المهرج والحكيم(9)

عبد الله عيسى السلامة

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

اعوجاج لا يصلحه القالب

سأل المهرج الحكيم قائلاً: قل لي يا سيدي الحكيم، ما الذي يصلح الإدارة إذا فسدت؟

نظر إليه الحكيم بإمعان وقال بهدوء: السياسة.

قال المهرج: والتربية.. ماذا يصلحها إذا فسدت؟

قال الحكيم بهدوء: السياسة.

قال المهرج: والفساد الاقتصادي.. كيف يعالج؟

قال الحكيم: بالسياسة.

قال المهرج: والأخلاق.. أي شيء يطهرها من فسادها؟

قال الحكيم: السياسة.

قال المهرج: إذا كانت السياسة تعالج فساد كل شيء.. فأي شيء يعالج فساد السياسة؟

قال الحكيم متنهداً: إن السياسة هي أم المسائل يا عزيزي المهرج.. إذا صلحت صلح معها كل شيء.. وإذا فسدت فسد معها كل شيء.. بيد أن لكل شيء مما ذكرته، سياسة خاصة به.. التربية إذا فسدت، تصلح فسادها السياسة التربوية – ونعني بالطبع هنا السياسة التربوية الحكيمة - والاقتصاد إذا فسد، عولج فساده بسياسة اقتصادية رشيدة.. وهكذا..

أما السياسات الخاصة هذه، فتضعها، وتطبقها السياسة العامة للدولة، أو الحزب، أو ما شاكلهما من مؤسسات ذات أنشطة متنوعة. فإذا فسدت هذه السياسة العامة بفساد صانعيها: عقولاً وأفئدة، فلا تنتظر صلاحاً في شيء من فروعها، أو توابعها، من السياسات الفرعية، أو من الأنشطة التي تضبطها هذه السياسات.

قال المهرج: فما العمل إذا فسدت السياسة العامة؟

قال الحكيم: ابحث عن جواب سؤالك هذا، في غير السبل المعروفة للإصلاح.

قال المهرج: لم أفهم.

قال الحكيم: غيّر الرؤوس والقلوب التي تصنع السياسة العامة، الفاسدة بسبب فساد العقول أو القلوب.

قال المهرج: وإذا لم أستطع تغييرها.. هل أسعى إلى إصلاحها؟

قال الحكيم ضاحكاً: إذا لم تكن حريصاً على وقتك ووقت الأمة، فلا بأس في أن تجرب.

قال المهرج: وكيف أجرب؟

قال الحكيم ضاحكاً: بسيطة.. خذ عقلاً من هذه العقول التي تنوي إصلاحها، وضعه في قالب أربعين سنة.. ثم انظر فيه.. فإذا استقام وحسنت حاله، فعمم التجربة على العقول الأخرى. أما إذا أدى إلى التواء القالب، فاعلم أن البلاء أكبر مما تظن.

قال المهرج مازحاً: إذن أتمثل بقول القائل: وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.

قال الحكيم باسماً: يمكنك التمثل به.

قال المهرج: وإصلاح السياسة؟

قال الحكيم: ابحث عن سبل خارج دائرة الفساد.

قال المهرج: كيف؟

قال الحكيم: ابحث عن سبل لم تعبّدها العقول الفاسدة، ضمن خريطة الفساد. فإن فساد الخطوط العامة والملامح الرئيسية في الخريطة، لا يصلح بإعادة رسم بعض الخطوط الفرعية والصغيرة، فضلاً عن أن يصلح بترميمات هزيلة، وتعديلات طفيفة على أشكال هذه الخطوط الصغيرة.

قال المهرج: فبمَ تنصحني؟

قال الحكيم: إذا لم يكن في كلامي هذا كله، نصيحة لك، واضحة ومفيدة.. فلا نصيحة لك عندي في هذا الشأن.

قال المهرج متحيراً: حسن.. أزعم أني فهمت نصف فهم.. وأرجو أن أمعن التفكير طويلاً في خلوتي، لأتم ما نقص من فهمي.