"التكويش".. "الأخونة" ثم الغزو

علاء الدين العرابي

"التكويش".. "الأخونة" ثم الغزو

علاء الدين العرابي

عضو رابطة الإسلام العالمية

[email protected]

مصطلحات ظهرت في الإعلام المصري بقوة وتلقفتها الأقلام وانتشرت في الفضائيات لتنتقل إلى ألسنة الناس في الشارع ، وانتشرت كالنار في الهشيم

 وكل هذه المصطلحات موجهة ضد الإخوان المسلمين ، ظهر مصطلح "التكويش" عندما نجح الإخوان في مجلس الشعب ، ثم ظهر مصطلح "الأخونة" بعدما نجح أحد الإخوان ووصل إلى رئاسة مصر ، إلى هنا يمكننا أن نستوعب هذين المصطلحين خصوصا إذا علمنا أن الذين أشاعوها ساءهم أن يصل فصيل إسلامي إلى الحكم

 ولكني لم أستوعب الفكرة التي طرحها الكاتب جمال الغيطاني في مقابلة تلفزيونية معه منذ عدة أيام ووجدتها مطروحة مقال له في اخبار اليوم بتاريخ : 19/6/2012 هذه الفكرة مفادها أن الإخوان المسلمون غزاة ويعتبر وصول رئيس إخواني إلى الحكم هو بمثابة فشل الدولة الحديثة التي أسسها محمد علي

وأنا في هذا المقال لن أناقش الكاتب في بعض أفكاره السطحية التي يتساوى في طرحها مع رجل الشارع العادي غير أن الأخير لا يزعم أنه من النخبة ، ولكني أناقشه في الفكرة الخطيرة التي طرحها وهي " الغزو " التي أخشى أن تكون مسلمة من المسلمات في فضاء الإعلام كسابقتها ، وأحصر نقاشي في نقطتين :

النقطة الأولى: أننا نلاحظ في طرح الكاتب تناقضا واضحا 00 ففي الوقت الذي يصف سليم العثماني بالغازي السفاح ويعتبر العثمانيين غزاة نجده في نفس الوقت يشيد بمحمد على ويصفه بمؤسس الدولة الحديثة مع أن محمد علي عثماني أيضا

 وإذا اعتبرنا العثمانيين غزاة فلنا أن نعتبر الفاطميين بناة الأزهر غزاة ، ونعتبر أحمد بن طولون الذي شهدت مصر على يديه نهضة عظيمة غازيا وهو تركي ، وبنفس المنطق سوف نعتبر صلاح الدين محرر القدس غازيا لأنه كردي الأصل ، وغيرهم من حكام مصر وهم كثر ، بل لنا أن نعتبر عمرو بن العاص غازيا وهذا في اعتقادي ما تحرج الكاتب من قوله لأن الكاتب يسقط الإسلاميين من حساباته

 التاريخ يقول لنا أن ابن طولون والمعز لدين الله وصلاح الدين أنجزوا في مصر أعظم مما أنتج محمد على ، بل إن مصر كانت أقوى وأعز ، ولم تكن أسيرة للمشروع الفرنسي أو الأوربي كما كانت في عهد محمد على

 النقطة الثانية : أن الفكرة المهيمنة على الكاتب هي فكرة الوطن واعني بها فكرة الدولة المصرية المنكفئة على ذاتها بدليل أنه يهاجم فكرة الخلافة ويعتبرها متعارضة مع فكرة الوطنية ، مع أن الإسلام لا يلغي فكرة الوطن بل يعتبرها دائرة من ضمن دوائر أخرى متشابكة ، فدائرة الوطن متداخلة مع دائرة الانتماء العربي ، ومتداخلة مع دائرة الانتماء الإسلامي ، فالخلافة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرنا لم تلغ الدولة المصرية ، فمصر ظلت مصر منذ فتحها الإسلام ، بل إن مصر في ظل الخلافة كانت أقوى بكثير منها بدونها ، كما أن مصر عبر تاريخها لم تتبوأ مكانتها إلا وهي تتقدم الصفوف وتتولى القيادة وهي تحمل هم محيطها العربي والإسلامي كما يقرر ذلك صاحب كتاب شخصية مصر

 ظهر في مطلع القرن الماضي زعيما يدعى مصطفى كامل والكل يعرف أنه كان زعيما وطنيا بامتياز ، بل أنه أسس حزبا أسماه الحزب الوطني ، هذا الزعيم كان شديد الولاء للخلافة العثمانية ، وكان يرى قوة مصر في ظل الخلافة أقوى بكثير منها وهي خارجها ، على عكس ما يري الغيطاني ومن كان على مثل فكره

 يكفي أن أقول للغيطاني أن بداية سقوط مصر وسقوط العالم العربي والإسلامي ودخولها في حقبة التبعية كانت بعد سقوط الخلافة ، وقد شهدت اتفاقية سايكس بيكو تقسيم العالم العربي

 أعتقد أن المشكلة لدى الغيطاني وكثير من الذين يعادون المشروع الإسلامي - ولا أعرف لم هذا العداء - ساءهم أن يتراجع مشروع الدولة المصرية التي لا تعرف إلا حدودها ولا تنظر إلا إلى داخلها ، وساءهم أن تأتي ثورات الربيع العربي مبشرة بمشروع دولة الإسلام التي تعيد إلى العرب عزهم ومجدهم وعلى رأسها مصر ، وقد صدم هؤلاء أن تكون خيارات شعوب الدول التي ثارت عبر صناديق الانتخابات هو التيار الإسلامي ، وساءهم أن يسمعوا كلمة الخلافة من بعض المنتسبين لهذا التيار على سبيل الحلم

 أقول للغيطاني إن من عبقرية الثورة المصرية أنها ثورة بلا قائد ، وأنها تركت للشعوب أن تختار من يحكمها ، فإذا قالت الشعوب كلمتها لا نقول أن هؤلاء هم لصوص الثورة ، بل لنا أن نقول أن لصوص الثورة الحقيقيين هم مافيا الإعلام الذين حاولوا جاهدين أن يحولوا مسار الثورة ناحية الليبرالية الغربية بدعوى زائفة وهي أن الإسلام نقيض الدولة المدنية ، مع أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية التي نشأت في الغرب ، بل أقول : أن لصوص مصر هم الذين سرقوها من عروبتها وسرقوها من إسلامها ، وحاولوا أن يلحقوها فكريا وايدلوجيا بالغرب ظنا منهم أن الغرب هو التقدم وما عداه هو التخلف

 أعتقد أن لصوص مصر الحقيقيين هم الذين يرسمون ثقافتها عبر أقلامهم ويعرونها من لباسها الأخلاقي تحت دعوى الحرية ودعوى الحداثة

 إن غزاة مصر الحقيقيين هم الذين يتبعون منهج الغزو الفكري الذي خطط له الغرب ، ثم دفعه إلى أعوانه المؤمنين بفكره كي ينفذوه من خلال الساحة الثقافية المصرية بعدما علموا أن أتباعهم هم الذين يستولون على منابرها الإعلامية.