حوار مع الشاعرة نارين عمر

محمد القذافي مسعود

الأدب مرآة صادقة للواقع المعاش

نارين عمر

[email protected]

حاورها: محمد القذافي مسعود *

نارين عمر أو حليمة عمر.. تملك اسمين جميلين الأوّل كرديّ ويعني العفة والطّهارة والثاني عربيّ ويعني الصّبر والجلد والحلم والسّتر. ولدت في مدينة ديريك "المعرّبة إلى المالكية" التابعة لمحافظة الحسكة بسوريا. أنهت دراستها الابتدائية والإعدادية والثّانويّة في مدارس المنطقة، ثمّ أكملت دراستها الجامعية في جامعة دمشق /كليّة الآداب والعلوم الإنسانية/ وتخرّجت منها في العام 1995 من قسم الّلغة العربيّة، وتدرّس في ثانويات مدينتها مادة الّلغة العربية.

دخلت عالم الأدب والكتابة في سنّ مبكرة من خلال قراءاتها المثابرة والمتواصلة لكلّ ما كان يقع بين يديها .. وتكتب الشّعرَ الغنائيّ كذلك وقد غنّى من كلماتها معظم فنّاني المنطقة الكرد. نشرت في العديد من الجرائد والمجلات الكردية والعربية وفيما بعد في المواقع الالكترونية المختلفة وبالعربية والكردية. وهي عضو في حركة شعراء العالم. وقد أصدرت بداية عام "2008"مجموعتين شعريتين بالّلغة الكردية"Perîxana min" بريخانا منْ" وبالعربية "حيث الصّمْت يحتضر".

ولها مخطوطة قصّص قصيرة، وكتاب شامل عن فنّانات الكرد منذ بداية القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر ونشرت بعضها على شكل حلقات في موقع "سما كرد" الانترنيتي وفي مواقع أخرى كردية وعربية تحت عنوان "الفنّانات الكرديات شموعٌ احترقتْ لتنيرَ دروب الفنّ الكردي".. بالإضافة إلى كتيب شامل عن ظاهرة العنوسة وعن المرأة.. متزوّجة وأمّ لثلاث بنات "داستان، سازين، شيرين".

1* بما تفسرين تعامل المثقفين الكورد مع من هم خارج قوميتهم بطريقة يبدو فيها الكثير من الحذر وكأنهم يعيشون في عالم سري يخافون اقتراب الآخر منه؟

- بداية أودّ أن أشكرك أخي محمد على هذا الحوار الذي أتمنّى أن يكون مقبولاً لدى قرّائنا وقارئاتنا الأعزّاء.. أمّا بالنّسبة لسؤالك فاسمح لي أن أوضّح لك أنّني لا أوافقك في هذا الرّأي لأنّ المثقف الكرديّ بطبيعته منفتحٌ على الآخر، ومرحّبٌ بكلّ مَنْ هم خارج قوميته شرطَ أن يعترفَ بقوميته الكردية، حتى وإن لم يكن مطلعاً على ثقافة الكرد وقوميتهم.

2* لا يبدو ذلك صحيحا والدليل إن الكوردي غائب في الثقافة العربية؟

-أخي محمد هذا الغياب الثّقافي ليسَ من طرف الكرديّ لأنّ الكرديّ مطلعٌ بشكل واسع على ثقافات الشّعوب الأخرى سواء التي تجاوره أو التي تبتعد عنه آلاف الكيلومترات، والدّليل أنّه يكتب بالعربية والتّركية والفارسية وبالانكليزية والفرنسية والألمانية والدّانمركية والكندية وبمختلف الّلغات الأخرى إلى جانب كتابته بلغته الكرديّة، وبالتالي فهو يقبل ثقافة الآخر ويسعى لتكون ثقافته مقبولة لدى الآخر ومعروفة لديه، لذا أرى أنّ المثقفَ العربيّ هو الملام هنا لأنّه يتباطأ في التقرّب إلى الكرديّ والاطلاع على ثقافته التي هي جزءٌ من النّتاج الثقافيّ العامّ لكلّ البشر. ولكن هناك حقيقة لا يجوز لنا إغفالها أو القفز فوقها وهي أنّ هناك مثقفون وكتابٌ عربٌ سعوا إلى ذلك وقد تكلّلتْ محاولاتهم بالنّجاح وقوبلتْ بالثناء والشّكر من قبَل إخوانهم الكرد حتى وأنّ البعضَ منهم تخصّصَ في شأن الثّقافة الكرديّة والقضايا الكردية الهامة والمصيرية ولا يزال، بل إنّ البعض منهم يعلن عن مواقفَ شجاعة وجريئة يعجز الكرديّ نفسه من إعلانها أو الجهر بها، والمفرح في الأمر أنّ عددَ هؤلاء في تزايد مستمرّ، وما سعيك لإجراء هذا الحوار معي إلا بشارة خير في التّواصل الفكريّ والثقافيّ والأخوي بين الشّعبين الكرديّ والعربيّ، وقد أكدتَ لي في رسالة سابقة أرسلتها إليّ مشكوراًً أنّك تحاول الاطلاع على الثقافة الكردية من خلال التّواصل والتّحاور مع كتّابها ومثقفيها، وأنّ الكردَ هم أحبابكَ وإخوانكَ في الله.

