الأمير سوفان، وشيخ الصحراء زرقان

الأمير سوفان، وشيخ الصحراء زرقان

مسرحية من فصل واحد ، في خمسة مشاهد

رضا سالم الصامت

الشخصيات 

رجال الأمير الثلاثة ميساس وزوراس وسيباس، الأمير سوفان، الحارس لغمان، والشيخ زرقان، والحصان زوبان 

*** 

يفتح الستار ، أمام لوحة كبيرة تظهر فيها صحراء قاحلة و مؤشرات صوتية تسمع بعض أصوات الذئاب مع تغريد أصوات قوية لزفير رياح وغبار يتصاعد مثل عاصفة رملية و أحيانا تسمع صهيل حصان 

يفتح الستار  على منظر صحراوي جميل ،الأمير على ظهر حصان يجره حارسه و هما يتحدثان

المشهد الأول

الأمير على ظهر حصان يجره حارسه و هما يتحدثان

الأمير سوفان : أيها الحارس لغمان يبدو أن الطقس جميل للقيام بهذه النزهة الصحراوية 

لغمان : نعم أيها الأمير سوفان ، الصحراء مكان جميل ؟ 

الأمير: أنا أحبها رغم أني لم أعش فيهـا ولكن مُجرد الإحساس أن يدي تلامس ترابها أشعر بسعادة عارمة الصحـراء مكان فسيح للتفكر بهدوء 

لغمان : في النهار تكون الصحراء ساكنة وهادئة و في الليل إنها مخيفة ؟ 

الأمير: الصحراء طبيعة غنية بالحيوانات والنباتات الجميلة التي عاشت فيها وتعودت على حرها صيفا و بردها شتاءا 

لغمان: هل عطشت... ؟

الأمير: نعم ، هات الجراب لأشرب القليل 

لغمان : تفضل سيدي الأمير ...يمكنك أن تشرب و ترتوي ، فلدينا ما يكفي من الماء لثلاثة أيام 

الأمير: أعرف ، و لكن في مثل هذه الرحلات ، علينا ان نأخذ احتياطاتنا و أن لا نبذر كل شيء و لو كان ماء 

لغمان الحارس نعم أيها الأمير ، كلامك صحيح ، مارأيك الآن لو نأخذ قسطا من الراحة فلقد قطعنا أميالا و نحن نتحدث فنسينا الطريق

أوقف الحارس لغمان حصانه و نزل الأمير سوفان من على ظهره و جلس الأمير تحت جذع شجرة يلامس تربة الصحراء الذهبية و فجأة اندلعت عاصفة رملية حجبت الرؤيا و لم يعد الأمير يرى شيئا 

المشهد الثاني

يتغير المنظر و عاصفة رملية تحجب الرؤيا و لم يعد الأمير سوفان يرى شيئا 

  الأمير : أين أنت يا حارس لغمان ، أين انت ؟ الغبار ملأ فمي و أنفي و أجد صعوبة في التنفس 

