مارتن لينغس

مارتن لينغس:

ولي صوفي كتب أشهر سيرة للرسول الأعظم بالانكليزية

ابراهيم درويش

قبل ظهور كتاب محمد: حياته بناء علي المصادر الاولية (1983)، لم يكن في اللغة الانكليزية كتاب جامع، ويقدم سيرة الرسول الاعظم كما قدمتها المصادر الاسلامية الاولي، سيرة ابن هشام وابن اسحق، وكتب التواريخ والمغازي. وكان مارتن لينغس، الصوفي الذي ذهب للقاهرة لزيارة صديق له كان يدرس في الجامعة، واعتنق الاسلام وتسمي باسم ابو بكر سراج الدين، هو الشخص الذي قدم هذه السيرة التي اصبحت ذائعة الصيت بين القراء الانكليز، المسلمين منهم وغير المسلمين.

وكان لينغس الذي اعلنت وفاته ناشرته الامريكية في يوم 12 ايار (مايو) الحالي قد شارك في المهرجان الذي اقامه مسرح غلوب الشكسبيري في بداية هذا العام، حيث قدم محاضرة عن اثر الاسلام والثقافة الاسلامية الصوفية علي الكاتب الانكليزي العظيم شكسبير.

ولكن اهمية مارتن لينغز 1909 ـ 2005 تنبع من كتاباته عن الصوفية التي اصدر فيها عددا من الكتب اهمها كتاب ماهي الصوفية ، وكان امينا ولفترة طويلة علي المخطوطات والكتب الاسلامية في المتحف البريطاني. وكتاب محمد مثل ترجمة يوسف عبدالله علي لمعاني القرآن الكريم، قدم السيرة النبوية في لغة انكليزية رقيقة، يشبه العمل الروائي في سحريته، وحفاظه علي الق السيرة وطابعها الخاص، واسلمته للغة الانكليزية، وفي الكتاب حس من الدهشة والتملك الذي يمسك القارئ عندما يبدأ صفحاته حتي القاريء المسلم الذي يعرف تفاصيل حياة الرسول الاعظم. ويظل الكتاب مرجعا لدراسي الاسلام والقادمين الجدد اليه. فبعد الانتهاء من قراءته يشعر القاريء انه عايش الاحداث بل وشارك فيها.  وقاده اهتمامه بالصوفية لاعادة النظر في اثرها علي كتابات واعمال شكسبير في كتاب اصدره عام 1996. وحصل مارتن لينغز، الذي اصبح حكيم المسلمين في الغرب، علي العديد من الاوسمة والتقدير من الدول العربية والاسلامية، خاصة مصر والباكستان.

وعكست رحلة مارتن لينغز، علاقته مع الفيلسوف رينيه غوينون، وفريثيوف شوون، الذي اعتبر التاريخ قصة مثيرة للاسف عن تراجع الانسان، وخلاص الانسان لا يتم الا من خلال التمسك بالدين. ويعتبره الكثير من الاتباع وليا عاش حياته وعصره بناء علي المباديء الروحية للاسلام، فيما اعتبره الغربيون، كاتبا مثيرا، قادراً علي اثارة المشاكل الكبري وعرضها بطريقة مدهشة. وقد قدم الامير تشارلس، ولي العهد البريطاني لكتاب لينغس، فن شكسبير المقدس: عندما نحمل عبء لغز الاشياء ، وكتب الامير البريطاني في المقدمة قائلا ان قدرة مارتن لينغس تكمن في قدرته علي توصيل، اكثر من اي شخص اخر، العنصر التحتي المسرحي للنص، تاركا للقارئ انطباعا دائما، ليس عن هذه الاعمال الرائعة ولكن عن الرجل الذي يقف وراءها .. وعكست اعمال لينغس الاخيرة المشاكل الروحية التي تواجه العالم الساعة الحادية عشرة:

المشكلة الروحية للعالم الحديث في ضوء التقاليد والنبوة الذي صدر عام 1987، والذي تنبأ فيه بنهاية العالم.

ولد مارتن لينغس في 24 كانون الثاني (يناير) 1909 في لانكشاير البريطانية، وتربي كمسيحي، ثم اصبح فيما بعد ملحدا. وتخرج من كلية ماغدلين، جامعة اوكسفورد، ودرس الانكليزية علي يد الكاتب والفيلسوف سي اس لويس الذي اصبح صديقه.

