حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة 12

أشرف إبراهيم حجاج

حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة

عن الانتخابات

الحلقة الثانية عشرة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة

[email protected]

[email protected]

 إن الحوار مع الأستاذ الدكتور جابر قميحة يمنح المستمع ــ بل الجمهور كله ــ عطاء غنيا من عدة جوانب :

جانب البيان الأخاذ الذي يصوغ الحقيقة العلمية في ثوب أدبي دفاق .

وجانب المعايشة للواقع الذي تعيشه الأمة ويعيشه الفكر .

وجانب الصراحة التي تنتصر للحق ، بصفة دائمة .

 ولكنني في هذا الحوار الذي سجلته معه يوم 8 / 12 / 2011 ، في مكتبته ، ومازلت أعيش معه ومع ما يزيد على عشرة آلاف من أبنائه .

 وأقصد بالأبناء هنا الكتب التي استقرت واستراحت في رفوف مكتبته التي زحفت حتى احتلت أركانا من غرفة الاستقبال ، وغرفة النوم .

 **********

 س 1: بداية دكتور جابر : كل عام وأنتم بخير ... بخير عميم وخصوصا أنه عام الحرية الغامرة بمشيئة الله .

ج : وأنتم أيضا ... وكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .

 **********

 س 2 : دكتور جابر : قبل الدخول إلى الموضوع الأساسي من هذا التحقيق أقول ــ أقول إن من أغرب ما سمعت من ذوي الثقافات السطحية ... الذين يتسمون بالجمود أن عملية الانتخابات حرام شرعا ؛ لأنه لم يكن أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يسمى بالانتخابات . فما رأي سيادتكم ؟

ج : إنه رأي غريب حقا ، بل لا يعتبر رأيا ، ولكنه من قبيل الهوس والجمود وهناك أدلة قاطعة على ذلك منها :

1- أن الشورى قاعدة أساسية من قواعد العمل الإسلامي فالله سبحانه وتعالى

يقول : " ...... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ... " ( آل عمران 159 ) .

وفي القرآن سورة كاملة باسم " سورة الشورى " .

2- وهناك أحاديث متعددة في الشورى والمشاورة . منها على سبيل التمثيل :

 ـــ عن أبي هريرة- رضي الله عنه – قال : (ما رأيت أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ) [ رواه الترمذي] .

ـــ وقال: (إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه) [ابن ماجه].

ـــ وقال: (من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه) [أحمد].

ـــ والرسول ( لم يُحدد مَنْ يخلفه في قيادة الدولة الإسلامية وإنما ترك ذلك للمسلمين بعد أن يتشاوروا على من يرضونه خليفة لرسول الله.

ـــ وسار الخلفاء الراشدون على سنة الرسول (، فعن عمر بن الخطاب قال: (من بايع رجلا أميرًا عن غير مشورة من المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه) [البخاري].

ـــ ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأي الحباب بن المنذر في غزوة بدر .

وفي غزوة أحد نزل على راي الغالبية في الخروج لقتال الكفار ، مع أنه كان يرى قتالهم في المدينة .

3 – وعلى هذا النهج سار الخلفاء الراشدون وكان يوم السقيفة " برلمانا " تدوولت فيه الآراء والمناقاشات إلى أن وقع الاختيار على أبي بكر خليفة للمسلمين .

4- ونحن مأمورون باتباع السنة والسلف الصالح ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ..... فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ..... " .

5- ونحن مأمورون بالأخذ بالحكمة ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم " الحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها فهو أحق الناس بها " . وقد أخذ فكرة حفر الخندق من سلمان الفارسي ــ رضي الله عنه ــ ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، والانتخاب يعد الوسيلة المثلى لإقرار مبدأ الشورى ، وتحقيق مصلحة الأمة في وقتنا الحاضر .

 **********

س 3 : دكتور جابر : فما رأيكم في الانتخابات الجارية الآن ؟

 ج : أقول في إيجاز شديد أنها أول انتخابات حرة نزيهة أشهدها من سبعين عاما ، ولعلها أنظف انتخابات في تاريخ مصر . وقد عشت بعض صور الانتخابات في الماضي : ففي المنزلة مسقط رأسي شهدت انتخاب مجلس النواب سنة 1944 ، وكان الصراع الدائر بين مرشح وفدي ومرشح من الحزب السعدي ( حزب النقراشي وأحمد ماهر وإبراهيم عبد الهادي ) ، واستعملت النارية بالمسدسات والمدافع الرشاشة وسقط عدد من القتلى والجرحى . أما التزوير فحدث عنه ولا حرج .

وشهدت انتخابا آخر وكان المرشح من المنزلة هو عبد العال شلباية ــ رحمه الله ــ في مواجهة مرشح من مدينة المطرية دقهلية ( التي تبعد عن المنزلة قرابة سبعة أميال ) واسمه عباس عصفور ــ رحمه الله ــ وكانت المظاهرات على أشدها في المدينتين ، وبلغ التعصب إلى درجة أن من يسافر إلى المطرية من المنزلة أو من المنزلة للمطرية لأعمال تجارية يناله من الضرب والأذى الكثير .

