المفكر الإسلامي خالد الأصور يرصد الواقع الإسلامي المر في العالم

أبو الحسن الجمّال

المفكر الإسلامي خالد الأصور

يرصد الواقع الإسلامي المر في العالم

أبو الحسن الجمّال

يتعرض العالم الإسلامى لهجمة شرسة فى ظل انشغال الدول العربية بثوارتها ومستجداتها فانشغلت عما يتعرض له الأقليات فى دول آسيا وافريقيا وأوربا والأمريكتين حيث يتعرض المسلمون فى بعض هذه الدول لما يشبه التطهير العرقى فى ظل صمت دولى على هذه الجرائم كالعادة لأن الدماء المسلمة هى أرخص دماء اليوم فى العالم الذى يتجاهلها بينما تقوم الدنيا ولا تقعد إذا تعرض غير مسلم لحادث فردى نرفضه ونمقته كما نرفض سياسة الكيل بمكيالين وسياسة الانتقاء، وكان لزاما علينا أن نطرح التساؤلات ونستفتى الخبراء فى هذا الشأن ..

  وسوف نلتقى فى السطور التالية فى حوار مع المفكر الإسلامى والخبير الاستراتيجى خالد الأصور نستطلع منه أحوال العالم الإسلامى فى ظل هذه الهجمات السرشة التى تقابل بالصمت المريب لأول مرة من الدول العربية والإسلامية التى شغلت بتحديات فرضت عليها، ونناقش معه أحوال الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية، والتحديات التي تواجههم، ولا سيما في أوروبا في ظل انتشار ظاهرة (الاسلاموفوبيا)، وقضية الحوار بين الأديان وهل تثمر عن نتائج طيبة فى ظل هذا الاحتقان ..

   والأستاذ خالد الأصور، خبير إعلامي عمل بالعديد من الهيئات والمنظمات البحثية فى مصر وخارجها منها الهيئة العامة للاستعلامات، صدر له (9) كتب في  الشؤون العربية والاسلامية والدولية: شهادة القلم على مأساة العصر (دار التوزيع والنشر الاسلامية ـ القاهرة ـ 1994)، البوسنة والهرسك .. حقائق وأرقام (رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة 1996)، " الجاليات الاسلامية في أوروبا .. المشكلات والحلول (دار الاعتصام 1998)، جمهوريات آسيا الوسطى بين المؤثرات الإقليمية والدولية (الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001) ، الحركات الاستقلالية في آسيا (الهيئة العامة للاستعلامات ، القاهرة 2002) ، الإسلام والفنون الحديثة (دار الوفاء 2004)، المد الاسلامي في تركيا .. من أربكان إلى أردوغان (دار الهيثم للطباعة والنشر ـ القاهرة ـ 2007) ، حماية البيئة من منظور إسلامي (دار أسياد، جدة، السعودية 2010)، دور مصر الإقليمي بعد ثورة 25 يناير (الهيئة العامة للاستعلامات 2012) ، يكتب مقالا أسبوعيا بصفحة الرأي بجريدة الحرية والعدالة المصرية بعنوان "ورود وأشواك"، له آلاف المشاركات الصحفية بكافة صورها، ما بين: المقال، الحوار، التحقيق، التقرير، الخبر، المتابعات، عروض الكتب .. إلخ بالعديد من الصحف والمجلات المصرية والعربية، منها مجلات مصرية : السياسة الدولية، الديمقراطية ، ملف الأهرام الاستراتيجي (مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام)، لواء الإسلام، حواء، القدس ، دورية حصاد الفكر، ومجلة مصر (الهيئة العامة للاستعلامات)، مدى، الرابطة، المجلة العربية (السعودية)، الأمة، الدوحة، دراسات أمنية، سياسات عربية (قطر)، منار الاسلام (الإمارات)، الوعي الاسلامي (الكويت)، وصحف مصرية: الأهرام، الجمهورية، عقيدتي، الأحرار، النور، آفاق عربية ، الخميس، الحقيقة، وسعودية: عكاظ، شمس، البلاد، وقطرية (العربي الجديد)، له مئات المقالات والموضوعات المنشورة على العشرات من مواقع الانترنت، ولاسيما: علامات أون لاين، اسلام أون لاين، محيط، الاسلام اليوم، الشبكة الاسلامية .. الخ، وقد شارك محاضرا في العديد من المؤتمرات والندوات في مصر وخارجها.. وإلى نص الحوار:

