عصام العريان

حسام مقلد *

[email protected]

في أزمنة الفتن والمحن يكثر الهرج والمرج، وتنتشر الشائعات، ويخرج الرعاع والسوقة والدهماء عن مألوف عاداتهم من الانغماس في الخسة والوضاعة والنذالة ليتحدثوا في شؤون الأمة، وينتقدوا أحوالها ويناقشوا خططها الاستراتيجية، ويتحول فلول الأمس إلى ثوار اليوم، وتجد الأفاقين المنافقين والكذبة الأفاكين واللصوص الفاسدين والمرتشين ذوي الذمم الخرِبَة ـ تجد كل هؤلاء وقد صاروا شرفاء أتقياء أنقياء يدَّعون العفَّة والنزاهة، ويصورون أنفسهم على أنهم حراس القيم وحماة الفضيلة (...!!) وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال واصفا هذا المشهد العبثي المضَلِّل: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصَدَّقُ فيها الكاذب، ويُكَذَّبُ فيها الصادق، ويؤتَمَن فيها الخائن، ويخوَّنُ الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: وما الرويبضة ؟! قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" (رواه البخاري).

هذا هو المشهد المسيطر على الساحة المصرية الآن بعد فتنة النائب العام، فبدلا من أن يُشْكر الرئيس الدكتور محمد مرسي على موقفه المشرِّف الذي آثر إعلاء مبدأ استقلال القضاء وحماية دولة المؤسسات راح الهمج والرعاع والرويبضات يتطاولون عليه ويسخرون منه بأقذع الأوصاف، وعدُّوا هذا الموقف المشرف منه هزيمة ثقيلة  له وللإخوان المسلمين!!

وحينما ذكَر الدكتور عصام العريان (مستشار رئيس الجمهورية) الدليل الدامغ على صدق رئيس الدولة، وتراجُع النائب العام عن موافقته الشفهية على الانتقال من عمله الحالي لشغل منصب سفير مصر في دولة الفاتيكان ـ هاجموا العريان وسلقوه بألسنة حداد!! رغم أن موافقة النائب العام بصوته عبر مكالمة هاتفية مسجلة في مؤسسة الرئاسة، وتسجيل مكالمات الرئيس إِجْرَاء قانوني احترازي معمول به في كل الدول الديمقراطية لمنع تغوُّل السلطة الحاكمة، ومنع الافتراء عليها كذلك.

ولم يكتفِ أعداء الإخوان المسلمين بلوم الدكتور عصام العريان بل علقوا له المشانق على الفور، وحمَّله المنافقون والدجالون والرويبضات تبعة المشاكل السياسية التي نشبت في مصر خلال الأشهر القليلة الماضية، وبالغوا في كيل الاتهامات له مدعين أنه سبب الخلافات السياسية بين الإخوان والأحزاب الأخرى، وأنه يُحرج الإخوان والرئيس مرسي بتصريحاته القوية، وأشهد الله أن كل هذه المزاعم محض كذب وافتراء.

وفي الحقيقة لا يعد الدكتور عصام العريان أحد أهم قادة الإخوان المسلمين وحسب بل هو من أبرز وأفضل السياسيين في مصر وأكثرهم وعيا ونضجا وخبرة وعلما، وهو شخصية سياسية من الطراز الرفيع، تتمتع بسمات قيادية كثيرة لا نظير لها وقلما تجتمع في رجل واحد، ويؤكد كل من تعامل معه أنه يعشق النظام والدقة، ويقدس الوقت، يحب الإنجاز والإتقان في كل شيء، يشكو رفاقه من كثرة العمل وشدة التعب بينما هو يثابر ويكدح دون كلل أو ملل، ويعمل لساعات طويلة صابرا محتسبا دون تأفف أو ضجر، أما على المستوى الإنساني فهو رجل دمث الخلق هادئ الطباع، ورغم دقته الشديدة وتفانيه في عمله إلا أنه مرهف الحس، شديد الرقي، يغمر من يتعامل معه بمشاعر الود والألفة والدفء، ويتدفق وجدانه بالمشاعر الصادقة والإحساس بكل من حوله.

وفي المجال العام والعمل الحزبي فهو السياسي المحنك، والمحلل الحاذق، وصانع السياسات البارع الذي لا يُبَارى؛ لأنه بعيد النظر ثاقب الرؤية، يفكر بأسلوب علمي محض، ولديه قدرة غريبة على البحث والاستقصاء والقياس والاستنباط والتحليل العميق، ورغم كل ما مر به من محن، وما تعرض له من سجن واعتقال عدة مرات ظل متفائلا، وفيا لمبادئه، شديد التمسك بقيمه ورؤاه التي تأصلت وتعمقت وترسخت من خلال انتمائه للإخوان المسلمين.

إن عصام العريان بلا زيف ولا ادعاء زعيم ملء السمع والبصر والفؤاد؛ لأنه من خيرة السياسيين الذين أنجبتهم مصر، وهو رجل المبادئ الذي بثبت ويصبر حين يرتاع ويجزع الآخرون، ويتقدم بكل جرأة وشجاعة حين يجبُن الكثيرون، ويزهد ويتعفف (كغيره من الإخوان المسلمين) حين يطمع الكثيرون، إنه قامة عالية وقيمة كبيرة فهو سياسي محنك وأديب أريب وكفاءة نادرة، وطاقة جبارة مصر كلها في مسيس الحاجة إليها وليس فقط حزب الحرية والعدالة أو جماعة (الإخوان المسلمون) ويكفيه فخرا أنه من أكثر الناس صدقا وإخلاصا وأشدهم حبا لمصر وحرصا على مصلحة شعبها وفهما دقيقا لواقعها السياسي.

وحسنا فعل الدكتور محمد سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة المنتخب، حين رفض اسقالة الدكتور عصام العريان من منصبه كنائب لرئيس الحزب؛ لأنه قيمة كبيرة وقيادة مهمة ليس الحزب فقط بل مصر كلها في أمسِّ الحاجة إليها، ودعاه لإكمال المسيرة والاستمرار في بناء الحزب معه، مذكرا إياه بقوله تعالى: "سنشد عضدك بأخيك" وهذه هي أخلاق الإخوان المسلمين الحسنة ومواقفهم العظيمة المشرفة!!

               

 * كاتب إسلامي مصري