حوار مع الشاعر والمترجم والباحث منير مزيد

حوار مع الشاعر والمترجم والباحث

منير مزيد

منير مزيد / رومانيا

[email protected]

نور سليمان أحمد

ليس لأنه شاعر ومترجم وعابد فى محراب الحرف آثرته عن أقرانه من شعراء المهجر لأجري معه حوارا أرى أنه تاريخى بالمعنى الحرفي للكلمة .. فمتى كان الشاعر – أي شاعر – يرى الحياة بمفاتيحها ومغاليق أسرارها كونا هائلا بكل مفرداته من بشر وطيور و أَبْحُر وأَنْهَارٍ ... كون هائل يستطيع أن يشكل تكويناته ليصنع عالمه الخاص جدا والعام ابدا ... فالحديث معه عن الشعر، ليس أكثر بداهة من الكلام عن الشعر مع شاعر وعابد فى محراب الشعر وخاصة إذا كان بوزن وقامة وقيمة منير مزيد  بحضوره وأثره العام والعالمى .  لكن الكثيرين يجدون دائما مع منير مزيد  سؤالا أحدث من الشعر وأكثر إلحاحا، ربما لأن الحدث الشعري الأهم موجود في دواوينه .. وذلك لأن الوجه الفلسطيني له أكثر استدرارا للكلام، والأرجح أن منير مزيد و الذي قال في شعره كل شيء عن الشعر وبملء حريته، بالطبع، شعر أن الكلام الطويل عن الشعر يقيده، فالتأمل في الشعر يظل عوداً على بدء وخيطاً في الظلام.

 كم يؤرقني هذا السؤال....! منذُ سنوات طويلة وأنا أبحث عن إِجابة لهذا السؤال حَتَّى وجدت نفسي غارقاً في مفاهيم ميتافزيقية مثل: الوجود والعدم والحقيقة والظاهرة والجوهر والعرض والحرية والإنسان، وحاملاً مشروع تحرر الإنسان من كلّ أشكال العبودية والإستلاب الفكري وأوهام الخوف. وهذا لا يتم إلّا من خلال تحرير الشعر من كلّ التَّأثيرات الأَيدِيُولُوجِيَّة والسياسية ومن كلّ الأطر الكلاسيكية والتقليدية لكي تصبح قضية الشعر المِحْوريَّة والأساسية هي الشعر . حين يتحرر الشعر، يتحرر معه الإنسان.

فقضية الشعر أن لا يستخدم الشاعر براعته في النظم كي يمدح أو يذم ، أو يرفع أو يضع، أو ليساير من يشاء متى شاء له هواه ومطامعه، فيمدح اليوم ما ذمه امس، ليظهر براعته في اللغة، أو ليصل لإغراضه الخاصة به.فهذا ينافي التجربة وصدقها، وينافي رسالة الشعر الوجداني من سبر أغوار القلب الإنساني والتعرف على أدق خلجاته، وإمكاناته الطبيعية، ومستقبله ومصيره الاجتماعي وتأثراته الوراثية وأحلامه وطاقته وموقفه الميتافيزيقي في عصره وكل ما يعد مقوماً من مقومات حياته وسعادته في الأرض..

أنا شَهوةُ الحُزنِ للحُزن، شهوَةُ الحُبِّ للحُبِّ، شهوَةُ النّارِ للاحترَاق ،وشهوَةُ العصافيرِ  للغِناءِ . بكلمات وجيزة منير مزيد ناسك يتعبد في محراب الشعر،أرهَقتَهُ رائحةُ ضوضاءٍ تعبَقُ في الفضاءِ والعدَمْ، يتحاشى الاصطدامَ بأفكارٍ مُطفأَةٍ ، وإلى ظلِ رغبةٍ ساكنةٍ اِنْزَوَى عسى أن يرتوِيَ من أنشودةٍ لا تعرِفُ الختام، إنسان حالم بالحرية ،وصوت الإنسانية النابِض بالحياة وبِالْحُبِّ ،والباحث عن الجمال،يعمل على نشر قيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والتسامح والتآخي والسلام  بين الشعوب باعتبارها لغة عالمية للتفاهم والتواصل بين الشعوب..

