إلى متى ؟؟

إلى متى ؟؟

عقاب يحيى

يسألني صديق سياسي وإعلامي مقيم في سورية سؤالاً محدداً : إلى متى، ويضع عديد إشارات الاستفهام بعده .....

لم أجب الصديق على صفحات الفيسبوك، فقد سبق لنا وتحاورنا قبل شهر في الاحتمالات والتطورات . كان متشائماً وتجربة العراق دامية، ويخشى تكرارها .. تناولنا السيناريوهات المطروحة. الوضع الداخلي والإقليمي والخارجي، وخلصنا إلى نتيجة أن الأمور ـ ضمن الأفق المنظورـ لا تبدو قريبة، وترتبط بتفاعل العاملين : الداخلي والخارجي ..

ـ نعم السؤال يتكرر كثيراً هذه الأيام، خصوصاً لدى أهلنا في الداخل الذين يعانون ويلات الموت والدمار والرعب، والفظائع، ولسان حالهم يردد يومياً : حتى متى؟؟، ومتى وكيف يكون الخلاص ؟؟..

ـ في أشهر الثورة الأولى كان منسوب التفاؤل كبيراً لاقترانه باحتمال سقوط نظام الطاغية في زمن منظور، وحين لم يحدث ذلك أخذت الأسئلة تتهاطل، وهي مدججة بكل ما يحدث على الأرض من اغتيال للحياة والشجر والحجر والبشر، وعمليات اعتقال وتعذيب واغتصاب وانتهاك للكرامة، واحتقان للغضب، وتجييش طائفي مقصود، وبعض ردود أفعال منتجة من ذلك الفعل ..بينما تبدو بعض لمدنالسورية مشابه لتلك التي كانت تعرض ن احرب العالمية الثانية، أو تلك التي أصابها زلزال مدمرفلم يبق فيها حجر على حجر.. ناهيك عن ملايين اللاجئين داخليا، ومئات الآلاف في دول الجوار.

ـ كانت السيناريوهات تتعدد، وكلّ منها يزاحم الاخر بشيء من نصيب التنفيذ، وأولها : تلك الرهانات على عمل جراحي داخلي يقوم به أصحاب القرار في النظام، أو بلغة صريحة الضباط الكبار المحسوبين على الطائفة العلوية في الجيش والمؤسسة الأمنية، لتخليص أنفسهم والبلاد من الطغمة، ودرء المخاطر الكثيرة المحيقة بالبلد، وحقن دماء المواطنين.. ولم يحدث ذلك ـ للآن ـ رغم بعض الحكاوي عن محاولات هنا، وتصفيات تمّت لمجموعات، أو ضباط مشتبه بهم ..

ـ وكان ثانيهما ـ لدى دعاة التدخل الخارجي ـ يتأتى عبر تدخل عسكري مباشر، صوّروه هؤلاء أنه في جيوبهم ولا ينتظر سوى إشارة منهم بالقبولزز فصرخوا، واستغاثوا.. ثم صمتوا حين تبيّن أن الأمر ليس كذلك، وأن لذلك الخارج حساباته ومشاريعه، وأن بصمة صهيونية جلية لاتكتفي بمنعه  وحسب، بل تدفع نحو مزيد من القتل والدمار . مزيد من التجييش الطائفي . مزيد من الخراب والتهجير . مزيد من تخريب مؤسسات البلاد وبناها كاملة . مزيد من الأحقاد. مزيد من حقن التشدد بدماء السيطرة.. وان أي تدخل محتمل لن يكون إلا عندما يقررون، ولأهداف مسطرة لديهم.. وأن الدماء السورية المدرارة لا تساوي شيئاً عندهم، ولا كل ما يحدث من فظائع ..

ـ سقوط الرهانات تلك، ومعها احتمال انهيار سريع للطغمة عبر ضربات التظاهرات السلمية، وعمليات الاحتجاج، وانتشار رقعة السورة السلمية.. وما قام به النظام من انتهاكات تطال الحياة.. دفعت مجاميع الشباب غلى الاعتماد على النفس، وامتشاق السلاح، يدعمهم في ذلك نمو ظاهرة انشقاق الضباط والعسكريين، أولئك الوطنيين الشرفاء الذين أبت ضمائرهم توجيه سلاحهم لشعبهم، فخاطروا بإعلان انشقاقهم، وتشكيل ما يعرف بالجيش الحر، وإحداث تلك الانعطافة في مسار الثورة السورية. أي غلبة الجانب المقاوم فيها، وانتشار ظاهرة العمل المسلح على نطاق واسع، وبالتالي : دخول عامل جديد، وحيد ـ للآن ـ هو العمل المسلح الذي يحاول إحداث توازن صعب ومعقد في ميزان القوى على هذا الأساس، وباعتماد حرب العصابات، وحرب المدن، والعمليات المنتقاة كطريق وحيد للثورة من اجل تحقيق هدفها المركزي : اشتلاع الطغمة والقيام بالتغيير المنشود .

ـ الوضع الدولي صار معروفاً حتى للأطفال، وتمسك الولايات المتحدة برقبته بقوة، مانعة بقية أطرافه من الفعل المطلوب، سوى بعض التصريحات والمساعدات البسيطة، وبما ليس له علاقة، تماماً، بما يقال عن استحقاق الانتخابات الرئاسية، بل بذلك المنظور الذي لا شكّ وأنه صناعة صهيونية بامتياز طالما عملت عليه في عموم البلاد العربية، خاصة المحيطة، والمؤثرة بكيان الاغتصاب .

ولأن الحالة هكذا.. فشعبنا يدفع الضريبة غالية، وسيواصل دفعها حتى الخلاص من الطغمة، ولا خيار آخر، ولا بديل، ولا تراجع.. فالشعب قد صمم وقرر، والثورة يتسع نطاقها، والنظام الذي يقصف بكل حقده المعهود ينهزم يومياً، ويظهر الجبن والتفكك فيه.. رغم الدعم اللوجستي، والبشري والمالي الذي يتلقاه من حليفه الاستراتيجي إيران، وحزب الله، والدعم السياسي الروسي وغيره .

ـ الثورة لا تملك سوى الاعتماد على تضحياتها وشجاعتها والتفاف الشعب حولها.. وهي ماضية في طريقها، ولن تنثني أو تتراجع.. مهما طال الزمن، وعظمت التضحيات..

ـ من هنا يا صديقي، وطالما أن الأمريكان يتفرجون على المأساة السورية، ومعهم مجمل الوضعين العربي والدولي، المكمم بالإرادة الأمريكية ـ الصهيونية.. فالمعركة مفتوحة حتى الانتصار، وما من أحد يستطيع أن يعطي اجوبة شافية لزمكن وكيفية السقوط الحتمي للطغمة.. فقد يحدث ذلك اللحظة، وقد يأخذ وقتاً طويلاً، بينما تتعدد أشكال السقوط وفقاً للمتغيرات والاحتمالات ..