مع فلورنس غزلان

ملف المعارضة السوري فلورنس غزلان لسوبارو:

علينا أن نضع يدنا بأيدي بعض لنحرر سوريتنا من الاستبداد

وننقلها إلى عالم الحرية والديمقراطية والعلمانية

استمراراً للاستطلاع الذي اجريناه  في أوساط  المثقفين لاخذ ارائهم حول المعارضة السورية ننشر اليوم رد الأستاذة  فلورنس غزلان

نشرة سوبارو : هناك عدة تسميات وأشكال للمعارضة، أي منها برأيك ينطبق على المعارضة السورية؟ 

كلمة معارضة بمعناها المتداول والمتعارف عليه في عالم السياسة، لاتنطبق على المعارضة السورية، لأن المعارضة الحقيقية  هي عبارة عن حزب أو تحالف أحزاب سياسية خاضت انتخابات تشريعية في بلد يتمتع بالحرية والديمقراطية، ولم تستطع أن تحوز على الأكثرية البرلمانية، فبدلا من تتسلم إدارة دفة الحكم انتقلت لتعارضها في برلمان استطاعت أن تنتزع فيه مقاعداً أقل بنسبة ضئيلة أحيانا..في سوريا الأمر يختلف كلياً، لأن المعارضة بكافحة شرائحها وتنوعها الأيديولوجي وانتماءاتها السياسية المتضاربة أو المتناقضة من أقصى اليمين لأقصى اليسار  إن جاز التعبير  جميعها غير معترف به من النظام و" غير قانوني" بالنسبة له ، الذي لايعترف ولايقونن الأحزاب ، ولا يحكم إلا من خلال حزب واحد معترف به يدير دفة البلاد وهو الحزب" القائد للدولة والمجتمع" حسب المادة الثامنة للدستورالمعدل من حافظ الأسد عام 1973، وأعني به حزب البعث طبعاً، بالإضافة لأحزاب " وجاهة" تابعة وموالية تتقن دورها في ديكور النظام وتنضوي تحت لواء حزب البعث يطلق عليها أحزاب" الجبهة الوطنية التقدمية".

أما الأحزاب  والحركات أوحتى الأفراد المتواجدة  على الساحة خارج هذين الإطارين، فهي  مااعترف على تسميته بالمعارضة  السورية، أي التي تقف بصف غير موالي  وتطالب بالاصلاح أو التغيير السلمي..وقد  اتخذت خلال مسيرتها منذ توقف العملية  البرلمانية الانتخابية في سوريا، ومنذ تسلم السلطة من حزب البعث وخاصة  بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه، حاولت أن تظهر على السطح ، لكنه أطيح بها سواء من خلال النقابات أو من خلال الاعتقالات بعد الأحداث الدموية  التي دارت بين الأخوان المسلمين والنظام  الأسدي إبان حقبة الثمانينات من القرن المنصرم، حينها اقتضت الظروف والمعطيات السياسية الداخلية والمناطقية ظهور ما أعترف على تسميته" بالتجمع الديمقراطي السوري"، وبعد أن دفع معظم المنتمين لأحزابه وغيرها من أطراف اليسار ثمناً باهضاً في اعتقالات ندر حدوثها ، إن من حيث مدة الاعتقال أو هول ووحشية التعذيب،  علماً أنها كانت أحزاب تدعو للإصلاح والتغيير السلمي، ولم تحمل السلاح كما جرى مع الأخوان  بالطبع هذه الضربة كانت قاصمة وأدت إلى توقف نشاطات التجمع، ولو أنه حافظ على نشاط محدود جداً اقتصر على نشرة دورية..وعمل ماتبقى من أعضائه خارج السجن تحت الأرض أو بالمنفى...بعد وفاة حافظ الأسد وتولي الوريث الجديد عرش السلطة، اعتقد البعض وعَوَّل آمالاً بالتغيير!، خاصة بعد أن ترك النظام الجديد القديم فسحةً من الحرية تبلورت لمدة وجيزة، وكانت مجرد فترة دراسة  تعيد ترتيب البيت السوري وعودته لحضن العائلة بشكل أكثر ثقة وأماناً سميت الحقبة آنذاك ب " ربيع دمشق" وعندما تطورت الأمور السياسية في المنطقة بعد إصدار القرار الأممي 1559، والذي يقضي بانسحاب القوات السورية من لبنان، وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط بغداد..تطلب مسار الأحداث والأوضاع الداخلية في سورية إنشاء معارضة وتآلف أوسع وأشمل نتج عنه ظهور" إعلان دمشق"، وتلاه فيما بعد في الخارج ظهور" جبهة الخلاص"، التي باعتقادي ولدت ميتة لتناقض ماقامت عليه من وهام أكثر منه سياسة.

