السفير جوني عبده

"النظام السوري يريد الاختباء وراء المفاوضات مع إسرائيل"

مسعود حامد

خاص - موقع ثروة

لا تزال رهبة الأمن داخلنا تشكل ذلك الكابوس المروع الذي نخشاه، بفعل سلطة الحديد والنار التي تعودّنا عليها من أنظمة امتهنت إفقار وتجويع الناس وثنيهم عن أفكارهم بكل وحشية.

جوني عبده، رجل سياسة ورجل أمن وخادم وطن، رجل لا يزال يفرض سلطة، اسمها هذه المرة ليس الإقناع بالقوة بل بالتحليل الواقعي للأمور، ونظرة ثاقبة للمستقبل. كان شعور الرهبة من مجرد ذكر اسمه كرجل أمن ملازما لي؛ لكنه حطم كل تلك الهواجس وظهر على صورته الحقيقية. الجرأة في الحديث، والصراحة التي لم تفارقه، وكأنه لا يزال ضابط أمن عند الحديث عن الأمور الحساسة، ورجل سياسة في التحليل.

جوني عبده، من مواليد كسروان الرابية المتن، كان رئيس مكتب الشؤون العسكرية الخاصة التي كانت تسمى الشعبة الثانية، ومن بعدها تولى رئاسة الغرفة العسكرية في الجيش لدى قائد الجيش. بعدها، على أثر وفاة العماد جان نجيم بطائرة هليكوبتر، ذهب لدورة إلى الولايات المتحدة وعاد منها قبل أحوال النبطية وجنوب لبنان. بعدها، تم تعينه مدير المخابرات حتى نهاية عام 1982. وفي سنة 1983 عُين سفيراً في سويسرا لست سنوات، ومنها عُين سفيراً في فرنسا لخمسة أعوام.

* في وقت من الأوقات، مَن كان ضد منظمة التحرير الفلسطينية فهو ليس عربياً؛ حتى لو كان موالياً للنظام السوري.

* النظام السوري الذي يريد الاختباء وراء كل المفاوضات التي تجري تحت الطاولة مع "إسرائيل"، أراد أن يكون لبنان في المواجهة وهو يختبئ خلفه.

* شاء النظام السوري مع حليفته إيران أن يكون لبنان دولة المواجهة مع "إسرائيل" التي تدعم هذا النظام بصورة خاصة.

* النظام السوري مرتاح كونه مدعوماً من "إسرائيل"، ولأن الأخيرة لا تريد حتى للولايات المتحدة أن تتعاطى في هذا الموضوع.

 

* الإسرائيليون يعتقدون أن بشار الأسد يقيم حلفاً من الأقليات، وبالتالي سوف يترك هذا النظام مجالاً لليهود مستقبلاً.

* مستقبل لبنان غامض، لكن الإرادة الشعبية سوف تنتصر، لأن هناك شعباً في لبنان تحمّل الكثير.

* ينبغي إعطاء منابر أساسية في لبنان للمعارضة السورية.

* عند المعارضة السورية تتواجد النية والإرادة، لكن يلزمها الكثير من المساحات الإعلامية والمالية.

* الشعب السوري شعب مناضل ومحب ومسالم، والنظام السوري هو سبب البلاء.

* في سوريا، الكل يعلم لو أن عريفاً في الجيش متورط في عملية الاغتيال، هذا يعني أن بشار الأسد هو متورط بالذات.

* النظام السوري اعتاد على أنه الثابت، والبقيّة متحركة.

* بقدر ما يريد الرئيس الأميركي أمن "إسرائيل" وسلامتها، بقدر ما يريد أنظمة قمعية في المنطقة تحافظ على أمن "إسرائيل".

* هذا النظام "الحامي لإسرائيل" الذي يدّعي الممانعة، لم يطلق رصاصة واحدة منذ عشرات السنين على أهم جبهة، هي جبهة الجولان المحتل.

* لا أرى في القريب المنظور أي حرب على إيران، رغم كل الحشودات العسكرية في المنطقة.

* الذين يظنون أن "إسرائيل" لن تستطيع أن تطال إيران مخطئون.