     منير مزيد إنسان عربي ومسلم ، لقد كرست حَيَاتَي لِخِدْمَةِ الأدب والشعر والترجمة ، ونشر رسالة الحبّ والسلام والإِخَاء،والبحث عن الجمال وتمجيده، والنضال من أجل الحرية واحترام حقوق الإنسان، ونبذ كلّ أشكال العنف والتعصب والتطرف الديني والاغتيال السياسي والفكري والعقائدي.

خلال هذه السنوات الطويلة والشاقة ، ورغم كل الصعوبات والتحديات والمعوقات والأذى التي واجهت مسيرتي الإبداعية ، أراد الله عز وجل لهذه المسيرة أن تنمو وتستمر، فقد استطعت من خلال الصبر والإيمان والمثابرة والأصرار ومن دون كلل أن أنجز ما يقارب من ٢٠٠ مؤلف في مجال الأدب والترجمة من دون مساعدة أحد غير بعض الأصدقاء وبقيت وفياً لرسالة الأدب والفن ، وشامخاً أعلى من قمم جبال الهملايا ، ولا أحد يستطيع نكران هذه الإنجازات إلاّ الأنذال والساقطين والمارقين من العرب القائمين على الشُؤُون الثقافية والإعلامية فهؤلاء هم أعداء الإنسانية وأعداء الحضارة والفن والإبداع وإن ارتدوا ثوب الثقافة.

نعم، ثلاثون عام  قد مضى وتأبى هذه المسيرة التوقف عند محطة معينة بل الاستمرار في العطاء وفي التنقل من محطة إلى محطة أخرى متسلحة بالايمان المطلق بالله عز وجل ، وبكلّ مفاهيم الجمال والقيم والمثل العليا غير آبهة بالعواء السائد  وبمظاهر النفاق والمجاملات الفارغة.

 

يعد الإعلام سلاحاً ذا حدّين ، لهذا أتعامل معه بحذر وبكثير من الجدية ، وأحاول قدر المستطاع أن أتجنب الظهور الإعلامي فهو أصعب بكثير من كتابة ملحمة شعرية .

هناك شخصيات عامة تعشق الظهور الإعلامي واِعْتِلاء المنابر والحديث في المناسبات الاجتماعيَّة والثقافية والترفيهية ، أَمَّا أنا فكلّ ما يهمني هو تكريس وقتي وجهدي للعمل الإبداعي والإنْتاج الأَدَبِيّ والفكري ، بعيداً عن الصخب والطبول ومراسيم توزيع الجوائز وشهادات التقدير .

هذا النوع من الاهتمام أَتَاحَ لي القدرة على الإنْتاج والإِبتِكار والإبداع فقد  بلغت أعمالي٢٠٠ عمل أدبي في الشعر والترجمة والأبْحَاثْ،ففي الشعر قد أَنجَزَت لغاية الآن٣٠ ديوان شعري باللغة العربية و ٣٠ ديوان باللغة الإنجليزية وترجمت إلى أكثر من ١٥ لغة، والأهم تأسيس مدرسة ورؤية شعرية "الشعر المطلق" واعتلاء عرش الشعر العالمي بشهادة النقاد وعشاق الشعر في العالم.

على سبيل المثال لا الحصر، تقول الدكتورة  والناقدة الكبيرة التونسية آمنة الرميلي: " في متابعتنا لتجربة منير مزيد الشعرية في هذه السنوات الأخيرة، يمكن الإقرار بأّنها تجربة فيها من الفرادة والتميّز والسعة الفلسفية والسيطرة على حركة الرّموز ما يرفعها إلى مصافّ التجارب الكونية. القصيدة مع منير مزيد لحظة موغلة في الذّاتية حتى أنّها لا تشبه إلاّ نفسها وموغلة في الغيريّة حتى أنّها تعجّ بأصوات الأساطير والخرافات والنصوص الدينية توراة وإنجيلا وقرآنا وتعاويذ بوذيّة وبقايا ديانات سحيقة لا يعرفها إلاّ المنكبّون بلا انقطاع على روائع الآداب والفلسفات البشريّة ما قدم منها وما حدث .القصيدة مع منير مزيد رحلة شوق إلى عوالم نورانية وذوبان صوفيّ في جواهر المعنى، ولكن يكفي ان تحطّ القصيدة بين يدي قارئ لائق بها حتى تنكشف أسرارها البعيدة والقريبة فإذا برحلة اللغة في شوقها الأوّل ملامسة لسياق إنشائها فيها من أحزان الشاعر وأفراحه، عشقه وكرهه، خيباته وانتصاراته، وفيها من ابتهالاته في محراب فلسطين الضائعة وخوفه من موجة الظّلام التي تجتاح الوطن الشيء الكثير . " ...

