المهرج والحكيم(8)

عبد الله عيسى السلامة

حواريات

عبد الله عيسى السلامة

الغبيّ جداً.. والحمار

سأل المهرج الحكيم: ما الفرق يا سيدي الحكيم، بين الإنسان الغبيّ جداً وبين الحمار؟

قال الحكيم ضاحكاً: ويلك ما أخبث بعض أسئلتك!

قال المهرج مازحاً: إذا كان السؤال قد أزعجك، فإني أغير صيغته، فأضع بدلاً من الحمار بغلاً.

قال الحكيم وهو يتابع ضحكه: قاتلك الله ما أظرفك برغم خبث أسئلتك! على كل حال اصرف عن ذهنك البغل، ودعك ممسكاً بأذن الحمار، فهو أقل شراسة من صاحبه. أما جوابي البسيط على سؤالك، فهو أن الحمار نافع، وقد يضر أحياناً. أما نظيره الغبي جداً فهو ضار، وقد ينفع أحياناً.

قال المهرج: أوضح قليلاً.. فتح الله عليك.

قال الحكيم: الحمار يحمل المتاع، ويجرّ العربة أو المحراث، ويحمل صاحبه في التنقل.. كما أنه قد يكون زينة إذا كان وسيماً بهيّ الطلعة مثلك. وأرجو ألا تغضب، فقد شبهته بك ولم أشبهك به. كما أنه قد يذبح فيؤكل عند الحاجة الماسة..

أما الأذى المتوقع منه، فهو أنه قد يعض أحياناً، وقد يصك من حوله أحياناً. وقد يفزعك من نومك بنهيقه أحياناً.. وقد تغريه حمارة جارك، فيتسلل إلى حظيرتها دون علم صاحبها، فيحدث لك مشكلة مع الجار، لا سيما إذا كان غيوراً جداً.. وهكذا.

قال المهرج: حسن.. فماذا عن الإنسان الغبي جداً؟

قال الحكيم متنهداً: هذا هو البلاء الذي لا حيلة فيه، إلا فراقه، أو الصبر عليه إذا كان من خاصتك الأدنين، أو الدعاء له بأن يريح ويرتاح، في غيابة قبر، أو جوف سمكة من أسماك القرش، أو في حواصل سرب من البوم أو الغربان.

قال المهرج: أراك شديد التألم من هذا الصنف من الناس!

قال الحكيم بحسرة:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده     ولا الصبابة إلا من يعانيها

قال المهرج: ولكنك لم تحدثني عن مضاره وفوائده.

قال الحكيم: أما فوائده فأندر من الكبريت الأحمر، كما يقال.

قال المهرج: منها؟

قال الحكيم: منها: أنه يمكن أن يدفع عنك أذى سفيه، لا تحب أن تلوث نفسك بمناكفته أو الدخول مع في ميدان جدل أو صراع.. فإذا دفع عنك الأذى، دون أن يورطك، بغبائه الشديد، بتحمل تبعات جريمة حمقاء يرتكبها، يكون قد نفعك..

ومنها: أنك قد تعدّه رجلا، في مناجزة عدّو لا يعرف حقيقة رجالك وقوتهم. فتقول مثلاً لمن يتحداك برجاله: إن عندي مئة رجل، وأنت رجالك لا يجاوزن الخمسين..

فإذا كان خصمك يعرف أن بين رجالك عشرين غبياً جداً، فسوف يضحك في سره، ويقول عنك: "هذا الخبيث يحسبني مغفلا، لا أعرف أن الدواب العشرين التي لديه، هي نقاط ضعف لديه ونقاط قوة لي، ويمكن أن أوظفها ضده، لأدمر بها باقي قوته..".

أما إذا كان الخصم لا يعرف شيئاً عن هؤلاء الأغبياء جداً، فسوف ينخدع مرحلياً، ويكف عن محاولة الإيذاء أو التحدي، رهبة وخوفاً.

ومنها: أن الغبي جداً قد تدهسه سيارة، أو تصيبه رصاصة طائشة، فتأخذ ديته من الفاعل.

قال المهرج: فما مضاره؟

قال الحكيم: أما هذه فكثيرة جداً، منها ما هو خطر، ومنها ما هو بالغ الخطورة، وبينهما درجات.

قال المهرج: مثلاً!؟

قال الحكيم: سأورد لك بعض الأمثلة، وأترك لخيالك المجنح الخصب، أن يتجول كالفراشة البديعة بين الأمثلة الأخرى.

قال المهرج: حسن.. تفضل.

قال الحكيم: من الأضرار المتوقعة في كل لحظة: أن يورطك في جريمة، أو مشكلة عويصة، لا تعرف كيف تعالجها، أو تتخلص من نتائجها وآثارها. ومنها: أنه إذا كان مسؤولاً عن قبيلة شتّتها، وإذا كان مسؤولاً عن حزب دمّره، وإذا كان مسؤولاً عن دولة خرّبها.. ومنها: أنك إذا صاحبته أحرجك، وإذا جاورته أزعجك، وإذا حاورته غاظك، وإذا عاملته أساء إليك أو خسّرك.. ومنها: أنه إذا كان أحد الزوجين، قلب حياة الزوج الآخر إلى جحيم، وإذا كان أحد الوالدين، حول حياة أولاده إلى كرب دائم وبلاء مقيم، وإذا كان أحد الأبناء، أحال قلوب أهله وعقولهم، إلى كتل من الفحم غير المحترق تماماً، فتظلّ أدخنة الهمّ والقلق والخوف والجزع والحسرة والألم.. تملأ الصدور والعيون والرؤوس.. وتملأ البيت كله، وينتقل أذاها إلى ما جاورها من بيوت، وإلى من خالطها من أهل وأقارب وأصدقاء ومعارف..

قال المهرج بنبرة حزن: كفى يا سيدي الحكيم.. كفى.. إن وصفك هذا وصف رجل مجرّب، بل مبتلى.. أعانك الله، وأعان كل ذي بلوى على بلواه.