إعلان دمشق ضم في صفوفه أحزاب متنوعة الأيديولوجيا ومستقلين إلى جانب  وللمرة الأولى  تحالف لأحزاب كردية سورية، لهذا كنت ممن عَولوا عليه كثيراً، رغم اختلافي مع بعض طروحاته وتشكيلاته منذ البداية، لكني كنت أروم أن يتطور ويتبلور أكثر ثم يتمكن من استقطاب شرائح جديدة من فئات محرومة أخرى أو مقصاة عن العمل السياسي، واعتقدت أن سلوكه التنظيمي سيكون نوعي ومختلف..لأن تنوعه يعتبر مميزاً..لكني فهمت فيما بعد أن النضج ينقصه...لانستطيع أن ننكر مقدار تضحيات الكثير من أعضائه، وأعضاء لجان المجتمع المدني من ضربات متلاحقة واعتقالات وسجون تعرضوا لها، خرج بعضها ومايزال البعض الآخر ينتظر، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل أن هذا التآلف الإعلاني قد شكل هزة فعلية وحرك ساكناً إن في المجتمع السوري، أو خشية النظام من هذا الحراك وماردة فعله العنيفة إلا إشارة تعلن للملأ خطر الإقدام على الاعتراض وأن النظام لايريد أن يرى في الساحة السورية سواه ومواليه ،وباعتقال نشاطائه يعطي درساً مثالياً لأي حراك آخر يأتي لاحقاً من أي طرف كان..ولا نستطيع أن ننسى ماجرى من أحداث دموية في نيروز 2004 في القامشلي..هذه هي لغة النظام المتعارف عليها في تطويع وتركيع أي نفَس معارض..

مازالت رغم  هذا  بعض العناصر المنتمية لإعلان دمشق مصرة على إبقائه على الحياة ويجب أن يبقى  فهذا خير من عدم ...لكني أرى أنه إن استمر الحال على ماهو ، فما عليه إلا إعادة النظر بتنظيمه وبرنامجه السياسي وتكوينه ككل بشكل حديث واسع متفهم قاريء للواقع المجتمعي والسياسي، حتى يتمكن من الحياة في مجتمع مُبعد ومُقصى عن السياسة وعن الحقل العام، ومصاب بالرعب المزمن حيال العمل والنضال السياسي. 

نشرة سوبارو : أغلبية الشعب السوري مستاءة من النظام ولا تنظم للمعارضة، فما سبل إشراك الناس واستقطاب الشارع للعملية السياسية المعارضة؟

الاستياء  وحده لايكفي ، عدم الحراك أو مواته  وانحسار المجتمع عن المعارضة ، لايمكن أن نسقطه برمته على المعارضة وحدها، لأن الأزمة التي يعيشها المجتمع السوري كبيرة وطويلة الأمد ومتجذرة وتحتاج لنفس طويل وباع ثقافي كبير..لأنها برأيي متعلقة قبل كل شيء بثقافة هذا المجتمع، ويمكن أن نعزيها لأسباب متعددة:

 أولها الثقافة الدينية وتردي حال الإصلاح في طروحاتها ، ومن ثم تسييس الدين أي " الإسلام السياسي"، الذي يرفض أن يرى تنوع المجتمع السوري، ويريد لطائفة معينة أن تتولى سلطة الإدارة والحكم باعتبارها " تشريع إلهي الصنعة والمنهج".. ولا يمكن لأحد أن يخالف شريعة الإله ولا قانونه..لأننا بشر خطاؤون!, حشر الدين بالدولة هذا يشكل عائقاً كبيراً وحاجزاً في تذليل العقبات بين سكان الوطن الواحد وأمام هذه المعضلة تندحر المواطنة وتصاب بمقتل، وبرأيي أن على الأحزاب المتبنية للدين أن تعيد النظر في مسارها وتتوقف عن اتخاذ الدين غطاء سياسياً يخفي حقيقة الحلم بالسلطة، ومأزقنا لاينحصر في هذا الجانب المختلط بالجانب السلطوي الاستبدادي والمتبادل للأدوار معه في حماية كل طرف لمصالح الطرف الآخر في استقطاب المجتمع وانهياره ثقافياً وخلقياً