أمّا الناقد العراقي الكبير البرفسور عبد الستار الأسدي ، أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة البصرة فيقول : " إن الثورات الكبرى في التاريخ، في أي جانب من جوانب الحياة ، سواء في الأطر الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، أو في مجال العلوم أو العلوم الإنسانية ،الفلسفة والأدب والفن والشعر لا تحدث إلّا حين تكون هناك عقول مبدعة تعمل بإصرار وعزيمة وإيمان على تغيير الوضع الحالي.  فأعمال منير مزيد الشعرية تَعدُّ ثورة كبيرة وعظيمة في عالم الإبداع والشعر والفن واللغة و الاستعارات الإبداعية." ..

أمّا الدكتورة والشاعرة والرسامة الهندية سيما ديفي فتقول :"كما البرت اينشتاين في الفيزياء ومايكل انجلو في الفن ،كذلك مُنيرْ مَزيَدْ في عالم الشِّعْرِ  ،فهو أسطورة حيّة في تاريخنا المعاصر.."

أصبحت الهجرة  جُزْء لاَ يَتَجَزَّأ في حياة منير مزيد تماماً مثل حياة الطيور في هجرتها،وهذه الهجرة لا تغير شيئاً في طبيعتها وسلوكها وبالتالي بقي الوطن وحلم العودة حيّاً .لكن هناك أشياء كثيرة قد تغيرت في مناهج تفكيري بحيث أصبحت سيداً على نفسي بالإرادة والوعي ، وقادرا على استنباط الحقائق واكتشاف المعرفة . فالذات الإنسانية كما يعتقد ديكارت تقوم أساساً على التفكير لأن التفكير أو الوعي يؤدي إلى اليقين بالذات . وهذا الوعي قد تشكل من خلال صراع الموروث المحلي مع الجديد المكتسب ( الغربة ومعايشة أفكار مغايرة عن الموروث )  . 

لكن سرعان ما يطفو على السطح الشعور الملازم بالحرمان والوحدة والبعد عن الأهل وبأنني ما عدت قادرا على مشاركتهم همومهم وأفراحهم وأحزانهم وهذا  يولد عندي الشعور بالاغتراب ويحفر في أعماقي شعورا ملازما ودفينا بالألم .

    حلم ( جائزة نوبل ) نحن نعلم انك رشحت من قبل بعض الجهات فى أوروبا لنيل جائزة نوبل. حدثنا عن هذا ..؟

على ما يبدو إن هذا التساؤل سابقاً لآوانه على المدى المنظور، فأنا أعتقد أن الوقت لم يحن بعد لتأخذ أعمالي الإبداعية مكانتها في الوطن العربي. هذه الإشكاليةُ تحتاج شرحاً طويلاً ولكن أستطيع القول بكل جَراءة وصدق بأنها مرتبطة بثلاثة عوامل محورية وهي : -

أولاً : حَيْن يتم تَنْظِيف وتَطْهِير الشرق الأوسط من ظَواهِرَ قاتلةٍ باتت تسيطرُ عَلَيْهِ وتَجُرّه نحو الخِرَابِ والدَّمار .

ثانيا : حَيْن تَضْعَفُ أصواتُ ونفوذُ فئاتٍ تنشر الرجعيَّة والظلاميَّة، وتَرْفَعُ شعارات براقة لكن المحتوى فاسد مثل عقولها. فتلك الشعارات لا تغنى ولا تسمن من جوع بل تساهم في تسطيح العقل، والانغلاق على الذات والتنرجس الْعُنْصُرِيَّ، والغرق في وحل الوهم من خلال الشعور بالخوف من الآخر ومن ثقافته .بهذه الشعارات يصبح الإنسان العدو الأكبر للأفكار الحديثة و التنويريّة والحرة ، وتدفعه نحو التطرف والتعصب، والخوف من التغيير ،ورفض كل أشكال الحداثة.

