على رصيف في شارع عربي (8)

د. عامر آل أبو سلامة

د. عامر آل أبو سلامة

-         حركاتك اليوم كثيرة، وضعك لا يعجبني، أراك قلقاً..... هل حدث لك مكروه؟؟ .....لماذا لا تجيب......ما ذا دهاك؟؟........... نحن هنا..........

نحن هنا......... يا ناس...... يا عالم......في حدا؟؟

-         اتركني أرجوك......خليني بهمي.

-         خير إن شاء الله.....إيش في ؟؟

-         يعني ما سمعت الخبر......عامل نفسك (غشيم)......

-         الأخبار كثيرة...........فأي خبر تريد؟

-         خبر جدتي!!!!!!!!

-         يا رجل أتكلم معك بجد.....لماذا تعاملني بهذه الطريقة؟

-         لأنك كنت سلبياً......وأنا صاحبك, والصديق والصاحب، ما يترك صاحبه وقت الشدة......خصوصاً إذا كانت فرية واضحة، وأنت تعلم أنها اختلاق وافتراء......والقصد منها تشويه سمعتي....والحد من نشاطي، محاولة لمحاصرتي، حتى لا أقوم بأي حركة.

-         ماذا جرى؟

-         كان عليك أن تدافع عني، وترد عن عرضي، وتلقم المفتري الأفاك حجراً، وأنت أكثر الناس معرفة بي وبأخلاقي وسيرتي وتاريخي وعائلتي، أنا ما أتيت من الشارع، أنا ابن ناس وعالم.

-         عن أي شيء تتحدث؟؟

-         قلت لك عن جدتي!!! لكن والله لن يستطيعوا ذلك، وإني أحمل إرادة وصبراً وتصميماً أكبر مما يظنون....وأكثر مما يتصورون، ونحن لها....نحن رجال الثبات والصبر...........مقاومتنا للعدو الظالم، والمحتل الغاشم، كل الناس تقرأ سطورها، وتتعمق بمعانيها، وتفهم مراميها، من أيام أجدادنا لما قاوموا الاستعمار....ودحروه........وهزموه.......وجعلوه يرجع يجر أثياب الخيبة، من حيث أتى.......محملاً بإنطواء الذات على عض أصابع الندم، على ما أجرم بحق نفسه، أعظم مما جلب على غيره من معاني الشر والسوء...

-         ( وهو يصفق)...خطبة عصماء......لم أكن أتصور أنك بهذه البلاغة؟ ولم أعرف عنك أنك خطيب بهذا التميز، إلاّ هذه الساعة.

-         يا سيدي....إن الذي تحمل كل هذه المشاق التي تحدث لنا، يجب أن يتحمل المشاق من الصنف الثاني.......رغم أن مرارة الرمي بالتهمة، قد تكون في كثير من الأحيان، أعظم ألماً من الرمي بالرصاص......في بعض صور المسألة، سيف يدخل ببطنك، حتى يخرج من ظهرك، أهون عليك من رمي ببهتان، أو قذف مما أنت منه بريء.

-         كلامك حكم....وإن لم أفهم القصد.

-         (غشم) نفسك، حتى نشوف وين راح توصل معاك.

-         حسبنا الله ونعم الوكيل!!!!

-         من فضل الله على الناس، أن أكرم خلق الله، قذفوا...ولفق عليهم...

  ورموا بالكبائر.....وصنعوا بحقهم القصص المختلقة، وهذا سلوان لمن خلفهم، حتى يأنسوا بهذا المعنى، صفوة البشر لم يسلموا من كيد الكائدين، وتشويه المشوهين، وكذب الكذابين، ولم يسلم نبي الهدى من هذا، فكيف أنا؟

-         إسكن قليلاً، واضبط أعصابك، وحدثني عن الذي حدث؟

-         إذا كان أطهر الناس، وأجود البشر، وأكرم الخلق، وأطيب من مشى على الأرض، قد تعرضوا لمثل هذا، فغيرهم بالقياس الأولوي، أولى أن يكون بحقهم هذا..............ألم يقذف نبي الله يوسف، ألم يفترى على البتول مريم، ألم تقذف أم المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق، ألم..........

-         يقاطعه صارخاً: أتلفت أعصابي، حرقت دمي، هذا الأسلوب في الحديث ليس صحيحاً، ولا منطقياً، وبنفس الوقت ليس مفيداً.........

-         وقبل أن يكمل فكرته: هذا الأسلوب الذي يمارسه بعض الناس، في بث قالة السوء، ونشر الأخبار المختلقة، إنما هدفه، الحرب النفسية، ليحدثوا لدى الآخرين الهزيمة المعنوية، وإذا انهزم المرء نفسياً، وانكسر معنوياً، فقد تودع منه.