 فشل  الحركات القومية العربية حين  تسلمت السلطة في أكثر من بلد من خلال انقلابات عسكرية سميت" ثورة"! (  يوليو عبد الناصر عام 1952 في مصر،  8 آذار1963 حزب البعث تلاه حركة تشرين التصحيحية لحافظ الأسد1970 في سورية ،الفاتح من أيلول الذي جاء بالقذافي، 17 تموز/ يوليو 1979 التي جاءت بصدام حسين) ، وأعتقد أن تاريخ الحاضر ينطق بما حصدته شعوب المنطقة جراء هذه الانقلابات العسكرية المستمرة على رأس السلطة حتى اليوم، مع أنها في بداياتها..حققت اكتساحاً جماهيرياً لعب على النزعة القومية والوحدة كأمل لدى شعوب لم تعرف منذ استقلالها سوى الهزائم ، لكن واقع الأمر وممارسة هذه الأنظمة كانت القاعدة الأساسية لنشوء ديكتاتوريات عسكرية وسلطات استبدادية شمولية تمركزت وتأبدت دون أي تغيير أو إصلاح ، لا في وجوه زعمائها ولا في تطور أو نمو يكتب لها.

 الثقافة  الخاطئة لبعض الأحزاب والحركات أو الأشخاص ممن يعتبرون أنفسهم علمانيين..فنجد أن البعض يتنطح للدفاع عن الاستبداد عامدأ أم عن غير قصد .."لأنه خير من الاسلام السياسي"!، هذا الفهم يزيد من خراب الثقافة العامة وانحدارها ويعمق الهوة بين العلماني والمواطن، فبدلاً من أن يتحد علمانيو الفكر ويتفقون على دراسة وفهم الواقع وأمراضه الاجتماعية والسياسية واستيعاب هذا التردي ومحاولة الخروج من المأزق بطرح أفكار وثقافة أخرى يمكنها أن تسقطب الشارع وتسحب البساط من يد النظام من جهة والاسلام السياسي من جهة أخرى، لكن التمني لن يؤتي بنتيجة فالتشرذم والتشابك والاختلاط في المفاهيم معقد ويحتاج للكثير من الخطوات الصائبة وإعادة النظرمن خلال دروس الخطأ والماضي سواء اليساري الستاليني أو العلماني الديمقراطي الليبرالي وغيره..

 هذا التضارب الثقافي أدى برأيي إلى الكثير من الفوضى، من انهيار للقيم وانتشار للفساد وانعدام للعدالة الاجتماعية، حَوَّل بعض الأقطاب خاصة الموالي منها للنظام إلى معسكر مُتَغَوِل لايمكن أن يقف بطريقه شيء مدعوماً بجهاز أمني يمسك بتلابيب وعنق المجتمع، كل هذه العوامل وغيرها أيضاً أدى إلى تدهور في معاني الوطنية وتقهقر نحو الانتماء الأدنى ، " العشائرية الطائفية..الخ"، لايمكن الخروج من عنق الزجاجة هذا بالمعارضة وحدها، إن لم تتسلح بالثقافة وتستعيد العقل والتعقل المركون جانباً خلال هذه الحقبة الطويلة من الركود الثقافي، والممنهج من النظام والأسلمة  إن جاز القول  لكن هذه العقلانية التي يجب أن تتميز فيها المعارضة والمثقف السوري المسيس أو غير المسيس، والتي تختلف مدارسها ومعطياتها، أعتقد أنها يجب أن تستعيد قدرتها في التأثير من خلال استيعاب المعضلات الاجتماعية الأهم والأكثر حساسية ودراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية إلى جانب القوانين الاجتماعية وعلاقتها بالموروث الديني والسياسي، على الرغم من التشابك الحاصل والموجود، وعلى العقل المثقف وقدراته تفكيك هذا التشابك بهدوء وبطء ونفس طويل، لأن أمر تحسنها وتعقلها ربما يحتاج لسنين طويلة قادمة.

