مع الشاعر الأديب محمد الحسناوي

مجلة النور الكويتية

مقابلة مع مجلة النور الكويتية *

أنا أكتب أنا استمتع....

الشاعر الأديب محمد الحسناوي

أصبحت الكتابة جزءاً لا يتجزأ من عملي وهواياتي وحاجاتي النفسية

الخلوة عندي أساسية والكتابة تمر عندي بثلاث مراحل

محمد الحسناوي رحمه الله

كيف يكتبون؟ وأي الأوقات والأماكن يفضلون؟ وهل ثمة أحوال خاصة في الكتابة إليها يركنون؟ ومن أين يبدؤون؟ من الخبر أم من الفكرة ينطلقون؟ وهل الكتابة عندهم رسالة أم هواية أم مهنة أم بين ذلك كله يجمعون؟ وهي تضيق بهم زوجاتهم حينما يكتبون؟ وماذا يقولون لهواة الكتابة وبم لهم ينصحون؟

س1- هل هناك أوقات تفضلون الكتابة فيها؟ ولماذا تفضلونها؟

ج1- الوقت ليس هو العامل المؤثر بالنسبة إلي، لكن الحاجة إلى الفراغ أو الراحة النسبية هما العامل الحاسم، وبما أن الليل غالباً ما يوفر هاتين الحاجتين، فهو بالنتيجة يكون المفضل، في الليل تقل المشاغل، وتخف الضجة في الشوارع وينصرف الناس أو معظمهم إلى مشاغلهم الخاصة، فتتوفر الفرص للخلوة بالنفس والتفرغ للكتابة زد على ذلك أن الصحوة طوال النهار وممارسة الحياة، والتصدي للمشكلات اليومية والعامة طوال النهار تستتبع بشكل ما حصيلة انفعالات أو أفكار صالحة أو موجبة للكتابة ولما أصبحت في السنوات الأخيرة أكثر تفرغاً للكتابة، فإنني أمارس الكتابة في النهار وفي الليل على حدّ سواء، ومن الأوقات الطريفة أنني حين آوي إلى الفراش أشغل نفسي، أو أنشغل بغير قصد بموضوع أو تجربة انفعالية، فتخطر على بالي أبيات الشعر أو الأفكار، فأنهض لأدونها قبل أن تضيع، أو لأفيد منها في فرص أخرى، وربما استغرقت في الشعر أو الكتابة، فلا أعود إلى الفراش قبل استكمال ما بدأت به، مثل إنجاز قصيدة كاملة أو مقالة.

س2- في أي الأماكن تكتبون عادة؟ ولماذا اخترتموها دون غيرها؟

ج2- الكتابة عندي في الأقل نوعان، كتابة الشعر، وكتابة ما سواه من قصة ومسرحية ومقالة أو دراسة أدبية أو فكرية أو سياسية، كتابة الشعر تتعلق بالانفعال الذي يتحكم بي، فيفرض عليّ المكان وحتى الزمان، أما القصة والمسرحية والمقالة والدراسة، فأنا أتحكم بكل منها بدرجات متفاوتة من الوعي والعقل، فكتابة الشعر تبدأ بالذهن أو الذاكرة أو المخيلة أينما كنت في الشارع أو الحديقة أو السيارة وحتى الطائرة، وحتى نظم المطلع أو قسم غير قليل من القصيدة، أما أفكار المقالة أو خطط القصة والمسرحية، إن بدأت ذهنياً، فهي تحتاج إلى الورق والقلم، ولوازم الكتابة والمراجع أيضاً، والمكان الثابت المتحيز.

