حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة 11

أشرف إبراهيم حجاج

حوار غير صحفي مع الدكتور جابر قميحة

مع أبناء الدكتور جابر قميحة

الحلقة الحادية عشرة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

أشرف إبراهيم حجاج - إعلامي – القاهرة

[email protected]

[email protected]

 إن الحوار مع الأستاذ الدكتور جابر قميحة يمنح المستمع  بل الجمهور كله  عطاء غنيا من عدة جوانب :

جانب البيان الأخاذ الذي يصوغ الحقيقة العلمية في ثوب أدبي دفاق .

وجانب المعايشة للواقع الذي تعيشه الأمة ويعيشه الفكر .

وجانب الصراحة التي تنتصر للحق ، بصفة دائمة .

 ولكنني في هذا الحوار الذي سجلته معه يوم 20 / 10 / 2011 أعيش معه ومع قرابة عشرة آلاف من أبنائه . وأقصد بالأبناء هنا الكتب التي استقرت واستراحت في رفوف مكتبته التي زحفت حتى احتلت أركانا من غرفة الاستقبال ، وغرفة النوم .

 **********

 س : دكتور جابر أنت تطلق على كتبك هذه كلمة " أبنائي " فما سر هذه التسمية ؟

ج  واضح أن هذه التسمية تنطق بشدة حبي لكل كتاب . وأحيانا أستعمل وصف اليتامى ؛ لإنني إذا فارقت الدنيا لن أجد من يهتم بهذه المكتبة لإني ؛ أنجبت من البنات والبنين من لا يعطي اهتماما لهذه الكتب ، فليس فيهم  أو فيهن  من يغرم بالأدب إذ أن تخصص كل منهم بعيد بعدا شاسعا عن توظيف هذه المكتبة والاستعانة بها .

 **********

 س : من النظرة الأولى لهذه المكتبة أرى اختلافا في الموضوعات والتوجهات. هل من الممكن أن تحدثنا ؟

 ج : نعم ، فالمكتبة بامتداداتها المختلفة ، وتعدد أماكنها ضمت كثيرا جدا من كتب الأدب : شعره ونثره ومنها : دواوين أبي فراس الحمداني ، وديوان المتنبي ، ديوان سقط الزند ، وديوان لزوم ما لا يلزم لأبي العلاء المعري .

ومن الأدب النثري : البيان والتبيين للجاحظ .

ومن دواوين المحدثين : ديوان أبي القاسم الشابي ، وديوان الأخطل الصغير ، ودواوين عباس العقاد ، ودواوين محمود حسن اسماعيل ، وغيرها .

 **********

س : ولكني أرى سلاسل آخرى ... ؟

ج : نعم ، في المكتبة عشرات من كتب التفسير منها التفسير البيضاوي ، وتفسير الطبري ، وتفسير الفخر الرازي ، وتفسير روح المعاني لمحمود الألوسي . وتفسير الجلالين ، وتفسير القرطبي ، وتفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا ، والشيخ محمد عبده ، وتفسير في ظلال لقرآن للشهيد سيد قطب . وغيرهم .

ومن كتب السنة : صحيح البخاري ، وفتح الباري ، وصحيح مسلم ، وكتاب اللؤلؤ والمرجان في ما اتفق عليه الشيخان ( البخاري ومسلم ) من وضع محمد فؤاد عبد الباقي .

ومن الفقه : فقه السنة للشيخ سيد سابق

ومن كتب اللغة : لسان العرب لابن منظور ، والقاموس المحيط للفيروز أبادي ، ومختار الصحاح لعبد القادر الرازي ، والمعجم الوجيز الذي أخرجه مجمع اللغة العربية .

ومن الموسوعات : موسوعة السياسة لمجموعة من العلماء .

ومن التاريخ : الكامل لابن الأثير ، و السيرة النبوية لابن هشام ، والطبقات الكبرى لابن سعد .

ومن كتب الاجتماع : مقدمة بن خلدون .

وكثير من كتب القانون في القوانين الجنائية ، والإدارية ، والمدنية ، والاقتصادية .

وكثير جدا من كتب الأدب الإنجليزي ، والمعاجم الإنجليزية .

ومن كتب الديانة المسيجية : الأناجيل في طبعاتها المختلفة ، وقاموس الكتاب المقدس الذي نشره بطرس عبد الملك وجون اليكساندر وإبراهيم مطر وهو معجم لاهوتي ، تربو صفحاته على الألف .

