المتشرد والشجرة

قال المتشرد للشجرة : هي ذي أنت في مكانك ! لا ريب في أنك كبيرة وقوية ، لكن كيف تجدين في حياتك أي متعة ؟! أنت لا تدرين شيئا عن النهر وعن القرى خلف الجبال ، دائما لابثة في نفس المكان ، كم تحزنني حالك !

وحمل صرته وهم بالرحيل ، فقالت الشجرة : تهم بالرحيل ، دائما في رحيل ! لا تنتمي لأي مكان ! كم أرثي لحالك !

فتوقف ، ونظر إليها ، وسأل : أحقا قلت ما قلت ؟!

فقالت : من إذن قاله ؟! ترى أحدا سواي في المكان ؟!

فقال : لا . أحقا تقصدين ما تقولين ؟! أجوب الدنيا الوسيعة كل يوم ، وأعرف خلق الله ، وأعرف مآويهم ومنازلهم ذات السقوف الحمر .

فقالت : وأنا تأتيني الدنيا بذاتها ، الريح والمطر ، والسناجب والطير ، ويستقر القمر ليلا بين غصوني .

قال : صحيح ، صحيح ، لكن متعة الشعور بالمشي خطوة ، خطوة ...

قالت : جائز ، لكن متعة البقاء في ذات المكان ليل نهار ...

قال متفكرا : البقاء ... الوجود في البيت ... آه ! نعم .

وتنهدت الشجرة ، وقالت : أن تمشي ... أن تكون في الطريق ...

قال : أن تكون لك جذور ... لا ريب في أن هذا شعور رائع ممتع .

قالت : نعم . هذا الشعور حسن جدا ، وصلب راسخ . كيف تعيش بقدميك ؟!

قال : في خفة وسهولة ، وسرعة كأنما أطير !

قالت :ليتنا نتقايض ما لدينا ولو لحظة قصيرة !

قال :  صحيح ، ليتنا ! سيكون هذا رائعا بديعا .

قالت : لنكن صديقين !

فأومأ برأسه ، ووعدها : سأعود ، وأحدثك عن المشي .

قالت : وأنا سأحدثك عن البقاء في المكان ، ونعمة امتلاك بيت . فلنتصادق ولنستمتع بهذا اليوم معا دون اعتبار للفرق بيننا !

*قصة ألمانية ، نشرتها " المجلة الألمانية الأميركية"  في عدد شهري أبريل ومايو  2008مكتفية بذكر مترجمتها إلى الإنجليزية ماريا براند دون ذكر مؤلفها الألماني .

وسوم: العدد 689