الأستاذ علي نار

الأستاذ علي نار

محمد المجذوب

اللقاء الأول :

لم يكن لي به معرفة سابقة ، وأول ما طرق سمعي اسمه من الأخ الدكتور عبد الباسط بدر الذي حملني إليه بعض الكتب ومقداراً من الشاي الذي لا يبلغ مستواه الشاي التركي ، وبمجرد استقرارنا في الشقة المستأجرة في حي أقيول من حاضرة الخلافة أدرت قرص الهاتف على رقمه الذي أخذته من الدكتور، وكان من حسن الحظ أن يكون هو الذي رد عليّ ، بيد انه لم يستطع مواصلة الحديث بالعربية فقال لي : هذا أبو حمزة بجانبي وهو الذي تسألني عنه . ولم ألبث أن سمعت أبا حمزة يكلمني بعربيته الأصيلة ، فاستوضحني عن الحي والمنزل فعينتهما له ، فآذنني بأنهما في الطريق إلينا دون تأخير.

وصدق الوعد ولكن الانتظار طال حتى انتهيا إلينا ، وقد اعتذرا عن ذلك التأخير بجهلهما الموقع الذي لم يخلصا منه إلا بعدما يقارب الساعتين من الطواف .. ولم يكن ذلك علينا بالأمر اليسير ، فالإرهاق آخذ بخناقنا ، والنوم هو الوسيلة الوحيدة التي تخفف من وطأته ، ومع ذلك فقد رضينا مكرهين بالأمر الواقع ، ولبثنا نتحدث في مختلف الشئون قرابة الساعة ، ثم كلفت الأخوين بأن يحملا استطلاعي إلى فضيلة الشيخ علي يعقوب ، الذي علمت من أخباره ما حداني إلى ترجمته في الكتاب الثالث من (علماء ومفكرون عرفتهم) .

وعلى الرغم من تعثر الأستاذ علي نار في التعبير عن ذات نفسه بالعربية ، التي درس منها أثناء طلبه العلم في معاهد الدراسات الإسلامية ما يكفي للحوار، فقد لاحظت أن فهمه لها أكبر من قدرته على استعمالها ، وهو في ذلك لا يختلف عن غيره من الشباب التركي المتخرج في مدارس الأئمة والخطباء ، والمتخرجين في قسم الدراسات الإسلامية العليا أيضاً ، ففي مكنتهم استيعاب الكثير من الكلام العربي ، مع عجزهم عن الإعراب به عما يريدون ، ومرد ذلك أنهم كالكثيرين من الأخوة الذين لقيناهم خارج البلاد العربية ، ممن حضروا دروس العربية ، قد حذفوا قواعدها ومخارج حروفها ، ولكن لم تتح لهم الظروف الكافية للتدريب على إعمالها ، وهي ظاهرة تجاوزتها معاهد الدراسة الإسلامية في الهند ، وفي باكستان والفليبين وإندونيسية .. ولعل إخواننا في تركية يقبلون على مثل ذلك خلال وقت غير بعيد إن شاء الله .

ولقد سرني ما لمسته في حديث الأستاذ علي من ثقافة أدبية وإسلامية فقررت أن يكون أحد الذين سأعني بتعريفهم إلى العربية .

وقد أكد هذه النية إثر ذلك تعدد اللقاءات معه سواء في إسلامبول أو في مصيفنا الهادئ (أو يزبينار) الذي زارنا فيه مع بعض أهل العلم أكثر من مرة .

ورأيت أن أدع له فسحة من الوقت يسجل بها أجوبته بالتركية على استطلاع خاص ثم يتعاون مع أبي حمزة على ترجمته إلى لغة الضاد ، ولم أستعجله في ذلك تقديراً لوضعه الصحي الذي لا تكاد تفارقه أزمات الربو ، شفاه الله وعافاه ..

وكنت على وشك العودة إلى المدينة الحبيبة عندما تسلمت رده ، وقد كتب بعضه بإنشائه وبخط يده ، وأتم سائره الصديق العربي أبو حمزة .

نشأة إسلامية :

لقد ولد الأستاذ علي نار ـ والنار هو الرمان بالتركية والفارسية ـ عام 1938 م في قرية (أصيصو) من محافظة فارس شرق أناطولي ، وتشتهر أسرته باسم (منلاكيل) والمنلا عندهم هو الشيخ وطالب العلم . فمعنى ذلك أنهم من آل طلبة العلم كما يقول .