1. كيف ترون أحوال العالم الإسلامي اليوم في ظل الهجمة الشرسة التي يتعرض لها؟

    واقع العالم الإسلامي اليوم هو واقع مؤلم لكل مسلم، وحين نتحدث عن (العالم الاسلامي)، فإننا للأسف نتحدث عنه باعتباره حقيقة جغرافية وتاريخية .. ولكن ليس له الآن حقيقة واقعية .. فقد أنهكته الحروب مع دول غير مسلمة .. بل فيما بين الدول المسلمة .. وأنهكته الصراعات العرقية والمذهبية الداخلية .. وأنهكه التمزق السياسي والحزبي .. ويحدث كل هذا بالتوازي مع تخلف علمي يزيد من الضعف الاقتصادي، رغم ما أنعم الله به على العالم الاسلامي من خيرات لا تتوافر لدى الأمم الأخرى، من مساحات شاسعة، وأجواء ساطعة، وشواطىء ممتدة واسعة، وما تحويه أراضيه وبحاره من معادن ونفط وغاز .. فضلا عن الثروة البشرية الهائلة التي أصبحت عبئا على التنمية بدلا من أن تكون داعما لها، في ظل فشل الحكومات.

    وهذه الحكومات جميعها ـ إلا استثناءات تعد على أصابع اليد الواحدة ـ هي نتاج الشعوب، تعاني خللا هائلا في بنيتها ومنطلقاتها وتوجهاتها، وهي تراكم التخلف عقدا بعد آخر، والعالم يتقدم بسرعة الضوء، وإذا اعترفنا بأن ثمة تحديات خارجية هائلة في ظل الصراع الحضاري التاريخي، وهي حتما تعوق الدول الاسلامية عن النهوض، ولكن هذه التحديات لم تكن لتستمر إلا لخمول وتكاسل واستسلام العالم الاسلامي ـ حكاما ومحكومين ـ لهذه التحديات، دون محاولة الافلات منها ومواجهتها .. فالتخلف ليس قدرا محتوما يلاحق أمة بعينها .. وكم من أمم وشعوب أفلتت من التخلف حين ملكت ناصيتها بيدها وامتلكت إرادتها .

    ولكن الصورة أيضا ليست قاتمة إلى حد بعيد .. فقد استيقظت الشعوب العربية ـ وهي قلب العالم الاسلامي ـ وأدركت تلك الشعوب أن سبب بلائها وتخلفها هم الحكام الجاثمون على أنفاسها لعقود طويلة، فثارت عليهم في بعض البلدان .. وخلعتهم عن الحكم .. ولئن تآمر الشرق والغرب وذيولهما في الداخل على هذه اليقظة العربية، وظن أنه قضى عليها بإعادة ذيوله مرة أخرى إلى الحكم، فإنهم واهمون، لأن دورة الصراع بين الحق والباطل لا تنتهي في جولة أو جولتين .. وسيأتي يوم، لعله قريب، تردد فيه الشعوب العربية، بل شعوب العالم الاسلامي بأسره: وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

2. كيف ترون أحوال الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية ، والتحديات التي تواجههم، ولا سيما في أوروبا في ظل انتشار ظاهرة(الاسلاموفوبيا)؟

     يثير كثير من الباحثين قضية الوجود الإسلامي في قلب المجتمعات الأوروبية، فيما يطلقون عليه حدودا جديدة لديار الإسلام، أو "ضواحي الإسلام" بتعبير المستشرق الفرنسي البارز "جيل كيبل"، في إشارة إلى تنامي الحضور الإسلامي في أوروبا مع الاختلاف في الوزن الكمي له من بلد إلى آخر، بحيث أصبحنا إزاء كتلة إسلامية تدين بالإسلام وتمارسه في واقعها اليومي في القارة الأوروبية .

