قصة مُعلم... الفلافل

محمود ناجي الكيلاني

قصة مُعلم... الفلافل

محمود ناجي الكيلاني

[email protected]

المشهد الأول: (غرفة الصف)

مدرس اللغة الإنجليزية عبدالسلام يسأل الطالب رائد: حفظت تصاريف الأفعال؟

رائد بتأتاة: لا والله يا استاد.

مش حكيتلك إذا بتضلك مهمل بدراستك وتقضيها فليلة من المدرسة بتجيب اللي خلفك معك.

التوبة يا استاد... آخر مرة، وصدقني غير أصير اعجبك، بس بلاش ابوي يعرف.

طيب روح انقلع، وقف باب الإدارة.

المشهد الثاني: (في مطعم شعبي)

بعد المغرب، أثناء قيام جمعة المصري بقلي الفلافل، ينادي: يا عبسلام متشوف الزباين في الصالة.

عبدالسلام: ياللا هيني نازل بس شوي يا جمعة أحط كربونة ع الحمص.

يضج زبائن الصالة: ياللا يا معلم جمعة بدنا نروح، خلصنا.

يدخل عبدالسلام ويسأل زبائن الطاولة الأولى: شو تأمروا؟

الوالد: صحن حمص وصحن فول وبعشرة فلافل وكاستين شاي على كيفك، ومتنساش السرفيس.

يمضي عبدالسلام لإحضار الطلب، بشيء من الانكسار..

إبن الزبون: بتعرف يابا، إنو الجرسون استاد عبدالسلام.. مدرسنا الانجليزي.

المشهد الثالث: ( في ساحة المدرسة)

ينادي رائد زملاءه (شلة الأنس) لأمر هام، وبعد أن يلتفوا حوله لسماع المفاجأة، يقول بافتخار: بتعرفوا مبارح يا شباب إنو استاد عبدالسلام كان يخدّم علينا أنا وابوي في المطعم، ولولا ما كان ابوي معي كنت بدي أطلب أرجيلة واطعج رجل على رجل، وأهري وبره وهو يجيب فحم.

زميله رامي: والله لو كنت محلك لاكسر عينه.

رائد: ما أنا كسرتها واللي كان كان.

زميلهم ابراهيم: صحيح إنكو قليلين أدب، الله يكون بعونه المعلم شو بده يكفي راتبه، والشغل الشريف مش عيب.

رامي: طيب اسكت احسنلك، بلاش نرفش ببطنك، خلينا الفهم لأمثالك يا.... أبو الأولى، فكك منه يا رائد ودلني عالمطعم، والله لاخلي استادك عبدالسلام يحكي فرنسي مش انجليزي.

المشهد الرابع: ( الغرفة الصفية)

يدخل المدرس عبدالسلام على صف العاشر الأساسي، بيمينه كاسة شاي وبشماله كتاب المادة وتحت إبطه عصى ( مطرق زيتون).

وأثناء مسحه للسبورة، يستفزه وقوف الطالب رامي مطولاً عند سلة المهملات وتحريك يديه بشكل غريب وضحك طلاب الصف بلا مبرر، فيسأله الأستاذ عبدالسلام شو بتسوي من ساعة يا زبالة جنب سلة الزبالة؟

رامي: ولا شي يا استاد، بقلي فلافل لزباين الصف، وبدي أقدم هالطلب لرائد وأبوه لأنهم مستعجلين.

يقهقه الطلبة، ويصرخ أحدهم من الدرج الأخير: بالله بربع دينار فلافل يا معلم رامي وتوصى فيهن.

المدرس عبدالسلام: والله حقكو، إقلو فلافل هو إنتو جايين تقروا، ودير بالك من الزيت المغلي يحرقك معلم رامي ... أي ملعون أبوها من تربية  وتعليم وصلتنا لمرحلة الولدّة يتمسخروا علينا فيها!

وبينه وبين نفسه: وينك عنا يا نقابتنا؟ يا ريتك يابا فتحتلي مطعم فلافل أو محل خضرة من أولها وبلا مصاريف المدارس والجامعات، فبعد اللي شفته اليوم إتأكدت إنو القاري والشوسمو واحد.

المشهد الخامس ( في غرفة المعلمين).

يجلس المدرس عبدالسلام واضعاً يديه على رأسه لدقائق، ثم يتناول ورقة بيضاء ليخط بعد البسملة وكلمة (استقالة) على رأس الصفحة ما يلي: إن الحكومات التي لا تكرم المعلم ولا تقدره مادياً ومعنوياً؛ تتقصد إفساد الأجيال وإفشاء الجهل بالمجتمعات، وبالنتيجة تسعى لإخراج معلمين جدد بنفس مستوى طلبتهم، خلقياً وثقافياً، ويسرد باختصار ما جرى معه ( (.....

ويكمل: ليس المعلمون ملائكة وقد تخرج منهم بعض الألفاظ غير المناسبة من قهرهم وضنكهم، ولا نلق باللوم على أبنائنا الطلبة بميلهم للمشاغبة وعدم الاهتمام؛ لعدم إدراكهم لماهية مستقبلتهم وما ينتظرهم- كنا صغاراً مثلهم ونعلم ذلك تماماً- ويلام بالدرجة الأساس من لا يوفر المكانة المحترمة  والسلطة الأبوية للمعلم القدير، وبذلك سنبقى نواجه ما نواجهه في المدارس والجامعات من تسيب وانفلات وعنف زاد عن حده بشكل مخيف، والمسؤولون عنه بالدرجة الأولى هم المسؤولون والأهل، وأنا أب أيضاً في الأربعينات من العمر، وتقبلوا استقالتي مع فائق الإحترام... معلم اللغة الإنجيزية عبدالسلام.. ودمتم.

ويترك المعلم كتبه ودفاتر التحضير والغياب والحضور والعصى على الطاولة، ويمضى إلى مطعم الفلافل من غير رجعة إلى سلك التعليم!