كلمات في الثورة

الشيخ: علي الطنطاوي

بدأت قبل ثلاثة أيام بنشر "كلمات ثورية طنطاوية" على صفحتي الفسبوكية وفي مدونة الزلزال السوري، فأشار عليّ أحد الإخوة المشتركين في قائمتي البريدية بأن أرسلها بالبريد بحيث يسهل تدويرها، وها أنا أفعل ذلك فأرسل إليكم اليوم الكمات الثلاث الأولى التي نشرتها حتى الآن، وسوف أرسل إليكم كل كلمة جديدة حال نشرها بإذن الله. قد تكون الكلمات بوتيرة شبه يومية، فأرجو أن لا أزعجكم بكثرتها.

علي الطنطاوي

كلمات في الثورة

-مقدمة-

عاصر علي الطنطاوي -رحمه الله- الاستعمارَ الفرنسي وهو شاب في أول الشباب، فتصدر المظاهرات وملأ الدنيا خطباً ومقالات. ثم شاهد ضياع فلسطين وشهد مأساتها، وشهد جهاد الجزائر ومصر والعراق وسواها من بلدان المسلمين التي ابتُليت بالاستعمار، فرابط في ميدان المقال كما يرابط المجاهدون في ميدان القتال، وكان قلمُه سيفاً من أمضى سيوف الحق على الدوام.

لو كان اليومَ بيننا لسَلّ قلمه واستأنف الجهاد ولملأ الدنيا -مرة أخرى- بالخطب والمقالات، أمَا وقد غاب عنا وانتقل إلى رحمة الله فقد انصرفتُ إلى بعض ما خَطّه في هذا الباب فاستخرجته من مواضعه، فمنه ما وجدته معبّراً عن حالنا اليومَ كأنما كُتب الساعة، فنشرته كما هو، ومنه ما كُتب ليوم غير هذا اليوم وحال غير هذه الحال، فعدّلته ليناسب الزمان الحاضر، ولم أغيّر شيئاً سوى أني استبدلت كلمات بكلمات، وحيثما صنعت ذلك أعقبت النص المعدل بالنص الأصلي من باب التوثيق والتحقيق.

ثم ذيّلت كل كلمة من الكلمات الثورية بمصدرها (الكتاب والمقالة) وأثبتّ التاريخَ الذي نُشرت فيه أولَ مرة، وسوف أنشرها تباعاً في هذه الصفحة وفي مدونة "الزلزال السوري"، وهي مباحة لكل من شاء نسخها ونشرها حيثما شاء، فإنها وقف للثورة وللأمة، على أن يدفع ثمنَ النسخ والنشر: "دعاء لكاتبها بظهر الغيب"، فإنه في مكان لا ينفعه فيه غير الدعاء.

علي الطنطاوي

كلمات في الثورة

-1-

الجهاد يكون واجباً إذا احتل العدو بلداً من بلاد المسلمين، هنالك يُعلَن الاستنفار العام ويصير القتال واجباً على الجميع، على أن يبدأ بأهل البلد الذي احتله العدو، فإن لم يَكْفوا فعلى من يليهم من جيرانهم، الأقرب فالأقرب.

والجهاد ليس القتال بالسلاح فقط، فالذي يمدّ المقاتلين بالمال (إن كانت حاجتهم إليه أكثر من حاجتهم إلى الرجال) مجاهد، والذي يساعدهم بالدعاية باللسان وبالقلم (إن كانت تعين على النصر) مجاهد، والذي يتولى رعاية أسر المجاهدين مجاهد، والله قدّم -بالذكر لا بالأجر- المجاهدين بالمال على المجاهدين بالنفس. إن كل جندي يقف في الميدان يحتاج إلى أربعة أو خمسة يقومون وراءه، يعدون له السلاح والعتاد والمؤن ووسائل النقل، وهؤلاء كلهم إنْ صَحَّت نياتهم مجاهدون.

مع العلم بأن المجاهد هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، لا لمجرد الدفاع عن الوطن ولا لمجرد استرداد الأرض، ولا لتنشر الصحفُ اسمَه ولا ليعلوَ في الناس ذكرُه.

الفتاوى ج1: لا إكراه في الدين (1983)

علي الطنطاوي

كلمات في الثورة

-2-

لا تجزعوا من تلك المصائب المتتالية، فما هي إلا تدريب لنا. نحن كالبطل الرياضي الذي كان المصارعَ السابق، ثم تكاسل ونام حتى فترت حماسته وونَتْ قوّتُه. ماذا يصنع هذا البطل إذا جاءت المباراة الجديدة؟ ألا يكلَّف أنواعَ التمرينات الشاقّة ليعود إليه نشاطه ويرتدّ إليه جَلَده؟ كذلك يصنع الله بنا.

لقد كنا أمةَ نِزال وصِدام، وكنا أبطال المعارك وفرسان الميادين، ولقد فتحنا الشرق والغرب وملكنا ما بين الصين وفرنسا، ثم هجعنا طويلاً، وتوالت علينا أيام الخمول حتى لقد شككنا في أنفسنا. وها نحن أولاء نُدعَى مرة ثانية لقيادة العالم. إي والله، لقيادة العالم، ولا بدّ لذلك من تمرينات شاقة، وهذه هي التمرينات.

وقد يموت منا رجال، وتخرب لنا دور، ويصيبنا الأذى، ولكن ذلك كله يهون في جنب الغاية التي يريدها الله لنا.

هُتاف المجد: حوادث مصر (1956)

علي الطنطاوي

كلمات في الثورة

-3-

إلى السلاح يا عرب. إلى السلاح، فإن كل استقلال لا يحميه السلاح قلعة مَبنيّة على تل من الملح في مجرى السيل. إلى السلاح، فإن كل حق لا يؤيده فمُ المدفع حق معرَّضٌ للاغتصاب. إلى السلاح لتحموا به أوطانكم وإيمانكم، وتدافعوا به عن أرضكم وعن عِرضْكم، ولتذودوا به عن أجداث أجدادكم وآثار أمجادكم.

إلى السلاح يا عرب، إلى السلاح، ابذلوا في سبيله الغالي والرخيص. إلى السلاح، بيعوا الصحن والكرسي واشتروا السلاح، امنعوا عن أفواهكم وابذلوا للسلاح، فإنه إن كان معكم السلاح استرجعتم كل ما بذلتم، وإن لم يكن معكم سلاح لم ينفعكم كل ما ادّخرتموه.

إلى السلاح يا عرب: سلاح الحديد في أيديكم، وسلاح الإيمان في قلوبكم، وسلاح الأخلاق والعلم والمال. والله معكم، إن تنصروا الله بأموالكم وأنفسكم ينصركم ويثبّت أقدامكم.

هُتاف المجد: إلى السلاح يا عرب (1954)