    وقد يتحقق الشق الثاني لمقولة أو "نبوءة" الإمام والعالم التركي الشهير الراحل بديع الزمان سعيد النورسي في بدايات القرن الميلادي الماضي: "إن الدولة العثمانية حبلى بدولة إسلامية، وستلد يوما، وإن أوروبا حبلى بدولة إسلامية، وستلد يوما" .. وإذا كان الشق الأول من النبوءة قد تحقق ، بحيث ولدت الدولة العثمانية تركيا التي لحقت بأوروبا ، فإن الشق الثاني يخشى الأوروبيون من أن يتحقق عبر انتشار الاسلام من ناحية ولو بشكل بطىء ، ومن ناحية أخرى عبر تزايد كثافة المسلمين هناك في ظل تراجع شديد في خصوبة الأوروبيين ، مع استقدام هجرات جديدة من البلدان الاسلامية تحتاج تلك البلدان إليها لاستمرار التنمية الاقتصادية . 

    إن قضية الجاليات الإسلامية في الغرب بشكل عام، من أهم القضايا الإسلامية حيوية، لأنها تمس أوضاع ومصالح عشرات الملايين ملايين المسلمين خارج أوطانهم الأم، حيث يعانون الكثير من المشاكل التي يسببها لهم الإحساس بالاغتراب، وما له من تداعيات ثقافية واجتماعية.

    وربما تنبع أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أوروبا من أن الحكومات الأوروبية المتعاقبة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومع سماحها بتدفق العمالة من البلدان الاسلامية إليها للمساهمة في نهضة البلاد، وتضاعف أعداد المسلمين لترتفع من عشرات الآلاف إلى عشرات الملايين، لم تكن هناك خطط حكومية موازية لاستيعابهم اجتماعيا وتوفير سبل اندماجية طبيعية وغير قسرية في المجتمع الألماني، ومن ناحية أخرى فإن تنوع الخريطة الجغرافية للمسلمين هناك، وقدومهم من بلدان عربية وإسلامية مختلفة، رافقته صعوبات وعراقيل في توحيد مواقفهم أمام الدول الأوروبية والمجتمعات فيها على حد سواء، مما فاقم من التحديات التي تواجههم وما يترتب عليها من آثار سلبية، وهي تحديات تنبع في جانب مهم منها من موروثات تاريخية وثقافية، تجسدت في تعامل حذر بل أقرب إلى التشكيك والاتهام والأحكام المسبقة تجاه الجالية المسلمة.

    ومما فاقم من تلك التحديات غياب التشريعات والقوانين التي تعترف بالوجود الإسلامي، وتكفل الحقوق الدينية والمدنية للمسلمين بما يتوافق مع معتقداتهم، وهذه الأجواء سهلت للوبي الصهيوني وبعض الأحزاب والجماعات المناهضة للوجود الاسلامي في أوروبا نشر ظاهرة التخويف من الاسلام، أو ما يطلق عليه (الاسلاموفوبيا).

    في المجتمع الأوروبي صار المسلم قضية الساعة، فإذا تحدث الناس عن البطالة أقحم المسلمون على أنهم السبب في تفشيها، رغم أن غالبيتهم يعملون في الأعمال الشاقة التي يأنف منها الأوروبيون، مثل: المناجم، شق الطرق، وسائر الأعمال الخطرة، وإذا استعر النقاش حول مشاكل البيئة زُجً بهم أيضا، لأن "ذبائحهم الحلال" سبب القذارة .. ناهيك عن الصيحة المدوية (الارهاب الاسلامي!) .. ورسم صورة نمطية للعربي والمسلم في الاعلام الغربي باعتباره محترفا بل وربما محتكرا للعنف والارهاب!