3* لماذا لم يتعامل العربي مع إبداعات الكورد؟

- أتمنّى لو توجّه هذا السّؤال إلى أخوتنا العرب من الكتّاب والمثقفين لأنّ الكاتب والمثقف الكردي يسعى دائماً إلى إقامة علاقات صداقة وأخوّة مع إخوانه العرب وغير العرب أيضاً، ولكنّي أظنّ أنّ عدم تعاملهم هذا ينبع من تأثرهم وللأسف الشّديد بالمواقف والآراء السّياسيّة التي تصدرُ من حكوماتهم تجاه الشّعب الكرديّ والقومية الكردية، ولكنّهم إذا تخلّوا عن نظرتهم السّياسيّة ونظروا إلى الكرد من منظار حياديّ نابع من ينبوع الأدب والثقافة ستختلف نظرتهم تماماً تجاه الكرد وسيدركون أنّ الكردَ شعبٌ متفتح وحضاريّ وإنسانيّ كذلك.

4* هل تريدين القول إن المثقف والمبدع العربي يخدمان السلطة السياسية التي لا تعترف بوجود وحق الكوردي؟

- لا لم أقصد ذلك على الرّغم من وجود أمثال هؤلاء، ولكن ما قصدته أنّ المثقف العربيّ يتكئ في نظرته إلى الكرديّ في غالب الأحيان على الإرث السّياسي الذي تلقاه في الوقت الذي يطلب إليه تجاوز هذه النّظرة الضّيّقة والاطلاع عن قرب وكثب على ثقافة الكرد واعتبارهم شعباً قائماً بذاته يمتلك كلّ مقوّمات الوجود التي تمتلكها الشّعوب الأخرى لذلك على العربيّ أن يبني جسورَ تواصل وخاصة التّواصل الثقافيّ والحضاريّ كما هو بانٍ لمئات الجسور بينه وبين شعوب العالم المختلفة، خاصة وأنّ العالم كلّه صار غرفة صغيرة يتعرّف البشر إلى بعضهم البعض من خلالها بيسر وسهولة.

5* هذا الفاصل بين العربي والكوردي هل من أسباب واضحة له؟

- بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرتها في إجابتي السّابقة أضيف إلى التّقصير الذي يقع على عاتق المثقفين والكتّاب العرب الذين ما زالوا يحصرون أفكارهم ومداركهم ضمن أطر ضيّقة تأبى الاطلاع على ثقافة الكرديّ وأدبه وحضارته على الرّغم من أنّهم لا يفعلون ذلك مع الشّعوب الأخرى التي تجاور العرب أو تعيش معهم كالفرس والتّرك مثلاً، على الرّغم من وسائل الإعلام والأعلام التي قرّبت المسافات بين جميع البشر وخاصة شبكة الانترنيت التي جعلت العالم كلّه غرفة صغيرة يتعرّف البشر على بعضهم البعض من خلالها بيسر وسهولة كما أسلفت قبل قليل، والكاتب الكرديّ غالباً ما يكتب بالعربيّة إلى جانب الكرديّة وكثيراً ما تكون نصوصه العربية انعكاساً صادقاً لنصوصه الكردية، بمعنى أنّ الأخ العربيّ يستطيع أن يحكمَ على الكرديّ من خلال هذه النّصوص، ولكن وفي الفترة الأخيرة وتحديداً بعد تعميم الانترنيت على شرائح بشرية واسعة ونشر الكاتب والأديب الكرديّ لنصوصه المختلفة في المواقع العربية أو الكردية التي تخصّص قسماً للكتابة بالعربية نلاحظ ازدياد عدد الكتّاب والكاتبات العرب والعربيات المهتمين بنتاجات الأدب والثقافة الكرديّين وهذا مؤشّرٌ سليمٌ نعتز به نحن الكرد.