لقد بدأ دراسته في مدارس الأئمة والخطباء ، التي أنشأها الشهيد عدنان مندريس ، ومنها انتقل إلى (المعهد الإسلامي العالي) في إسلامبول ، الذي تخرج منه عام 1964 ، ومن ثم رحل إلى بغداد للاستزادة من العلوم الإسلامية والعربية ، حيث قضى عاماً دراسياً كاملاً ، ثم عاد إلى إسلامبول ليعمل في خدمة الدين والعربية .

وعلى السؤال الخاص بالشخصيات التي تركت آثارها في نفسه وفكره ، بدأ الجواب بالحديث عن والده (شهري) الذي عني بتربيته على الأصول الإسلامية ، وتولى تعليمه القرآن الكريم ، ولم ينس أثر والدته (كولي) التي كانت تحوطه برعايتها وتزوده دائماً بدعواتها الصالحة ، ويقول الأستاذ علي أنه في ظل هذين الأبوين التقيين تشرب روح الإسلام فامتزج حبه بلحمه ودمه .

وكان طبيعياً لفتى نشأ وترعرع في مثل هذا الجو العابق بشذي الإيمان أن يتخذ سبيله قدماً في الاتجاه نحو الرجال الألصق بهذا الجو .. وهكذا أقبل على نفحات الشاعر الإسلامي المعاصر نجيب فاضل ، الذي كان لقصائده الإسلامية صداها العميق في صدور الناس ، ثم يليه الشاعر الآخر ذو النزعة العثمانية محمد عاكف ، وقد أقبل على أثار هذين الشاعرين قارئاً ومتفاعلاً ، بحيث أثارا في مشاعره حب الأدب والنزوع إلى الشعر الذي لا ينفك يطالعه ويعالجه ..

وفي الطريق نفسه يلتقي مع آثار آخر شيخ للإسلام في كنف الخلافة العثمانية العلامة المجاهد مصطفى صبري ، فتعمق من تطلعاته الإسلامية وتفاعلاته مع اليقظة الحديثة التي أعقبت عهد الشهيد عدنان مندريس ..

ثم يعدد من ذوي التأثير في توجيهه الفكري أحمد داود أوغلو الذي تتلمذ عليه في الفقه واللغة . وهو من خريجي الأزهر ومن تلاميذ شيخ الإسلام مصطفى صبري .. ويختم هؤلاء الرجال بالسيد نجم الدين أزبكان ، نائب رئيس الوزراء الأسبق ، الذي يرجع الفضل في إنقاذ القلة الإسلامية في قبرص من عملية الإبادة المدبرة من قبل الطائفة اليونانية ، ولمساعيه الحثيثة تدين النهضة الصناعية الحديثة في تركية الحاضرة ..

لماذا .. الكلام والأدب ؟..

ونسأل الأستاذ عن أحب العلوم إيه فيركز على علم الكلام والأدب ..

ويعلن عجزه عن التعليل بقوله : ما أرى ذلك سوى غريزة فطرية رافقتني منذ أيام الدراسة ، إذ استقر في خَلدي أن سبيلي الطبيعي هو الجهاد عن طريق التحرر الفكري والأدبي ..

والذي نراه أن لذلك الاتجاه علاقة حميمة بالأوضاع التي فجرها التغيير الطارئ على الكيان الإسلامي ، وما لابسه من زلازل اجتماعية وفكرية استهدفت صميم المقومات الأصيلة التي حاصرتها الأحداث فلم تدع لها مجالاً للدفاع عن نفسها حتى استوفت الوقائع مدتها ، وبدأ الوعي يعاود الجياري ، ثم يطل الانفراج من خلال انتصار حزب الشهيد مندريس في ميدان الانتخابات ، وبذلك أتيح للفكر الإسلامي أن يتحرك لمواجهة التيارات الدخيلة ولو في نطاق محدود .. وهكذا سرت روح اليقظة وانطلقت المبشرات تهيب بالمواهب الواعدة أن تأخذ أهبتها للمشاركة في الذود عن دين الله على صفحات الصحف وفي المطبوعات المختلفة ..

