الكلاب الضالة

( 7 )

الكلاب الضالة ( كلاب بلا أصحاب )

Nobody’s Puppies

ترجمة: أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

من قصص الأطفال الغربية

من كتاب : (The Big Story Book)

عادت الكلبة الأم إلى الزقاق ، ولم ينتبه لعودتها أبناؤها الأجْراء الثلاثة : براوني ـ وايتي ـ بلاكي . فقد كانوا مشغولين عنها باللعب ... إنه الزقاق الذي يعيش فيه هذه الأجراء الثلاثة المرحة مع أمهم ، لم يكن لهم بيت حقيقي يضمهم ، فلا حشية ناعمة ينامون عليها ، ولا مدفئة يلتفون حولها , فسريرهم صندوق من الكرتون قد حُشي بالخرق البالية ، خلف كومة عالية من صناديق الشحن .

إن الكلبة الأم واحدة من الكلاب الشاردة الضالة التي لا صاحب لها ، وكذلك الصغار الثلاثة ليس لهم صاحب يهتم بهم ويرعاهم ، وليس هناك من يجهز لهم عشاءهم في الخامسة من مساء كل يوم كبقية الكلاب التي لها أصحاب .

إن عليهم أن يجهزوا طعامهم بأنفسهم ، ويكون ذلك أحيانا مهمة صعبة .

ـ " تعالو يا أبنائي الصغار لتأكلوا " .

وانطلق الصغار الثلاثة حيث كانت أمهم جالسة ، ودون تردد بدءوا يقضمون العظمة البالية التي قدمتها أمهم .

وفجأة توقف الصغير براون عن المضغ ، ونظر بتمعن شديد إلى أمه ... إن الأم لا تشاركهم طعامهم ، وهي تبدو حزينة . هل وقع ما أحزنها ؟ .

وسألها براوني :

ـ " ألا تشعرين بالجوع يا أماه ؟ " .

وقال بلاكي :

ـ " هل أنت على ما يرام يا أمي ؟ " .

وصاح وايتي :

ـ " هيه ... ماذا يحدث هناك أليس فيكم من يحب العظام ؟ ... إن أحدا لم يأكل ؟ " .

وابتسمت الأم في وجوه صغارها الثلاثة ، إنهم أبناء طيبون ، لذلك أحبتهم من كل قلبها ، إنهم لطاف بالنسبة لسنهم ، كما أنهم شجعان كذلك ، فخلال مدة قصيرة نما الصغار الثلاثة وتركوا مرحلة الصغر والعمى ، والعجز إلى مرحلة القدرة والاستقلال والاعتماد على النفس ، وسيأتي اليوم الذي سيكون الثلاثة فيه كلابا سريعة قوية .

قالت الأم لأبنائها :

ولكن براوني ـ ألطف الصغار الثلاثة ـ كان يعلم ( في قرارة نفسه ) أن هناك شيئا آخر يحزن أمه . ترى ما هو ؟ . وسأل براوني أمه :

ـ " هل هذه العظمة هي كل طعامنا في العشاء ؟ " .

أجابت الأم :

ـ " نعم ، وسيكون منها فطورنا في الغد كذلك ... إن الحصول على الطعام أصبح أمرا في منتهى الصعوبة " .

وسألها بلاكي أكثر الثلاثة فضولا :

ـ " من أين حصلتي على هذه العظمة يا أماه ؟ " .

أجابت الأم :

ـ " لقد وجدتها في صفيحة القمامة ، وكان عليّ أن أقاتل كلبا آخر من أجلها ، ولحسن الحظ كسبت المعركة هذه المرة ، ولكن ربما خسرتها في المرة القادمة فيجوع صغلري المساكين " .

وتنهدت الكلبة الأم في حزن عميق . وصاح براوني :

ـ " لا ... لا لن نجوع أبدا " .

وقال بلاكي في تفاخر وتباه :

ـ " إننا نستطيع أن نهتم بأنفسنا ونعتمد عليها " .

وقال وايتي وهو يهز ذيله الطويل :

ـ " لا تحزني من أجلنا ، ولا تحملي همنا يا أمنا الحبيبة " .