* لا أظن أن أجهزة النظام السوري اغتالت عماد مغنية، وفي سوريا بالذات، وعلاقة مغنية بـ "حزب الله" أقل بكثير مما يدّعيه الحزب المذكور. والسوريون لم يكن لديهم مانع من اغتياله، لكنهم كانوا يفضلون ذلك في لبنان.

* حسن نصرالله نجا من محاولة اغتياله على أيدي النظام السوري باعترافه هو شخصياً.

* كان مغنية يأتي إلى سوريا بطائرات إيرانية رسمية مصطحباً أحد الوزراء أو رئيس الوزراء، وكان يعمل في سوريا دون أخذ الموافقة من أحد.

*  كنا نتمنى أن تكون "إسرائيل" هي قاتلة الحريري. وعندها، ربما الإخوان في سوريا كانوا سيبنون تمثالاً للرئيس الشهيد.

* نظام الأسد ليست لديه أية مشكلة في عودة الحرب الأهلية اللبنانية، لاعتقاده أنها ستزيل المحكمة الدولية، وأنه لن تكون مطالبة رسمية في لبنان بعدها، لهذا يسعى إلى إلغاء الحكومة وتقويض السلطة في لبنان.

* النظام السوري لا يقبل المشاركة مع أحد، ولا حتى مع رئيس وزراء لبنان في حكم بلده.

* لولا رفيق الحريري لما كانت ثورة الأرز.

* لا أظن أن القضية الكردية في سوريا سوف تكون حافزاً لإسقاط النظام، والطريقة التي يتعامل بها النظام مع الأكراد والحالة القمعية القاسية لا تسمح لهم القيام بأكثر مما قاموا به.

* بشار الأسد لا يستطيع أن يتصور لماذا لا يخضع له سُنَّة لبنان كما خضع له السنّة في سوريا.

* لا بد أن يظهر البدر في ليلة ظلماء في سوريا، وهذه حقيقة حتمية، ربما قريبة.

* العلاقة بين النظام السوري والدول العربية لن تصطلح، لأن عقل هذا النظام لا يحمل أي ثقافة تعايش وسلام، وسوف "يطير!".

* أبلغتُ السوريين وأبا عمار أن الاجتياح الإسرائيلي عام اثنين وثمانين قد يصل إلى بيروت، وكان رد السوريين: "لا تهددنا ب"إسرائيل".. نحن سنتولى أمرها، وأن ذلك تهويل"!

* النظام السوري لن يعلن حرباً على "إسرائيل" كحبل خلاص من المحكمة الدولية، وهناك تواطؤ بين هذا النظام و"إسرائيل" في مواضيع عديدة، ومنها الجولان.

* الاتصالات بين النظام السوري و"إسرائيل" لم تنقطع، وماهر الأسد اجتمع سرّاً بمسؤولين أمنيين إسرائيليين.

* " الدَلع الماروني" قلب التوازنات على المسرح اللبناني، وحرم اللبنانيين من إكمال ثورتهم، والبطرك ليس الوحيد الذي أخطأ، إنما قيادات 14 آذار الذين استجاجوا لرغبته بعدم إسقاط لحود.

* النظام السوري لن يزول إلا عبر فتح مساحات إعلامية قوية للمعارضة، وأي بديل لن يكون أسوأ من النظام الحالي.

1- سعادة السفير جوني عبده، ما هي رؤيتك الحالية والمستقبلية لما يجري في لبنان وتشخيصك لهذا الواقع؟