ومن نماذج الكتابة والأماكن أضرب أمثلة: ففي غرفة النوم نظمت القصائد (أبا طالب – ذكرى الإسراء والمعراج) – وفي غرفة فندق قصيدة (دمعة على السباعي) – وفي مقهى عام قصيدة (في المأساة) وهي في رثاء سيد قطب رحمه الله – وفي غرفة المطار قصيدة (البوسنة) – وفي الطائرة قصيدتي (مريانا – عصافير تونس) وفي حضن الطبيعة ولاسيما أرياف جسر الشغور وقرية اشتبرق قصائدي المبكرة (شعر الغزل والمراهقة) – وفي طريق السفر أي في سيارة وأنا راكب غير سائق (شعر أطفال وخطط معظم قصص مجموعة بلد النوابغ وقصص مجموعة قصص راعفة) – وفي غرفة المكتب في البيت (شعر أطفال – كتاب الفاصلة في القرآن وعدداً من المؤلفات الأخرى – وقصيدتيّ (كلّ دروسنا ياسين – ما مات من أحيى موات دم)

س3- هل ترتبط أحوالكم في الكتابة بأوضاع معينة؟ مع فنجان قهوة مثلا؟ في الضوء الخافت؟ على طاولة المكتب، في السرير؟

ج3- كل ما ذكر له علاقة في الكتابة، لكنها عوامل خارجية، وهي في الوقت نفسه عوامل استكمالية تحسينية إضافية، إنها تفيد، لكنها ليست أساسية، تتحكم في الكتابة تحكماً مصيرياً، بل العوامل النفسية أو الذهنية المتعلقة بي هي الأصل، وهي الحكم الفصل. الخلوة عندي أساسية، وما يعين عليها مفيد، فقد أعمد إلى إغلاق باب الغرفة، أو أسدل ستائر النوافذ، أو أطرد أطفالي الأحبة من غرفة المكتب لتحقيق ذلك.

من الأوضاع المثالية حين كنت في مدينة حلب في السبعينيات من القرن الماضي، كنت في آخر السهرة، منتصف الليل حوالي الساعة الثانية عشرة، أجلس على منضدة المكتب مع (ركوة) القهوة المرة، والشارع هادئ ساكن، وأسرتي الصغيرة تغط في النوم، ومن أمامي وحولي مكتبتي العامرة بالكتب والمطبوعات والأفكار، والتجارب النفسية تزخر في صدري وذهني ومخيلتي وأعصابي وليس لي إلا الكتابة على العكس حين كتبت عليّ الغربة والتنقل بين الأقطار، فقد خططت لرواية (خطوات في الليل) في معتقل خارج وطني، وخططت معظم القصص وأنا مسافربين عاصمتين عربيتين كل شهر أكثر من مرة في سيارة، فتصور.

س4- كيف تبدأ الكتابة عندكم؟ تسجيل الفكرة أو الأفكار؟ المراجعة لكل عبارة؟ أم الكتابة دون اإعداد المسبق؟ أو..

ج4- الكتابة تمر عندي، على وجه العموم بثلاث مراحل، مرحلة التمهيد، ثم مرحلة الكتابة الفعلية، ثم مرحلة التدقيق أو التنقيح، المرحلتان الأوليان تختلفان بن كتابة الشعر وكتابة ما سواه، فالشعر غالباً لا يقصد إليه عن عمد، بل هو الذي يقصدني ويدعوني لكتابته، بمعنى أن أنفعل بحادثة أو ذكرى أو فكرة تكون مقدحاً للذهن والخيال والمشاعر والأفكار، فالدندنة فنظم المطلع، فكتابة الأبيات وبقية القصيدة، أما القصة والمسرحية فإن ارتبطت إحداهما بانفعال، وهو الغالب فلابد من التخطيط المسبق للبنية العامة، واختيار الشخصيات، وبلوغ مستوى من النضج في الذهن أو المخيلة قبل الكتابة الفعلية، أما كتابة المقالة أو الدراسة أو فصل من كتاب، فالوعي أكبر، والجهد العقلي أوضح في القصد والاجتياز، واستدعاء الأفكار، وتسجيل الملاحظات وحتى الرجوع إلى المصادر والمراجع، أو إجراء إحصاءات أو مقارنات.

لدى قراءة كتاب كامل، من عادتي تدوين الملاحظات على هوامشه أو على بعض صفحاته البيض، وبعد الفراغ من المطالعة أتساءل إن كان هنالك ما يوجب الكتابة عنه دراسة أو عرضاً، فإذا توفر حجم من الأفكار الجامعة حول الكتاب أضيفها إلى الملحوظات المتفرقة، ثم أشرع في الكتابة.