 النضال السياسي للمعارضة يصطدم بحاجز كبير معمم ومسلح بخوف أسطوري، تتزعم نشره وتعزيزه في نفوس المجتمع السلطات العليا في النظام الشمولي الأسدي، مختزلاً المجتمع إلى شعب قاصر، مُبَرمَج من خلال مناهج تعليمية متخلفة مُعيقة للإبداع والتطور الطبيعي للعقل الإنساني، بهذا الفخ  ينصب النظام شباكه لبعض مثقفي اليسار فيقعون من جهة ضحية الرعب من النظام ومن جهة أخرى ضحية إسلام سلفي مظلم دون قبس من نور الإصلاح،دون أن يقرأوا موقفهم المتشدد بسلفية يسارية تراوح في الماضي  تتشابه عكسياً مع سلفية الإسلام السياسي، أيديولوجيات الأحزاب السياسية العربي منها والكردي في الساحة السورية مهترئة البعد والاستراتيجية قصيرة النظر مشتتة ومنقسمة على بعضها ومتشظية، وتصب جل همها بالسلطة بالنسبة للأحزاب العربية، وبالهدف القومي بالنسبة للأحزاب الكردية..مع أنها جميعها دون استثناء تعيش القمع والاضطهاد نفسه..فمن المفترض أن تولي الأهمية الأولى لتثقيف المجتمع وتعريفه بالقضايا الأهم والأكثر إلحاحاً" قانون طواريء، محاكم استثنائية،حقوق إنسان، حقوق المرأة والطفل، مشكلة الفقر، حرمان الهوية...الخ" فعلى سبيل المثال فقط  ماذا فعلت الأحزاب الكردية ليتعرف أبناء الشعب السوري من العرب أن هناك قضية اسمها القضية الكردية؟..ومنذ متى بدأ يسمع المواطن العادي بأن هناك شعب يقاسمه الأرض اسمه الشعب الكردي، مع أني أراهن أن الأمر مازال ملتبساً لدى الكثير من أبناء الشعب السوري العرب؟، وكمثال :" حتى نحن المعنيين بالثقافة والسياسة، إن عرفنا أن هناك قضية كردية فالفضل يعود لانتفاضة البرزاني الأب على النظام العراقيثم فيما بعد لأكراد تركيا"!. ..المشكلة أن جميع أطراف المعارضة تراهن على السلطة لا على الشعب...وتهرع باتجاهها عندما تشير له بالبنان  " لقاء نائبة الرئيس السيدة نجاح العطار بمجموعة من الأكراد ووعدهم بحل قضية المحرومين من الجنسية عام 2008 ثم رسالة عبد الحميد درويش لبشار الأسد"، توقف الأخوان المسلمين عن معارضة السلطة أملاً بصلح مع النظام تسير فيه بعض الأطراف الأخوانية العربية"...

كل هذه  الأحزاب تطرح حلولاً ، فهل هناك ماهو صالح منها؟ ..بالطبع لا..لأن عليها إعادة تأهيل نفسها ثقافياً وسياسياً ، لتبني قاعدة داخل فئات الشعب ، تذهب إليه في بيته ،عمله ،مدرسته وجامعته ، حتى لقمته ومشاكله اليومية لتحصيلها، من خلال فهم الأولويات بالنسبة له وتبنيها...فقد شبع الشعب خطباً من النظام دون فعل، كما شبع تنظيراً من المعارضة دون خطوات فاعلة على الأرض.

نشرة سوبارو : إذا  كان توظيف الضغوط الدولية والرأي  العام العالمي من أساسيات النشاط  المعارض، فما الذي فعلته المعارضة  لهذا الغرض؟

بكل تأكيد  أن أي معارضة لسلطة ديكتاتورية لاتستطيع أن تقنع المنظمات الإنسانية والدول المتحضرة بقوتها وانتشارها داخل مجتمعها  وأن تحصل على دعم معنوي يناهض  خطوات القمع والاعتقال من النظام، ويمارس ضغوطاً مشروعة على النظام من خلال علاقته ومصالحه المتبادلة معه، كي تنفتح هذه الأنظمة المنغلقة على ذاتها ومواليها والمنفصلة عن شعوبها ، والتي ترهن وتربط أي إصلاح في بلدانها وأي حرية لشعوبها مع الخارج وعلاقته بها وانفتاحه عليها ، أو بقضية فلسطين! قميص عثمان الذي لايبلى وتتمسك به الأنظمة لتثبيت بقائها كما تحرص على تسكين عملية السلام بلا سلم ولا حرب ، كما هي حال الجبهة السورية مع إسرائيل  لن تتمكن أي معارضة في مثل هذه الظروف من إسماع صوتها للعالم ولن تتمكن من الحصول على مكتسبات اعتراف بوجودها وحقها في الحراك على أرض الواقع، فحرية المعارضة مقيدة وممنوعة في بلد تنعدم فيه حرية التعبير بكل أشكاله وتلويناته، بلد لاتوجد فيه فسحة حرية ستنعدم فيه  معارضة يمكنها أن تخرج إلى النور والتواصل مع مجتمعها، لأن هذا التواصل محكوم بالموت.