إن هذا السؤال واسع جداً لا يمكن اختصاره ببضع كلمات، إنما الوضع القائم في لبنان هو وضع مهم جداً، فهناك محور إيراني سوري في لبنان، يريد أن يصبح لبنان دولة المواجهة الخاصة الوحيدة، وبالتالي تحميل الشعب اللبناني كل المساوئ، وبصورة خاصة هناك طوائف في لبنان "الطائفة المسيحية" انتقلت من سنة 1943 لكي يكون هناك وحدة وطنية، وجعل لبنان ذا وجه عربي، لذا أعطي رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات كي تطمئن هذه الطائفة إلى أن لبنان لن يذوب بدول أخرى. بعدها، وبصورة حتمية أصبحت عروبة لبنان هي الأساس، وبالتالي المسيحيون هم عرب، ولكن لا يعرفون أي عرب هم؛ لم تكن العروبة بعرق في ذلك الوقت ولا بقومية، إنما هي منحى سياسي. بمعنى آخر، في وقت من الأوقات، الذي كان ضد منظمة التحرير فهو ليس بعربي حتى لو كان مع النظام السوري، وأن سوريا ليست عربية ولا أحد سوى منظمة التحرير.

لكن، انتقلنا بعدها إلى أنه ليس هناك أحد عربي إلا الذين مع النظام السوري، وكل ما هو خارج التأييد للنظام السوري والتأييد لنفوذه بلبنان هو غير عربي. والمسيحيون في لبنان، ظهر معهم أن أنور السادات ليس عربياً؛... و إلخ، ومشت هذه السياسة في لبنان وأصبحت تقريباً لبنان دولة المواجهة الوحيدة. وبوقتها، قرر عبد الناصر أن لبنان بحكم تركيبته لا يحتمل أن يكون دولة المواجهة، وبالتالي بقرارات من القمة العربية، تقرر أن يكون لبنان دولة المساندة. مع تطور الأيام، ومع النظام السوري الذي يريد أن يختبئ وراء كل المفاوضات التي تجري تحت الطاولة مع "إسرائيل"، أراد هذا النظام أن يكون لبنان في المواجه وهو وراءه.

بهذا المفهوم، أصبح لبنان دولة المواجه الوحيدة فيما بقية الدول تحولت إلى دول مساندة. طبعاً كل هذا بقرار سوري إيراني، ومن أجل المفاوضات مع "إسرائيل"؛ هذا هو الوضع اليوم. ما هي الخيارات الموجودة أمام لبنان؟ لا نعلم!

إن وجود الانقسامات في لبنان ما هو إلا قشور، وكل القشور تدور حول هذا الموضوع وليس موضوع آخر. لا موضوع رئاسة الجمهورية، ولا رئاسة الحكومة؛ إلا موضوع النفوذ السوري الذي شاء أن يكون لبنان دولة المواجه مع حليفته إيران، ولكي يلعبوا بالخفاء مع "إسرائيل"، والتي تدعم بصورة خاصة النظام السوري.

"مقاطعاً " كيف الدعم الإسرائيلي للنظام السوري؟

النظام السوري بالأساس مرتاح لأنه مدعوم من "إسرائيل"، والإسرائيليون لا يريدون حتى أميركا أن تتعاطى في هذا الموضوع؛ ولأن أهم شيء لهم أن يبقى هذا النظام ضعيفاً، وبالتالي هذا هو الدعم الأساسي له. اليوم هناك خبر عجيب وغريب، أن "إسرائيل" لا تعتقد أن "حزب الله" يمكن له أن يقوم بأي عمل قد يفاجئ سوريا؛ ولأنه لا يمكن أن يفاجئ سوريا، فهم مرتاحون لأن سوريا لا تستطيع أن تلعب معهم لعبة المفاجآت.

الدعم الإسرائيلي للنظام السوري واضح في الصحف، وعندما ينشرون أنه لا يجوز لأحد أن يضرب سوريا، ولا يجوز لأحد أن يسقط النظام السوري، ولا يجوز إلا حماية النظام القائم، لأنه في نظرهم الحكم في سوريا هو حكم الأقليات، وبالتالي هم يعتقدون أن بشار الأسد يقيم حلفاً من الأقليات، وبالتالي يترك النظام مجالاً لليهود مستقبلاً؛ و"إسرائيل" تشتم هذه الرائحة، وبالتالي حتى المفاوضات التي كانت تجري معنا نحن المسيحيين كانت عن طريق حكم علوي مسيحي "مع كل احترامي لكل الطوائف" كان يجري حلف علوي يهودي.