الحارس لغمان : في وسط العاصفة الرملية و بصوت خافت ينادي، أنا هنا 

- أيها الأمير... أيها الأمير ، و لكن أين أنت ؟ أيها الأمير لا تستسلم ؟

صهيل الحصان هو الآخر يتصاعد و قد ضاع بين الكثبان الرملية حححح ... حححح 

لغمان : يا سيدي الأمير أين أنت ؟

الأمير: العاصفة قوية و لم أعد أرى شيئا ، اين أنت يا حارس لغمان ؟

الحصان زوبان: و هو مذعور يسمع صهيله : حححح ححححح حححح 

كان الأمير يسمع صوت حارسه و لكنه لا يعرف من أي جهة 

الأمير : و لكن أين أنت أيها الحارس ؟ 

و فجأة سكت صوت الحارس و سكت صهيل الحصان أيضا

الأمير بقى لوحده حائرا و أخذ يحدث نفسه و هو يتنفس بصعوبة و يسعل 

- ترى أين ذهب الحارس لغمان و حصاني زوبان ؟ 

- أرجو أن ألقاهما بخير

- ماذا أصابهما 

- يا الاهي لم اعد اسمع شيئا ، غير زفير الرياح المخبف

- اللهم أسالك اللطف بنا 

بعد سويعات هدأت العاصفة و لم يجد الأمير حارسه و حصانه ، فأخذ يبحث عنهما لفترة طويلة، فتملكه الذعر و بقى يمشي بهدوء و حذر لا يعرف إلى أي جهة يتجه و إلى أين ستوصله قدميه ثم نظر في كل الاتجاهات و قال الأمير  

يا للأسف لم أعثر على احد 

تقدم الأمير سوفان خطوات كثيرة و هو يجر قدميه جرا ، فإذا به يعثر على جثة آدمية فاتجه نحوها و نفض التراب الذي كان يغطيها فإذا به لغمان حارسه 

الأمير : يا الاهي .....انه لغمان ..... لغمان ، و هو يصيح  ، لغمان كلمني أرجوك ، أنا الأمير سوفان ، هيا تحرك 

وضع رأسه على صدر لغمان و بكى الأمير و هو يقول و يتنفس بصعوبة : آه إن لغمان قد انتقل إلى رحمة الله 

و بكـــــى عليه 

الأمير : آه يا لغمان ، تركتني لوحدي أواجه مصيرى فليرحمك الله ، كنت إنسانا طيبا و مخلصا و أمينا 

وضع الأمير التراب على الجثة و رشق عودا كعلامة لموضع قبره - ثم واصل المسير و هو حزين 

قطع الأمير أميالا و أميال ،وهو يجر قدميه جرا و فوجئ لما رأى حصانه ممددا هو الآخر على الأرض وهو ميتا فقال الأمير

  هذا حصاني .. مسكين لقد مات "زوبان" ووقع بين هذه الكثبان الرملية 

ورشق عودا  آخر كعلامة لموضع حصانه ثم تركه وهو خائف في صحراء غريبة لا يبحث سوى عن قطرة ماء تروي عطشه بعد ضمأ طويل ، فصار الأمير يبكي و هو لا يدري إلى أين سيؤول به المصير ، خاصة بعد أن فقد حارسه لغمان 

و حصانه زوبان للأبد 

اشتد بالأمير الحزن و تألم كثيرا لفقدان حارسه لغمان و حصانه زوبان 

تعب كثيرا من المشي ، حتى انه أصبح عاجزا عن الحركة ، و نال منه العطش و لم يجد قطرة ماء

الأمير : و هو يحدث نفسه : الآن لم اعد اعرف إلى أين سأتجه ، يا الله ساعدني 

!... مصيري سيكون غامضا

الأمير : علي بالصبر ، فان الله مع الصابرين و هذا أملي الوحيد في النجاة ؟

المشهد الثالث 

الأمير و هو يجر قدميه جرا و منهكا من شدة التعب و يتنفس بصعوبة

و يسعل أحيانا 

تعب الأمير كثيرا من المشي على قدميه ، و لم يعد يحتمل فقرر أن يرتاح قليلا ، لأن التعب أخذ منه مأخذا ولم يعد قادرا على التقدم ولو خطوة واحدة إلى الأمام ، فنال منه الإحباط و سلم أمره لله تعالى

الأمير سوفان: يا للهول ... إني أرى قطعانا من الذئاب في طريقها إلي على ما يبدو 

الأمير : ماذا سأفعل الآن ؟ إني خائف ، فماذا لو هاجمتني؟ 

الأمير المتعب، يجد نفسه أمام مجموعة من الذئاب الشرسة تريد مهاجمته فاحتار و قال : يجب علي أن أصد الهجمة، و لكن ليس لدي أي وسيلة للدفاع عن نفسي، و لكن سأرفع عقيرتي بالصياح مناديا 

