المحن على الطريق وتساؤلات حولها -5-

[ باختصار من كتاب: طريق الدعوة. تأليف: مصطفى مشهور ]

ومن صور الأضرار أيضاً: تلك الدور والمؤسسات التي صودرتْ من مدارس ومستشفيات وشركات اقتصادية... إلى آخر تلك الأنشطة المختلفة وتعطيلها عن أداء رسالتها، فمن الناحية المادية فإن المادة أمرها هيّن، وقديماً هاجر المسلمون تاركين ديارهم وأموالهم مُؤثِرين دعوتَهم على كل هذه الأعراض وقد عوّضهم اللهُ بعد ذلك بما فتح عليهم.

ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمع أن صهيباً، رضي الله عنه، ترك ماله لقريش حينما أصرّوا على ذلك فقال: "ربح صهيب ربح صهيب". ولا ننسى موقف الأنصار من إخوانهم المهاجرين ومعاني الإيثار التي سجلها لهم القرآن. إن هذا الذي يحدث من أضرار مادية له آثاره التربوية الهامة اللازمة للدعاة إلى الله، ألّا تَشْغَلَهم المادة أو تحتل منزلة في قلوبهم، كما تربي معاني التكافل والتعاون والإيثار بين العاملين في حقل الدعوة.

أما جانب الضرر في الحقيقة فقد أصاب المجتمعَ الذي حُرم من الخدمات التي كانت تؤديها تلك المؤسسات على أساس من الإسلام وآداب الإسلام. وكلما سنحت لأصحاب الدعوة فرصة لإعادة تقديم هذه الخدمات وانتشار هذه المؤسسات من جديد فهم لا يألون جهداً في سبيل ذلك.

وهكذا نرى أن المحن التي هي سنّة الله في الدعوات ظاهرُها ضُرّ ولكنها تحمل في طياتها الخير، فهي منح في صورة محن، وهل يريد الله بدعوته ودعاته إلا الخير بكل ما يُجريه عليهم؟!. إذاً فالمحن ليست فترات ميتة ولا ضربات قاضية، ولكنها فترات حية وقوّة دافعة للسير على طريق الدعوة في قوة وثبات.

إنّ الذي يُمتحن بالدرجة الأولى هو إيمان الفرد وإخلاصه لدعوته وتضحيته في سبيلها. كما يُمتحن أيضاً فهمُه لإسلامه ومدى صحته ونقائه من الشوائب أو الانحرافات، وكذا عمله ومدى مطابقته للشرع بلا إفراط أو تفريط، كما يُمتحن تجرده لدعوته وخلوّ قلبه مما سواها، وجهاده وصدق الوجهة فيه وأنه لإعلاء كلمة الله، وكذا ثباته مهما لاقى من عَنَت، وتُمتحن أيضاً أُخوّته لإخوانه وحبّه لهم وحرصه على سلامة هذه الرابطة مهما حاول الأعداء النيل منها بالتفريق أو التحريش، واطمئنانه لخطواته في الطريق.

كل هذه الجوانب يتعرض فيها الفرد للاختبار تحت ضغوط مختلفة ليست كلها الإيذاء والتعذيب، ولكنها تشمل أساليب أخرى كالإغراء والتضليل والتلبيس في صورة نصح وإرشاد، إلى غير ذلك من كيد الأعداء. والنجاة من هذه الفتن يرجع لفضل الله، فهو الذي يسدّد ويُعين ويصبّر ويثبّت ويزيد الذين آمنوا إيماناً مع إيمانهم.

قاعدة البناء أو الأساس:

أما عن القاعدة المتينة التي يقوم عليها البناء في استقرار وشموخ فإنها تتمثل في إعداد جيل مؤمن راسخ الإيمان بعقيدة الإسلام، يصبغ بها كل حياته، ويضحي من أجلها بكل مرتخص وغال، ويحميها ويدفع عنها كيد الأعداء، ولا يهدأ له بال حتى يمكّن الله لها في الأرض وتقوم دولة الإسلام لتؤدي دورها المنوط بها نحو البشرية.

وسوم: العدد 846