إن المشكلة في سوريا أن معظمهم قوميون وليسوا طائفيين، وربّوا على عدم الطائفية، وإنما شئنا أم أبينا يوجد حكم طائفي، هذه الطائفية بدأت تظهر في سوريا ردة فعل على هذا الحكم الطائفي البغيض لنا وللسوريين ولكل العالم، وهذا الأمر محبب ل"إسرائيل"، فهم يريدون عملياً البقاء على هذه الانقسامات وهذه الحساسيات والغرائز الموجودة.

أما عن مستقبل لبنان...

فهو غامض، إنما أنا في اعتقادي الخاص أن الإرادة الشعبية في لبنان سوف تنتصر لأن هناك شعباً في لبنان تحمل الكثير، ولو أن أي شعب أو دولة أخرى حل بها ما حل بلبنان لكانت انهارت.

إن هذه المعطيات والمنحى الوطني للشعب اللبناني من جميع الطوائف إن كان يدري أو لا يدري هناك ممانعة لسقوط لبنان ومقاومة ضد سقوطه، وبالتالي المستقبل للبنان، أكيد ليس غداً ولا بعده ولا السنة القادمة، ولكن لبنان على الطريق الصحيح الآن ولم يعد أحد يستطيع أن يتعاطى مع لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري وكأن لبنان لن يتحرك ولن ينفعل.

2 ـ سعادة السفير: ما هي أفضل السبل للتعاون بين المعارضة السورية والقوى الاستقلالية اللبنانية، وهل تؤيد هذه العلاقات من الأصل؟

طبعاً أنا أؤيد هذه العلاقة من الأصل، لأن هذه العلاقة برأيي تمنح القوى السيادية في لبنان بعض المناعة، وبالتالي تمنحها بعض نقاط القوة التي تجعل على الأقل -إذا لم يتغير النظام في سوريا- المعارضة السورية تقنع النظام بتغيير مسلكه الذي يؤدي إلى الهلاك، والقصة هي قصة وقت ليس إلا، بالرغم من الدعم الإسرائيلي- الأميركي له. وأنا اعتقد أن الشعب لا يقدر أن يستمر عملياً بهذه الناحية القمعية الموجودة في سوريا، وبصورة خاصة المثقفون الذين هم "وجه السحارة" للشعوب. وليس هذا الزمن زمن السيطرة بالقمع، وإنما ربما لفترة محددة لا يمكن أن تكون أبدية.

أفضل السبل للتعاون...

 

هو أعطاء منابر أساسية في لبنان للمعارضة السورية، منابر إعلامية، فضائيات، حتى تلفزيونات لكي تستطيع هذه المعارضة أن تبث روح الممانعة والمقاومة ضد النظام القمعي في سوريا. لا يجوز ولا يمكن باعتقادي الخاص أن تنجح المعارضة فقط في النيات "أقصد المعارضة السورية".

عند المعارضة السورية النيات موجودة والإرادة موجودة، ولكن يلزمها الكثير من المساحات الإعلامية ويلزمها الكثير من المساحات المالية، وبدون شك لا يوجد شيء بدون المال والإعلام، حتى لو كانت أحسن الأفكار وأحسن المواقع والمواضيع، واعتقد أن لبنان هو جزء أساسي لفتح هذه المساحات الإعلامية.

3 ـ سعادة السفير من وجهة نظرك، ما هي حقيقة المحكمة الدولية كما تراها؟

حقيقة المحكمة الدولية؛ للأسف أن هناك بعض البلدان ولكي يسايروا النظام السوري يتم من خلالها تأجيل المحكمة، وهذا أيضاً دليل ضمني على اعتراف سوري "حرام أن نقول سوريا، لأن الشعب في سوريا شعب مناضل، محب ومسالم"، ولكن النظام القائم هو سبب كل البلاء، إنما النظام قابل أن يُقايض معه في موضوع المحكمة، لذا هم راضون في موضوع المحاكمة والطلبات عديدة من قبل النظام. في سوريا، الكل يعلم لو أن عريفاً في الجيش متورط في عملية الاغتيال، هذا يعني أن بشار الأسد هو متورط بالذات.

