متى يتوقف توني بلير عن قرع طبول الحرب؟

محمد عبد الباري

هوفنغتون بوست

أدان المسلمون كما هو حال الكثير من الأشخاص في التجمعات المطالبة بالحريات المدنية والمناهضة للحرب على امتداد العالم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بسبب خطابه في بلومبيرغ في لندن في 23 أبريل 2014. الذي قال فيه :" خطر الإسلام المتطرف لا يشهد تراجعا بل نموا. وهو ينتشر في العالم. إنه يزعزع استقرار المجتمعات وحتى الدول. وهو يقوض احتمالية التعايش السلمي في عصر العولمة".

أحد المعلقين البريطانيين وصفه بأنه أفضل صديق للإسلام العنيف. ولكن النائب العمالي والوزير السابق دينس ماك شان قارن بين خطاب بلير وخطاب "الستار الحديد" لونستون تشرتشل.

يعرف توني بلير كيف يلفت نظر الجمهور. من وجهة نظر شخص مسلم بريطاني فإن رئيس الوزراء السابق كان بمثابة كارثة, فهو لا يشيطن المجتمعات الإسلامية فقط ولكنه يضعف التعايش بين المسلمين والآخرين. منذ أن اعتنق أيدلوجية المحافظين الجدد وقرر المشاركة في غزو العراق بحماسة المسيحي اليهودي ولديه هاجس من "التطرف الإسلامي". مع عقله المشوه وعيناه الملونتين يرى شيطان " التطرف الإسلامي" أمام ناظريه في كل مكان, ويرى أنه منغمس الآن في عملية السيطرة على العالم برمته.

ليس هناك من ينكر حقيقة أن التطرف العنيف والإرهاب – الذي يتسبب به قسم صغير من المتطرفين- كان آفة على المسلمين في الآونة الأخيرة. التصرفات التي يقومون بها غير مقبولة تماما كما أنها رفضت من قبل عدد كبير جدا من المسلمين هنا من جميع الاتجاهات الدينية. هؤلاء المتطرفون مجهولو الهوية ما هم إلا شوكة كبيرة  في حلق المسلمين في جميع أنحاء العالم.

ومع فشل ضمير بلير القاسي في إدراك الحقائق الأساسية إلى جانب شريكه في الجريمة جورج دبليو بوش, فقد كان المهندس الرئيس للغزو غير القانوني لدولة ذات سيادة عام 2003, حيث نفذ الغزو دون تفويض من الأمم المتحدة وضد إرادة ورغبة المجتمع الدولي. الغزو الذي جرى بقيادة أمريكا, والذي وصف بأنه تم بطريقة "الرعب والصدمة" في المصطلحات العسكرية, دفع الشرق الأوسط المقسم أصلا إلى حالة من الشلل الكامل. فقد شهدت أرض العراق, تحت عدسات الإعلام العالمي, مذابح ودمار لا يمكن مقارنتهم إلا بالغزو المغولي عام 1258.  الموت والدمار والسلب والنهب الذي جرى في هذه البلاد التي كانت ذات مرة منبعا للعلم وعاصمة للحضارة الإسلامية لا زال يطارد العراق والشرق الأوسط اليوم. حرب الولايات المتحدة هذه حصدت أرواح 500000 إنسان عراقي و حياة 4486 جندي أمريكي. وكلفت الاقتصاد الأمريكي أكثر من 2 تريليون دولار. لا عجب أن بعض الناس يريدون أن يكون بلير داخل قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية.

جاء توني بلير إلى السلطة وهو يحمل الكثير من الطاقة والأمل. شعار انتخاباته عام 1997 كان تمكين "التعليم والتعليم والتعليم". وقد فاز في ثلاثة انتخابات عامة متتالية. ولكن حرب العراق غير القانونية ومشاحنات حزبه الداخلية وضعت حدا لمسيرته السياسية في الحياة البريطانية عام 2007.