في هذه  النقطة بالذات لا أعول كثيراً  على العالم الغربي، الذي فتح  أبوابه وذراعيه معترفاً بالنظام  بعد أن خنقه حصاراً..ولم يتم  هذا إلا على حساب حقوق الإنسان   السوري، فلا يمكننا أن ننسى  كيف استضاف الرئيس الفرنسي  ساركوزي بشار الأسد ليشارك في حفل حرية فرنسا ويومها المشهود تاريخياً أي 14 تموز 2008، وبعدها كرت سبحة التواصل وعلاقة صداقة سورية  فرنسية ثمنها الأول هو حقوق الإنسان..كما لانستطيع أن ننسى الشرط السوري للتوقيع على الشراكة الأوربية والمتوقف على إلغاء بند أصرت عليه هولندا ويتعلق بحقوق الإنسان السوري، ثم تتالت الزيارات الأمريكية والوعد بعودة سفير الولايات المتحدة لدمشق( موافقة أوباما قبل أيام والتفافه على الكونجرس مستخدما صلاحيته الرئاسية  لإرسال روبيرت فورد سفير بلاده إلى دمشق، مع ترحيب فرنسي!)..لايمكننا ترجمة هذا الموقف السياسي إلا كعملية تسخير الأنظمة الشمولية لحماية مصالح الدول الغربية في المنطقة وكيفية قراءتها لدور النظام السوري الذي يمكن أن يلعبه سواء في قضية لبنان ، أو فلسطين والمنظمات الموالية لسورية كحماس وحزب الله، أو من خلال تأثيرها في العراق والأكثر أهمية هو علاقتها مع إيران..حيث يعتقد هذا العالم بما فيه بعض الأنظمة العربية كالسعودية..أنها بهذا الأسلوب ستستطيع احتواء سوريا النظام وإبعاده عن إيران!!، وبرأيي أنها قراءة خاطئة .

في مثل  هذه الشروط ، ومع ضعف المعارضة وتشرذمها، لا أعتقد أن بإمكانها أن تفعل الكثير ولم تفعل، لكنها مع هذا استطاعت من خلال نشاطات فردية  وتظاهرات محدودة أن تسمع المنظمات الحقوقية أصوات المعتقلين وقد حصل معظمهم على جوائزأو دعم من منظمات حقوقية تدل على احترام العالم الحقوقي لنضالات الشعب السوري ممثلا بمعتقليه السياسيين والحقوقين " أنور البني، مهند الحسني، هيثم المالح ، مشعل تمو، كمال اللبواني، علي العبدالله ، رديف مصطفى، كمال شيخو، طل الملوحي، راغدة الحسن وتهامة معروف ، هدية يوسف، منال إبراهيم ورفيقاتها من ستار النسائي ...الخ"، بالاضافة للعديد من الرسائل الموجهة لرؤساء دول  أو مجموعات برلمانية أو منظمات حقوقية..من أجل إطلاق سراح معتقلي الرأي السوريين عرباً وكرداً..لكن هذا لايكفي ولا يفي بالغرض المنشود والمعول عليه..

اعتقد أن أمام المعارضة مسؤولية توحيد جهودها وتعميق علاقاتها مع الهيئات والمنظمات الأممية  المعنية بحقوق الإنسان، وإجراء دراسات مسحية لقضية حقوق الإنسان في سورية، وأعتقد أن النشاط الذي قامت به مجموعة من نشطاء وباحثين خبراء سوريين في واشنطن وعلى رأسهم السيد رضوان زيادة ( سنوات الخوف عن المختفين قسراً )، بالتعاون مع " برنامج العدالة الانتقالية في العالم العربي"، وبدعم من منظمة " فريدم هاوي" ، وقد أطلق ونشر هذا التقرير في 10 يونيو/ حزيران 2010 من خلال ندوة حول حقوق الانسان في سورية بعد مرور عشر سنوات على حكم بشار الأسد بالتزامن مع إطلاقه في نفس الوقت في كل من جنيف وعمان.