تلك الفئات الظلاميَّة والمبتورة عقلياً تَشَدَّدُ على مُعَاقَبَةِ منير مزيد على حريته الفكرية، وعلى رفضه الانصياع لشهواتهم التدميرية والْعُنْصُرِيَّة من خلال إقصاءه والتعتيم على أعماله الإبداعية. فتلك الفئات تعمل بفكر عصابات الإجرام وأصحاب المصالح والأهواء ويطلق عليها «مافيات ثقافية ». هذا الإقصاء ليس عقاباً لمنير مزيد كما يتصوَّرون بل جريمة ثقافية وأخلاقية ترتكب عن سابق تصوّر وتصميم ،وجريمة ترتكب بحق الثقافة العربية وبحق الإنسانية وفكرها.

يقول بوذا : لا يمكن أن يستمر إخفاء ثلاثة أشياء لفترة طويلة: الشمس، والقمر، والحقيقة.

وأنا أضيف شيئاً آخر " أعمال منير مزيد الإبداعية "فالحقيقة تشبه الشمس التي تزيل كلَّ أوهام الظلام .

 لهذا علي أن أتقدم بالشكر الجزيل لهؤلاء لأنني تَعَلَّمَت كيف أَخلع عن جسدي جِلباب أبي المُهْتَرِئ والقديم ، و كيف أصنع جِلبابي الخاص بنفسي. لكن علي أن أعترف بأن هذا التعتيم قد غَيَّرَ أشياء كثيرة في حياتي وفي مَفَاهيم تتعلق بالوطن والانتماء والهوية ، وخلق فجوةً كبيرةً يصعب ردمها بيني وبين العرب ، ومَخَاوِفَ بأن أتحول إلى إنسان عُنْصُرِيّ يكره العرب .تلك المخاوف عبَّرَت عنها في ثلاث قصائد قصيرة على شكل ومضات وهي :

* قُبَّرةٌ صَغِيرَةٌ فِي القَفَصِ

تَنوَّحُ وَتُغنِّي

تَبّاً لِوَطَنٍ يُرِيدُنا

إمَّا فِي الأَقْفَاصِ وَإمَّا فِي الْقُبُورِ

ثالثاً : حَيْن يدرك الإنسان العربي بأن الثقافة صناعة فكرية تساهم بشكل مباشر في دفع عجلة التنمية والتَّطَوُّر وتساهم أيضاً في إعادة تشكيل الوعي الإنساني وتحرره من كلّ أشكال العبودية والإستلاب الفكري وتحتاج مناخاً من الحرية الكاملة لكي تزدهر،وبأن المبدع ثروة وطنية وإنسانية  يجب المحافظة عليها من خلال دعمه وتوفير حياة كريمة تليق به وبصورة وطنه وتوفير مناخ صحي، بعيداً عن المصالح الشخصية والفئوية والتكتلات الحزبية الضيقة ،ولا يحتاج الركض وراء أصحاب المناصب والمال بل على المجتمع بأسره أن يسعى إلى المبدع لأنه يعمل على خدمة الوطن وكافة المجتمعات الإنسانية.

لهذا َحيْن يتم إيجاد وسائل قادرة على توجيه تلك العوامل والتحكم فيها ولو بشكل جزئى، بعد ذلك يمكننا الحديث عن منير مزيد وأعماله الإبدعية ومناقشة الرؤى الميتافريقية والفلسفية التي يطرحها في أعماله.

 لقد ذكرت وتحدثت عن ظواهر وفئات تقف عائقاً أمام نشر إبداع منير مزيد في عالمنا العربي ، السؤال ما هي تلك الظواهر ومن هي تلك الفئات...؟

هذه الظواهر الظلاميَّة تجِدُ من يغذيها ويدعمها من قبل مؤسسات وأفراد وكذلك وجود أفراد مستعدة للقتل أو تفجير أنفسها من أجل تلك الظواهر .لهذا أصبحت حياتي مهددة من قبل قوى ظلاميّة ومافيات ثقافية تعمل على التعتيم على أعمالي الإبداعية وعلى رأس تلك المافيات رابطة الكتاب الأردنيين وكلّ من يدور في فلكها العُنْصُرِيّ.