وتبسمت الكلبة الأم . إنها فخورة بصغارها ، وهي تعلم في قرارة نفسها أنهم لم يعودوا في حاجة إلى رعايتها بعد ذلك ، وقد نموا ( وشبوا عن الطوق ) ، إنها تحبهم ، وهم يحبونها ، ولكن جاء الوقت الذي يجب فيه أن ينطلقوا إلى عالمهم الذي يناسب سنهم ، إنه الوقت الذي يجب أن يتركوا فيه اللعب واللهو ويسلكوا مسلك الكبار .

كم كانت تتمنى أن يعيشوا معها إلى الأبد ، ولكنها تعلم أنها لا تستطيع ؛ فحينما يحل الشتاء لن يكون هناك الطعام الكافي لهم جميعا .

ووجهت الكلبة الأم الحديث غلى أبنائها :

ـ " يا صغاري الأعزاء لقد حل الوقت الذي يجب أن تتركوا فيه الزقاق ... يجب أن تنطلقوا إلى الدنيا الواسعة ، وتحاولوا العثور على المأوى الطيب والأصحاب الرحماء .

وسألها براوني :

ـ " وكيف نتمكن من ذلك ؟ " .

أجابت الأم :

ـ " اذهبوا إلى الأماكن التي يعيش فيها الناس ، واختاروا السيد ذا الوجه السمح الودود ، وتذكروا الأشياء التي لقنتكم إياها : النباح ... هز الذيول ... اللعب الرشيق ، حينئذ ربما تجدون الشخص الذي يلتقط الواحد منكم ويصحبه إلى منزله ، وأهم شيء أن تجد المكان الذي تعيش فيه سعيدا ، ولكي تعيش سعيدا يجب أن تدرك ما تريده من الحياة .

وغمغم وايتي :

ـ " أنا لا أفهم شيئا يا أمي " .

وابتسمت الأم في وجه طفلها الصغير وقالت :

ـ " صحيح أنكم جميعا أبنائي ، ولكنكم مختلفون في طباعكم ، فلستم جميعا نسيجا واحدا ، وربما أحب براوني صاحبا لا يحبه بلاكي . أتفهم يا وايتي ؟ " .

فأجاب وايتي :

ـ " أعتقد ذلك ، فأنا أحب أن أجري وأقفز وألعب ، وكذلك يجب أن يكون صاحبي الذي سيقتنيني محبا للجري والقفز واللعب . وبلاكي يعشق المشي لمسافات طويلة ويتمنى أن يكون صاحبه كذلك " .

وابتسمت الكلبة الأم وطفرت من عينها دمعة وهي تنظر لأطفالها ، فهذه أخر ليلة يقدونها معا كأسرة واحدة .

وبصوت ناعم رفيق ـ وهي تلعق وجوه صغارها ـ قالت :

ـ " والأن هيا بنا نتناول عشاءنا ففي صباح الغد ستغادرون الزقاق للبحث عن مساكن جديدة " .

ونبح الكلاب الثلاثة في حرارة ، وهزوا ذيولهم ، وبدءوا ينهشون العظمة الممتعة في نهم شديد ، فغدا سيبدءون أكبر مغامرة في حياتهم الجديدة .

وفي اليوم التالي استيقظت الكلاب الصغار الثلاثة مبكرين مبتهجين ... وأخذوا يلعقون أمهم بألسنتهم قبل أن يودعوها ... لقد كانت لحظة حزينة ، ولكنها كانت أيضا لحظة تدعو إلى الفخر بالنسبة لكل واحد منهم ، ثم انطلق الثلاثة من الزقاق ـ الذي كانوا يعيشون فيه ـ إلى رصيف الشارع .

وقرر وايتي أن يبحث عن سيد له في ملعب الأطفال (play ground) لأنه يحب الجري والقفز واللعب ، وهناك يجري الأطفال دائما ويقفزون ويلعبون ، وهو يأمل أن يتعلق به واحد من هؤلاء الأطفال ويأخذه إلى منزله . لقد كانت أرض الملعب غاصة بالأولاد والبنات الذين يلعبون في ضحك ومرح ، وأصبح وايتي داخل الملعب ، وأمام هذه الكثرة الكثيرة من هذه الأطفال وقف حائرا ، وأخذ يسائل نفسه: أي هؤلاء يختار ؟ وماذا يفعل ؟ وإلى أين يذهب ؟ ومع من من هؤلاء يلعب ؟ .