 **********

س : لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : ما سر اقتنائك لكتب هذه الموضوعات المختلفة مع أنك اشتهرت ب " الشاعر الناقد " ؟

 ج : يرجع ذلك إلى إيماني ب " وحدة المعرفة الإنسانية " . وقد قيل إن العالم هو الذي يعرف كل شيء عن شيء واحد ، ويعرف شيئا واحدا عن كل شيء .

 **********

س : أنا أعرف أن هناك موقفا مأساويا يرتبط بمكتبتك مما يزيد على نصف قرن مضى . هل يمكن أن تصور للقارئ ما حدث ؟

 ج - كنت أقبل علي كل ما يكتب سيد قطب ، وخصوصًا «في ظلال القرآن» الذي كان يصدر تباعًا في أجزاء ، وكان الجزء يباع بخمسة قروش. وأصبح سيد قطب كاتبي الأثير. وفي بيتنا بالمنزلة (مسقط رأسي) خصصت حجرة لمكتبتي التي ضمت عددًا كبيرًا من الكتب في الأدب والشعر والفكر الإسلامي.
 وفي يوم من منتصف الخمسينيات - من القرن الماضي - عدت من القاهرة إلي المنزلة لقضاء عطلة الصيف بعد أن أديت امتحاني في السنة الثانية من كلية دار العلوم . وشعرت بصدمة عنيفة ، وأنا أري رفوف مكتبتي لا تحمل كتابًا واحدًا... ورأيت في عيون أبي وأمي ، وأفراد الأسرة نظرات فيها انكسار وإشفاق» فهم يعلمون مدي اعتزازي بكل ورقة من كتاب.... وصرخت هائجًا بصوت مرتعش:
- أين كتبي؟ ... أين كتبي..؟
وبدأ أبي يهدئ من ثائرتي:
- معلهش كل شيء.. يتعوض إن شاء الله..
- يتعوض؟؟!!... يتعوض يعني إيه؟
- يا ولدي انت عارف إنهم يقبضون علي الإخوان... ودول ناس «جبارين»... لا يعرفون الرحمة ، فاضطررنا إلي....
ولم أتبين بقية كلمات أبي... فقد دارت بي الدنيا، واستنتجت ما حدث.. - وهو ما تأكد لي فيما بعد- فقد نقلوا الكتب علي دفعات... وحرقوها دفعة دفعة في «فرن» بلدي، ببيت أحد أقاربي المجاورين.
 ولا أستطيع أن أصور عمق حزني آنذاك... إنه كحزن من فقد أبناءه جميعًا في محرقة لم تُبقِ منهم حتي الرماد. وكان حزني علي أجزاء «في ظلال القرآن» أشد وأعتي ، وذلك لأنني سجلت علي هوامشه ملاحظات وتعليقات كثيرة جدًا ، حاولت -فيما بعد -استعادة بعضها فعجزت عجزًا مطبقًا ، وكأن شدة الصدمة قد قتلت قدرتي علي التذكر والاستعادة.

 **********
 س : هذا هو الأثر الحزين لهذه المحرقة . فهل هناك أثر مقابل له ؟
 ج : نعم فقد كان وجه الخير في هذه المحرقة أنها ألهبت مشاعري بمزيد من حبي لسيد قطب، وعمّقت إيماني بقلمه مفكرًا إسلاميًا ، وأديبًا وشاعرًا وناقدًا ، فنال من إقبالي واهتماماتي الحظ الأوفي.
 وفي سنة 1971 (أي بعد تخرجي في كلية دار العلوم بثلاثة عشر عامًا) أُعرت للعمل بدولة الكويت لمدة أربع سنين. وكان من مهامي تدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية -بجامعة الكويت- للطلاب الأجانب.
 وكنت أشعر بالسعادة وأنا أري هؤلاء الطلاب وفي أيديهم كتب سيد قطب مترجمة إلي الإنجليزية والفرنسية والملاوية... وغيرها. وسألت بعضهم عما يعرفونه عن سيد قطب, فاكتشفت أنهم يعرفون عنه ، وعن الإمام الشهيد حسن البنا الكثير والكثير. لقد صدق الشاعر العربي الذي قال:
 وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلة = طُويت أتاح لها لسانَ حسود

 لولا اشتعال النار فيما جاورت = ما كان يُعرف طيبُ عَرف العود

 **********

 وشعرت بعد هذا التحقيق أنني قد عثرت على كنز لا ينفعني فحسب ، ولكنه ينفع الأجيال القادمة وأدعو للأستاذ الدكتور جابر قميحة بالصحة والعافية وطول العمر ، وأن يمتعه بأبنائه الذين يربون على الألوف العشر.