومرات. وهذا الأخطر منسي أو مهمل لا يحظى بأدنى عناية, ولا فرق بين أن يكون الاهمال سهوا أو عمدا, فالنتيجة واحدة وان كانت احدى الحالين أقبح من الأخرى. فما هو الأخطر من التكفير يا ترى ؟؟

الأخطر من التكفير:

ان الأخطر من التكفير هو ما بناه الروافض الصفويون والنصيريون على التكفير من اباحة دم المخالف وامواله, بل التشجيع على قتله دون سبب جرمي وسبحان القائل (وما نقموا منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد). ومن النادر جدا أن يخلو كتاب من كتب هاتين الفرقتين من لوثة التحريض على القتل والذبح وسرقة الأموال والممتلكات.

وانه لمن شبه المستحيل فهم ما يحدث في سورية الان وتحليله, وما حدث ولا يزال يحدث في العراق ان لم يعرف الباحث هذه الحقيقة, ومن المحزن أن بعض الناس لم يفهموا هذا ولم يدركوه بعد ولا زالوا يظنون بعد كل الذي يفعله بشار أن المسألة لا تزيد على أنه حاكم متشبث بالحكم والأسوأ من هذا أن يظن ظان أن المجرم بشار انما يدمر سوريا ويقتل شعبها من أجل المحافظة على محور المقاومة وهذه دعوى مفضوحة وخدعة ما عادت تنطلي الا على أقل القليل ممن ركبوا رؤوسهم واستبد بهم العناد, والا فهل من فرق كبير بين أن تقتل اسرائيل مائة الف سوري وتسجن نصف مليون وتدمر شطر سورية على أهلها وبين أن يتم هذا على يد العميل الصفوي بشار بذريعة المقاومة.

بعد كل الذي تقدم أقول ان هناك فريقين لا يستحقان الاحترام, الفريق الاول كل رافضي ينكر ماهو معروف ومتواتر عن طائفته من تكفير المسلمين وما بني عليه من قتل وسرقة وتدمير ومثل هذا الفريق كمن ينكر ضوء الشمس في رابعة النهار. ومن المقرف أنك كلما أتيت أحد هؤلاء بكتاب من كتبهم وأطلعته على مافيه من هذه الأفكار الارهابية زعم أنه كتاب غير معتمد عندهم وكرر هذا الزعم مع كل كتاب تأتيه به. وتكون النتيجة أنه ليس عندهم كتاب معتمد ألبتة. ويالله ما أقبح الكذب وكم يحط من قدر صاحبه وقيمته خاصة اذا كان كذبا مفضوحا.

والفريق الثاني مسلم طيب القلب مخدوع بالخطب الرنانة فاذا حدثته بهذا وبينت له عقائد تلك الفرق ينبري للدفاع عنها واتهام المتكلم بالافتراء على الروافض وأذنابهم من النصيريين وكأنه واحد منهم ومن المصائب والمصائب جمة أن هذا المدافع لم يقرأ كتابا واحدا من كتبهم ولا يعرف شيئا ولو يسيرا عنهم وعن تاريخهم لكنه الدفاع العاطفي الأعمى, ثم قد لا يكتفي بالدفاع بل ربما رمى المتكلم بأنه يفرق المسلمين, وكأن التشجيع على قتلنا وتدميرنا انطلاقا من عقيدة فاسدة راسخة هو الذي يبني الوحدة الاسلامية على أساس متين ويجمع شمل الأمة. أما بيان فظاعة تلك الافكار وبشاعتها والتحذير منها ومما بني عليها فهو الذي يهدم الوحدة ويفرق المسلمين. وبهذا يصبح الذي يحذر من الاجرام ويدعو الى نبذه مجرما, والذي يؤمن بالاجرام عقيدة ويطبقه عمليا هو النقي البريء الحريص على وحدة الأمة. وما أقبح أن يقفو الانسان ما ليس له به علم وأن يدافع عن الباطل.

وأخيرا اقدم نصيحتي لجهتين:

1- للمخدوعين أن يطالبوا الصفويين والنصيريين باصدار بيانات واضحة لا تقية فيها موقعة من كبار مرجعياتهم يعلنون فيها توبتهم من تلك العقائد الفاسدة والتبرؤ منها, تلك العقائد التي لا تتنافى مع الشرائع السماوية فقط بل مع الشرائع الأرضية أيضا ومع كل مبدأ انساني صحيح وأن يطالبوا أولئك أيضا بالتوقف فورا عن القتل والتدمير والسلب والنهب. فهذا خير من مطالبة المسلمين بالصمت والسكوت عن بيان العقائد الارهابية والاعمال الوحشية, فالساكت عن الحق شيطان أخرس.

2-اما الجهة الأخرى التي أقدم لها نصيحتي فهي تلك الدول التي تمنح نفسها مرتبة الصدارة في التقدم والحضارة وتنفق المليارات في محاربة المسلمين بذريعة التكفير والارهاب نصيحتي لها أن تنفق أموالها وتشن حربها على أخطر الفئات التكفيرية في العالم التي تعتبر قتل المسلمين بلا سبب طاعة وقربة. ولعله ياتي اليوم الذي تقرر فيه الأمم المتحدة أن تلك العقائد عقائد ارهابية وأن المؤمنين بها هم أخطر الارهابيين.

والحمدلله رب العالمين

نائب رئيس جمعية علماء حماه سابقا

عضو مؤسس في رابطة أدباء الشام

عضو مؤسس في رابطة العلماء السوريين

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين