أبناؤهم أمانة

ثامر سباعنة

سجن مجدو -  فلسطين

[email protected]

قال تعالى لنبينا نوح :  ((يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ))، سأتحدث هنا عن واقع نراه في الكثير من شبابنا وخاصة أبناء الشهداء والأسرى و المشايخ ، ولا اعني هنا الإسقاط في شباك الاحتلال انما الانحلال الخلقي لهؤلاء الشباب وابتعادهم عن درب ابائهم بل حقدهم على هذا الدرب .

قد ينشغل الآباء عن أبناءهم بسبب ضغط عملهم الدعوي أو غير ذلك ، وبذلك يتركوهم فريسة لبعض الأفكار الخاطئة ، وهنا تقع المسؤولية على كل المحيطين بالطفل في غياب الأب ..

الإهتمام بأسر الشهداء ليس فقط من الجانب المادي بل كفالتهم من كل الجوانب المادي والمعنوي ، إشغال الفراغ الذي تركه الوالد ، وأنا تابعت أحد البرامج الهامة التي تُعنى بأسر الشهداء ، تربية ومتابعة من كل النواحي حتى ينشأوا على المثل العليا والأخلاق الفاضلة بل وتكون سيرة الوالد حاضرة والدفئ العائلي مع الإهتمام بهم كما لو أن آباءهم أحياء

للأسف هذه المسألة مطروحة جدا حيث ترى في الواقع أبناء دعاة أو علماء ، أبناءهم يُعطون صورة سيئة ، فهم في نظر الآخرين قدوة ، ومن المؤسف حين تُبرر بعض الامهات سلوك أولادهم الخاطئ وكأنهن يُشجعنهم على ذلك في حين الأب داعية في العالم ..

لكن لا نعمم هذا الأمر ، هناك أمهات أخرجن للعالم دعاة مفكرين وأدّووا دورا هاما في رعاية أبناءهم ، قيل قديما أنه رأى أحدهم ذئبا وخرفانا ولا يمسهم الذئب بسوء فقالوا له كيف ذاك متعجبين كون الذئب لم يجرؤ على أكل الخراف ، قال الراعي قول يُوزن بالذهب :

أصلحت ما بيني وبين الله وأصلح الله ما بين الخراف والذئب ، حتما إن كان العمل خالصا لله، فالله يعينك على تربية أولادك ..

السيئ هو أحيانا وُجود أب قاسي أولا يعرف فنون التربية يسيئ بذلك للاولاد ، فالأم هنا يقع عليها عبء كبير لترسم في أذهانهم صورة الأب الطيبة وذالك من خلال سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى يقفوا على القدوة الصالحة ، لكن رغم هذا المجهود الطيب يترك الأب القاسي نتوءا وجروحا في نفوسهم

ما سبب ذلك ؟؟ ما الذي جعل ابناء بعض الشهداء والأسرى يحيدون عن طريق أبائهم ؟؟ من المسؤول عن هذا كله !!

قبل الحديث عن الموضوع ارغب بالتأكيد ان الموضوع لا اعني به شخصا بذاته إنما أتحدث عن واقع لو نظر كل واحد منا في منطقته وحيه لرأى هذا الواقع وسأتحدث بتجرد باحثا عن السبب لعلنا نعمل لعلاج هذا الخطر.

أولا : الأسباب :

اعتقد ا ن اول الأسباب لهذا الموضوع هو الاحتلال الإسرائيلي وجهاز مخابراته الساعي دوما لتحطيم المجتمع الفلسطيني والتغلغل بداخله ، وتكون رغبته اكثر بالدخول الى داخل عائلة المقاوم او الأسير او القيادي الفلسطيني للحصول على اكبر وأدق الأخبار والتفاصيل بالاضافه إلى تدمير بنية هذه العائلة وتشويه صورة رب العائلة ، ليظهر بمظهر الضعف امام مجتمعه ولتشويه صورته.

السبب الثاني هو غياب رب الأسرة سواء بالشهادة أو الاعتقال وبهذا يترك الابن وحيدا دون مراقب ومتابع له في المنزل ودون ان تكون هنالك سلطه عالية تضبط فعله وتصرفاته وترشده للطريق القويم وتعينه على تخطي الاشكالات والهفوات التي قد يسقط فيها أي شاب ، خاص هان الام ومهما كانت قوتها وسيطرتها فلن تكون بقوة وضبط الأب في المنزل.

السبب الثالث هو رد فعل الابن تجاه فصيل الوالد واحساسه الدائم ان تنظيم والده قصر تجاههم ولم يعطي الأب مكانته ودورة وحتى التعويض المناسب للعائله ، لذا يبقى الابن – واحيانا العائله – يشعر انه تنظيم والده مقصر ولم يعطيهم حقوقهم ، وصدقا مهما قدم التنظيم لعائلة الشهيد او الأسير فإنها تبقى مقصره ولا تستطيع التعويض عن حالة النقص هذه ، وبالتالي تزداد هذه النظرة السوداء عند الأبناء وتتحول إلى كره وحقد للتنظيم وبالتالي معاداته والعمل ضده ويصاحب ذلك انفلات اخلاقي وضياع لدى الابن.

السبب الرابع بنظري هو تقصير الدعوة والحركه بالموضوع وتقصير من قبل اصدقاء ورفقاء الأب ، إذ أنهم في حال غياب الوالد وبعد فترة من الزمن ينقطعون عن زيارة العائله وتفقد احوالها من مرة بالشهر الى زيارة من العيد العيد الى انقطاع كلي وغياب ، حتى ان اصدقاء وزملاء الوالد يصادفون ابناء صديقهم الغايب فلا يعرفونهم .

السبب الخامس.. وجود فراغ وهوة بين الابن والاب بعد خروجه من الاسر بعد فترة طويله ، حيث نتجت هذه الهوة بسبب بعد الأب عن مراحل نمو وتطور الابن بالاضافه الى مكوث الأب في السجن لسنوات طويله ضمن نظام و ترتيب ثابت محكوم بوضع السجن ، ولذا  ينشأ نوع من عدم التوافق بين الأب والابن بعد الخروج من السجن.

ثانيا : حلول مقترحه :

بداية يجب ادراك مكمن الخطا والسبب فيه لكل حالة على حدى ثم البحث عن العلاج المناسب والناجح لها.

 الاصل وجود مؤسسات وجمعيات دعوية لرعاية اسر الأسرى والشهداء ولا اعني هنا الرعاية والمتابعه المالية فقط انما الرعاية والمتابعه الاجتماعية ايضا وذلك ضمن برامج تثقيفيه اجتماعية واعية تصل لكل افراد العائله ، بالاضافه الى الدور المهم للتواصل الفردي لاصدقاء وزملاء الوالد بشكل دوري ومستمر واحتضان الابناء و تبنيهم ومساعدتهم في مختلف امور حياتهم وإرشادهم دائما للطريق الصحيح ، طبعا بحكمة ووعي وبطريقة صحيحه وسليمه . وعلى الداعية المجاهد المعرض للشهادة أو الأسر أن يحسن اختيار أم أولاده أي زوجته فلا يكتفي بان تكون متدينة وعفيفة وطاهرة  ،  فدور زوجة القيادي "الأم" فعليها الجزء الاكبر من المسؤولية، بل أنا اعتبرها المسؤولة صاحبة النصيب الاكبر في المحافظة على الأبناء في ظل غياب الأب القيادي المعتقل او المنشغل بمسؤوليات موقعه.

في نهاية حديثي أحب ان اؤكد ان هذه الحالات لاتعني ان هنالك ابناء وعائلات كاملة مجاهده فهناك الكثير من الأبناء ساروا على نهج أبائهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من هو موجود في أسره ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .