الفدائي المنتصر

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

مسرحية تاريخية

عبد الرحيم عبد الرحمن منصور

الصحابي الشاب عبدالله بن حذافة يدخل على زوجته مستعجلا ويقول لها :

عبدالله: جهزي لي رحلي يا امرأة إني ذاهب في مهمة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم )

الزوجة : إلى أين وجهنك يا أبا حذافة ؟

عبد الله : ديار كسرى

الزوجة :كسرى عظيم الفرس ؟ أرسول الله بعثك إليه ؟

عبد الله : أجل ، وحملني رسالة أمرني أن أسلمها له باليد

الزوجة : إذن تذهب وتعود مصاحبا بالسلامة ، وحفظ الله وأمنه

( ودع عبد الله زوجته ومضى إلى غايته ترفعه النجاد وتحطه الوهاد  وحيدا ليس معه إلا الله  حتى وصل ديار فارس )

توجه إلى قصر كسرى

الحرس : قف  من أنت ؟ وماذا تريد ؟

عبد الله : إني مبعوث النبي العربي إلى الملك وأحمل له رسالة
الحرس : انتظر لأخبر الملك

يدخل الحرس ويخبر الحاجب ليخبر الملك

الحاجب : أعرابي في الباب يا مولاي يقول أنه يحمل لجلالتكم رسالة من النبي العربي الذي ظهر في بلاد العرب

كسرى : احجزه حتى نتحضّر له ونستعد

يأمر كسرى بالزينة والرياش وإظهار عظمة الملك ويدعو عظماء مملكته للحضور لا يتخلف منهم أحد

كسرى: أدخلوا الإعرابي لنرى ماذا يحمل وماذا يريد

عبد الله : يتقدم عبد الله نحو كسرى مرتديا شملته الرقيقة وعباءته الصفيقة عالي الهمة  مشدود القامة
الحاجب : هات الرسالة

عبد الله : بل أسلمها له يدا بيد كما أمرني رسول الله وأنا لا أخالف له أمرا

استلم كسرى الرسالة مغتاظا وأعطاها للترجمان يقرؤها

الترجمان : بسم الله الرحمان الرحيم  من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس  سلام على من اتبع الهدى ...

كسرى بغضب شديد : حسبك أيها الترجمان هات الرسالة ..  يمزق كسرى الرسالة .. أيكتب لي بهذا وهو عبدي !!

أيبدأ باسمه قبل أسمي وهو عبدي ... أخرج أيها الأعرابي من مجلسي حالا

خرج عبد الله ثم فكر قليلا وقال :

عبد الله : ما نفع بقائي هنا وقد أوصلت الرسالة وأديت المهمة سأمضي إلى رسول الله وأخبره خبر ما حدث فإني لاآمن على نفسي من غدر كسرى

كسرى بعد أن سكت عنه الغضب : أحضروا لي الأعرابي

الحرس : لقد بحثنا عنه يا مولاي في كل مكان فلم نعثر له على أثر   لعله رجع إلى بلاده
أخبر عبد الله رسول الله بخبر كسرى وما فعل فقال الرسول صلىاالله عليه وسلم : مزق الله ملكه

 

تسدل الستارة   انتهى الفصل الأول

 

الفصل الثاني :

 

التحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى وتابع خافاؤه من بعده نشر الدعوة في أصقاع المعمورة وانطوت مملكة كسرى وزالت وما زال المسلمون يجاهدون في سبيل الله   والتحق الصحابي الجليل  عبد الله بن حذافة بجيش المسلمين على جبهة الروم

جواد: أسمعتم الخبر يا أحباب ؟

ضرغام : ما وراءك يا جواد لم نسمع شيئا ؟

 عقبة : نرجو أن يكون خبر خير وبركة !
جواد : جاء البريد إلى أمير المؤمنين بخبر ...
ضرغام  : تكلم يا جواد  ما الخبر

جواد : لقد وقع عبد الله بن حذافة ومجموعة من أصحابه أسرى في يد ملك الروم بعد كمين محكم أعدوه لهم

عقبة : صاحب رسول الله بن حذافة أسير عند ملك الروم !!؟ لا حول ولا قوة إلا بالله   حفظه الله ورده إلينا سالما غانما

عند ملك الروم

القيصر : إني سمعت عن هؤلاء المسلمين أمورا عجيبة لا تصدق   وأريد أن أختبرهم وأستفسر منهم بنفسي  هل بين هؤلاء الأسرى من يشفي غليلي ؟

أحد القادة : إن من بينهم واحد من أصحاب محمد وسوف آتيك به يا مولاي

القائد وقد أتى بأحد الأسرى : هذا سيد من ساداتهم  وشريف من أشرافهم يا مولاي

قيصر : ما اسمك أيها الأسير ؟

الأسير : بعزة وإباء : أنا جندي من جنود الإسلام اسمي عبد الله بن حذافة
قيصر : ينظر إلى عبد الله يتأمل ملامحه .. وقفته . وشموخه : ويقول :

إني اليوم سعيد   منشرح الصدر وأحب أن أعرض عليك أمرا فيه مصلحتك

عبد الله : إني أسمعك

قيصر : أراك شهما وصاحب عزة وإباء  وكبرياء أعجبتني وإني أعرض عليك أن تتنصر وتدخل في ديني وأعفوعنك فماذا تقول ؟

عبد الله : وأنا أعرض عليك أيها الملك أن تسلم أنت وقومك لتسلم من سيوف المسلمين المرهفه التي لا تجهلها

قيصر يضحك : اقبل يا عبد الله عرضي  تنصر أعفوعنك وأعطيك نصف ملكي

عبد الله : والله لو ملكتني الدنيا ومثلها معها ما تركت ديني

قيصر : يا عبد الله انظر إلى هذه الفتاة الجميلة  ــ   ويشير إلى فتاة جالسة على يمينه  ـــ ‘نها ابنتي الوحيدة ويتسابق القادة لنيل رضاها  فاقبل عرضي أزوجها لك

عبد الله : أيها الملك إان لي روحا تتوق إلى أبعد من ذلك وأسمى

قيصر : ويلك   إلام تتوق   أكثر من ذلك !!

عبد الله : إن روحي تتوق إلى الجنة أيها الملك

قيصر : ولكنك إذ  أبيت عرضي فإني معذبك ثم أقتلك   أيها الحراس علقوه على هذه الخشبة وأحكموا وثاقه

ثم أمر قيصر الرماة القناصة أن يرموا بالسهام قريبا من رجليه وأعضائه   ففعلوا

قيصر : اسمع كلامي يا عبد الله قبل أن تموت
عبد الله : وما أحلاها من ميتة وما أعذبها إلى قلبي

قيصر : أنزلوه عن الخشبة فسيرى مني ما لم يخطر له ببال   أعدوا له قدر الزيت المغلي

رفع الجنود القدر على النار وأوقدوا عليه حتى صار أحمى من النار ثم دعا باسيرين من المسلمين
قيصر : أيها الجنود اطرحوا واحدا منهما في القدر ليرى عبد الله ما ينتظره من هول

طرح الجنود الأسير في القدر فذاب لحمه وتجردت عظامه

قيصر : هاه  ماذا تقول يا عبد الله ؟

عبد الله : أقول حسبي الله ونعم الوكيل  ... إنا لله وإنا إليه راجعون

قيصر : ألقوا الآخر في القدر   فألقوه فإذالحمه يتلاشى وعظامه تتفتت 

والآن دورك إلا إذا وافقت على طلبي

عبد الله : هيهات     أيها الملك    هيهات

قيصر : وقد يئسس منه    القوه في القدر

عبد الله : يتقدم من القدر وهو يضحك .. ثم يبكي

قيصر : ردوه علي

عبد الله : في مواجهة القيصر بإباء وشموخ

قيصر : هل خفت يا عبد الله    أراك بكيت   ثم ضحكت   فما بالك ؟

عبد الله : ليس الأمر كما تظن أيها الملك ولكني بكيت لأني تذكرت أن لي نفس واحدة ستموت هذه الميتة في سبيل الله فتمنيت لو أن لي مئة نفس تموت هذه الميتة واحدة تلو الأخرى في سبيل الله  أما ضحكي فإني تذكرت أني بعد لحظات سوف القى الأحبة محمدا وصحبه في مقعد صدق عند مليك مقتدر

قيصر : وقد بدا مندهشا محتارا ثم تقدم من عبد الله وقال له : يا عبد الله أتقبل رأسي وأعفوعنك !؟

عبد الله : أما العفو فمن الله وأما أنت  فوالله لا أقبل أن تقبل أنت رأسي فضلا أن أقبل أنا رأسك

قيصر : قبل رأسي وأعفوعنك وعن جميع أسرى المسلمين

عبد الله : يتمتم  ويحدث نفسه   ما علي أن اقبل رأس هذا الكافر وأنقذ جميع إخواني الأسرى من المسلمين

ثم قال : عني وعن جميع الأسر المسلمين ؟

قيصر نعم   عنك وعن جميع الأسرى من المسلمين

عبد الله : إذن  أفعل   يتقدم ويقبل رأسه !

قيصر : أيها الجنود  أطلقوا سراح جميع الأسرى المسلمين حالا  إكراما لعبد الله بن حذافة

 

عبد الله : يتقدم من إخوانه الأسرى وقد تحرروا  ويسلم عليهم واحدا واحدا ويقول

أتمنى لو علم أمير المؤمنين بالخبر لكان فرح فرحا شديدا

أحد المسلمين : أتأذن لي أن أنطلق إليه بالخبر .. قبل مقدمكم عليه

عبد الله : أو تفعل ذلك ؟

الرجل : نعم أفعل .. حالا سأجهز نفسي وراحلتي وإلى الملتقى عند أمير المؤمنين

في مدينة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )

جواد : هذا فارس قادم من بعيد    لنر ما وراءه
ضرغام : يبدو عليه التعب والإرهاق

عقبة : من أين جئت يا أخا الإسلام وما وراءك ؟

الفارس : جئت من عند الأمير عبد الله بن حذافة باخبار سارة سيفرح بها أمير المؤمنين عمر وكافة المسلمين

ضرغام : بشرك الله بالخير ... أسرع إلى أمير المؤمنين

وصل ركب عبد الله بن حذافة واستقبلهم المسلمون بالحفاوة والسرور  وعمت المدينة وم حولها الفرحة والسعادة ....

جواد : أيها الناس ... ايها الناس  إسمعوا أمر أمير المؤمنين عمر ... يقول أمير المؤمنين عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة  وقد بدأتكم بتقبيل رأسه  فقبلوه

تزاحم الناس على عبد الله بن حذافة يقبلون رأسه ودموع الفرح تغسل وجوههم وصيحات التكبير والتهليل تملأ أجواء المدينة
تسدل الستارة   انتهى