كلمات في الثورة 16

الشيخ علي الطنطاوي

كلمات في الثورة

-16- 

الشيخ علي الطنطاوي

إنّ مَن يسمع صوت قطة في الشارع تموء من الألم لا يستطيع أن ينام، ومن يدقّ جاره بالمطرقة على جداره لا يستطيع أن ينام. فكيف ننام وأصوات المشرّدين الهائمين من الأطفال والعجائز، من النساء والضعفاء، تملأآذاننا؟ أتنامون على أصوات الاستغاثة من حلوق إخوانكم وأخواتكم، على أصوات المدافع والصواريخ يصبّهاعليهم أعداؤهم وأعداؤكم؟

هل تستطيعون أن تأكلوا وتشربوا وتضحكوا وتمزحوا، "وإخوانكم هناك في الشام يذبّح أبناءهم مَن هم شرٌّ من اليهود"؟ يؤذون نساءهم، ينسفون منازلهم، يسرقون أرضهم... كاللص يدخل عليك في الظلام دارك فيحتلّجانباً منها فيدعوك إلى التفاوض. أفيفاوض ربّ الدار الحرامي؟ إذن فعلى العقل وعلى العدل السلام.

كم من أمهات هناك ثاكلات وبنات مهتّكات وبيوت مخرَّبات ودموع مسفوحات، وأعزّة كرام ذلّواوأغنياء احتاجوا، شُرّدوا وسكنوا بعد القصور الخيام، وصاروا بعد البذل والعطاء محتاجين إلى القوت وإلى الغطاء... فإن لم تدافعوا عنهم بالسلاح ولم تبذلوا من أجلهم الأرواح فجودوا بالأموال، فإن الجود بالأموال نوع من الجهاد.

الذكريات ج8 ح226 (1987)