وأن يتم كشف  هول المجزرة التي قام ومايزال  يقوم بها النظام بين عامي 1979   2009، سواء في أحداث حماة، تدمر، صيدنايا لاحقاً، هذا العمل وإنجازه تطلب مجهوداً ، لايسعنا إلا أن نشكر من قاموا به، ولكننا نأمل ألا يكتفي ذوو المفقودين والمبعدين بالتقارير والتدوين، وإنما أن يصل الأمر برفع دعوات في القضاء الدولي ومحاكمة المجرمين من رؤوس النظام، دون أن نغفل من قضى من الكرد سواء كمجندين في الجيش السوري، أم كضحايا لإرهاب السلطة في أكثر من نيروز ومكان، ناهيك عما جره ويجره مرسوم العسف والظلم حامل الرقم( 49/2008  ، الذي يمنع بيع، أو استئجار عقارات في المناطق الحدودية إلا بعد الحصول على موافقة كلا من وزارتي الدفاع والداخلية)، والأكثر جرماً هو الاحصاء الاستثنائي والحرمان من الجنسية الصادر في 5/!0/ 196، ومحاولة تعريب المناطق الكردية، هذا كله يتطلب وحدة لصفوف وأطياف المعارضة العربية والكردية لتتمكن من رفع دعاوى حقوقية في القضاء الدولي" كمحكمة لاهاي" ، أو ترفع من منظمات وأحزاب لمجلس الأمن الأممي، تطالب فيه الهيئات الدولية بتشكيل لجان لتقصي الحقائق ومن ثم تشكيل محاكم تدين من ارتكب الجرائم كائناً من كان، فإلى متى سيستمر الصمت والتبعثر سيد الموقف؟.

نشرة سوبارو : تبنت شرائح المعارضة النشاط السلمي، فما الفرق بين العربية والكوردية منها؟ وماهو الحل الأمثل للقضية الكوردية في سوريا برأيك، هل هو: حقوق المواطنة، أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو...؟

الفارق بين  المعارضة الكوردية والعربية ليس بالقليل، يختلف في الطريقة ربما والمطلب الرئيس، ففي حين تركز المعارضة العربية ومعها بعض الأحزاب الكردية " خاصة المنضوية تحت إعلان دمشق" على قضايا وطنية عامة تشمل الجميع" إلغاء حالة الطواريء، الحرية والديمقراطية، قانون أحزاب وقانون جمعيات، انتخابات نقابية حرة، انتخابات تشريعية نزيهة، كف يد أجهزة الأمن عن ملاحقة حريات وحراك المواطنين، إلغاء المحاكم الاستثنائية والعسكرية، حل قضايا المفقودين والمحرومين من الجنسية والمنفيين قسراً أو طوعاً عن الوطن السوري، الفصل بين السلطات الثلاث ، الانفتاح على الشعب وإطلاق حرية التعبير بكل أشكاله التي يضمنها الدستور السوري والشرائع الدولية، إقامة علاقة جوار ندية تحترم سيادة الدول ولا تتدخل بشؤونها كلبنان والعراق...الخ" ، لكن المعارضة الكردية تتنافس حتى فيما بينها على مدى طرح القضية القومية كمطلب أساسي..قبل حتى أن تضمن حقوق المحرومين والمجردين من الجنسية!، مع أن مايقع على المعارضة العربية يقع عليها كذلك..!..فعلى ماذا نختلف ونحن لم نحصل على أي من المطالب؟ وكيف يمكن أن نضمن حقوقاً قومية ونحن لسنا أحراراً ولايعترف بوجودنا كمعارضة، فحين توجه التهمة لمعتقل رأي عربي تُعد له اللازمة المعروفة( إضعاف الشعور القومي ونشر أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة)، بينما توجه كليشة إضافية أو خاصة بالمعارض الكردي ( الانتماء لتنظيم معادي لكيان الدولة يسعى لاقتطاع جزء من أراضي الوطن)!!.