ولمح طفلة جذابة تلعب في صندوق الرمال ، لقد كانت تبني قلعة من الرمل ، هل يذهب إليها ويبنح في أعلى صوته ؟

ثم رأى طفلا أكبر يصعد الزلاقة العالية ، ربما صلح هذا الطفل أن يكون سيدا مناسبا له كما يبدوا من مظهره . كان الغلام كبيرا وقويا . هل يندفع وايتي نحو هذا الصبي ، ويهز ذيله بأقصى سرعة يستطيعها ؟

وفجأة انطلق الفتى مارا بوايتي ، لقد بدأ يعدو في سرعة الريح ، ولم يستطع الكلب الصغير أن يقاوم رغبته الشديدة في الاشتراك في اللعبة ، وانطلق يجري في حرارة في أعقاب الصبي .

وقهقه الصبي حين نظر خلفه فرأى وايتي الصغير ينبح بصوت عال متحديا فتى أن يجري أسرع منه .

وصاح الصبي :

 ـ " أهكذا تريد أيها الكلب الصغير أن تسابقني ؟ حسنا تقدم وحاول أن تلحق بي إن استطعت " .

وقفز الصبي في حفرة الرمل الكبيرة ، وقفز وايتي في إثره ، وأخذ يجريان هنا وهناك وفي كل مكان إلى أن بلغ بهم التعب مداه مما اضطرهما إلى التوقف والجلوس ، وألقيا بنفسهما على الحشائش اللينة الطرية تحت شجرة ظليلة .

وابتسم الصبي في وجه صديقه الجديد وقال وهو يتنفس بعمق :

ـ " إنك مثلي تماما : فأنت تحب الجري والقفز واللعب ، وأرجح أنك لا تخص واحدا معينا مادمت لا أرى في عنقك طوقا ، ولا رخصة معدنية . لقد قال لي والدي إنني أستطيع أن أقتني حيوانا أليفا ، وأعتقد أننا ـ أنا وأنت ـ يمكن أن نكون صديقين مخلصين . أتحب أن تصحبني إلى البيت ؟ " .

نبح وايتي معبرا عن شغفه ورغبته ، وأخذ يهز ذيله ويلعق بلسانه يدي الغلام ، إنه يود أن يكون هذا الصبي هو صاحبه وسيده ، لذلك وثب إلى ذراعيه .

قال الصبي وهو يمرر أصابعه خلف أذني وايتي المتدليتين :

ـ " اسمي سين ، وسأطلق عليك اسم جولي ( Jolly ) ؛ لأنك كلب مرح بهيج " .

وحمل الصبي الكلب الصغير بين ذراعييه وهرول به . لقد أصبح لوايتي اسم جديد ، وبيت جديد . وكان الكلب الصغير ـ وصاحبه الجديد يحمله بين ذراعيه ويهزه في حنان ـ يفكر في مصير أخويه ويتمنى أن يصير كل منهما إلى صاحب طيب كصاحبه .

والأن لننظر إلى مصير بلاكي ، إنه كلب صغير لا يحب الحركة السريعة ، بل يعشق الحركة البطيئة لأنه كلب فضولي بطبيعته ، وبهذه الطريقة تميز بقدرته على فحص الأشياء بدقة . ‘ن هذا الجرو ذا الفرو الأسود القصير يحب أن يمشي لمسافات طويلة ، لقد تعود الناس أن يسيروا لمسافات طويلة وببطء داخل هذه الحديقة العظيمة .

وبعد أن شق وايتي طريقه مجتازا البوابات الحديدية الضخمة إلى مدخل الحديقة أخذ يعدو خلال أحواض الزرع ، ويهرول فوق الحشيش الأخضر . وسمع بلاكي صوتا يقول :

ـ " حسن ... حسن ... حسن ... ماذا تفعل هنا أيها الكلب الصغير ؟ هل تتريض بمشيتك اليومية كما أفعل أنا ؟ " .

ونظر الكلب الصغير فرأى جانب الشجرة الطويلة المجاورة رجلا نبيلا لطيفا ، ومعه عكاز ، إنه يحمل وجها سمحا ، وابتسامة مشرقة ، وتسائل بلاكي بينه وبين نفسه :

ـ " ترى أيصلح هذا الرجل أن يكون سيدا طيبا " .

