سوريا: موت بلد

الإيكونومست

23/2/2013

بعد الحرب العالمية الأولى خرجت سوريا من تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وبعد الحرب العالمية الثانية, نالت استقلالها. أما بعد الحرب التي تدور رحاها اليوم يبدو أن سوريا سوف تتوقف عن أداء دورها كدولة.

مع غض طرف العالم عنها, فإن هذه البلاد التي تحيط بها تركيا ولبنان والأردن والعراق وإسرائيل تتعرض للتفكك. لربما سوف ينهار نظام بشار الأسد, رئيس سوريا, ولربما سوف يقاتل بشكل جيد لبعض الوقت من خلال جيب محصن, و يكون لديه أكبر ميليشيا على الأرض من بين الميليشيات الكثيرة. ولكن في  كلتا الحالتين يبدو أن سوريا سوف تقع فريسة لأمراء الحرب والإسلاميين و العصابات – أي صومال جديدة تخرج تتشكل في أرض المشرق العربي.

إذا حدث ذلك, فإن ملايين الأرواح سوف تحصد. وسوريا المقسمة سوف تغذي الجهاد العالمي و سوف تلهب الخصومة في الشرق الأوسط. أسلحة السيد الأسد الكيماوية, لا زالت مؤمنة حتى الآن, و لكنها سوف تبقى معرضة لخطر السقوط في أيد غير آمنة. هذه الكارثة سوف يشعر بها الشرق الأوسط برمته وحتى خارج الشرق الأوسط. و مع كل هذا, فإن العالم الخارجي, بما فيه أمريكا, لا يقدمون أي شيئا تقريبا للمساعدة.       

الطريق من دمشق:

جزء من سبب تردد الغرب يعود إلى أنه و منذ بداية الانتفاضة عام 2011, اتبع الأسد إستراتيجية عنيفة. وذلك من خلال مهاجمة الربيع العربي بواسطة الدبابات و السفن الحربية, فقد عمل على تحويل المتظاهرين السلميين إلى ميليشيات مسلحة. ومن خلال قصف المدن عمل على اقتلاع شعبه من الجذور. ومن خلال إرسال إخوته العلويين لارتكاب المجازر ضد الغالبية السنية, عمل على جر الإسلاميين إلى أرض المعركة و أقنع السوريين من الطوائف الأخرى بالوقوف و الالتصاق معه خوفا من أن سقوطه سوف يقود إلى عمليات انتقام رهيبة.

إن الدم السوري يسيل الآن بكل حرية و الكراهية الطائفية مشتعلة. هذا القتال قد يستمر سنوات عديدة. مجموعات المتمردين نجحت مؤخرا في السيطرة على قواعد عسكرية. كما سيطروا على مناطق في الشمال و الشرق و هم يقاتلون الآن في المدن الكبيرة. و لكن المتمردين متنافسين وحلفاء في نفس الوقت: فقد بدءوا باستهداف بعضهم البعض, إضافة إلى استهداف القوات الحكومية.

حتى ولو لم يستطع السيد الأسد السيطرة على بلاده, فإن لديه جميع الأسباب لكي يستمر في القتال. فهو لا يزال يتمتع بولاء تام من قبل زمرة من طائفته العلوية كما أنه يحظى بدعم من سوريين آخرين ممن يشعرون بالخوف من البديل القادم. إنه يقود ما يقرب من 50000 مقاتل مسلح ومدرب بشكل ممتاز و عشرات آلاف من الجنود الآخرين الذين لا يتمتعون بنفس الدرجة من التدريب و الولاء. أضف إلى ذلك أنه مدعوم من قبل روسيا و إيران و العراق, الذين يقدمون له الدعم المالي و الأسلحة و المشورة و الرجال. وحزب الله الذي يعتبر من أقوى الميليشيات اللبنانية يرسل مقاتليه أيضا. السيد الأسد و بكل تأكيد لا يمكن أن يكسب هذه الحرب, فيما عدا لو حصل أمر ما مفاجئ, ولكن الطريق للخسارة لا زال طويلا. 

لحد الآن فقد حصدت هذه الحرب أرواح ما يزيد على 70000 شخص و هناك عشرات الآلاف من المفقودين. كما أن النظام يعتقل مابين 150000 إلى 200000 شخص. و هناك ما يزيد على 2 مليون سوري مشردين داخل سوريا, و هم يكافحون للحصول على الطعام والمأوى. وهناك مليون سوري يعيشون في حالة من البؤس الشديد خارج الحدود.