أما كتابتي للشعر فقد قرأت كتاب الدكتور مصطفى سويف عن (الأسس النفسية في الإبداع الفني – وفي الشعر خاصة) فوجدت فيه وصفاً علمياً دقيقاً لتجربتي الشعرية، من تراكم مشاعر وإحساسات معينة، ثم طروء تجربة نفسية جديدة، تثير أو تلتقي، أو تبعث الأحاسيس والمشاعر أو التجربة النفسية السابقة، لدرجة التوتر والانفعال القادر على تحريك ملكة النظم والتأليف، فتستجيب النفس أو الملكة على شكل اندفاعة أو اندفاعات كالموجة أو الموجات، فتخرج القطعة الشعرية بيت مطلع أو مجموعة أبيات ولكي أستطيع استئناف النظم بعد كل مقطع أو اندفاعة أو موجة، أعيد قراءة ما كتبت، وأستحضر في الذهن أو المخيلة أو النفس مجموع التجربة التي أنا في ظلالها مع محاولة الربط بما مضى من كتابة، أو التمهيد لما سيأتي وكلما كان الانفعال أو الحضور النفسي حاشداً كانت الكتابة أسهل وأسرع وأشمل، لدرجة لا أحتاج معها لكثير من المراجعة أو التدقيق أو الصقل الآتي أو التالي لذلك كان التدقيق أو الصقل للشعر بعد المرحلة الثانية أقل منه في القصص والمسرحيات والمقالات والدراسات بعض القصائد كتبتها في ساعة أو ساعتين مثل (دمعة على السباعي) و(في ذكرة الإسراء والمعراج) من غير ما تنقيح يذكر، وقليل من المقالات كذلك.

هكذا يكون تنقيح الشعر أو النصوص الأدبية البحتة ساعة كتابتها، بل وهي في الذهن أو المخيلة لأن اجتياز اللفظة والعبارة والصورة مرتبط أو نتيجة للانفعال والحالة النفسية على حين يكون تنقيح ما سواه بعد كتابته عبارة، عبارة أو مقطعاً أو بعد كتابته كاملاً والتنقيح عندي بعد إنجاز الكتابة محدود، باستبدال ألفاظ أو عبارات وأحياناً تصويبات مطبعية لا غير.

الشعر لا يحتاج إلى إعداد مسبق، لكنه يستجيب لانفعال جديد يثير انفعالات قديمة، أو ما سواه، ولاسيما الدراسة، فتحتاج إلى إعداد مسبق، بدءاً من اختيار الموضوع العام أو الفكرة المحورية، ومروراً برسم مخطط البحث، ثم الرجوع إلى المصادر، وتدوين الأفكار الجزئية والملحوظات المساعدة، وانتهاء بالكتابة مرحلة مرحلة، هذه المراحل غالباً ما تكون فقرات رئيسة في الموضوع ذات عنوان مستقل أو ضمن الفقرات الرئيسة، أي تحرر الفكرة المستقلة، ثم تراجع صياغتها، ثم تراجع مجموعة مقاطع معاً، ثم يراجع النص كاملاً.

القصيدة تكتب غالباً في جلسة واحدة أو جلسات متتابعة، وقلما احتاجت إلى أكثر من يوم، أما المقالة أو الدراسة، فتكتب في أكثر من جلسة أو يوم، وإن كتب بعضها في جلسة واحدة أيضاً.

وبالمناسبة خطر لي يوماً أن أدون مناسبات القصائد التي نظمتها، وقصة كل واحدة منها، لأن في ذلك طرائف وفوائد، لكني صرفت النظر عن هذه الفكرة لأسباب وأكتفي برواية واحدة منها.