4 ـ السيد جوني عبده، كيف تقرأ الانفتاح الفرنسي على سوريا أحياناً؟ وفي أي خانة يمكن وضعه؟ وإلى أين يتجه؟

من هنا يجب المطالبة بتغيير النظام، وحتمية التغيير والسبب هو التالي، أن النظام في سوريا هو ثابت وبقية الأنظمة الديمقراطية تتغير "مثل فرنسا وأميركا وغيرهم"، فكلما جاء حكم جديد في تلك الأنظمة الديمقراطية يعتقد بشكل أو بآخر أنه أذكى من سابقه وربما يمكن أن يجد الحل في موضوع المفاوضات والعلاقات مع النظام السوري، ليس فقط مع النظام السوري وحده، بل مع كل الأنظمة القمعية، فهم يعتقدون أنه ربما يمكنهم إغراء تلك الأنظمة القمعية بمواضيع وأمور أخرى لثنيها. السيد سركوزي جرب لمدة ستة أشهر، واعتقد في وقتٍ من الأوقات أنه نجح، ولكن فيما بعد تبين له أنه لم ينجح، وأن المشكلة في الأنظمة الديمقراطية أنهم لا يحاولون الاستفادة من سابقيهم في هذا المجال.

إن السيد جاك شيراك عمل ما لا يُعمل للرئيس حافظ الأسد ولـبشار الأسد، فقد استقبل بشار الأسد في الإليزيه وهو لا يزال ضابطاً لا يمثّل شيئاً، واستقبل حافظ الأسد بزيارة دولة، فوق هذا حاول جاك شيراك أن يجد الحل وفشل مع هذا النظام، وجاء السيد سركوزي، وأراد أن يجرب ما فعله سلفه، ولكنه اكتشف مؤخراً أن هذا النظام لن يتزحزح؛ فهذه الأنظمة القمعية ثابتة ويجب إزاحتها من الوجود، هذه الأنظمة تستغل المواقف الديمقراطية وتبادل السلطة في تلك الدول والبلدان الكبرى. في أميركا غداً سيأتي آخر قد يجرب هو أيضاً من جديد، سواء كان ديمقراطياً أو جمهورياً مثلما فعل سركوزي، وسيكتشف بعد فترة أنه لم يحصل على شيء.

النظام في سوريا اعتاد على ذلك لتمديد حياته، على أنه ثابت والبقية متحركة، وبالتالي كل تحرك هو لمصلحته، هم ينتظرون الآن ـ أوباما ـ وبعد فترة سيمل هو أيضاً من النظام الأسدي، فلا حياة لمن تنادي... عبثاً تحاول مع نظامٍ خرّب المنطقة، وخرب بلده بالذات.

5 ـ مسألة فوز الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأميركية، وانعكاسها على الوضع السوري؟

النظام في سوريا يخدع شعبه، ويعيش على التمني، إذا كان العرب بشكل عام، وسوريا على وجه الخصوص يظنون أن السياسة الأميركية الداعمة ل"إسرائيل" ستتغير بين عهد وآخر فهم مخطئون، أو بين جمهوري وديمقراطي أيضاً لن تتغير تلك السياسة هذا أولا.

ثانياً، وهذا هو الأهم، بقدر ما يريد الرئيس الأميركي أمن وسلامة "إسرائيل"

 بقدر ما يريد أنظمة قمعية في بعض الدول، لأن وجودها تقمع غرائز ونضالات تلك الشعوب، ولكي لا تستطيع تلك الأنظمة القيام بأي عمل ضد "إسرائيل"، هذا النظام هو حامي لإسرائيل، هذا النظام الذي يدعي الممانعة وغيرها لم يطلق حتى الآن طلقة رصاص منذ عشرات السنين على أهم جبهة هي "جبهة الجولان المحتل".