كما أن بعض  فصائل المعارضة الكردية اتخذت من العنف وسيلة، بالنسبة لي أي عنف هو مرفوض من أي طرف كان، لأني أؤمن بالحراك السلمي ، نحن بشر ونملك عقولاً ، فهذا يعني أن الحوار هو الأسلم والأكثر صواباً، لأن إراقة الدماء لغة غير إنسانية وغير حضارية ، كما أنه يجعل من العسير لأطراف دولية ومحلية الاعتراف بمن يمارس لغة العنف، حتى أصحاب القضية الأكثر عسراً في تاريخ البشرية الحديث، والتي لاتبشر أي بادرة أنها ستحل بطريقة من الطرق  أقصد" القضية الفلسطينية" ، فإني لا أرحب إطلاقاً باستخدام فصائلها للعنف، فأهم مايعني المواطن ، أي مواطن هو حياته اليومية وقضاياه المعاشة وقضية أسرته الصغيرة، والتي تعتبر الحلقة الأولى في بناء أسرته الكبيرة وتمتن من رابطتها وانتمائها، لهذا أرى أن أهم المرتكزات هي " بناء الإنسان"، ثم تأمين معاشه" مدارس ، ماء ، كهرباء، طرق مواصلات، عمل يكفيه وأسرته، حرية ,ديمقراطية، ثم دولة حق وقانون لايميز ولا يفضل على أساس العرق والجنس أو المذهب، كلها مجتمعة حسب أولوياتها، تجعله يحس بقدميه أكثر ثباتاً على الأرض، وتمتن من روابطه الوطنية وتشعره بكيانه وبكرامته وإنسانيته المصانة.بالطبع لانستطيع أن نطلق الاستثناء على التعميم، خاصة بالنسبة للفصائل الكوردية السورية فمعظمها لاتختلف وسائله عن العربية..تجنح إلى السلم والحوار، لكن الاختلاف هو على الأجندة.

أما قضية الشعب  الكردي وامكانية حلها، فأعتقد أنها تتوقف قبل كل شيء على بناء وطن حر، سوريا بلد لايتمتع بأي نمط أو صفة لوطن حر ، سمة نظامه ووسيلتها منذ عقود تنوف عن الأربع، هي القمع والاستبداد ونشر التفرقة وانهيار الأخلاق وتعميم الفساد والخوف،ونبش تربة روابط مادون الوطنية ، ضمن هذا الوضع لا أرى أفقاً في القريب المنظور، أو حلاً إن لم يقترن بالتغيير السياسي لهذا البلد، فالقضية الكردية ليست مفصولة الهموم عن قضية شعب اسمه الشعب السوري بكافة تكويناته وشرائحه( آشوري ، عربي، كردي ، تركماني ، "طائفيات متنوعة" سنية ، شيعية، علوية، درزية ، اسماعيلية، مسيحية...الخ" هذه التصنيفات، التي أحس أمامها بالغثيان وتصيب رأسي بالدوار، لأنها تشتت وتقتل معنى المواطنة ، فلو تحقق مبتغى شعب ما بحرية وقانون عادل ومجتمع متساوي بين أفراده حر يمارس كل أنواع الحرية المنشودة، فلا أعتقد أن بروز القوميات سيظهر على السطح ، لأن قوته تكمن في ثروته المتنوعة ووحدته الوطنية، هذا لايمنع أن تأخذ كل قومية موجودة على الأرض الوطنية حقها في اللغة وممارسة كل ماينتمي لتاريخها وإحياءه، وإلا كيف قامت دولة باتساع وضخامة وتنوع بلداً هو الأكبر والأقوى في العالم كالولايات المتحدة؟ .

فرنسا التي أقيم فيها، وأنتمي لها الآن ، كيف منحتني جنسيتها؟ وهل يمكنني أن أخون هذا الأمان؟ لكني لا أراه أبداً متناقضاً مع انتمائي لسوريا ولا للعرب، بل أجده ثراء ثقافياً أنقله لأحفادي وأحرص على نقله" كمثال: أتحدث العربية مع حفيدتي وتحرص أمها أيضاً على هذا مع أن والدها فرنسي ويسعده أن تتعلم ابنته لغتين وتنهل من ثقافتين"..فرنسا مركبة من شعوب مختلفة الانتماء والأصل" الكتلاني، البروتاني، الألزاسي، الكورسيكي، ومن يقول عن نفسه أنه ينتمي لأجداده كفرنسي عريق الانتماء والعرق!! أي الغلواز..مع أن التاريخ سماهم السيرت"، لكنهم من خلال علمانية ديمقراطية ودولة تتمتع بالحرية وحق الانسان الفرنسي على أرضه وحتى الغريب العامل فيها...استطاعوا أن يشكلوا دولة متحدة يدافعون عنها باستماتة بغض النظر عن الأصول العرقية والاختلاف اللغوي..أو الانتماء الديني بروتستانتي أو كاثوليكي..خاضوا حروباً شديدة حتى وصلوا إلى هذا النجاح، لكن نَفَسَنا الشرقي قصير ونريد ان نحرق كل المراحل لتحقيق قومية شوفينية عربية أو شوفينية كردية..

