هل الصراع في سوريا حقاً إلى مرحلة الحسم

هل الصراع في سوريا حقاً إلى مرحلة الحسم

البروفيسور آيال زيسر

ترجمة: ثروت محمد حسن

أصدر مركز دايان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في 18 يونيو 2012 ، المجلد الثاني للعدد الخاص رقم 1012 من مجلة "تسومت همزراح هاتيخون" ومعنها بالعربية "مفترق الشرق الأوسط"، للباحث آيال زيسر المتخصص في الشئون السورية جاء فيها أنه رغم مرور خمسة عشر شهراً منذ نشوب الثورة ضد نظام بشار الأسد في سوريا في مارس 2011 ، والتي أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من خمسة عشر آلف سوري، مازالت نهايتها لم تضتح فى الأفق. إن الإنتفاضة التى بدأت كحركة تمرد للفلاحين في حوران جنوب سوريا، انتشرت خلال العام الماضي في كل أرجاء الدولة، وهي تضم اليوم طبقات واسعة من السكان العرب السنة في المناطق الريفية وضواحيها وحتى في ضواحي المدن الكبرى السورية. وفشلت كافة جهود النظام لقمع هذه الانتفاضة بالقوة، وعلى العكس ساهمت في تفاقم الوضع، وحل محل مظاهرات الشوارع الغفيرة التى تدعو إلى تغيير النظام والحرية مجموعات مسلحة تنفذ عمليات إرهابية ضد قوات النظام ومؤيديه، وتحظى هذه المجموعات بدعم شعبي واسع وتتقوى بمرور الوقت.

حتى الآن ما زال النظام في سوريا قائماً على قدميه، رغم ضعفه ونزفه، ويرد بحرب شعواء، يدافع فيها عن حياته، إلى جانبه قوى مهمة في المجتمع السوري لمساندته وعلى رأسها أبناء الأقليات الذين يمثلون نحو 40% من إجمالي السكان في سوريا. وبالنسبة لهذه الأقليات، وخاصة أبناء الطائفة العلوية والمسيحيين، وبقدر أقل أيضا أبناء الطائفة الدرزية، وليس فقط بالنسبة لأسرة الأسد، فإن بقاء النظام السوري يعدّ مسألة حياة أو موت.

في المقابل، فإن القوات التى انتفضت ضد النظام السوري وتحارب ضده الآن، لا تمثل كتلة متجانسة، وتتسم بالانقسام والتشرذم على خلفية طبقيّة ومناطقيّة وكذلك إيديولوجياً. ولذلك فإنه من الصعب اليوم الحديث عن معارضة للنظام السوري بمفاهيم هيئة منظمة ومتجانسة ذات زعامة سياسية وقيادة عسكرية متفق عليها وشرعية وتسيطر بفعّالية على مجريات ما يحدث وسط مجموعات المنتفضين في شتى أنحاء الدولة.

وعلى هذه الخلفية فإن سوريا آخذت بالإنغراس في حالة من الفوضى ، وخاصة، من سفك الدماء بلا هوادة، ويتبيّن أن هذا هو الطريق المسدود الذي وصل إليه الصراع اليوم بين النظام وبين معارضيه، ولا يملك أي طرف من الطرفين حتى الآن القدرة على حسم غريمه.

وأحصى الباحث ثلاث سمات بارزة للواقع الحالي الحالي في سوريا، نوردها على النحو التالي :

الأولى : فقدان السيطرة والحكم ، حيث تخلى النظام عملياً عن سيطرته على أجزاء كبيرة من المناطق الريفية وضواحيها، كذلك تخلي عن أحياء إشكاليّة داخل المدن الكبرى، ويركز جهوده في الحفاظ على إحكام سيطرته على وسط المدن الكبرى، وطرق المواصلات، والمعابر الحدودية. وهكذا، فإنه في حين يصعب في وسط دمشق ملاحظة مظاهر الانتتفاضة ضد النظام، نجد في البلدات والقرى التي لا تبعد كثيراً عن العاصمة سيطرة شرطيّة محدودة تنحصر فقط خلال ساعات النهار وتعتمد على تواجد القوات الأمن هناك.

الثانية: حرب العصابات، حيث دفع ضعف الجيش النظامي وقوات الأمن وأجهزة حزب البعث النظام إلى الاعتماد كثيراً على العصابات المسلحة – التى تُلقب بالشبيحة) والتي يجري تنظيمها في الغالب على أساس متطوعين ومجندين من أبناء الطائفة العلوية. ومن ناحية أخرى، أدى عجز المعارضة لقولبة قيادة عسكرية وسياسية منظمتين إلى أن الصراع بين النظام ومعارضيه شكّل حرب عصابات ترتكب مذابح بشعة ذات طابع طائفي علوي ضد السنة والعكس، هذه الأعمال مرتبطة بتصفية حسابات على خلفية محلية مثلما حدث على سبيل المثال في بلدة الحولا التى تقع وسط حمص، وفي قرى الكُبير بمحافظة حماة والحيفا بمحافظة اللاذقية.

الثالثة: تحول سوريا إلى ساحة جهاد، فقد حلت سوريا محل العراق وأفغانستان كساحة للجهاد يتدفق إليها آلاف الشباب من كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي وأيضا من أوروبا من أجل القتال ضد نظام بشار الأسد "الكافر". هؤلاء الشباب ينضمون إلى مجموعات إسلامية تعمل بإحياء من مننظمة القاعدة، أو إلى مجموعات سلفية محلية، وتساهم أعمالهم الإرهابية التي لا تميّز بين شخص وأخر في زيادة الفوضى السائدة في كافة أنحاء الدولة .

