لماذا يردد الببغاء كلمات الإنسان 8

لماذا يردد الببغاء كلمات الإنسان

( 8 )

ترجمة: أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

& قصة قديمة من الهند

من كتاب :

(The Big Story Book)

في العصور القديمة لم تكن الببغاء قد تعلمت كيف تتعلم ، ولكن الطائر الذي كان بهذه الصفة هو طائر لوركيت   ( وهو أصغر من الببغاء التي نعرفها وإن كان من فصيلتها ) . لقد رأى الناس في هذا الطائر الصغير ذكاء حادا ، فهو لا يحتاج إلا إلى قدر ضئيل من التعليم والتدريب .

ومن قدراته : أنه كان إذا سمع كلمة استطاع ترديدها بسهولة ، ليس هذا فحسب ، بل إنه كذلك قدير على التعبير عن أفكاره الخاصة بكلماته دون الاكتفاء بمجرد تقليد الأصوات التي يسمعها  . /span>

ولكن حدث ذات مرة  ( ما قلب الأمور رأسا على عقب ) : 

فيحكى أن فلاحا رأى ذات يوم بقرة جاره تتجول في حقله المزروع أرزا ، فأخذها ، وذبحها وقطع لحمها وأكل بعضه،أخفى قدرا من اللحم فوق مخزن الأرز .  وأخفى كمية أكبر في صندوق كبير .

وفي اليوم التالي جاء الجار يسأل الفلاح عن بقرته ، ولكن الأخير أنكر رؤية البقرة . وكان الفلاح يقتني طائر لوركيت الذي تدخل في هذه اللحظة قائلا   ـ  " إن سيدي ذبح البقرة ، فأكل بعضها ، وأخفى ما تبقى منها في صندوق فوق مخزن الأرز  " . 

وحينما سمع الجار ذلك نظر حوله ، واكتشف صحة ما قاله الطائر حين وقع نظره على اللحم ، ولكن الفلاح قال : " نعم هذه هي الأماكن التي أحتفظ فيها باللحم ، ولكن لم أر بقرتك ، إن هذا لحم حيوان آخر " .

ولكن لوركيت كرر مؤكدا ما قاله أولا ، واحتار الجار : أيصدق كلام الرجل أم كلام الطائر ؟  ، لذلك رفع الأمر إلى القضاء ، وحدد اليوم التالي لنظر القضية . وقال الفلاح اللص في نفسه :

ـ " لماذا يؤخذ بكلام الطائر ، ولا يؤخذ بكلامي ؟ " .

وفي نفس الليلة أخرج الطائر من قفصه ، ووضحه في إناء كبير من النحاس الأصفر ، وغطى الإناء بقطعة من القماش ، حتى صار الطائر في ظلام دامس ، ولم يستطع الطائر الحبيس المسكين أن يرى شيئا من مظاهر الليل الجميل خارج الإناء ، وبدا الرجل يدق على جوانب الإناء النحاسي بخفة وهدوء بادئ الأمر ، ثم بقوة وضجيج مرتفع مقلدا بذلك صوت الرعد ، وأخذ مغرفة ملأها ماء ، وأخذ يسقط قطرات من الماء على الغطاء القماشي محدثا صوتا كصوت المطر ، وبقي الرجل طيلة الليل يكرر الطرق على الإناء ويسقط قطرات الماء على الغطاء . وحينما طلع الفجر أخرج الطائر وأعاد وضعه في قفصه .

ويوم نظر القضية حمل الفلاح طائره ، وذهب إلى المحكمة . ووقف الجار الذي فقد بقرته يشرح كيف أرشده اللوركيت إلى مكان اللحم المسروق . وطلب القاضي شهادة لوركيت فردد ما سبق أن قاله من قبل :

ـ " إن صاحبي ذبح البقة ، وأخفى بعض لحمها فوق مخزن الأرز ، والبعض الأخر في صندوق كبير " .