وطبيعي أن يكون للشباب الناشئ في الجو الجديد تفاعلاته مع دواعي هذه اليقظة ، فيتطلع لأداء دوره في توسيع رقعة التصحيح الإسلامي .

وإذ كانت المعركة ولا تزال معركة فكر يواجه فكراً ، فلا مندوحة لهذا الشباب من التسلح بالمنطق القادر على المواجهة .. وفي علم الكلام الإسلامي ما يساعد على الصمود والانتصار..

ومن هنا كان تطلع صاحبنا ، بل تطلعات جيله إلى الاهتمام بهذا المنهاج العقلي ، الذي سبق أن ثبت نجاحه في مواجهة الغزو الفكري خلال المراحل السالفة من تاريخ الإسلام ، ونحن لا نستبعد أن يكون لرسائل الإمام النورسي ، التي لبثت مرجعاً للثقافة الإسلامية طوال سني المحنة أثرها في هذا الاتجاه بما تحمله من قوة الحجاج في الدفاع عن حقائق الإسلام .

وأما ميله الأدبي فمن المنطلق نفسه ، إذ كان قد أخذ بجمال البيان منذ حداثته ، فأدرك أنه أنجع الوسائل في تحريك المشاعر ، وإيصال الفكر الصحيح إلى مستقره في القلوب .

في الطريق إلى الإنتاج :

ويقول الصديق الأديب لقد بدأت علاقتي بالأدب منذ المرحلة الثانوية ، وبدأ تفاعلي به عن طريق دروس التعبير الذي وجدت فيه المجال المشجع ، ثم تلا ذلك مرحلة الشعر إذ بدأت فيه بعض المحاولات ، وكان أولها عام 1961 عندما كنت منتظماً في الدراسة العليا من الجامعة ، فكانت القصيدة الأولى بعنوان (المساء) وهي عن الماء وأثره في وجود الإنسان ، ومن ثم جعلت ثقتي تتنامى بنفسي ، وبهذا الدافع شاركت في مسابقة لأحسن موضوع فكري . ولا ينسى هنا أن يسجل انفعاله العميق بأفكار الشاعر الآخر سزاني قره قوج الذي كان له كبير الأثر في اتجاهه الأدبي والفكري ، بعد نجيب فاضل ..

وللأستاذ كذلك محاولات مسرحية يقول إنها بدأت في العام 1967 ، وقد بلغ إنتاجه منها أربعاً طبعت في العام 1975 .. وقلما يتعامل الأديب مع المسرحية إلا بعد محاولات لا مندوحة عنها في ميدان القصة والرواية وكذلك فعل ، فقد أعطى هذا الجانب الكثير من عنايته فكتب بعض القصص القصيرة ونجح في تأليف بعض الروايات ، ويقول إن أولى رواياته كانت باسم (مملكة النحل) التي نشرت عام 1978 وبذلك تهيأ لإنشاء المسرحيات التي أسلفنا الإشارة إليها ، ويخص بالذكر منها (عقلية مختار) التي أحرزت الدرجة الأولى في إحدى المسابقات الأدبية .. وهو يعزو هوايته القصصية إلى تأثره المبكر بكل من الكتابين القصصيين وفيق خالد ، وراسم أوزدان ، أما كتاباته المسرحية فيردها إلى تكوينه الذاتي ، ويذكر من مؤلفاته في هذه الفترة كتاب (مشاهداتي السياحية) وفيها يصور انطباعاته عن جولة قام بها في بعض الأقطار العربية ، وشملت العراق وسورية ولبنان والأردن والسعودية .

الصحوة تعم :

ومن الظواهر البارزة في حياة المسلمين ، على تباعد ديارهم وتعدد ألسنتهم ، تلك الموجة العريضة العميقة من الوعي الإسلامي ، الذي انطلقت شرارته الأولى منذ كارثة الأندلس ، التي قضت على الوجود الإسلامي في القارة الأوروبية ، وما زامنها من الزحف الصليبي على مناطق الإسلام الرئيسية في أدنى الأرض حول المتوسط ، ثم في أعماق القارة الإفريقية ، ثم في أقاصي جنوب شرق آسية .. فقد أيقظت هذه الصدمات الرهيبة ذلك العملاق الذي غلبه النوم والخلاف الذاتي عن رسالته الإنسانية ، فأدرك هول الخطر الذي يهدد وجوده ، فجعل يتململ ، ثم يبذل محاولاته للدفاع عن نفسه وقيمه ، حتى انتهى إلى الواقع الراهن ، الذي نشاهده هذه الأيام على امتداد العالم الإسلامي في ما يسمونه بالصحوة الجديدة ..