لما توفي الدكتور مصطفى السباعي ربيع عام 1964م رحمه الله تعالى كنت في دمشق زائراً، وعصر ذلك اليوم حين تغلق الدوائر الرسمية وبعض الحوانيت للراحة، مررت أمام مكتبة (دار الفتح) القريبة من محطة (بغداد)، فوجدت بابها موارباً، نصف مغلق، فدخلت من تحت الباب المنخفض لأسلم على معارفي أصحاب المكتبة، فوجدت ثلاثة إخوة يتحدثون في حديث خاص، فلم أتدخل في الحديث، فإذا أحدهم يمد يده بورقة صغيرة كتب عليها بقلم الرصاص، ننعى إليكم وفاة الشيخ العالم المجاهد الدكتور مصطفى السباعي... فأعدت الورقة لمن سلمني إياها بغير انفعال ما، كأنني لم أقرأها، فاستغرب الأخ ذلك، وهو يعلم مدى حبي للدكتور السباعي ومدى تأثري لفقده، فسألني مستغرباً مندهشاً: هل قرأت الورقة؟ فوجئت بسؤاله، قلت: قرأتها! قال: توفي السباعي! قلت بعد قليل من تفكر واستذكار وانتباه، سبحان الله، ما انتبهت لما قرأت، كأنني كنت نائماً، أو ظننتك تمزح. قال: هل في هذا مزاح يلا فلان؟ فلحظتها صدقت الحادثة، وانهالت الأحاسيس والمشاعر علي تتقاطر، فذهبت إلى غرفتي في الفندق، وخلال وقت قصير كتبت قصيدة (دمعة على السباعي)، ثم ذهبت إلى غرفة أحد المساجد، حيث يسكن أخي وزميلي محمد نديم، فعرضت عليه القصيدة، تمهيداً لإلقائها في اليوم الثاني، فسمعها وأبدى رأياً معجباً، وتصويبات طفيفة، وفي اليوم التالي أتيح لي إلقاء القصيدة في الجنازة الحافلة، وكان بيت القصيدة ومحور التجربة الذي تكرر فيها: أنا لا أصدق لا أطيق، ولست أسمع رنة الناعين في الآذان.

س5- الكتابة عندك رسالة أم هواية، أم مهنة، أم غير ذلك.... أم كل ذلك؟

ج5- الكتابة عندي بدأت واستمرت هواية، ولاسيما الشعر ومع الأيام، ومع نضجي الفكري، واهتدائي للوعي الإسلامي، أضيف عامل جديد هو البعد الرسالي، فالشعر الغزلي غاب، أو تحول، أو حل محله الشعر النضالي ومن بواكيره قصيدة:

أنا طالب ومجاهد

                وعقيدتي فوق العلامة

أنا يا معلم لا أها       

                بك إن تحديت الكرامة

ولتعبس الدنيا فإن

                من الإله لي ابتسامة

وقد حصل الامتزاج الجميل في تأليفي كتاب (الفاصلة في القرآن) رسالة جامعية، امتزاج الهواية بالرسالة، استمتع فيما أكتب، وأحقق هدفاً لي في الحياة أحبه وأعشقه هو الكشف عن بعض جماليات القرآن الكريم.

ومع الأيام، ورغم اشتغالي بالسياسة والتدريس، لم أنقطع عن الكتابة بأنواعها، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عملي وهواياتي وحاجاتي الفنية، ولو خيرت عملاً لكسب العيش لما اخترت غير حرفة الكتابة كانت آمالي في أن أصير إلى العمل في إدارة مكتبة وطنية بدلاً من عملي في التدريس، أو أن أقضي بقية عمري في بيت ريفي من أرياف جسر الشغور أو جبل الزاوية، منقطعاً للمطالعة والكتابة لا غير، لكن ما كل يتمناه المرء يدركه وحسبي الله ونعم الوكيل.

س6- هل تضيق زوجتك من حبك للكتابة وممارستها؟

ج6- لم تضق زوجتي الأولى: رحمها الله تعالى، بميلي واسترسالي في الكتابة، أما زوجتي الثانية، فهي أديبة شاعرة، تفرح بما أكتب، وكل ما أكتب وتسألني عما أكتب، وتذكرني بما أنوي أن أكتب، هي أول من يطالع كتابتي عادة، لأنني أستشيرها، وأفيد من ملاحظاتها، كما تساعدني في مراجعة النسخ الأولى للطبع (البروفات) أيضاً، وهذه من نعم الله تعالى علي.

س7- متى بدأت موهبة الكتابة؟

ج7- بدأت موهبة الكتابة في نظم الشعر في سن المراهقة في الرابعة عشرة، وظل الشعر هوايتي الأولى حتى دخلت الجامعة، فبدأت بكتابة المقالات الأدبية وبعد عملي في التدريس في السبعينيات من القرن الماضي، أي حين تجاوزت الثلاثين من عمري شرعت في كتابة القصص، وانشغلت عن الشعر بها وبمشكلات الحياة الخاصة في الثمانينيات وما بعدها، ثم استأنفت كتابة الشعر والقصص والدراسات جميعاً.

