غلام في اليرموك

د. وليد قصاب

شخصيات المسرحية

1-غلام من الأزد

2- أبو عبيدة بن الجراح

3- فارس من الأزد

المشهد الأول

يكشف الستار عن القائد أبي عبيدة بن الجراح، وهو رجل في الأربعين، في خيمته بملابس الحرب يوم اليرموك. يدخل عليه غلام لا يزيد سنه على ثلاث عشرة سنة بملابس الفرسان. تسمع من الخارج ضجة المعركة وجلبة الجند.

الغلام: السلام على أمير الجند أبي عبيدة بن الجراح ورحمة الله وبركاته..

أبو عبيدة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. من أنت يا فتى؟ وما حاجتك؟

الغلام: أنا واحد من الأزد يا أمير الجند.. ولي عندك حاجة أسألك بالله أن تجيبني إليها..

أبو عبيدة ( متأملاً الغلام بفضول ): سل حاجتك أيها الغلام، ونقضيها لك إن شاء الله ما كان ذلك في مقدورنا..

الغلام (بجسارة وذكاء): هي في مقدورك أيها الأمير ..

أبو عبيدة (معجباً بالغلام): أثرت فضولي أيها الفتى.. هيا قل ما عندك..

الغلام : أخبرني أيها الأمير.. يا أمين الأمة.. أليس الله قد دعا كل قادر أن ينفر لنصرة دينه وإعلاء كلمته؟

أبو عبيدة: بلى..

الغلام: وأنا أجيئك أيها الأمير كي أشفي قلبي وأجاهد عدوي وعدو الإسلام في هذا اليوم من أيام معركة اليرموك..

أبو عبيدة (وهو يتأمل الفتى بإعجاب وحب): ولكنك ما تزال غلاماً حدثاً.. كم لك من العمر أيها الغلام؟

الغلام (يتطاول برجليه ليبدو كبيراً) : ثلاث عشرة سنة ..

أبو عبيدة : أنت صغير يا بني .. ولا خبرة لك بشؤون القتال والحرب ..

الغلام (بحماسة): .. بل أنا ذو خبرة ومراس.. تدربت طويلاً على أعمال الفروسية والقتال استعداداً لهذا اليوم.. يوم لقاء أعداء الله .. وإذا شئت امتحني أيها الأمير ..

أبو عبيدة: ما أعجب أمرك أيها الفتى!

الغلام: نشدتك الله أيها الأمير ألا تمنعني من الجهاد في سبيل الله.. دعني أبذل نفسي في سبيل هذا الدين الذي أكرمنا الله به (يهجم على يد أبي عبيدة يريد تقبيلها).. أرجوك أيها الأمير.. حقق لي هذه الأمنية..

أبو عبيدة (وهو يسحب يده متأثراً): إني مشفق عليك أيها الغلام لصغر سنك.. إن في جيش المسلمين لرجالاً أشداء يكفونك المؤنة حتى يشدد عودك..

الغلام (يرفع يده، ويبرز عضلاته): إن عودي شديد.. دعني أجاهد أعداء الله لعلي أرزق الشهادة فأدخل الجنة..

أبو عبيدة (وقد أخذ منه التأثر والانفعال غايته): أأنت مشوق إلى الشهادة إلى هذا الحد أيها الغلام؟

الغلام (يكاد يبكي): أنا مشوق إلى لقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام.. وإن كانت لك حاجة عند رسول الله – عليه السلام – فأخبرني حتى أبلغه إياها..!

أبو عبيدة (باكياً): بارك الله فيك أيها الغلام.. وكثر من أمثالك.. إذا لقيت رسول الله – صلى الله عليه سلم - فقل له: إن أبا عبيدة بن الجراح يقرئك سلامه وسلام أمته.. ويقول لك: جزاك الله عن أمتك خيراً.. وأخبره أيها الغلام أنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً..

الغلام: أفعل يا أمير الجند إن كتب الله لي الشهادة، هل تأذن لي أن أنطلق؟..