 

7ـ إلى أين تتجه إيران بملفها النووي؟ وهل تتوقع حرباً شرقية ثانية بعد العراق؟

أنا لا أرى في القريب المنظور أي حرب على إيران رغم كل ما هناك من مؤشرات بموضوع التجمعات العسكرية التي تحصل في المنطقة، إنما أنا مؤمن أن "إسرائيل" لن تسمح على الإطلاق بأي سلاح نووي في إيران، وفي حالة تملك الجمهورية الإسلامية للسلاح النووي، لن تستطيع أميركا أن تمنع أي دولة أخرى عربية على تملك السلاح أيضاً مثل مصر، وبصورة خاصة المملكة العربية السعودية التي تملك المال وترغب جاهدة أن يكون لديها سلاح نووي فقط للتوازن، والأميركان ينظرون إليها من هذه الجهة.

إذا لم تستطع أميركا أن تمنع المنحى الإيراني النووي ستفشل في منع الآخرين، وأظن أن "إسرائيل" ستتكفل بهذا الموضوع ولن تسمح بأي شكل من الأشكال أن تحصل إيران على هذا السلاح. إن الذين يظنون أن "إسرائيل" لن تستطيع أن تطال إيران هم مخطئون، لأنهم يتمتعون بكل شكل مثل التمويل في الطائرات والغواصات وفي كل شيء.

8 ـ سعادة السفير، أثار مقتل عماد مغنية ضجة كبيرة، وتم توجيه أصابع الاتهام نحو أجهزة الأمن السورية، وخاصة من عائلة مغنية. كيف ترى هذا الاغتيال؟ ومن هي الجهة التي تقف وراءه برأيك؟ وسبب التوقيت؟ وهل كانت هذه رسالة موجه إلى جهة معينة؟

أنا شخصياً لا اعتقد أن النظام السوري وراء هذا الاغتيال، لسبب بسيط جداً، لأن سوريا لا تريد أي مساس بهيبتها الأمنية، ولو أرادت ذلك لقتلته في لبنان وليس في سوريا، هذا لا يعني على الإطلاق أنه قد يكون هناك نيات خبيثة لدى النظام السوري ضد قيادات "حزب الله"، ولأن هذا ثابت من فم حسن نصرالله سنة 1993 أو 1994 أنه نجا من محاولة اغتيال سورية وهو عائد من دمشق إلى لبنان، وقد تم وضع سيارة مفخخة أثناء عودته إلى لبنان واكتشفها "حزب الله"، وطبعاً وضعتها المخابرات السورية التي كانت موجودة في عنجر، وبأمر من حافظ الأسد بالذات.

مقاطعاً له "ربما لعماد مغنية يد في اغتيال الشهيد الحريري أو له اطلاع على ذلك؟

أنا لا أظن بأن تقوم أجهزة النظام باغتيال مغنية في سوريا بالذات. وباعتقادي الشخصي، أن علاقة عماد مغنية بـ"حزب الله" أقل بكثير مما يدعيه هذا الحزب، إنه بالأصل إيراني، والبرهان على ذلك طبعت إيران طابعاً بريدياً باسمه تمجيداً لاستشهاده. وبالتالي، "حزب الله" مكلف بتمجيده ويقوم بتبني تحركاته التي قام بها.

أنا لا أتذكر ـ وكوني كنت أتعاطى الأمن ـ بأنه كان هناك أي تباهي من قبل "حزب الله" بهذا الشخص، على العكس كانت توجه اتهامات من قبل 42 دولة لعماد مغنية، ولم يدافع عنه "حزب الله" على الإطلاق، ولكن الدفاع حصل من بعد الاستشهاد لأن إيران أمرت "حزب الله" بذلك، ومغنية كان أحد رجالات المخابرات الإيرانية.