منذ ذلك الحين, وهو يطلق صيحاته ضد  "العدو" المتمثل في الإسلام. لقد استخدم ملفا مزيفا وهو :" أسلحة الدمار الشامل العراقية: تقييم الحكومة البريطانية" للهجوم على البلاد. ملف سبتمبر كما وصفه, تضمن عددا من الإدعاءات الكاذبة مثل امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية؛ حتى أن هذا الملف ادعي أن العراق كان يعيد تأسيس برنامج الأسلحة الكيماوية, ولكن دون أي استثناء, جميع هذه الادعاءات التي كانت موجودة في ملف ديسمبر كانت كاذبة".

المعارضة لحرب العراق كانت كبيرة وعالمية. وقد شهد يوم الجمعة 15 فبراير 2003 يوما للاحتجاج المنسق شاركت فيه أكثر من 600 مدينة, وكان ذلك "أكبر حركة احتجاج في التاريخ البشري". في لندن وحدها تظاهر مليون شخص (وهناك من يقول أن العدد وصل إلى 2 مليون) ضد الحرب وشهد وسط لندن حالة شلل بسبب المتظاهرين السلميين من جميع الأطياف.

ولكن بلير كان عاقد العزم على الاشتراك في حرب بوش. وكان يمتلك القدرة على اقناع أعضاء مجلس العموم بالحرب مع وجود غالبية عظمى لا تدري ما يمكن أن يحدث تاليا في مجلس العموم. وزيرة الخارجية السابقة للتنمية الدولية التي استقالت في 12 مايو 2003 اتهمت بلير بقولها "بلير غشنا جميعا. جميعنا تعرضنا للتضليل. لقد خدعنا".

لقد كان ذلك خطأ سياسيا جسيما غير شكل الشرق الأوسط.

الفظاعات التي ارتكبت في 7/7 في لندن على يد أربعة إرهابيين مسلمين غيرت هي الأخرى المشهد السياسي في بريطانيا, خصوصا بالنسبة للمسلمين. وجاء بلير بعبارته الشائنة الشهيرة "لا يكون لدى أي شخص أي شك في أن قواعد اللعبة تتغير حاليا". وهدد بإغلاق أماكن العبادة وحظر الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا مثل حزب التحرير. حينها وجد المجتمع المسلم نفسه فجأة تحت هجوم محموم من قبل المحافظين الجدد اليمينيين, سواء كانوا سياسيين أو إعلاميين. وقد لبس هذا الأمر أوشحة أخرى وتم تبنيه من قبل حركة مواجهة الجهاد على نطاق أوسع, التي كان منها القاتل النرويجي أندريس بريفيك ورابطة الدفاع الإنجليزية ولكنهما كانوا الجزأين الأكثر عنفا.

رد فعل حكومة بلير على حادث 7/7 كان مقدمة لوقف الأجندة التي كانت تمنع اختلاط تماسك المجتمع وأمنه. عملية تحويل المجتمع المسلم إلى طائفة وخلال عدة سنوات خلق وضعا كئيبا حيث ينظر إلى المسلمين الآن على أنهم "مجتمع مشبوه". في مراجعة واسعة تحت إشراف لجنة برلمانية برئاسة النائب السابق الدكتور فيليس ستاركي, وجد أن وقف الأجندة هذا كان له أثر عكسي مع نهاية حقبة حكومة غوردون براون. ولكن حكومة التحالف تشددت أكثر في ذلك, حيث يدفع المجتمع المسلم ثمنا باهظا لذلك الآن.

للمفارقة, عين توني بلير كمبعوث دولي لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بعد أن ترك دواننغ ستريت عام 2007. ولكنه فشل فشلا ذريعا في عمله ووقف بشكل مفتوح إلى جانب الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط. الأمر الذي جعله غير مؤهل تماما ليصدر أي تعليق عن الشرق الأوسط.

الرئيس جورج بوش, المهندس الرئيس لحرب العراق وصديق بلير المقرب, غاب عن المشهد السياسي والتزم الهدوء بعد تركه البيت الأبيض. قد حان الوقت ليفعل توني بلير الأمر نفسه وأن يتوقف عن تقسيم العالم من خلال قرع طبول الحرب.