6* تشعر وأنت تقرأ النص الكوردي أن هذا النص خلق لذاته أي ليكون منزويا مع ذاته فقط .. فهل هي خصوصية كوردية أم هو انعكاس شعور داخلي لصاحب النص على نصه ونفسه؟

- أتقصد نصّ الكرديّ المكتوب بالعربية؟!.. أشارككَ الرّأي بأنّ نصّ الكاتب الكرديّ على الأغلب تطغى عليه صبغة الخصوصية والتّميّز، ولكنّني أخالفك في مسألة الانزواء على الذّات, فمعظم الكتّاب الكرد يحاولون إضفاء السّمة الإنسانية على نصوصهم مع الإبقاء على خصوصيتهم التي تنبع من واقعهم الذي يعيشونه ويتعايشونَ معه لأنّ الأدب مرآة صادقة للواقع المعاش في كلّ زمان ومكان. والكرديّ أوّلاً وأخيراً إنسان ينتمي إلى المنظومة البشرية التي تتبع للمنظومة الإنسانية ككلّ, ولا شكّ أنّه ينطلق في كلّ ما يكتب من ذاته التي تحضن كلّ مشاعره وأحاسيسه الإنسانية.

7* كيف ترين المثقفة والمبدعة الكوردية .. هل استطاعت أن تحقق لها مكانة خاصة بين المثقفات / المبدعات العربيات؟

- المرأة الكرديّة دخلت عالم الأدب والثّقافة منذ زمن طويل ولكنّ مشاركتها زادت بشكل ملحوظ خلال النّصف الأخير من القرن العشرين, شأنها شأن نساء المنطقة عموماً وخاصة مع ظهور وسائل الإعلام الحديثة وبعد إقبالها على التّعليم بمراحله المختلفة وحصولها على شهادات عليا، وقد تمكّنتْ بفضل إصرارها وتفانيها من أن تشقّ طريقها في عالم الأدب والثّقافة بخطا واثقة وسليمة، وعدد الكاتبات الكرديّات في تزايد مستمرّ وقد أثبتن جدارتهنّ وتميّزهنّ، والعديد منهنّ تمكنّ من تحقيق مكانة خاصة لهنّ، ومقام لائق بهنّ ، وتمكنّ من الاتصال مع المثقفات والكاتبات الأخريات وخاصة العربيات منهنّ ولكن ليس بالشّكل الذي يجب أن يكون عليه التّواصل.

8* لماذا لم تتمكن من التواصل بالشكل المطلوب حسب قولك؟

- ربّما يكون عامل التّطوّر والتّغيّر الذي حدثَ في عالمنا الشّرقيّ هو أحد الأسباب الهامّة فقبلَ سنوات بعيدة كانت وسائل الاتصال والتّواصل بين شعوب الشّرق وبالتّالي بين ثقافاتها وحضاراتها بطيئة وضعيفة ولكن الآن وبفضل التّكنولوجيا الحديثة والثّورة الإعلامية الهائلة باتَ في متناول شرائح بشرية واسعة التّواصل والتّبادل الثقافيّ والفكريّ, وباتَ بمقدور المرأة الاطلاع على نتاج المرأة في أيّ مكان كان من العالم ما سهّل من عملية التّواصل الثّقافيّ والفكريّ والإنسانيّ بين نساء العالم بشكل عام ونساء الشّرق خصوصاَ.. وأؤكد لكَ أنّ التّواصل قد بدأ ولي علاقات أخوّة متبادلة مع العديد من الكاتبات والمثقفات العربيات الّلواتي يبدينَ رغبتهنّ في عقد صداقات وعلاقات وداد وتواصل مع النّساء الكرديات وخاصة الكاتبات منهنّ لإدراكهنّ بالتقاء قضايا المرأة لدى معظم شعوب الشّرق.

9* التمسك بالقومية الكوردية إلى أي حد يؤثر إيجابا أو سلبا على المبدع / المبدعة الكوردية؟

- تمسّك الكرديّ بقوميته يعني له التّمسّكَ بهويته ووجوده المتميّزين عن الآخرين من البشر, ولكنّني أظنّ أنّ الكردي يستطيع أن يخلقَ التوافقَ المناسب بين قوميته ككرديّ صاحب لغة وحضارة ومبدأ وبين تعامله الإنسانيّ الذي يؤكّد له أنّه لا يستطيع الاستمرار من دون وجود الآخر الذي يكمل وجوده وماهيته، وانطلاقاً من ذلك أرى أنّ تمسّك الكرديّ بقوميته يؤثر على الأغلب إيجاباً على أدبه وكتابته، لأنّ الأدبَ يزيل الحواجز والحدود بين البشر ويجعلهم يقيمون علاقات أكثر حميمية مع بعضهم البعض، وهذا ما يقوم به كلّ كاتب حقيقيّ ومثقف حقيقيّ.