  3. مسلمو بورما نموذج لما تتعرض له الأقليات الاسلامية من اضطهاد .. كيف ترون تعامل المجتمع الدولي بما فيه الاسلامي فضلا عن الحكومة البورمية إزاء هذه القضية؟

    مجددا، يتعرض مسلمو إقليم أراكان بدولة بورما (ميانمار) ـ التي تقع بين الهند وبنجلادش والصين ـ لأبشع حملة إبادة من جماعة "الماغ" المتطرفة، حيث تنتشر الجماعات الراديكالية البوذية في أماكن تواجد المسلمين بعد إعلان بعض الكهنة البوذيين الحرب المقدسة ضد المسلمين، والتي تعد الأشد في تاريخ استهداف المسلمين في بورما، وقد وصل الإسلام إلى أراكان في القرن السابع الميلادي ,وأصبحت دولة مسلمة مستقلة ,حتى قام باحتلالها الملك البوذي البورمي (بوداباي) عام 1784م وضم الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة, ودمر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة.

    ويبلغ عدد سكان بورما أكثر من 50 مليون نسمة، منهم 15% مسلمين، يتركز نصفهم في أراكان، وأعادت الأحداث الدامية الأخيرة مآسي الاضطهاد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم منذ 70 عاماً بدعم ومباركة الأنظمة البوذية الدكتاتورية في بورما، التي أذاقت المسلمين الويلات وأبادت أبنائهم وهجروهم قسراً من أرضهم وديارهم، ففي عام 1942 تعرض المسلمون لمذبحة كبرى على يد البوذيين الماغ، راح ضحيتها أكثر من مئة ألف مسلم وشرد مئات الآلاف ،كما تعرض المسلمون للطرد الجماعي المتكرر خارج الوطن بين أعوام 1962م و1991م، حيث طرد قرابة 1.5 مسلم إلى بنغلادش في أوضاع قاسية جداً.

    ولا يزال مسلمو أراكان يتعرضون للقتل والتهجير والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي ومصادرة أراضيهم ،بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل وذلك لإذلالهم وإبقائهم ضعفها فقراء وإجبارهم على الرحيل من ديارهم، وبدأت المأساة الجديدة مع إعلان الحكومة البورمية منح بطاقة المواطنة للمسلمين في أراكان، مما سيؤثر على نتائج التصويت في الانتخابات لصالحهم في الإقليم، فقام البوذيون المتطرفون بقتل عشرة من دعاة بورما المسلمين لدى عودتهم من العمرة, وبرروا جريمتهم بادعاء أن أحد المسلمين اغتصب فتاة بوذية وقتلها!

     وبالطبع كان موقف حكومة بورما مخجلاً ومتواطئاً مع البوذيين ضد المسلمين، ورغم مناقشة قضية أراكان في الأمم المتحدة ومنظمة آسيان ومنظمة التعاون الإسلامي والأزهر الشربف ورابطة العالم الإسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ إلا أن الأوضاع تزداد سوءًا، بل إن رئيس بورما " ثين سين" تنكر لاعتبار مسلمي أراكان مواطنين، في ظل صمت العالم عن الجرائم التي ترتكب بحق الأقلية المسلمة في بورما التي تعد بحسب الأمم المتحدة أكثر الأقليات في العالم معاناة من الأنظمة المتعاقبة في بورما، وتتهم منظمة العفو الدولية سلطات بورما والمتطرفين البوذيين بشن هجمات على المسلمين وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم.

    والواجب على منظمة التعاون الإسلامي بذل جهود جادة وليست بروتوكولية لاتخاذ موقف جماعي قوي من الدول الاسلامية بتقديم كافة أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والإغاثي لمسلمي بورما، والضغط على حكومة بورما لمنحهم حقوق المواطنة كاملة وتمكينهم من العيش على أرضهم آمنين مطمئنين.

    لقد شهد العالم خلال السنوات الأخيرة تقسيم السودان المسلم ونشأة دولة جنوب السودان الوثنية المسيحية، وقبلها نشأة دولة تيمور الشرقية المسيحية وفصلها عن إندونيسيا المسلمة، أما المسلمون المضطهدون في بورما وغيرها فلا بواكي لهم!