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه في بداية الأحداث إعتمد النظام السوري على دعم إثني من قِبل تحالف الأقليات في سوريا، وعلى دعم الطبقات المتوسطة والنخب في المدن الكبرى، وعلى الجيش وأجهزة الأمن وعلى البيروقراطية الحكومية. والآن لوحظ فى هذا الواقع تصدعات أولية. وحقاً أبناء الأقليات ما زالوا يقفون إلى يمين النظام وعلى رأسهم العلويين، وإلى جانبهم المسيحيين والدروز، بينما الأكراد ما زالوا يحافظون على ضبط نفس معيّن، إلا أن الهدوء النسبي ما زال يسود المدن الكبرى، وكذلك الجيش وأجهزة الأمن ما زالا يقومان بمهماتهما ويساعدان النظام في في محاربة معارضيه،.

غير أن الجيش وأجهزة الأمن آخذة فى الضعف. والدليل على ذلك زياددة  ظاهرة الانشقاق والفرار من الخدمة العسكرية. ففي البداية كان الحديث يدور عن انشقاق لا يُذكر لجنود فرادى وضباط صغار. لكن في الأسابيع الأخيرة بدأ ينشق ويفر من الخدمة العسكرية ضباط من ذوي الرتب العليا وكذلك ضباط برتب رواد وعقداء وعمداء وربما لواءات . كذلك بدأ يتضعضع ويضعف دعم الأغلبية الصامته من أبناء الطبقة المتوسطة والعليا في دمشق وحلب أكبر المدن السورية . هولاء أيدوا النظام خوفاً من أن سقوطه سيأخذ سوريا إلى الفوضى كما هو الحال في العراق.  لكن بدأ يبرز وسط هؤلاء تغّير معين.

صحيح كثير من السوريين يخشون من أن سقوط بشار الأسد سيقود إلى الفوضى، لكن الكثير منهم يرى أن هذا الواقع أفضل من الواقع القائم والذي يتسم بالمذابح المتواصلة، وتدهور الوضع الاقتصادي وعدم وجود الأمن الشخصي. وبالنسبة لهم الاستنتاج واضح وهو أنه إذا كان الأسد غير قادر على إنهاء الأزمة، وإذا كان بقاؤه في السلطة هو سبب استمرارها، فمن الأفضل أن يرحل. وهذه الأجواء لها تأثير سلبي كبير على النظام السوري، فعندما سيصبح هذا هو رأي أغلبية سكان المدن الكبرى، وخاصة حلب ودمشق، فإن هذا من شأنه أن يؤدى إلى حسم الصراع في سوريا ضد النظام .

وفي النهاية، مازال المجتمع الدولي بواجه صعوبة في إيجاد حل للأزمة في سوريا. فهو يخشى من التدخل فى مجريات الأحداث بالدولة، ليس بسبب معارضة روسيا والصين فحسب، بل أيضا خوفاً من أن تتحول سوريا إلى مستنقع مماثل لأفغانستان والعراق فى حينهما، ينغرس فيه كل من يحاول التدخل هناك. ويجب الإفتراض أنهم فى واشنطن لم ينسوا المسئولية المأساوية للقوة متعددة الجنسيات التى أُرسلت برئاسة الولايات المتحدة في صيف 1982 والتى عاد معظم جنودها فى نعوش. بهذا أو بذاك فإن سوريا التى نُظر إليها في العقود الأخيرة على أنها قوة إقليمية، باتت ساحة صراع إقليمي ودولي. ففي الساحة الإقليمية تقف إيران وحزب الله في معسكر واحد وفي المعسكر المعارض تتواجد تركيا ودول أوروبية من جانب وروسيا والصين من جانب ثان . وتُقدم إيران وحزب الله مساعدات لصمود النظام السوري ، الذي يمثل جزءاً هاماً فى النظام الجيو بوليتيكي الموالي لإيران في المنطقة ، ويوطدون العلاقة مع الطائفة العلوية المقربة من الشيعة . وتكتفي روسيا من جانبها بتزويد المتمردين بالسلاح والمساعدة. هذه المساعدة عبارة عن تنفس الصعداء بالنسبة للمتمردين وتمكنهم من محاربة نظام الأسد.

إن الصراع في سوريا ما زال لم يقترب على  النهاية. ثمة من هو مقتنع بأن المعارضة غير قادرة على إخضاع النظام السوري، وأنها في نهاية المطاف وبعد حرب استنزاف طويلة ستنهزم. وفي المقابل، هناك قناعة لدى كثيرين داخل سوريا وخارجها بأن بشار الأسد سيسقط في النهاية وبأن نظامه ينزف ويفقد قوته وهو لا يمكنه الصمود طويلاً . وهذا خاصة بسبب تغيير الأجواء وسط الأغلبية الصامته في سوريا والتى يتعلق بها بشار الأسد على مدار الوقت. وبهذه الطريقة أو بأخرى، فإن سفك الدماء سيتواصل لفترة طويلة من الزمن وسيخلف وراءه دولة ضعيفة ومحطمة بغض النظر عن هوية النظام الذي سيحكم دمشق.