أبو عبيدة (يحتضن أبو عبيدة الغلام ويودعه): انطلق يا بني على بركة الله.. وبحفظ الله.. ولن تهزم أمة فيها أمثالك من الفتيان المؤمنين الأشداء.

الغلام (ينطلق الفتى وعيون أبي عبيدة ترفقه وهي تذرف الدموع): إلى اللقاء في جنة الخلد يا أمين الأمة .. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه..

المشهد الثاني

(أبو عبيدة بن الجراح أمام خيمته، المعركة دائرة في الخارج معه رجل من الأزد بملابس الفرسان).

أبو عبيدة: لله در أمة محمد التي أنجبت مثل هذا الفتى الأزدي البطل!.

الفارس: والله يا أمير الجند.. كانت بطولة هذا الغلام شيئاً عجباً خارقاً للعادة..

أبو عبيدة: كان متشوقاً إلى الجنة.. وإلى لقاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وصحبه الكرام..

الفارس: وقد حقق الله له هذه الأمنية..

أبو عبيدة: حدثني يا أخي بالتفصيل عما فعله الغلام، فهو من قومك الأزد ..

الفارس: خرج الغلام من عندك يا أمين الأمة وهو يكاد يطير من البهجة والفرحة.. كان يهتف بحماسة: رحم الله أبا عبيدة.. غفر الله لأبي عبيدة.. لقد وافق على منحي شرف الجهاد في سبيل الله..

أبو عبيدة: ما أعجب أمر هذا الفتى!.. أكمل يا أخي.. أكمل..

الفارس: خرج الفتى مسرعاً فتقلد سيفه ثم اندفع إلى صف الروم كالأسد الصهور.. فخرج له علج من علوج الروم راكباً على فرس أشهب، فلما رأه الغلام اندفع نحوه ببسالة نادرة، وهو يرتجز شعراً:

لابد من طعن وضرب صائب

بكل لدن وحسام قاضب

عساي أن أفوز بالمواهب

في جنة الفردوس والمراتب

أبو عبيدة: ما أروع هذا الشعر، وما أصدقه! ثم ماذا فعل الفتى أيها الفارس؟

الفارس: حمل العلج الرومي على الفتى بشراسة، وكاد يهوي عليه بطعنة قاتلة لولا أن الفتى الأزدي تجنبها بمهارة فائقة، ثم انقض على خصمه كسبع هصور فطعنه فأرداه قتيلاً.. ثم أخذ جواده وعدته وسلم ذلك إلى رجل من قومه ثم عاد إلى مواجهة الروم ..

أبو عبيدة: لله در الفتى.. لله دره!.

الفارس: هاج الروم إذ رأوا غلاماً حدثاً من المسلمين يردي صنديداً من صناديدهم ويستولي على فرسه وعدته على هذا النحو المهين.. فخرج إليه فارس آخر من فرسانهم، ولكن الفتى عاجله بطعنة فخر مضرجاً بدمه..

أبو عبيدة: الله أكبر !

الفارس: ثم برز إليه فارس ثالث فتلقاه الفتى بسيفه فشطره نصفين، ثم برز رابع فقتله الفتى.

أبو عبيدة: الله أكبر..! بوركت الأزد التي أنجبت مثل هذا الفتى.. ثم ماذا؟

الفارس: جن جنون الروم.. صرخ قائدهم: أما لهذا الفنى الحدث من يصرعه!؟ فاندفع إليه فارس خامس من الروم فضرب الفتى ضربة قوية أسقطت سيفه.. حاول الفتى التقاط سيفه ولكن الرومي عاجله، وضربه ضربة أجهزت عليه.. فسقط الفتى مضرجاً بدمه وهو يقول: غداً ألقى الأحبة.. محمداً وصحبه ..

أبو عبيدة (وقد دمعت عيناه) : عليه رحمة الله.. وهنيئاً له الشهادة ولقيا من أحب.. والله إن أمة فيها مثل هذا الشبل لن تهرم أبداً.

ستار