إنما في الأفق  المنظور وضمن هذا الخواء والانهيار  القيمي الثقافي والسياسي ناهيك عن الاقتصادي والتردي القانوني،  فأعتقد أن علينا أن نضع يدنا بأيدي  بعض لنحرر سوريتنا من الاستبداد  وننقلها إلى عالم الحرية والديمقراطية والعلمانية..حينها يحق للكردي وغير الكردي أن يقرر مايريده ومايحلم به..دون  أي إعاقات أو موانع.

نشرة سوبارو : مالسبيل  برأيك لتقوية المعارضة، ومستقبل  سوريا إلى أين؟

عندما نقول قوة  ومنعة ، أعتقد أنها تعني توحيد  أعمدة وركائن لنبني أساس قوي، وأي  انقسامات وتناحر يعني ضعف وانهيار  حصاده الريح، توحيد فصائل المعارضة بعربها وكردها..سيمنحها قوة وفاعلية  على الأرض، لكن مزاميري ربما لاتنطبق  على مزامير أكثر من داوود أيديولوجي  أو قومي أو مذهبي..ليكن..أنا لا أنفي الاختلاف في وجهات النظر ولا حتى التضارب  في المواقف وأهداف السياسية، لكن هل يمنحنا التاريخ فرصة التسامح مع ضعفنا وتشتتنا؟ هل يرحمنا أبناؤنا دون أن يدينون سلوكنا وما أمامنا من فرص للحوار وفتح نوافذ على بعضنا وتقريب المسافات وردم أكبر قدر ممكن من الهوات...وأن يتقدم كل طرف خطوة باتجاه الآخر؟  سينعتني البعض بالطوباوية الحالمة  لكني أراه حلم معظم أفراد شعبينا..لا قادتهم السياسيين الباحثين عن دور ومكانة فردية بأي ثمن

حتى لو كانت على حساب قضية وطن وشعب، لو اتفقت  المعارضة على الأولويات ، فإنها  بهذا ستحسم الخلاف المبدئي..وحين تحصل معجزات بناء القواعد الأساسية الثابتة لوطن الحلم، فلنختلف حينها على الوسائل والطرق والكيفية والنوعية، لكننا نحضر" العليقة قبل الفَرَس"  مثل شعبي  أو نشتري أربع عجلات لسيارة نحلم بها...دون أن نبحث على الطرق الصحيحة التي سنجمع بها ثمن السيارة، إنما نختلف من الآن على من سيتسلم مقودها!..ومن سيركب فيها..أو من سنرفض أن يكون من ركابها ، والبعض لايريد ان يتبادل قيادتها مع الآخر...هذه هي حالنا ..وأعتقد أن القاريء سيفهم قصدي.

مستقبل سوريا  في البعد المنظور مزيد من التشتت في ظل نظام شمولي ديكتاتوري عائلي  وراثي ، سلطاني مستبد، لايرى على الساحة سواه، ويرفض أي معارضة حتى لو اعترف الرئيس بشار الأسد  حسب ويكيليكس  بوجود معارضة ومعارضين داخل السجون ،هذا النظام رغم مايظهر للعيان بأنه قوي متمركز يمسك بكل الخيوط الحساسة بيده،  إذن لماذا يزداد تشدداً ويسقط كل خوفه وتخويفه على المثقفين والعلمانيين؟ ، برأيي أن قوته هذه هي نقطة ضعفه التي ستطيح به، انهياره من داخل تضارب مصالح أذرعته وأجهزته، فكل منها يُضمر ويسلك سلوك دول داخل دولة، هنا يأتي دور المعارضة في الاختراق وإدراك نقاط الضعف عند النظام.

في القريب  القادم، أرى أننا سنواجه المزيد من المخاطر وستتسع الهوة بين الحاكم والمحكوم ، ومزيد من انكشاف عورات النظام وأخطائه الجحيمية بحق الوطن وحتى بحق وجوده، كما ستزداد الهوة بين المعارضة والمجتمع، إن لم يبادر الطرف المعني بحل الأزمة ودراسة أبعادها واتخاذ التدابير والخطط اللازمة لتوحيد صفوفها، والتصرف بسرعة قبل أن تقع الفاس بالراس، وتطيح بالبلد برمته وتزيده تذرراً وسقوطاً، إما بيد الاستبداد من جديد، أو بيد دعاة الأسلمة " والاسلام هو الحل"!، هنا أضع كل الأطراف العلمانية أمام مسؤوليتها الوطنية كردية كانت أم عربية...لأنها وحدها وبيدها وحدها يمكن إنقاذ الوطن.