ودرس في عدد من الجامعات الاوروبية، وذهب الي ليتوانيا لتدريس اللغة الانكليزية القديمة. وفي عام 1939 ذهب للقاهرة لزيارة صديق له كان يدرس في جامعة القاهرة، الجامعة المصرية في حينه. وكان يتشارك معه الحماس لافكار الفيلسوف غوينون، والذي انتقل من فرنسا لمصر عام 1930، واصبح هذا الصديق مساعدا للفيلسوف.

وعندما سقط صديقه عن حصان له ومات، عرضت الجامعة علي لينغس الوظيفة التي قبلها.

وتعلم العربية للتواصل مع المصريين، حيث علمته اياها زوجة الفيلسوف الفرنسي المصرية.

واعتنق الاسلام، حيث اصبح فيما بعد من اتباع الفيلسوف، حيث تبني الفكرة الرئيسية التي تقول ان كل الاديان تشترك في الرسالة الروحية الخالدة. وعاش لينغس قريبا من الاهرام، حيث كان كل عام يقوم باعداد مسرحية من مسرحيات شكسبير.

واضطر لينغس للرحيل الي بريطانيا بعد احداث الشغب التي استبقت الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر عام 1952 واكمل دراساته العليا في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية، حيث كانت اطروحة الدكتوراة التي قدمها عن الصوفي الجزائري احمد العلوي، وقد نشرها في كتاب عام 1961 تحت عنوان ولي صوفي من القرن

العشرين ، واعتبره المهتمون بالادبيات الصوفية من احسن الكتب الاكاديمية التي اتسمت بالعمق يقدمه باحث غربي. وتعاون لينغس مع فريثيوف شوون، علي دراسة الصوفي الجزائري، وادي به لأن يتبع تعاليم ومدرسة الفيلسوف هذا المتشائمة وذات البعد الماورائي. وفي عام 1955 بدأ لينغس العمل في المتحف البريطاني كمساعد لأمين المخطوطات والكتب الاسلامية ، وصار امينا لها عام 1970 ، وعمل بنفس الوظيفة في المكتبة البريطانية، وادي عمله بالمتحف والمكتبة البريطانية لاصداره كتاب عن الخط العربي فن القرأن للخط والاشراق ، حيث صدر هذا الكتاب ليتوافق مع مهرجان العالم الاسلامي الذي نظم في عام 1976. وكان لينغس قد سافر في بداية هذا العام الي ماليزيا ودبي ومصر، وقبل وفاته بايام، القي كلمة امام احتفال بالمولد النبوي حضره اكثر من ثلاثة الاف شخص. ويقول غاي ايتون، في النعي الذي نشرته صحيفة الغارديان ان عمل لينغس في المسرح الشكسبيري اثناء اقامته في مصر كان وراء ظهور العديد من نجوم الفن المصريين. وللينغس عدد من الكتب الاخري مثل المعتقدات القديمة والخرافات الحديثة (1965)، ماهي الصوفية (1975)، الرموز والمثل في الاسلام: دراسة في معني الوجود (1991)، وعبر في الكتاب عن اهتمام برمزية اللون، وهو الذي برز في اهتمامه بالحدائق. وكما يقول الصوفي غاي ايتون، فمارتن لينغس الذي قارب المئة، ظل واعياً بالعالم وحاضر الذهن حتي النهاية. في مقدمة كتابه ماهي الصوفية؟ اكد لينغس علي ضرورة طرح السؤال والاجابة عليه فيما يتعلق بالوعي الغربي، وتصحيح عدد من المفاهيم الخاطئة التي تثار حولها، فالصوفية كما فهمها لينغس تعني بحثا عميقا، فبعد الف من تعريف مشايخ الصوفية لها باعتبارها ذوقا ، لان هدفها ونهايتها هي التعرف او الوصول الي الحقيقة الكبري والسامية العليا. واذا كان كل كتاب يعرف بكتاب، فـ محمد الذي لم يصدره بمقدمة يظل عمله الاهم، والذي طبع منذ صدوره اكثر من مرة.