أَمَّا الشيء الوحيد الذي أخشاه فهو إن تعمل تلك «المافيات الثقافية » على إستِغلاَلِ أعمالي الإبداعية لمصالحها الذاتية بعد رحيلي عن هذا العالم من خلال إِعطاء أعمالي صبغة حِزبيّة أو مَذهبيّة ، متناسية بأنها لاَّمذهبيَّة و منير مزيد قد عاش حراً وطليقاً ، وعاش لأجل لاَّمذهبيَّة إبداعه، وكان طائرا عشق التغريد والغناء كجزء من غريزته الفِطْريَّة التي استودعه الله إياها ولم ينتظر هذا الطائر مدحاً أو ثناءً أو تصفيقاً أو تهليلاً من أحد، وناضل لأجل حريته الفكرية ولأجل حرية وكرامة الإنسان ، ووقف شامخا ضد جميع أشكال التَّمْيِيز الْعُنْصُرِيّ وضد قوى الفساد ،ومطالباً بنبذ العنف والتشدد ولغة الكراهية،وبثقافة إنسانية لاَّمذهبيَّة ترتقي بالإنسان للوصول إلى المعرفة الرُّوحِيَّة وبلوغ الكمال والحقيقة المطلقة.

 

إذا قبلنا بالحقيقة بأن الإنسان هو كائن متعدد الأبعاد يعيش في كون متعدد الأبعاد وبما أنّه جزء من وعي لا متناه  وأبدي والوجود لم يولد ولا يموت ، والحياة دائمة وأبدية ، وبما أنّ عملية الخلق هي تعبير عن فكر واحد لا نهائي، وكل أشكال الحياة هي مظاهر من ذلك الفكر الموحّد ، و كل شيء عبارة عن وعي، والوعي هو طاقة و كلاهما شيء واحد، فإنّه من هذه الرّؤية ولدت فكرة الشعر المطلق  ..

حين أدرك الإنسان أنّ نظرة الجزء من خلال الكل هي النظرة السائدة والفاعلة و كيف تستطيع الجزئية تسيير مصالحها من خلال استخدام الكلية الكونية عمل على الرّبط والمقاربة بين مفاهيم الكون وظواهره المتضاربة والمتناقضة بصور أكثر قربا إليه وإلى تفكيره . ذا التقارب ألهب خيال الإنسان وحوله من متفرج إلى خالق .

يعتمد الشعر المطلق أساساً على مبدأ الفكرة  المتصلة بإسقاط الروح على الأشياء عن طريق مدركات الحواس وإسقاط الرّؤى الميتافيزيقية على مجموعة الأشياء المحيطة بها لأجل الحصول على الصورة الناتجة عن التأمل النفسي في البحث عن الذات االكونية في داخل الذات، عندها تصبح المحاكاة كونية لا تتجزأ .فالروح الكونية واحدة لا تتجزأ، و يهدف إلى خلق كون آخر . لهذا لا يعبر عن أفكار أو عواطف أو أي نشاط ذهني أو نفسي بل يعبر عن حالة من حالات التجلي الروحي وحالة من المكاشفة بين الله و الشاعر، وفي الشعر المطلق كلّ شيء يفكر ويمتلك ذاتا و ذاكرة.

بإختصار شديد الشعر المطلق هو امتداد للشعر الصوفي ولكن برؤية أكثر عمقا بحيث تحول الشاعر من راء إلى خالق يعمل على خلق كون آخر ،ويضعه بين يديك قطرة ضوء بصولجان الكلمة الإلهية .بهذه الرؤية سيدرك الإنسان بأن ما يحدث في هذا العالم هو إنعكاس لما يحدث داخلنا ،ونحن من صنع هذا الواقع ،وبأننا قادرون على تغييره ،وقادرون على صناعة المعجزات، وبأن خلاصنا في أيدينا عندها يصبح الشعر أهم مصادر الخلق كونه منبعا للخيال و الخيال يعد أهم من العلم كما صرح ألبرت أينشتاين، وطريقا نحو الانعتاق والتحرر من كلّ أشكال العبودية والإستلاب الفكري .