كان مغنية يأتي إلى سوريا بطائرات إيرانية رسمية ومصطحباً أحد الوزراء أو رئيس الوزارة، وكان يعمل في سوريا بدون أخذ الموافقة من أحد. كان يتصل بخالد مشعل والفصائل الفلسطينية ويعقد الاجتماعات اللبنانية بسوريا، وأحياناً بدون أن يبلغ النظام السوري بأنه آتٍ إليها، ودخل مراتٍ عديدة الأراضي السورية دون معرفة النظام السوري إلا بعد الدخول. وبالتالي، وبدون شك، أُعطيت شهادة في التحقيق من قبل "حزب الله" وإيران، وهنا لا يمكننا أن نستغرب أطلاقاً أن توجه إلى أي دولة عربية أصابع الاتهام التي لم تحضر إلى مؤتمر القمة العربية. إن الجميع يعلمون حقيقة، لو أن "إسرائيل" تريد أن تقوم بشيء مثل هذا لن تشرك أي نظام عربي، بل تعمل بنفسها، وبمجرد إعطاء الشهادة في جدية التحقيق في سوريا قبل نهايته يعني أنها تترك مجالاً لكي تتهم الذي تريد بالشكل السياسي؛ وبالتالي إما أن تكون ردة الفعل من قبل "حزب الله" أو إيران على الدولة التي يحددها النظام في سوريا.

هذا رأيي الخاص، وأنا أظن أن السوريين ليس لديهم مانع بأن يقتل مغنية، وكانوا يفضلون أن يموت في لبنان بدلاً من سوريا، ولكن أنا لا أعرف كم دفعوا ثمن هذا ل"إسرائيل"، ربما تكون المفاوضات هي الثمن.

9 ـ بعد إدلائك بالشهادة أمام لجنة تقصي الحقائق، ذكرت ضابطاً ولم تذكر اسمه، وأن تقدير هذا الضابط للحادثة لن يتعدى الأسبوع، واتصاله مع وسائل الإعلام وعتبه على اللبنانيين في الإسراف في البكاء على الرئيس الشهيد. لماذا لم تذكر اسم هذا الضابط؟ وما كانت غاية هذا الضابط مع دولة الرئيس الحريري، هل شخصية أم سياسية؟

 

لم أذكر اسمه لأنه اللواء جميل السيد، وكان ذلك لأسباب عديدة أولها أنا لا أملك أدلة حسية وقطعية في هذا الموضوع، ولكني أملك قراءة جدية، وبدون شك أنه لا يمكن أن يحدث أي شيء من هذا النوع بدون علمه أو يكون غائباً عنه أو عن معرفته على الأقل، وبالتالي إذا أنا اتهم جميل السيد اتهمه بكتم معلومات، ولا أستطيع أن اتهمه بالاشتراك بالجريمة، طبعاً الشكوك بالقرار السوري باغتيال الحريري ورط أناس كثيرين، وبالتالي بدفاعهم عن أنفسهم كانوا مضطرين للدفاع عن النظام السوري بطريقة أو أخرى.

هذا الاتهام للسيد بالذات كونه لا يمكن إلا أن يكون لديه اطلاع على ذلك، وأثناء دفاعه عن نفسه أصبح يدافع عن سوريا أيضاً، وهناك كثيرون اشتركوا من حيث لا يدرون مثل "عدنان عضوم وسليمان فرنجية وآخرين، وأنا متأكد أنهم لم يشتركوا في العملية، إنما الطريقة التي اتبعوها قبل الاغتيال تجعل منهم متهمين، وبالتالي كل واحد منهم صار يدافع عن حاله، ولكن هذا الشيء كان هو التحضير للمناخ في عملية الاغتيال من حيث يدرون أو لا يدرون، وبدون شك هناك 90% لم يعلموا بعملية الاغتيال، وبعدها كانوا يظنون أن الحادثة مجردة وستزول بعد أسبوع، مثلها مثل غيرها.

أنا لا اتهم النظام السوري فقط بعملية الاغتيال ولكن هناك بعض الدول الكبرى أيضاً متهمه من وجهة نظري وهي أميركا وفرنسا، اللتان طمأنتا السيد الحريري عن طريق الرئيس جاك شيراك، الذي أبلغ الشهيد أنهم نبهوا النظام السوري. ولهذا، وبالرغم من أني قلت له ونبهته، ولكن عندما يتكلم السيد شيراك والسيد بوش أكيد لن يصدقني أكثر منهم.

