أهمية الوعي السياسي في العمل الإسلامي

الداعية فتحي يكن

ماذا نعني بالوعي السياسي ؟

عرَّف علماؤنا الأجلاَّء - سلفاً وخلفاً - الوعي السياسيَّ بأنَّه إدراكٌ لواقع المسلمين وواقع العالم، بكلِّ ما يعنيه ذلك من معرفة طبيعة العصر، ومشكلات البشر، والقوى الفاعلة والمؤثِّرة - الظاهرة والخفيّة - في مواقع القرار، لتكون هذه المعرفة مساعدة في حسن رعاية الأمَّة ومصالحها، كما في دفع المفاسد والأخطار عنها.

فإذا كان معنى السياسة في الإسلام "رعاية شؤون الناس" فيكون الوعي لازماً لحسن القيام بهذه الرعاية.

إنَّ غياب الوعي السياسيِّ يعني اضطراب وتعثر شؤون الناس، وهو حالة شبيهة بحالة فقدان الوزن وانعدام الرؤيا، ونتيجته ضياع مصالح المسلمين، وتفاقم وتعاظم المفاسد بينهم وحولهم، وبالتالي ضعفهم وانهيارهم، وتعطل دورهم كأمَّة ظاهرة بين الأمم، آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، شاهدة على الناس، مصداقاً لقوله تعالى: "وكذلك جعلناكم أمَّةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"، (البقرة: 143).

وفي لفتة سريعة إلى دور الأمة الإسلامية في الحياة يقول تعالى: "كنتم خير أمَّةٍ أُخرِجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110).

يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: " إنَّ الفكر السياسي عند جمهرة المتدينين يتسم بالقصور البالغ.. إنهم يرون الفساد ولا يعرفون سببه، ويقرؤون التاريخ ولا يكشفون عبره.. ويقال لهم: كان لنا ماضٍ عزيز فلا يعرفون سر هذه العزة.. وانهزمنا في عصر كذا، فلا يدركون سبب هذه الكبوة" نقلاً من كتاب "الحركة الإسلاميَّة، رؤيةٌ مستقبليَّة" لمجموعةٍ من الكتَّاب.

الوعي السياسي ومعرفة العصر:

يجب أن يكون معلوماً أن الوعي السياسي هو المدخل الأساس لمعرفة العصر، والعنصر الأهم في نجاح المشروع الإسلامي.. ولا أكون مبالغاً إذا قلت أن كثيراً من التداعيات التي تشهدها الساحة الإسلامية ، وتتعرض لها الحركات والقوى الإسلامية في العالم تعود أسبابها إلى غياب الوعي السياسي، وبالتالي إلى التخلف عن معرفة وإدراك واقع العصر.

إن المتغيرات السريعة والدائمة التي تمر بالمجتمعات البشرية، والثورات التي قامت وتقوم، والتطورات التي طالت مختلف مناحي الحياة، لتؤكد ضرورة المتابعة اليومية للمجريات، واستكشاف مدى أثرها على العمل الإسلامي بشكل خاص، وما يتطلبه ذلك من تعديل وتطوير.

- فلابد من معرفة الواقع، ورصد الجوانب والقوى المؤثرة فيه.

- ولابدّ من رصد الأحداث وتحليلها واستكشاف خلفيَّاتها وأبعادها وآثارها.

- ولابد من معرفة تقاليد العصر وأعرافه وثقافاته وعلومه والقوانين السائدة والبائدة التي توالت وتتوالى عليه.

- ولابد من معرفة مشاريع الآخرين - أصدقاء وأعداء - والتجارب التغييرية المختلفة واستكشاف أسباب نجاحها إن نجحت أو فشلها إن فشلت.

- ثم أنه لابد من معرفة مصطلحات العصر ولغاته السياسية والأدبية والعلمية، إضافة إلى قراءة خطابه.

- بالإضافة إلى الكثير الكثير مما تجب معرفته، والتي قد تصل حيازتها إلى مستوى فروض العين أو الكفاية الشرعية؟

الوعي السياسي شرط الصحوة الإسلامية :

قد نظلم الحالة الإسلامية عندما نطلق عليها صفة الصحوة إن لم تكن على مستوى عال من الوعي السياسي والإحاطة بالعصر، وهذا ما دفع ويدفع بكثير من الدعاة والعلماء إلى التأكيد دائماً على ضرورة تأهيل أبناء الصحوة بكل ما تتطلبه الصحوة، بل إن هذا ليؤكد على وجوب إعادة النظر في مناهج التربية والتكوين ووسائل ووسائط بناء الشخصية الإسلامية، وصدق من قال: "رحم الله امرءاً عرف زمانه واستقامت طريقته".

الآثار المترتبة على غياب الوعي السياسي:

إن لغياب الوعي السياسي آثاراً سيئةً يصعب تحديدها وإدراكها بالكامل، لأن ما يسببه هذا الغياب من انعدام وزن يؤدِّي إلى حالة من توالد بلا حدود للتداعيات. وحسبي أن أنقل هنا بعضاً منها ورد في دراسة كان قد أعدها أحد الإخوة كمشروع كتاب حول الوعي السياسي، ففيها ما يكفي ويحقِّق الغرض بعون الله تعالى:

- عدم فهم اللغة السياسيَّة التي يتخاطب بها الناس من حولنا، سواءً على مستوى الألفاظ ومدلولها، أم على مستوى الأساليب وأبعادها، كمصطلحات: (النظام الدوليّ) و(الشرق الأوسط) و(التطرُّف) و(الأصوليَّة) و(مقاومة الإرهاب) و(اللوبي) و(صدام الحضارات) و(العولمة)... إلخ.

- عدم القدرة على استقراء اتجاهات الأحداث في العالم .

- العجز عن وضع الخطط المناسبة للتحرك.

- تنفيذ خطط القوى المعادية دون الشعور بذلك، كما حصل في لبنان لسنوات طوال، إذ صَبَّ جهد المتقاتلين في مصلحة العدو الإسرائيلي بشكل أساسي، وتنفيذاً لتحقيق رغبات بقيَّة العرب المتحاربين والمختلفين بالدرجة الثانية، وخدمة أهداف دول إقليميَّة معيَّنة كإمساك الرهائن بدرجة ثالثة.

- الوقوع في تناقضات حول الخطوات المناسبة للمواجهة.

- السقوط في مصيدة الاختراق السياسي – الفكري، مما يبلبل المسيرة.

- عدم الاستفادة من الفرص المتاحة ونقاط الضعف في جسم العدو السياسي.

- الانشغال بغير العدو الحقيقي، والاشتباك مع التيارات الأخرى الموازية أو الحليفة المفترضة.

- فقدان الثقة بالعمل الشعبي المنظَّم كأداة صراع ضد الخصوم.

- ضياع الفرص المناسبة، مع عدم الانتباه إلى الخسائر الراهنة والبعيدة المدى.

وأخيراً، فانه لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بالوعي السياسي لنجاح المشروع الإسلامي والعاملين فيه، وعلى أن يتحقق هذا الاهتمام عبر محاضن التربية ، ومناهج الإعداد، وبرامج التكوين، وكذا من خلال دورات تنظم خصيصاً لهذا الغرض.