وقرر أن يختبره فأخذ ينبح ، ويهز ذيله ذا الفرو الناعم ، ويتقلب متمرغا على ظهره يمينا وشمالا . ضحك الرجل العجوز ، وجثا على ركبتيه وبرفق وحنان أخذ يربط ويمرر بيده على بطن بلاكي المنقط . لقد بدأ بلاكي يفتح قلبه له ويحبه ، ومرة أخرى أخذ الرجل العجوز يضحك بينه وبين نفسه ويقول :

ـ " يبدو أنك لست ملكا لأحد ، فلماذا لا تأتي نعي برفقتي ؛ أنا أعشق المشي الطويل ، وأحيانا أشعر بالوحشة والوحدة ، ويمكن أن أتخذك رفيقا نذهب عني وحشتي ، أتقبل أن تكون كلبي الخاص ، أيها الجرو الصغير ؟ " .

ونبح بلاكي ، فعرف الرجل أن الكلب الصغير قد رضي به صاحبا ، فربت على رأسه وفكر لدقيقة ثم قال :

ـ " اسمي سميث ( smith) . والأن نحن في حاجة إلى تحديد اسم لك ، ما رأيك أن أسميك ( سميثي ) (smithy) . هل تحب ذلك الاسم ؟ .

وابدى بلاكي ما يدل على حبه للاسم الجديد ، فأخذ يهز ذيله .

فقال ماستر سميث وهو ينهض واقفا :

ـ " حسنا يا سمثي ... تعال معي إذن لترافقني في جولة في الحديقة ، ثم بعد ذلك نعود إلى مسكني لنتناول غداء طيبا . ووثب الكلب الأسود الصغير وراء سيده الجديد في سعادة غامرة لقد ساقه الحظ كذلك إلى المأوى الجميل " .

أما الكلب الوحيد الذي لم يعثر على مأوى فهو براوني . لقد أخذ يتجول طيلة الصباح في الشوارع هنا وهناك بحثا عن سيد مناسب ، إنه لا يعرف بالضبط أي نوع من الأسياد يريد : هل يريد سيدا نحيفا بشعر قصير أصفر ؟ هل يريد سيدا غنيا يستطيع أن يقدم له الغداء الجيد ؟ هل يريد سيدا شابا يستطيع أن يلعب معه ؟؟ إن براوني لا يعرف بالضبط أي نوع من الأسياد يريد .

وحل وقت الغداء فبدأ الكلب البني الصغير يشعر بالجوع ، وقرقر بطنه الصغير من الجوع ، وفجأة وهو يستنشق الهواء شم ما أسال لعابه ... إنها رائحة لحم ، وانطلق متتبعا مصدر الرائحة ... وقد جرى حول ملتقى الشارعين ، ثم هبط على الرصيف ، لقد توقف فجأة ، فهناك أمامه كان حانوت جزار .

ووقف براوني على رجليه الخلفيتين ، واستند بقدميه الأماميتين على نافذة الدكان . وأخذ يختلس النظر من خلال زجاجها ، وداخل الحانوت رأى رجلا قصيرا سمينا يرتدي مريلة بيضاء ، ووراء الرجل كانت هناك المناضد ( الطاولات ) ، وقد رص هايها صفوف وصفوف من قطع اللحم اللذيذ .

 وقال براوني في نفسه :

ـ " إن هذا هو المأوى المناسب إنني أستطيع أن أتناول شريحة كبيرة من اللحم في عشاء كل مساء . الأن أنا أعرف أي نوع من الأسياد ( الأصحاب ) أريد ... إنني أريد سيدا يطعمني لحما كل مساء " .

ووثب براون في شجاعة إلى داخل محل الجزارة من الباب المفتوح ، ولم يره الرجل ذو المريلة البيضاء في أول الأمر ، بذلك نبح الكلب الصغير بطريقة ودية ليلفت نظره إليه .

وصرخ الرجل غاضبا :

ـ " ماذا تفعل هنا أيها الكلب ؟ " .

وهز الكلب ذيله ثم جلس منتصبا في ضراعة وتوسل . وقفز الرجل من خلف طاولة اللحم صارخا بأعلى صوته :

ـ " أخرج من دكاني أيها الكلب ... أخرج من هنا اذهب بعيدا " .

وربما كان براوني يجهل أي نوع من الأصحاب يريد . ولكنه يعرف على وجه اليقين الوقت المناسب للهرب من الخطر سعيا وراء مخبأ أو مأمن . لذلك اندفع من الباب إلى الشارع بسرعة فائقة بقدر ما تستطيع أرجله الضعيفة أن تحمله . لقد كان الكلب الصغير خائفا لقد أتى جرما خطيرا ، وجرى إلى الشارع حيث زحام العربات والمركبات . دون أن يعي إلى أين هو ذاهب . ثم وقف وسط الطريق تماما.