والسائح في العالم الإسلامي ، إذا كان من ذوي البصائر ، لا يفوته أن يلمس تلك الوحدة العجيبة تطبع رؤية الطبقة المثقفة من قادة الجيل الإسلامي .. وهو عندما يتعمق البحث عن مصادر هذه الوحدة الفكرية لا يعجزه أن يردها إلى تلك المطبوعات التي كتبها أساطين الدعوة الإسلامية في مختلف الأنحاء ، ثم يسر الله ترجمتها إلى لغات العالم الإسلامي من أقصى اليابان إلى أقصى سيبرية، مقتحمة أسوار الحواجز المصطنعة على قسوتها وتكاثرها ..

لقد انتشرت أفكار هذه الصفوة انتشار النور في أسداف الظلمات فأنى اتجهت من هذا العالم تجدها معروضة للأعين ، أو متداولة على الألسن ، أو مهموسة في الصدور .. وإذا كان الفضل في إبداعها للمصنفين ، فإن الفضل في نشرها للمترجمين ، وهكذا ترى تراجم هذه المؤلفات حيث مضيت من شوارع المدن الرئيسية في تركية اليوم ، إلى جانب كتب التراث الإسلامي الضخمة ، وقد أعيدت طباعتها وملأت واجهات المعارض التي لا تفتأ تشحنها إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي ..

إسهاماته في الترجمة :

ونقف الآن قليلاً مع مترجمنا لنرى أثره في إشاعة هذه الصحوة :

يقول الصديق الأديب : مع إطلالة العام 1980 اتجهت إلى العمل في نطاق الترجمة ، وكان إقبالي على ترجمة بعض المؤلفات الإسلامية نوعاً من التنفيس الروحي عن ضغوط المعاناة التي نعيشها في ظل واقع لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان . ومما تيسر لي ترجمته من العربية كتاب (إذا هبت ريح الإيمان) من مؤلفات الداعية الإسلامي أبي الحسن الندوي ، ثم كتب الدكتور نجيب الكيلاني (عذراء جاكرتا) و (نور الله) ومن مؤلفات الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي كتاب (اللامنهجية..) و (فقه السيرة) وكتاب (الاجتهاد والمجتهدون) للشيخ أحمد عز الدين البيانوني ، وكتاب (اللامذهبيون ومقلدوهم) للدكتور حسيب السامرائي ، وترجمت كتيب (خطوات في الهجرة) للدكتور عماد الدين خليل ، ورسالة الشيخ علي الطنطاوي التي عنوانها (يا بنتي) وترجمت من كتب توفيق الحكيم (أرني الله) و(أنا الموت) ثم ديوان وليد الأعظمي (ذكر ونسيان) وفي مشروعاتي الآتية إن شاء الله ترجمة (وا إسلاماه) لعلي أحمد باكثير و (مشكلات الجيل في ضوء الإسلام) لمحمد المجذوب .

ولا تنس أن لصديقنا الأديب غير هذه التراجم والمؤلفات نشاطاً مستمراً في خدمة الكلمة الطيبة ، بما ينشره من مقالات في بعض المجلات والصحف الإسلامية ، وذلك على الرغم من العوائق الصحية التي بعضها الربو شفاه الله .

روايته المفضلة :

وكان لا بد من تعرف نظره إلى أحب كتبه إليه وتعليله فكان الجواب أنه يعتبر روايته (مملكة النحل) ألصقها بنفسه ، ومرد ذلك إلى مضمونها الرمزي الذي يصور واقع الاحتلال والاستغلال والإفساد التي تتعرض لها أوطان المسلمين ، من قبل الأعداء الخارجين والأذيال الداخلين ، وما يرافق ذلك من ألوان الظلم والمحن ، التي تضطر القوة العاملة كما تضطر صفوة المثقفين إلى الهجرة ، إلى حيث يتاح لهم التفرغ لرسم الخطوط التي تساعدهم على العودة من جديد ، مزودين بالطاقات التي تمكنهم من تغيير الواقع الأليم .