-         وبعدين معاك.

-         لذا أنا أفهم الغرض من هذا تماماً، وأعرف مراميه، وهو أسلوب قديم حديث، ألا تلاحظ أن هذا كان من أساليب المنافقين في الصدر الأول، وما الآثار التي تركوها في هذا الشأن؟!! إفساداً وتخريباً، لكن الله خذلهم.

-         أما انتهيت حتى نفهم، الحوار أخذ وعطاء، سماع وكلام، دور بدور، للحديث آداب، وللمجالس أصول تعامل.

-          الأمر لم يهمله الباحثون، وقامت عليه دراسات ونشرت كتب، هل قرأت كتاب ( الإشاعة) وكتاب ( الحرب النفسية)- على سبيل المثال- للدكتور أحمد نوفل، فهما دراستان في الباب، تشد لهما الرحال، فصل القول في المسألة، وبحث بذورها وجذورها، وأسبابها ونتائجها، وآثارها ومخاطرها، وكيفية مواجهتها، ووسائل الوقاية منها، وطرائق التعامل معها.

-         ترى إن لم تقل لي ما القصة، سأغادر المجلس، عن جد اتعبت من هل الجلسة!!!

-         لا يجوز أن يكون المثقف مغفلاً، لا يدري ما حوله، ولا يعرف واقعه، ولا يفهم ما يدور في دائرة الحياة........ينبغي أن يكون واعياً فاهماً، مستوعباً للمشكلات، عارفاً بالكائدين وأساليبهم، ( لست بالخب، ولا الخب يخدعني).

-         ( بتهكم وانزعاج ): ما شاء الله عليك........وأنت منهم إن شاء الله!!!

-         الصبر عليهم مطلوب، وتفويت فرصة الفتنة ، حتى لا يتحقق مرادهم، فنقع في فخ ما صنعوا، أمر لازم وضروري.........ولكن هذا لا يعني إهمال الموضوع، وعدم مواجهته بالحكمة، والبيان الحسن، فإبطال مفعول قنابلهم، لا يهمله إلا غافل، وتفكيك خيوط ألغامهم، ضرورة لا يصح الاستهانة بها، وتقطيع خيوط عناكب فتنهم، وعي بالحدث، ومعالجة للمرض.

-         خلصت ولا لسه.

-         مشكلة كثير من الناس، أنهم يتلقفون الخبر بلا تمحيص، ويتداولونه من غير تبين، ويرددونه دون تثبت، وينشرونه مع الجهل بنتائجه، وهذا خلل كبير، وشر مستطير، وتكوين ثقافي قام على فساد التصور، والتربية الخاطئة، حتى جعلوا من مسلمات الحياة( ما في نار من غير دخان) وما إلى ذلك من قواعد صنعها البشر، ولكن بصورة عوجاء، وشكل أعرج، ورب البشر يقول:( وفيكم سماعون لهم).

-         بقي عندك شيء لم تقله؟....أرجوك.....أرجوك....كفى....كفى.

-         وكل هذا أولاً وأخيراً، من باب الأخذ بالسبب........فالتواكل، خلق مذموم، والتوكل محمدة.

-         ( يقف متوفزاً، وقد استشاط غضباً) ........فعلاً أنت اليوم لا يجلس معك، وبصراحة لم تحترمني، بل أصبحت أشعر بالإهانة.

-         ماذا تريد؟

-         قل لي ما مناسبة كل هذا الكلام؟

-         ألم تقرأ ما كتبته صحيفة........بالبونت العريض..........هل وصلتك مقالة المفكر!!! الذي يدعي الديمقراطية............ألم تبلغك مقابلة الحقوقي!!!! في قناة؟ أما قرأت عمود السيد الصحفي ............غثاء مدهش، وانحطاط غير مسبوق.....وخصومة تنقصها العدالة، وفجور تجاوز الحد، إنه الإرجاف بأشنع صوره، وأسوأ حالاته، حقاً إننا بحاجة إلى ميثاق شرف.

-         ( وقد نفخ نفخة، خرجت من ملء رئتيه): قل هذا من الصباح، يا رجل هلكتني......ذبحتني....طلعت وصاويص دماغي.

-         وأنت قل كلمة مفيدة.....كل الذي قلته ولم أسمع منك شيئاً.

-         دائماً أردد قول أحد الحكماء: يظل الإنسان في هذه الحياة، مثل قلم الرصاص، تبريه الابتلاءات، حتى يكتب بخط أجمل.......يا أخي العزيز.... قابل هذا بمتانة الأعصاب، وقوة التلقي، وفلسفة الاستيعاب، وروعة التعامل، ونزاهة الرد، وذكاء السياسي، ( ويا جبل ما تهزك ريح).