4. كيف ترون الدعم الإسلامي العربي لهذه للأقليات المسلمة في العالم؟

    إن ضياع كثير من الحقوق المشروعة للأقليات المسلمة مردّه جهل أغلب المؤسسات ذات الصلة في عالمنا العربي والاسلامي بهذه الحقوق، وعدم مبالاتهم بالمطالبة بها، وهي حقوق لا تمنح للجاليات بسهولة، فعالم اليوم غابة لا مكان فيها للضعفاء أو المتخاذلين أو المترددين، وستبقى الجالية المسلمة عنصرًا منفعلاً لا فاعلاً، وستظل عاجزة عن التأثير في المجتمع الألماني الذي تعيش فيه، وواقعة تحت تأثير الأخرين، ما لم تُفكَّر أو يُفكَّر لها، وتوجَه صوب أهداف ومراكز فاعلة.

    ورغم بعض الجهود التي تقوم بها بعض المنظمات الأهلية والحكومية في العالم العربي والاسلامي لدعم تلك الأقليات، إلا إنها تبقى دون المأمول بكثير، وينبغي ان يبرأ هذا الدعم من وباء القومية والغرض، بمعنى أن يكون الدعم خالصا لوجه الله وخدمة تلك الجاليات، وليس للإشادة بدولة ما أو حاكمها، أو دعما لقومية معينة دون أخرى، عربية أو كردية أو تركية.

    إن الأقليات المسلمة تمثل "الثغر الإسلامي" الذي هو عبارة عن "وحدة" من الأمة تعيش في غير ديار الإسلام، وإذا كان مفهوم الثغر قديما مفهوما جغرافيا، فإنه اليوم يمكن أن يكون جغرافياً أو حضارياً، ما يحتم علينا ـ حكومات وشعوب ومؤسسات وأفراد ـ دعم هذه الأفليات ومراكزها الاسلامية وكافة مؤسساتها، ومساعدتها في تقديم نموذج واع يعبر عن حقيقة الإسلام وروحه، ويتلافى أوجه القصور التي تلف واقع العمل الإسلامي إلى آفاق جديدة تتلمس فرصا لإنضاج عمل متقدم، ونمو بذرة مثمرة وعطاء مستمر لقضايا المسلمين هناك.

    لذلك يتعين أن يأخذ الأمر وجهة مدروسة، وجهودًا منظمة، واستثمار فرص الحرية النسبية المتاحة في المجتمع الألماني، ليس كمناخ لنمو الخلافات والنزعات الإقليمية والولاءات السياسية كما هو واقع حاليا، بل لإنبات بذور مثمرة وداعمة لقضايا الجالية.

5. الحوار بين أتباع الأديان .. هل هو حوار صحى يتوصل من خلاله إلى حلول وإذابة للجليد ؟
    إن الحوار يفترض فيه وجود فرقاء متعددين يدور بينهم هذا الحوار، ومن ثم فإن نجاحه يتحقق بشرط أن يكون هناك اقتناع بالتعددية، فاذا لم يكن هذا الاقتناع موجودا فمن المستحيل التحدث عن أي لون من ألوان الحوار‏، والاسلام يري أن التعددية ليست مجرد حق من حقوق الانسان، وإنما يراها سنة من سنن الله في الكون البشري،‏ حيث تنفرد الذات الآلهية وحدها بالوحدانية‏، وماعدا الله سبحانه وتعالي يقوم علي الازدواج والتعدد‏ ، قال تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم‏".

    ويشترط لنجاح الحوار في رأيي توافر عدة أمور، منها‏:‏

ـ المساواة التامة بين أطراف الحوار، فلا يمكن لطرف أن يفرض إرادته وشروطه على طرف الحوار الآخر .‏
ـ أن تكون هناك قضية أو قضايا محددة يتحاور الجانبان بشأنها‏.‏
ـ أن يكون هناك تحديد واضح لأهداف الحوار‏.. ولا تكون مجرد مكلمات.‏

ـ أن يكون هناك مناخ مناسب للحوار يبتعد عن الاحكام السابقة والمفاهيم المغلوطة.