قلت : ولا جرم أن لهذا الاختيار صلته الوثيقة بواقع الهجرة التي يضطر إليها الأعداد الهائلة من الشباب التركي طلباً للرزق والحرية في ألمانية الغربية ومختلف الأقطار الأوروبية .. وهي الظاهرة التي أصبحت عامة في مختلف ديار الإسلام ، حيث لا يجد الجماهير، وبخاصة الطبقة المثقفة سبيلاً للخلاص من الأوضاع الشاذة في بلادهم سوى الهجرة ..

ولكن صاحبنا يتصور للهجرة هدفاً غائياً من شأنه أن يكون ـ في النهايات القصوى ـ سبباً للكثير من الإصلاح ، وهو هدف قلما يخطر في بال السواد الأعظم من أولئك النازحين ، وكأنه توجيه لهم ، أو لأولي الوعي منهم خاصة ، إلى وجوب التفكير في أبعاد المصير..

الأدب الإسلامي ينطلق :

وكانت خاتمة الاستطلاع حول موضوع الأدب الإسلامي ، الذي يتحرك هذه الأيام بخطوات غير بطيئة في الصحف التركية التي تحمل الطابع الإسلامي ، والمؤلفات التي تعالج أهم قضايا المسلمين ، ليس في تركية وحسب بل في مختلف أرجاء العالم الإسلامي ، ومثل علي نار وإخوانه من جيل اليقظة أكثر الكتاب تمثيلاً لهذا اللون من الأدب ، لأن معظم نتاجهم الفكري والأدبي ، إن لم نقل كله ، يتدفق في هذا الاتجاه ، الذي يصور اهتماماتهم وهمومهم اليومية .

يقول الصديق الأديب : إن في تركية اليوم نهضة جادة في الفكر والأدب تواكب الصحوة العامة التي يعيشها مفكرو المسلمين في كل مكان ، وتصور تطلعاتهم اللهفى إلى حياة إسلامية تعيد للإنسان المسلم منزلته الريادية في المجتمعات الإنسانية .

ويدلل على مدى هذه النهضة وأصالتها بانتشار الترجمات الدائبة للكتب الإسلامية ، المؤلفة أصلاً بالعربية والفارسية والأوردية والإنجليزية ، وفي رأيه أن حركة الترجمة هذه تسهم إلى حد كبير في عملية التلاحم بين أجزاء الأمة الإسلامية . وتؤكد وحدتها التي أثبتت أنها أكبر من أكبر الأحداث والنوازل ..

ويعد من ممثلي الأدب الإسلامي في تركية الحديثة طائفة من رجال القلم الذين كان لهم الأثر البعيد في ترسيخ هذا الاتجاه وفي مقدمتهم (نجيب فاضل) ثم (سزاي قره قوج) و (راسم أوزدان أوران) و (مصطفى قوتلو) و (مصطفى مياس أوغلو) و (دورالي يلماز) و (أوردوم بيازيد).

هذه التوصيات فمتى التنفيذ ؟

ويقول كاتب هذه الترجمة أخيراً .. لعل الكثيرين من قراء هذا الكتاب لم يسمعوا قط بهذه الأسماء من قبل ، لأنهم لم يطلعوا على شيء من آثارهم منقولة إلى العربية ، وهكذا القول في الكثير من أدباء العالم الإسلامي ، لا نكاد نعلم عنهم شيئاً لولا ما يسر الله من ترجمة لبعض آثارهم . وقد آن لهذا التقاطع أن ينتهي ليتم تعارف المسلمين فيما بينهم ، ولكن .. من الذي سيتولى وتق هذا الفتق .. وكيف .. ومتى ؟!

لقد كان في توصيات الندوات الثلاث التي عقدت في لكناؤ ـ بالهند ـ وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة ـ وأخيراً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ دعوة لترجمة الأعمال الإسلامية الهامة إلى المشهور من ألسنة المسلمين .

وهي توصية مشكورة مبرورة ، غير أنها لا تزال تنتظر التنفيذ .. وحبذا لو يبدأ هذا التنفيذ من المؤسسات نفسها التي تنبت هذه التوصيات ..