هذا الكم من البؤس أمر لا يمكن استيعابه. لقد كان ذلك هو الدرس المأخوذ من عمليات الإبادة الجماعية و الحروب الأهلية التي شوهت النصف الأخير من القرن الماضي. وبرغم ذلك فقد قال الرئيس باراك أوباما إن إنقاذ الأرواح وحده لا يشكل أرضية كافية للعمل العسكري. لقد تعلمت أمريكا في أفغانستان و العراق مدى صعوبة فرض السلام, و هي لذلك تخشى من أن تسقط في حالة الفوضى التي خلقها السيد الأسد. لقد انتخب السيد أوباما ليكسب المعارك الاقتصادية في الداخل. إنه يعتقد أن أمريكا يجب أن تبقى في حالة حذر من السقوط في كارثة أجنبية أخرى.

هذه النتيجة برغم أنها مفهومة إلا أنها خاطئة. كقوة كبرى عالمية, فإن أمريكا سوف تستدرج إلى سوريا في نهاية المطاف. حتى لو استطاع الرئيس مقاومة الحجج الإنسانية, فإنه لن يستطيع تجاهل مصالح بلاده.

إذا استمر القتال, فإن سوريا سوف تتحول إلى خليط من الإقطاعيين المتحاربين. و تقريبا فإن كل شئ تريد أن تحققه أمريكا في الشرق الأوسط سوف يصبح أكثر صعوبة. احتواء الإرهاب و ضمان إمدادات الطاقة و انتشار أسلحة الدمار الشامل, و على خلاف الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما, فإنها مهددة بالانفجار بسبب سوريا.

إن ما يقرب من خمس المتمردين – و أفضلهم تنظيما – هم من الجهاديين. وهم يشكلون تهديدا على السوريين المعتدلين, بما فيهم السنة و من الممكن أن يستخدموا المناطق الخارجة عن القانون كقاعدة لإرهاب دولي. و إذا هددوا إسرائيل عبر مرتفعات الجولان, فإن إسرائيل سوف تعمل على حماية نفسها بشراسة, وهو ما سيشعل الرأي العام العربي. سوريا المقسمة قد تؤدي إلى تفتيت لبنان إلى أجزاء, لأن الأسد سوف يستثير أنصاره هناك. والأردن, الدولة الفقيرة و الهشة سوف تتعرض لحالة من عدم الاستقرار بسبب تدفق اللاجئين و الإسلاميين. و العراق ذات الغالبية الشيعية و الغنية بالنفط بالكاد يمكن أن تحافظ على نفسها بسبب دخول العراقيين السنة في الصراع, كما أن الانقسامات سوف تتعمق هناك. التعامل مع تداعيات سوريا, بما فيها ترسانة السيد الأسد من السلاح الكيماوي, يمكن أن تعقد من هدف منع إيران من الحصول على القنبلة النووية. لقد أراد السيد أوباما تجنب سوريا, و لكن سوريا لا تريد تجنبه.

التقاعس عن العمل, سياسة أيضا:

سوريا اليوم أكثر خطرا مما كانت عليه في شهر أكتوبر, وذلك عندما دعت هذه الصحيفة إلى إنشاء منطقة حظر طيران من أجل تثبيت القوة الجوية للسيد الأسد على الأرض. إن سياسة السيد أوباما في انتظار أن يأتي الحريق على نفسه فاشلة. و عوضا عن أن ينظر إلى الأمور و هي تسير نحو الأسوأ فإن عليه أن يتصرف.

يجب أن يكون هدفه هو الحفاظ على ما تبقى من سوريا. وهو ما يعني أن عليه أن يحاول إقناع الأشخاص المحيطين بالأسد بأن خيارهم هو ما بين هزيمة ساحقة أو تنحية عائلة الأسد كمقدمة للحوار مع المتمردين. إن منطقة حظر الطيران لا زالت ضرورية لمنع القوة الجوية للسيد الأسد من التحليق كما يجب العمل على تدمير بعض من صواريخه. ما سبق سوف يكون بمثابة إشارة جريئة على تصميم أمريكا و جديتها أمام مؤيدي السيد الأسد. و على أمريكا أن تعترف بالحكومة الانتقالية المنتخبة من قبل المعارضة السورية. كما عليها أن تسلح المجموعات المعارضة الجهادية, و من ضمن هذا التسليح تزويدهم بصواريخ مضادة للطيران. فرنسا و بريطانيا كلاهما سوف تدعمان هذا التوجه, حتى لو لم تدعم الدول الأوروبية ذلك. دعم روسيا للأسد أدى إلى إحباط أوباما بصورة جزئية. على أوروبا و أمريكا أن تستمرا في محاولة إبعاد روسيا عنه, و ذلك من خلال التعهد بدور لها في سوريا المحررة.

ليس هناك أي ضمانة أن هذه السياسة سوف تنجح. و لكنها على الأقل سوف تبني روابط مع المتمردين غير الجهاديين الذين سوف تكون أمريكا بحاجة لهم كحلفاء في حالة الفوضى إذا استمر الأسد. في يومنا هذا يشعر هؤلاء السوريين المعتدلين بالخذلان.