    لذلك فان أي حوار يراد له النجاح، لا يجوز أن تكون غايته العمل علي إلغاء الطرف الآخر واستبعاده أو التقليل من شأنه.

6. ما هو تقييمكم لدور الأزهر الشريف ، شيخا ومؤسسة ، في التاريخ الحديث والمعاصر ، وفي الأحداث الراهنة ؟

    يسجل التاريخ أن الأزهر كان مركزًا لأغلب الثورات على مر العصور، وكوابيس تؤرق نوم المستعمر، مما جعله هدفًا أول للهدامين فى الداخل والخارج، حتى انحسر دوره الريادى عالميًا وعربيًا ومحليا، وسقطت هيبته على أعتاب النظام السابق، وتحول قادته إلى موظفين ينفذون التعليمات والتوجيهات، ويلتزمون بوصلة النظام، في ظل ظروفً تحكمت فى مصر كلها، ولم يستطع أحد منها فكاكاً.

    وبتقليص الدور الحقيقي للأزهر الشريف خلال العقود الأخيرة، تراجع الدور الأساسي لهذه المؤسسة الدينية الضخمة، ما أدي لظهور ثلاثة ألوان من التفكير؛ أولاها: المادي الزاحف، وثانيها: الخرافي المنسوب للدين، وثالثها: الديني المتطرف، وقد أجمع علماء الأزهر ورموزه على انحسار دور الأزهر في عهد النظام السابق وما قبله، بفعل ضغوط الحكومات وسن قوانين وأنظمة، تحد من حركته وفاعليته ، وترتب على ذلك تراجع الإصلاح، وضعف صمود الأزهر  أمام التيارات الزاحفة، سواء المتطرفة أو الانحلالية.

    وفي الوقت الذي حافظ فيه الأزهر الشريف على قربه من السلطات، ولم يجار وسائل الإتصال وتكنولوجيا المعلومات الحديثة المتغيرة بدرجة كافية، اتجهت الجماعات الإسلامية المتشددة لوسائل الاعلام الجديدة، وكونت شبكة علاقات على مستوى القاعدة العريضة من الجماهير، لتنشر آراءها وأفكارها التي يميل بعضها للتشدد والغلو، ولا سيما تجاه أصحاب العقائد الأخرى، وتوازى هذا المناخ الفاسد مع قيام بعض أجهزة الدولة الأمنية الدولة بتغذية وتنمية ورعاية الفتنة الطائفية واصطناعها أحيانا، لتجد لنفسها مشروعية في البقاء كحكم بين الطرفين .

    وكان الأمل معقودا على أن يستعيد الأزهر مكانته واستقلاله بعد ثورة 25 يناير، ولكن الانقلاب على الشرعية بخر هذه الآمل إلى حين، وكان شيخ الأزهر الحالي أحد دعائمه، رغم محاولته الأولى الالتحاق بالثورة وادعاء نصرتها، حيث اضطر الإمام الأكبر إلى مسايرة الأجواء الثورية في البلاد، بل وركب موجة الثورة، وبادر إلى إعلان عدة وثائق باسم الأزهر، حيث أعلن في 31 / 10 / 2011 "وثيقة إرادة الشعوب العربية"، والتي تضمنت ستة مبادىء "ثورية"، اعتبرت أن من الحق الأصيل للشعوب المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمي، ونفي صفة "البغي" عن المتظاهرين ضد ظلم النظام الحاكم، وذهبت الوثيقة بعيدا في اعتبار مقاومة الجماهير للظلم والفساد أمرا واجبا بهدف إصلاح المجتمع، وأن الحاكم ملزم بالاستجابة لها دون مراوغة أو عناد.