نَعَمْ ، لقد أصبح الشعر المطلق موجوداً فعلياً و في كتاب عنوانه سماء قرمزية تلمعُ بالأساطير وهو عبارة عن مجلد يحتوي على ١١ مجموعة شعرية باللغة الإنجليزية وهي : حب صامت يتلألأ بالشهوة ..الرقص حول نيران الشعر ..كرنفال العشق والرغبة .. تعاويذ الشعر المطلق ..الارتشاف من كأس التجلي.. مطر على سقف الحب ..حلم يتجول في الأبدية الصامتة..قصائد أرجوانية تبحث عن العسل ..ملحمة رقصة البجع الأزرق الأخيرة..

إيروس يغني في ذاكرتي ..أضرحة الماء في ذاكرة الياسمين..

سِربٌ من قَطَراتِ الْمَاءِ يتَوَغَّلُ مَعَ فَتَاةِ الرِّيحِ *

أَنَا ابْنُ زَهَرةِ اللُّوْتَس *

 تَبوحُ للضَوْءِ الهَارِبِ مِن الغُبَار الكَوْني

أَسْرَارَ تَشَرُّدِ العَصَافِيرِ

* وَمْيضٌ مَيِّتٌ

يُبعثِرُ خُطاه عَلَى جُدْرَانِ المَدِينَةِ

وَحَرِيقٌ بَارِدٌ

يُجَمِّدُ إِرتِعَاشَ الوُجُودِ

* كُلُّ شَيْءٍ يَدُورُ حَولَ ذَاته

ما عَدَا الشَّمْس

تَدُورُ حَولَ الكَلِمَةِ

يَعْثُرُ عَلَى فَجْرٍ مَيْتٍ فِي الطّرِيقِ الفاصِل

بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهار

فصلٌ مِن إنجيلِ الشِعر ..صور في الذاكرة  ..كِتَابُ الحبِّ والشعرِ ..آلام الشاعر ..قصائد من كون آخر ..قطع من الكهرمان والعنبر ..تأملات جمالية ..شاعر ومدن ..وجُوديات ..حبيبتي والحلم.. ملاحم كنعانية.. السحر المعتق بنار العشق ..مواسم الشعر العذري.. الحب يتجول عاريا.. أيقونات سحرية ..أحلام في ذاكرة من بلور ..خيالات فراشة التأمل.. حب صامت يتلألأ بالشهوة ..الرقص حول نيران الشعر ..كرنفال العشق والرغبة .. تعاويذ الشعر المطلق ..الارتشاف من كأس التجلي.. مطر على سقف الحب ..حلم يتجول في الأبدية الصامتة..قصائد أرجوانية تبحث عن العسل ..ملحمة رقصة البجع الأزرق الأخيرة..إيروس يغني في ذاكرتي ..أضرحة الماء في ذاكرة الياسمين.. الحَفْرُ في يَنَابِيْعِ الضَّوْءِ .. الرَّقْصُ مَعَ البَحْرِ عَلَى إِيقَاعِ الصَّمْتِ .. سَوسَنةُ الإِلَهِ فِي حَقْلِ كَنْعَانَ الْمُقَدَّس.

إلى هنا تبدأ رحلة منير مزيد الإبداعية... لاتنتهى كما يفترض بى أن أنهي حوارا معه أظنه قد بدأ ... لاشك أنني حين قررت أن أجري حوارا مع شاعر من شعراء المهجر ( طيور العرب المهاجرة بفنها ) دائما ما أخرج ومعي القارئ بخاتمة كما فى الأفلام العربية يتزوج الشاعر ربته الشعرية أو عروسه من جنيات القصيدة .. لكنى وأعترف أننى لم أستطع أن أزوج العرائس التى تتزين فى شعره تارة وتبكي مرات عديدة .. ظل السؤال عالقا فى سن قلمي ... متى يعيد العرب أمجادهم ... وتعود إلينا طيورنا المهاجرة