وتكلم الرجل الذي استولى على البقرة :

ـ " إن اللحم الذي وصفته في الصندوق ، وعلى سطح مخزن الأرز لحم حيوان آخر . كيف يكون الحال حينما تقيم وزنا بكلام هذا الطائر الأحمق ؟ أكثر مما تقيم وزنا لكلامي ؟ " .

قال القاضي :

ـ " ولكن لوركيت طائر ذكي في الحقيقة " .

أجاب الفلاح :

ـ " بل إنه يلقي الكلام على عواهنه ، فكثيرا ما يتحدث بلا وعي وبلا إحساس ، فإن شئت اسأله سؤلا إخر لتؤمن بصحة كلامي ... سله عن حالة الطقس في الليلة الماضية " .

وتوجه القاضي إلى لوركيت بالسؤال فأجاب :

ـ " لقد كانت الليلة الأخيرة مظلمة وعاصفة ، لقد هبت الريح ، وسقط المطر ، وزأر الرعد " .

قال الفلاح موجها كلامه للقاضي :

ـ " آمل أن تتذكر ياسيدي أن الليلة الأخيرة كانت صافية السماء ، وقد طلع فيها البدر بتمامه ، فهل تستطيع أن تدينني بناء على شهادة هذا الطائر ؟ ".

واقتنع الحاضرون ، واقتنع القاضي بمنطق الفلاح وقال الجميع :

ـ " حقا أنت بريء ، لقد كانت سلامتك معرضة للخطر بسبب شهادة هذا الطائر المخبول ، ومن الأن لن نقتني مثل هذا الطائر في بيوتنا " .

وهكذا أصبح سارق البقرة بريئا ، وأطلق طائر لوركيت ليعود إلى الغابة مرة أخرى ، ويعيش حياته الأصلية ... الحياة التي كان يعيشها قبل أن يعرف الإنسان ... عاش حذرا محطات لنفسه .

ولكنه أبصر ذات يوم طائرا جديدا غريبا في الغابة  ، طائرا أكبر منه وقد كسي جسمه بريش أحمر لامع ، وريش أخضر براق . ودار بينهما الحوار الآتي :

ـ " من أنت ؟ " .

ـ " أنا الببغاء وقد جئت من الجنوب وأنا الآن بصدد التوجه للعيش في القرية لأنني أتكلم لغة الإنسان  " .

حينئذ انطلق لوركيت قائلا : 

ــ " مرحبا بك في هذا الوطن ، ولكن مادمت غريبا هنا آمل أن تقبل نصيحتي وتحذيري : أنا كنت أتكلم أيضا لغة الإنسان ، وكنت موضع العناية والاهتمام في بيت واحد من الناس ، ورأيت بعيني وسمعت بأذني ، ولم أكن أردد الكلمات التي يلغط بها الإنسان فحسب ، ولكني كنت أعبر عما يدور في خلدي كذلك. وبعدها حينما عبرت بعقلية صريحة غضب صاحبي فطردت شر طردة . وها هو ذا تحليلي : إنك تستطيع التحدث بلغة الإنسان ، ولكنه سيأثرك ليحتفظ بك في بيته ، فلا تقل إلا ما يعلمك هو لا ما تؤمن أنت به ، ولأن الإنسان بطبيعته لا يحب أن يستمع إلا إلى صوت أفكاره الخاصة ، فهو راغب عن الحقيقة والحكمة " .

واستمع الببغاء لنصيحة لوركيت وشكره ، وصارت الأمور كما تنبأ بها لوركيت ... علم الإنسان بوصول الببغاء ... الطائر المتكلم ، وأثر الببغاء وأحضر إلى بيت الإنسان ، وأطعم واهتم به صاحبه كما كان يهتم بلوركيت ، وعُلِمْ الأشياء التي يريد منه الإنسان قولها . /span>

وعاش الببغاء لا يردد إلا الكلمات التي يسمعها من شفتي صاحبه ... خائفا أن يعبر عن أفكاره الحقيقية .