    وواصلت الوثيقة الأزهرية "الثورية" تمجيدها للثورة والثوار، حيث اعتبرت انتهاك حرمة الدم المعصوم هو الخط الفاصل بين شرعية الحكم وبين سقوطه في الإثم والعدوان ، ثم عرجت الوثيقة على اتخاذ موقف من العسكر، حيث طالبت الجيوش الالتزام بواجباتها الدستورية في حماية الأوطان من الخارج ، ولا تتحوّل أدواتٍ للقمع وإرهاب المواطنين وسفك الدماء ، وأعلنت دعمها الكامل لإرادة الشعوب العربية في الإصلاح ومجتمع الحرية والعدالة التي انتصرت في تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة في اليمن وسورية ، وطالبت حكام هذه الأنظمة الاستجابة إلى أشواق شعوبها في الحرية والديمقراطية، لأنه "ليس بوسع حاكمٍ الآن أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة".

    هذه الوثيقة التي داعبت أحلام كل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، ودعمت التوجه الثوري في الخلاص من ظلم الحكام وفسادهم، سبقتها وثيقة "مستقبل مصر" في 19 / 6 / 2011، وتبعتها وثيقة "منظومة الحريات الأساسية" في  8 / 1 /  2012، وركزتا على الشأن الثوري المصري .. مثلت الوثائق الثلاث تحولا عميقا تأكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه كان "اضطراريا" في ضوء المواقف السابقة واللاحقة للإمام الأكبر، فقد ظن البعض ـ وبعض الظن إثم ـ أن الرجل لديه رغبة حقيقية في استرداد عافية مؤسسة الأزهر واستقلالها والبعد بها عن استخدام الحكام لها ولرموزها ومكانتها الدينية في الأهواء السياسية، واستعادة الدور الوطني للأزهر الذي خبا عبر عقود طويلة سابقة.

    ومنذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو (2013) على الرئيس الشرعي المنتخب د. محمد مرسي، الذي شارك فيه شيخ الأزهر إلى جوار بابا الأقباط الأنبا تواضروس ، توقف الطيب عن إصدار الوثائق "الثورية" الداعمة لحريات الشعوب العربية، و"لحس" كل تصريحاته ومواقفه "الثورية" المنادية بالديمقراطية وحق الجماهير في التظاهر والاحتجاج على الظلم والفساد وسفك الدماء، تلك التصريحات  العنترية والمواقف البطولية الزائفة اللاحقة على 11 فبراير (2011) ، والسابقة على 3 يوليو (2013) ، وعاد الرجل إلى سيرته الأولى، في عهد مبارك، معتبرا التظاهر ضد ممارسات وانتهاكات الانقلاب العسكري، من قتل وسفك لدماء الآلاف واعتقال عشرات الآلاف، خروجا عن الحاكم الشرعي!!

    ولا شك أن هذا الرجل بتحولاته وتناقضاته الخسيسة، وأن المؤسسة الدينية التي يرأسها، ليست هي ما نظم فيها أمير الشعراء أحمد شوقي عام (1924) قصيدته الفريدة، التي جاء فيها:

قُم  في  فَمِ  الدُنيا  وَحَيِّ الأَزهَرا    *** وَانثُر عَلى سَمعِ  الزَمانِ الجَوهَرا

وَاجعَل  مَكانَ  الدُرِّ  إِن   فَصَّلتَهُ    ***   في  مَدحِهِ  خَرَزَ  السَماءِ   النَيِّرا

وَاذكُرهُ  بَعدَ   المَسجِدَينِ   مُعَظِّمًا   ***   لِمَساجِدِ    اللهِ    الثَلاثَةِ    مُكبِرا

وَاخشَع  مَلِيًّا  وَاقضِ  حَقَّ   أَئِمَّةٍ    ***   طَلَعوا  بِهِ   زُهرًا   وَماجوا   أَبحُرا

كانوا  أَجَلَّ  مِنَ  المُلوكِ   جَلالَةً    ***   وَأَعَزَّ   سُلطانًا   وَأَفخَمَ    مَظهَرا

زَمَنُ المَخاوِفِ كانَ  فيهِ  جَنابُهُمْ    ***   حَرَمَ  الأَمانِ  وَكانَ  ظِلُّهُمُ   الذَرا

ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

6. أثمرت ثورات الربيع العربي عن تولي الإسلاميين السلطة في بعض البلدان ، ثم جرى الانقلاب عليهم وإقصائهم عن الحكم بدعوى عدم إيمانهم بالديمقراطية تحت دعاوى نفي حاكمية البشر .. كيف ترون هذه القضية ؟

    لا شك أن بنية الدولة وفق المشروع السياسي للاسلاميين يختلف بشكل أو بآخر عن بنية الدولة الحديثة في مبادئها وأنساقها ، وفقا لما يلي :

1 ـ الدولة في مشروع منظري التيار الاسلامي هي جزء من الأمة ، ودورها الرئيس محصور في "حماية الدين وحراسة الدنيا " .