س8- كيف بدأت الموهبة في الكتابة عندك؟

ج8- في سن الرابعة عشرة شعرت بتقدمي في مادة (الإنشاء) أو التعبير الأدبي بين زملائي، كما مررت بتجربة عاطفية، هزتني إلى الأعماق، فكانت شغلي الشاغل، مما حملني على البحث عن صيغة للتعبير عن أحاسيسي ومشاعري، فكان الشعر، أي تعلم العروض من المدرسة ومن كتاب (حقي) في العروض، ومن محاولة تقليد بعض الشعراء، متدرجاً بإنتاج غزير، وبمراسلة المجلات العاطفية، والاستعانة بمدارس (التعليم بالمراسلة) أيضاً وأذكر من أوائل شعري قصيدة في وصف (زهرة).

س9- ما نصائحك لمن يرغبون في أن يكونوا كتّاباً؟

ج9- أو نصيحة أن يتأكد المبتدئون من حقيقة رغبتهم هل هي ميل حقيقي للكتابة واستجابة للأحاسيس والمشاعر المحفزة، أم شيء آخر كطلب الشهرة، أو التأثر بعوامل خارجية لا علاقة لها بهمّ الكتابة، لأن الميل الحقيقي يعني فيما يعني وجود ملكة أو بذور ملكة واعدة ووجود الملكة نفسه قصة طويلة، هل هي وراثية أم كسبية، لكن وجودها لابد منه، ثم يأتي دور الكسب والمرانة والإنضاج بأنواعه.

النصيحة الثانية الإقبال على مطالعة النصوص الأدبية الرفيعة قديماً وحديثاً، ولاسيما القرآن الكريم والحديث الشريف، فهما وتذوقاً وحفظاً أو استظهاراً، وأخص بالذكر جهود سيد قطب ومصطفى صادق الرافعي والجاحظ، وأعلام الشعر العربي الجاهلي والإسلامي، ثم دراسة كتب النقد الأدبية التطبيقية والنظرية على حد سواء، ثم استكمال ما يلزم من علوم الآلة، كالنحو والصرف والعروض، إذا كان الشادي يميل إلى نظم الشعر.

النصحية الثالثة الاعتماد على الذات بعد ذلك في تذوق النصوص، وتلمس مواضع الجمال وأشكاله فيها، وتسجيل الملحوظات أو تخيلها في الأقل.

النصيحة الرابعة التطلع باستمرار إلى مزيد من الإتقان والإبداع في الممارسة، ورفض الكسل أو الغرور أو التزييف ومن التزييف الإنجرار وراء التقليد أو المظاهر أو مغالبة النفس والفطرة، وأحكي قصة بالمناسبة.

تتلمذ أحد الأدباء الشباب على روائي كبير مشهود له بالفن القصصي، فاشترط عليه أن يكتب إنتاجه القصصي ويعرضه عليه قبل السماح له بالنشر، فكتب الأديب الشاب قصة أولى، فطالعها الأديب الكبير، وقال له: مزقها، وهات غيرها أحسن منها، فجاء الأديب الشاب بقصة ثانية وثالثة، والأديب الكبير يأمره بالتمزيق والمجيء بقصص أخرى أفضل، في يوم من الأيام سمع الأديب الناشئ بمسابقة أدبية في فن القصة، فخطر له أن يشترك في تلك المسابقة، نتيجة المسابقة كان هذا الأديب هو الفائز الأول، ففرح بالمفاجأة، وأطلع أستاذه على النتيجة، كأنه يقول لأستاذه عاتباً أو منتقداً، إنني بلغت النضج، وأنت مازلت تقول لي مزق قصصك؟ فما كان من الأديب الكبير إلا أن قال له: كان بودي أن تبلغ مستوى أرفع مما وصلت إليه، لكنك الآن بلغت السقف الذي لا تستطيع تجاوزه فانصرف.

                

*  العدد 241 ، مايو 2005م.