مسألة أخرى هامّة أودّ التّطرّقَ إليها تتعلّق بوعي وتفكير الكاتب الكرديّ اليوم الذي يكتب بغير لغته ويظلّ يؤكّد على هويّته القومية والثقافية فخلال القرون الماضية ظهرتْ أعدادٌ كبيرة من الكتّاب الكرد الذين أدرجوا في قوائم الكتّاب العرب وأدرجتْ نتاجاتهم ضمن الأدب العربيّ الخالص بالعربية على الرّغم من أنّهم جاهروا بأصلهم ولكنّ هذه المجاهرة طمستْ لأسباب عدّة وحتى إن أشيرَ إلى أصلهم غير العربيّ فإنّهم إمّا ينسبون إلى الفرس أو التّرك أو إلى الأفغان واليونان كما حدث مع أحمد شوقي الذي تقاسمته عدّة أنساب وأصول وقاسم أمين الذي نسبَ إلى التّرك.

10* هل يمكن الفصل بين الايدولوجي والإبداعي في الكتابة؟

- لا أظنّ ذلك، لأنّ الإبداعَ الحقيقيّ يعني الاْيديولوجية الحقيقيّة والصّادقة، والايديولوجية شرطٌ من شروط الإبداع الهامّة, فالكتابة الصّادقة والهادفة والمسلّية كذلك تتطلّب قواعدَ وأركان معيّنة مبنيّة على التّوافق والانسجام بينها من خلال أفكار بنّاءة وممتعة تستطيع تحقيق سمتي الفائدة والتّسلية معا.

11* ألا ترين أن الخطاب القومي والسياسي طاغي على الإبداعي في أغلب ما ينشر من النتاج الإبداعي الكوردي؟

- أخي الكريم، من خلال أسئلتك هذه تكوّنتْ لديّ فكرة بأنّك قرأتَ للكتّاب الكرد الذين تخصّصوا بكتابة المقالات السّياسية والفكرية أكثر ممّا قرأتَ لكتّاب النّصوص الأدبية /النّثرية والشّعرية/ ولكتّاب المقالات الاجتماعية والإنسانية، فالكتابة الكردية ككتابة غيرها من كتّاب الشّعوب الأخرى تحمل في طيّاتها مختلف أنواع الكتابة والثقافة وطبقاً لذلك فإنّ الكتّابَ الكرد يكتبون في مختلف فنون الأدب والكتابة، ومنهم كتّاب المقالات السّياسيّة أو التي تطغي عليها السّمة القومية، ومن الطّبيعي أن ينبري كتّابٌ كرد منبر القوميّ والسّياسي لينقلوا وجهة نظر الكرديّ المتميّز بقوميته الخاصة وحضارته وماهيته عن الآخر، وأن ينقلَ وجهة النّظر تلك للآخرين ليتعرّفوا بشكل واضح وواقعيّ على ثقافة وحضارة وفكر الكرد، ولكنّه على الأغلب يفعل ذلك متجنّباً الوقوع في وادي التّعصّب والعنصرية، والسّبب الهامّ الآخر هو وكما تعلم أخي الكريم إدراك الكاتب الكرديّ لمعاناة شعبه الذي يعد بالملايين وما يزال يعيش غير معترف به كإنسان صاحب قومية وإرث حضاريّ وإنسانيّ وتاريخ عريق وأصيل.

12* أين هو الوطن الحقيقي للكورد؟

- إذا كنتَ تقصد أخي الكريم بسؤالكَ الوطن الكرديّ من النّواحي الجغرافية والتّاريخية والحدودية فأظنّ أنّ الإجابة عليه ليسَ من اختصاصي ولا أمنح نفسي حرّية الإجابة عليه مطلقاً، لأنّه وكما تعلم ونعلم جميعاً هو من اختصاص القيّمين عليها، ولكن إن أردتَ من سؤالك المعنى الإنسانيّ أستطيع القول إنّ الكردَ يعملون ويجهدونَ ليظلّوا جزءاً هامّاً ضمنَ المنظومة الإنسانية التي تضمّ كلّ البشر لذلك فهم يرون أنّ الكون بوسعه وبطوله وعرضه هو وطنهم الذي يشاركهم فيه كلّ البشر الآخرين على اختلاف انتماءاتهم ولغاتهم وقومياتهم ومذاهبهم و....إلخ

13* رسالة توجهينها لزميلاتك من المبدعات العربيات؟

- رسالتي إلى المبدعات العربيات أن يتابعن أعمال الكاتبات الأخريات الّلواتي يختلفن معهنّ في اللغة والقومية وخاصة الكاتبات الكرديات وأن يحاولن الاتصال بهنّ والتّواصل الفكريّ والأدبي والثقافيّ معهنّ لتكون كتاباتهم أكثر إبداعاً ورقيّاً ممّا هو عليه الآن، وخاصة في المسائل التي تخصّ المرأة والطّفولة والأسرة، ليؤسّسنَ معاً أجيالاً خالية من العقد التي اعترضت سبيل تنشئتهنّ.