2 ـ  ينبثق عن المفهوم السابق وفق منطق الأواني المستطرقة أن "الدولة" هي جزء من "الخلافة الاسلامية" باعتبارها إحدى "الإمارات" المكونة لها .

3 ـ يطرح النظام السياسي الدولي المستقر منذ عقود طويلة ـ والتي يصعب على أية دولة الفكاك منه ـ تساؤلات عديدة وصعوبات كثيرة حول تطبيق مفهومي "الدولة" و"الأمة".

4 ـ يقدم خطاب الاسلاميين ولا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة مفهوما جديدا للدولة يصفونه بـ "الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية" .

5 ـ هذا التعريف الجديد للدولة لا يزال في حاجة إلى شروحات مستفيضة، وكان المرجو من خلال موقع الاسلاميين في السلطة التي لم يمكنوا منها، أن نرى ترجمة عملية لمفرداته التي كانت لا تزال حتى وقت قريب مجرد سطور في بطون الكتب.

6 ـ المشهد السياسي الذي تصدره الإسلاميون بعد الثورات ـ رغم الكيد والتآمر ضدهم ـ يفرض عليهم تقديم مفهوم واضح لطبيعة وبنية "الدولة"، وخصائصها، ووظائفها ، وأدوارها، وتحديد علاقتها وأولوياتها بمفاهيم "الوطنية" و"القومية" و"الأمة" .

    أما مسألة العلاقة بين الديمقراطية والحاكمية، فإنه على مدى عقود طويلة، ظل موقف الاسلاميين بمختلف اتجاهاتهم من القبول بـمفهوم "الديمقراطية" يشوبه قدر من الغموض، والراصد لهذه المساحة الغائمة لعلاقتهم بهذا المفهوم وممارسته يلاحظ ما يلي:

1 ـ يقتضي الانصاف أن نفرق بين فريقين رئيسين ضمن التيار الاسلامي العريض حيال موقفهما من الديمقراطية ، لكونها الأساس في أي نظام سياسي .

2 ـ ثمة فريق تقليدي أدخل الديمقراطية في دائرة الكفر والحكم بغير ما أنزل الله، ورفضها رفضا قاطعا، واعتبرها منازعة لمبدأ "الحاكمية لله"، كما ذهب مثلا أبوالأعلى المودودي وسيد قطب وغيرهما.

3 ـ وهناك فريق توفيقي قبل بها جزئيا أو كليا ونافح عنها باعتبارها قريبة من مبدأ "الشورى الاسلامي"، وتصلح أداة للحكم وتداول السلطة بين الأحزاب التي وصفها بعضهم بأنها، مذاهب في السياسة، كما أن المذاهب أحزاب في الفقه.

4 ـ برز هذا التحول الفكري خلال العقود الثلاثة الأخيرة عبر كتابات واجتهادات العديد من الرموز الفكرية والفقهية للتيار الاسلامي المعتدل، وفي صدارتهم د . يوسف القرضاوي، خالد محمد خالد، محمد الغزالي، مالك بن نبي، د . حسن الترابي، محمد مهدي شمس الدين، وفهمي هويدي.

5 ـ رغم هذه المقاربة بين "الشورى" و"الديمقراطية" والمراجعة النقدية للخطاب الاسلامي بإزاءهما، لاتزال تحتاج إلى مزيد من الشرح والتوضيح لمناطق التماس والتعارض التي تبدو بينهما، والتي تنبع من اختلاف مصدرهما، فالأولى مصدرها سماوي، والثانية مصدرها فلسفي.