وبدأ الأمير سوفان يصيح و يستغيث بأعلى صوت و صوت عواء الذئاب تقترب أكثر

الأمير : و هو يصيح و يستغيث : آه ، آه هه ... يا رب أغيثوني إني سأموت ، الذئاب تهاجمني 

وصل صدى صوت الرجل وعواء الذئاب إلى مسمع شيخ الصحراء فخرج و بيده عصا غليظة لاستجلاء الأمر

الشيخ زرقان: ماذا أسمع انه صوت إنسان يستغيث ... صدى الصوت من هنا ، اعتقد انه قريب مني 

الأمير : انجدوني الذئاب تهاجمني، النجدة 

وفجأة شاهد الشيخ الرجل  في ورطة و لم يكن يعرف انه أمير فأسرع إليه 

الشيخ زرقان و قال له: لا تخف أيها الرجل ، استمر في الصياح سأضرم النار في كومة اللبان هذه إنها أعشاب شوكية تشتعل بسرعة 

أشعل الشيخ النار في الأعشاب الشوكية و تصاعد اللهب ففرت الذئاب مذعورة

المشهد الرابع 

الشيخ : سأطرد الذئاب بهذه العصا الغليظة ... لا تخف إن الله معنا 

الأمير : شكرالك أيها الشيخ  

الشيخ : لا شكر على الواجب ، الم ترى كيف هربت الذئاب بعد أن أضرمت النار في أعشاب اللبان ، فالذئاب تخاف من النار

الأمير : نعم انك حقا رجل شهم و شجاع ،و لكن من تكون يا سيدي ؟

الشيخ : أنا شيخ الصحراء 

الأمير : أشكرك يا شيخ الصحراء ، انك أنقذت حياتي 

الشيخ : هيا بنا أيها الرجل إلى كوخي القريب سأعتني بك ، انك متعب جدا و يبدو أنك عطشان 

الأمير : شكرا لك ، إني سأموت عطشا 

الشيخ : و بينما هما في الطريق يسأله : و لكن ماذا تفعل لوحدك أيها الرجل في صحراء قاحلة كهذه ؟

الأمير : قصة طويلة سأرويها لك فور وصولنا إلى الكوخ أيها الشيخ الكريم 

الشيخ : و لكن لم تقل لي عن اسمك يا رجل؟

الأمير : أنا اسمي سوفان

الشيخ : و أنا اسمي زرقان ، ها قد وصلنا ، هيا تفضل بالدخول يا سوفان، فكوخي متواضع جدا 

أرجو لك طيب الإقامة 

الأمير : انه كوخ صغير و متواضع ، ولكنه جميل بصاحبه شيخ الصحراء زرقان 

الشيخ : يبتسم : هههههههه شكرا ...شكرا ، هذا تواضع منك

الأمير : يشرب ماءا ثم يقول : الحمد لله 

الشيخ : أنت الآن ضيفي يا سوفان ، ما قصتك يا رجل ؟

الأمير: خرجت في جولة صحراوية، و بعدت كثيرا عن الطريق وفجأة هبت عاصفة رملية فقدت فيها اعز أصدقائي و مات حصاني و تهت أنا و ليس عندي ماء أروي به عطشي

يتنهد  ، و كأنه متحسر على فراق حارسه لغمان و حصانه زوبان... ثم يضيف قائلا 

نعم لقد تهت أيها الشيخ الكريم والذي زاد الطين بله أني ضللت الطريق، و أضعت الصديق و لم اشعر بالأمان 

مات حصاني بسبب هذه العاصفة و لم اعرف إلى أين أتجه في هذه الصحراء القاحلة 

وضع الشيخ زرقان ما لديه من طعام و لبن و شراب على الأرض داخل الكوخ و أعطاه فراشا لينام عليه و يرتاح 

فهم الشيخ ما حدث للرجل وتركه يأكل و يشرب  ثم  نام . و في الصباح الباكر شد الرحال و أوصل الشيخ زرقان ضيفه إلى الطريق و سلمه حصانا ليعود به إلى موطنه 