أما الانتخابات في أيامنا هذه فهي ـــ كما قلت ـــ نموذج طيب جدا للنزاهة والنظافة والحياد . وإذا كان هناك بعض التجاوزات فهي قليلة جدا جدا .

 **********

س 4 : دكتور جابر : يقفز إلى ذهني سؤال مؤداه : ما حظ الإخوان في هذه الانتخابات ؟

 ج : نحمد الله فالإخوان قد حصلوا على الأغلبية ، ومازالت محافظات متعددة ستبدأ الانتخابات فيها من يوم 14 / 12 / 2011 .

 **********

س 5 : دكتور جابر ــ يسأل كثير من الناس ــ وخصوصا العامة ــ لماذا لم يخض الإخوان الانتخابات باسمهم الأصلي ، بدلا من خوضهم الانتخابات عن طريق حزب باسم " الحرية والعدالة " ؟

ج : كلنا نعلم أن القانون يحظر خوض أحزاب ذات أسماء أو شعارات دينية من مزاولة الحق في الانتخاب ، فلجأ الإخوان إلى أن يمثلهم حزب الحرية والعدالة ، ولجأ السلفيون إلى أن يمثلهم حزب باسم " النور " .

 **********

س 6: ألا ترى أن من حق الأخرين أن يفهموا من ذلك أن الإخوان تنازلوا عن شعارهم الخالد " الإسلام هو الحل " ؟

ج : هذا غير صحيح فعلى هذا المبدأ قامت دعوة الإخوان المسلمين من أيام " الإمام حسن البنا " ــ رحمه الله ــ والمتمثل في شعار الإخوان وهتافهم : الله غايتنا والرسول زعيمنا والقرآن دستورنا ...... الخ . وقد اضطر الإخوان إلى العمل السياسي عن طريق حزب " الحرية والعدالة " والناس جميعا يعلمون أنه حزب الإخوان المسلمين .

والخلاصة أن الإخوان لا يهمهم الشكليات ، المهم الموضوع والمنهج . وفي سيرة رسول الله ما يدل على ذلك ففي صلح الحديبية كان مندوب الكفار سهيل بن عمرو ، وكاتب الصلح علي بن أبي طالب ، فأملاه رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ... هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ... "

فاعترض سهيل وقال : " لا بل أكتب امْحُ رسول الله واكتب محمد بن عبد الله ، فلو اعترفت بأنك رسول الله ما تقاتلنا . فأمر رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عليا ــ كرم الله وجهه ــ أن يمحوها ، فرفض علي وقال غاضبا : والله لا أمحوها أبدا . فأمسك النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بالصحيفة ومحاها ، وأصبح النص " هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله ، سهيل بن عمرو ..... " . وقال بعد ذلك ــ ليحد من غضب علي ـــ أنا محمد بن عبد الله وأنا رسول الله ...الخ .

 فهل من حق أحد أن يقول لقد تنازل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبوة والرسالة ؟ فالإسلام هو دين الجوهر لا المظهر .

 **********

 س 7 : وأخيرا ما رأي سيادتكم في الوضع القائم الآن ؟ وله ــ ولا شك ــ علاقة بالانتخابات وتيار الديمقراطية القادم ؟

ج : في إيجاز شديد أرى ما يأتي :

1-    الإخوان حينما اعتصموا بميدان التحرير في مليونية حقيقية كان من مهامها تأمين ممتلكات الدولة ، والتعبير عن مطالبهم المشروعة ، بلغوا رسالتهم ثم بعد ذلك ذهب كل إلى عمله ، لأن الاعتصام المتواصل بعد ذلك يعد ضربة للاقتصاد المصري ، والشعب المصري نفسه .

2-    من حق المعتصمين أن يعبروا عن رؤيتهم بعيدا عن التشنج والعصابية ؛ وقد رأينا أنهم لا يمثلون فصيلا واحدا ، بل عدة فرقاء تقع بينهم معارك تصل إلى حد التضارب والقتال ، ويجب أن يبتعدوا عن استخدام العبارات القاسية مثل " نمهل المجلس العسكري لمدة 24 ساعة " . والاعتراض الحاد على حكومة الجنزوري ، واللجوء إلى الحرق والتدمير . كل ذلك خارج على المعقولية . والتدرج قاعدة من قواعد التشريع الإسلامي . فليعطوا القائمين على الحكم فرصة تحقيق مطالب الشعب ؛ لأن عملهم هذا الآن فيه ضرر كبير على سمعة مصر ، والاقتصاد المصري ، ويعطي العالم انطباعا بأن مصر دولة بلا قانون .

 **********

س 8 : وأخيرا أسأل ما رؤيتكم للمستقبل ؟

ج : إنني غير يائس ؛ فالمستقبل سيكون خيرا من الحاضر بمشيئة الله ، ما حسنت النوايا ، وصحت العزائم . " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (105) التوبة .