14* وردة لمن تقدمينها؟

- باقات ورود وزهور أغرسها في بستان روح أختي بريخان (ري) التي غرستْ في نفسي وفكري بذور عشق الحياة ومحبّة البشر كلّ البشر، وأنارتْ فيهما قبسات ثقتي بنفسي وقدرتي على العطاء دون أن أنتظر جزاء عطائي هذا.

15* ماذا يعني لك عصفور يحط على غصن شجرة؟

- يعني لي العصفور الذي يحطّ على غصن شجرة الأملَ المفعمَ بالإرادة المشبعة بالحبّ, والحبّ المكلّل بالخير والخير المضاء بالتّسامح, والتّسامح الدّال على أنّ الإنسانَ هو أسمى الكائنات وأنّ الحياة تستحق منّا الحبّ والعطاء حتى وهي في أصعب حالات تغيّرها وتقلّبها.

16* متى يكون الصمت لغة بديلة بالنسبة لك؟

- عندما أجدُ الكلامَ قد تحوّلَ إلى ضجيج قد يؤذي مسامع الرّوح والفكر معاً، وقد يجبرانها على إنطاق ما لا يجب النّطق به.

17* في وجه من تصرخين؟

- أصرخ في وجه ضميري إذا حاول إصدارَ حكم خاطئ بحقّ الآخر, وفي وجه نفسي إذا حاولت السّكوتَ عن قول الحقّ والحقيقة أو ماطلتْ في إعانة المستنجد بها، وفي وجه قلبي إذا حاولَ أن يغرسَ بذور حقد في صميم حبّه مهما اشتدتْ عليه الظّروف والأمور، ومهما بلغتْ درجة تقلّبات الدّهر وغدره، وفي وجه فكري إذا حاولَ أن يخلقَ أفكاراً لا تخدمني ولا تخدم الآخر، أيّاً كان هذا الآخر.

18* من هو الآخر فيك؟

- نارين عمر التي تحاول جاهدة التّحكّمَ بفوران غضبي، وضمّه إلى حضن التّعقل، وضجيج فكري وسطَ الأفكار التّائهة والضّالة وتوجيهه إلى رحاب الهدوء والاستقامة، وضجر يأسي وإرجاعه إلى سلّة المحذوفات دون أن ينسى إفراغ السّلة من الشّوائب المعلّقة بحوافيه، ومن ثمّ فتح مجلّد جديد لنفسي تهبّ عليها نسائم الأمل من كلّ الجهات، وتحاول مرافقة قلبي كظلّه ليظلّ نابضاً بالحبّ والعشق للحياة والبشر، وروحي لتظلّ تنعمَ بحكمتها القائلة:

-أعلّل النّفسَ بالآمال أرقبها                   ما أطيبَ العيشَ لولا فسحة الأمل

19* أحب كلمة إليك؟

- كلمة أمّي حينما أسمعها من إحدى بناتي لأنّها تحييني ألف مرّة بروح وفكر يانعين.

20* أقرب الأمكنة لروحك؟

- أقرب الأمكنة إلى روحي هو بيتي المتواضع الذي أستطيع من خلاله ممارسة طقوس تعقّلي وجنوني مع نفسي وضميري أوّلاً ومع زوجي وأولادي.

واسمح لي أن أشكرك مرّة أخرى أخي الأستاذ محمد على إتاحتكَ هذه الفرصة لي لنتحاورَ على أمور أتمنّى أن يتقبّلها القارئ الكريم برحابة صدر، وأحيّيكَ على تواصلك الثقافيّ والإنسانيّ مع إخوانكَ الكرد.

                

*محمد القذافي مسعود:

مواليد :  1978 غريان / ليبيا

المستوى الدراسي   :  دبلوم متوسط ( قسم مسرح )  معهد جمال الدين الميلادي  / طرابلس عام   (2000)   له نتاج شعري ونثري بالفصحى والعامية ويمارس الكتابة الصحفية.