المشهد الخامس الأخير

بعد أشهر فكر الأمير في الشيخ زرقان الذي أنقذ حياته و سلك الطريق المؤدية إلى الصحراء صحبة ثلاثة من رجاله و هم '''ميساس''' و '''زوراس''' و '''سيساس''' و بحث عن الكوخ فوجده وعندما وصل قدم للشيخ مالا و ذهبا وفضة و طعاما و ثمارا و أهداه حصانا جزاء إكرامه له أيام محنته عندما تاه في الصحراء القاحلة

الأمير: هل عرفتني أيها الشيخ الطيب الكريم ؟

الشيخ زرقان : و كيف لا أعرفك فأنت الرجل سوفان الذي تاه في الصحراء و هاجمته الذئاب و كنت قد ساعدتك 

ابتسم الأمير و أمر رجاله مياس و زوراس و سيباس بإدخال ثلاثة صناديق الى كوخ شيخ الصحراء زرقان 

الأمير : ميساس من فضلك ، أدخل إلى كوخ شيخ الصحراء زرقان صندوق الذهب 

ميساس : سمعا و طاعة سيدي الأمير

الأمير : زوراس رجاء، أدخل إلى كوخ شيخ الصحراء زرقان صندوق الفضة 

زوراس : سمعا و طاعة سيدي الأمير 

الأمير : و أنت يا سيباس أدخل صندوق المال و الطعام و الثمار إلى كوخ شيخ الصحراء زرقان و اترك للشيخ حصان

لم يصدق الشيخ في بادئ الأمر ما رآه، فنزل الأمير من على ظهر حصانه و قال: أيها الشيخ أنا الرجل الذي ساعدته من أشهر عندما هاجمتني الذئاب و أرادت بي شرا، و أنت تعرف ذلك ، لذا اعتبر هذا كله هدية متواضعة مني أمير البلاد لك أيها الشيخ الشهم و الشجاع 

عانق الشيخ الرجل طويلا ثم قال له: أنت أمير ، يكفيني فخرا و شرفا أن كنت ضيفي 

رد عليه : نعم أنا الأمير سوفان جئتك من مملكة الزمرد و المرجان

الشيخ : و أنا شيخ الصحراء زرقان، تشرفنا بحضرة الأمير سوفان أهلا و سهلا

قدم الشيخ زرقان لضيوفه لبنا ثم ودعهم واحدا واحدا بعد أن عانق الأمير و ابتعدت القافلة و بقي الشيخ زرقان يلوح لهم بيده إلى أن غابوا عن الأنظار

و أثناء سيرهم  توقف الأمير سوفان للترحم على روح لغمان حارسه و على حصانه زوبان 

ويغلق الستار

وهكذا ظل الأمير سوفان مخلصا للشيخ زرقان اعترافا له بالجميل ، و بقي الشيخ يحب الأمير، و هكذا تنتهي مسرحية الأمير سوفان و شيخ الصحراء و منها نستخلص أكثر من عبرة و فيها وقفة نتأمل هذه القيمة المهمة ودورها في حياة الناس،الذين فيهم من لا يعيرها أي اهتمام ،و لكن الإنسان بحاجة إلى مساعدة أخيه الإنسان وأن العلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل لتقوية أواصرها وترسيخ أركانها ، فحتى الكلمة الطيبة لها أثرها العميق والفعال في تقوية التواصل و الإخاء

فلا تنسوا هذا الجميل أبداً و تذكروه في حضور من قدمه لكم، وفي كل وقت يتناسب وذكره اعترافاً بحقه أولاً، وتعليماً للآخرين ثانياً، وتشجيعاً على عمل الخير ثالثاً... فهو صفة حميدة, وخلق كريم و بهذا الخلق الحسن يكثر الخير والمعروف بين الناس, ويظهر الحق, وتعلو المروءة والشهامة في النفوس.