وفجأة سمع صراخ فرامل سيارة إنها سيارة ضخمة فاخرة ، توقفت فجأة وليس بينها وبين الكلب إلا بضع بوصات . وعلا صوت بوق السيارة بصورة تصم الآذان . ولكن براوني لم يستطع أن يتحرك من مكانه بسبب حالة الرعب التي كان يعيشها ... لقد جلس في طريق السيارة الكبيرة الفاخرة .

ووثبت سيدة أنيقة من السيارة الفاخرة ، واتجهت شطر الكلب الصغير الذي وقف معترضا طريقها . وحدق الكلب في السيدة ، وأومضت عيناه ، لقد كانت السيدة جميلة ، ومن مظهر سيارتها استنتج براوني أنها لابد أن تكون واسعة الثراء . ـ وهي على الأرجح ـ تستطيع أن تشتري له كثيرا من اللعب الغالية . ربما كانت هذه السيدة هي ما يتمنى براون أن تكون مالكة له ، ولكن هل تقبل هي ذلك ؟ .

وصرخت السيدة :

ـ " ما الذي تصنعه في منتصف الطريق أيها الكلب الأحمق ؟ لقد كدت أن أدوسك ؟ " .

واستلقى براوني على ظهره ، وضم أرجله إلى صدره ، وأخذ يئن بطريقة مفزوعة . وصاحت السيدة وهي تضع قدمها على أرض الطريق :

ـ" ابعد عن الشارع .. اذهب بعيدا " .

وقفز براوني على أقدامه ، وانطلق بأقصى سرعته إلى الرصيف . وقرر أن هذه السيدة الجميلة لا تصلح أن تكون مالكة له . صحيح أنها غنية ، ولكنها أيضا بخيلة خسيسة .

وحينما كان الكلب الصغير يقترب من الرصيف كانت السيدة الغاضبة تندفع عائدة إلى سيارتها واستقرت داخل السيارة الذي كان براوني يصعد فيه إلى حافة الرصيف . وهناك جلس والحزن يعصر قلبه وهو يرى السيدة تسرع منطلقة بسيارتها الكبيرة الفاخرة .

وفجأة سمع براوني صوتا رقيقا :

ـ " لا تكن خائفا أيها الكلب الصغير ، لقد رأيت ما حدث ... لا تكن خائفا مني ، فلن أوذيك ، كل ما أريده أن أعتني بك " .

والتفت الكلب الصغير حوله ببطء ، فرأى خلفه على الرصيف فتاة صغيرة في ملابس زرقاء كانت ذات وجه سمح ودود وشعر أصفر طويل تزينه بشريط براق ... يبدو أنها طيبة رحيمة ، لقد انفتح لها قلب براوني ، ومن أول لحظة أحبها من أعماقه .

وبرقة ولطف حملت الطفلة الكلب المفزوع ، وضمته بين ذراعيها ، وأخذت تربت على رأسه ، وقالت للرجل الطويل الذي كان يقف في جوارها :

ـ " لابد أنه كلب لاصاحب له يا أبي . هل أستطيع الاحتفاظ به ؟ إنني سأطعمه وأعتني به وألعب معه ، ذلك أنني سأحبه وأخلص له " .

وابتسم الرجل الطويل ونظر إلى ابنته وقال :

ـ " طبعا تستطيعين يا ( جوداي ) ( Judy ) أن تحتفظي به . ما الاسم الذي ستطلقينه عليه ؟

ونظرت جوداي إلى الكلب الصغير الراقد بين ذراعيها ، وعانقته ، وأجابت :

ـ" لأن له هذا اللون البني الجميل سأسميه ( براوني ) " .

وحينما ساؤت الفتاة الصغيرة إلى البيت ومعهما كلبهما الجديد عرف براوني أخيرا أي نوع من الأصحاب يريد ... إنه يريد الصاحب الذي يطعمه ويعتني به ويلعب معه .

وأهم من كل ذلك يحبه ويعتز به ، لقد عثر على المالك الذي تتوافر فيه كل هذه الصفات .

إن براوني وأخويه لم يعودوا كلابا ضالة بلا أصحاب فقد وجد كل منهم الصاحب الذي يحبه ويبادله هذا الحب .