10 ـ سعادة السفير جوني عبده، توقعت نشوء محكمة خاصة قبل نشوئها، هل كنت تتوقع تورط جهات غير لبنانية بالجريمة، والمحكمة الخاصة لها الصلاحيات أكثر من المحكمة اللبنانية؟

نعم طبعاً، لأن المحكمة الخاصة بلبنان لها علاقة بعدم قدرة لبنان قضائياً على القيام بهذا الواجب، فقاتل الشهيد الحريري هو سيكون نفسه القاضي والمحقق وكل شيء، والكلام الذي يقول "جمعة زمان وتخلص القضية". المسؤولون الأمنيون هم الذين سيحققون في الموضوع وهم مشتركون في الجريمة أو في تحضيرها، وبالتالي هم الذين سيحققون وسيقيدونها ضد مجهول، وسيؤكدون بأن النظام السوري لا علاقة له، وبصورة خاصة هناك رئيس جمهورية مستعد أن يغطي على أي شيء، ومستعد أن يصرح بالشيء الذي يريد، والمهم أن لا تقترب منه ولا من النظام السوري.

إن ما فجره أول رئيس لجنة تقصي الحقائق وليس لجنة تحقيق، قال بصراحة في وقتها: إن هناك تغييراً لمعالم الجريمة، والمقصود أنه قامت أجهزة أمنية من قوى الأمن الداخلي والحرس الجمهوري بفعل ذلك. السؤال الذي يفرض نفسه هنا إذا لم تكونوا أنتم من فعلتم هذا لماذا غيرتم معالم الجريمة؟ لأنهم يعلمون من فعل هذا وطُلب منهم تغيير تلك المعالم، وأكيد ليست "إسرائيل"، كنا نتمنى أن تكون "إسرائيل" ربما الإخوان في سوريا كانوا سيبنون للرئيس الشهيد تمثالاً.

11 ـ هل تتوقع عودة حرب أهلية في لبنان مرة ثانية؟

القرار بالحرب الأهلية ليس موجوداً عند الأطراف اللبنانية، ولكن لا توجد هناك أي مشكلة عند النظام السوري بعودة الحرب الأهلية! الحرب متوقعة لو حدث أي حدث أمني كبير من حيث لا ندري، وبالتالي فإن القول إنه ليست هناك حرب أهلية، هذا مطمئن إعلامياً، ولكن على أرض الواقع لا يمكن الجزم، لأن الأحداث لن تتقيد بقرار سياسي، فاغتيال أي شخصية كبيرة ربما يؤدي إلى الحرب، وربما "حزب الله" لا يلبي إذا طلبت سوريا منه ذلك، لأن "حزب الله" مرتبط بإيران أكثر من سوريا. ربما هناك فصائل صغيرة تفعلها وتفجر الوضع، ويوجد في يد النظام السوري معدات وآليات لحرب أهلية، وبالتالي نظام الأسد يعتقد أن الحرب الأهلية ستزيل المحكمة الدولية، ولن يكون هناك مطالبة رسمية في لبنان بعدها.

إن نظام الأسد يظن أفضل السبل لإلغاء المحكمة الدولية هو إلغاء الحكومة اللبنانية والسلطة اللبنانية عن طريق الحرب الأهلية. وكما قلنا، بأيدي ذلك النظام الآليات والمعدات لما يمكن أن يؤدي إلى الحرب الأهلية.

12 ـ إلى أي درجة كنت تحب الشهيد رفيق الحريري؟ وكيف استقبلت نبأ اغتياله؟

 

أولاً، سؤال الحب شيء والإعجاب شيء آخر، ربما أكون أُعجبت بما تركه رفيق الحريري من آثار على لبنان بعد وفاته. فقبل وفاته، كنت اعتقد أن ما يقوم به هذا الرجل ليست إلا أعمال بسيطة، بينما كانت هي فوق قدرة البشر. كان الشهيد يريد أن يكون هناك سيادة واستقلال وشراكة مع سوريا، ولكن النظام السوري دفعنا إلى مفهوم آخر هو أننا أصبحنا نريد الاستقلال عن سوريا، والذي أراد الاستقلال عنهم اغتالوه، يعني هم لا يريدون الاستقلال عنهم بل يريدون منا التبعية.

نحن "شعب واحد في دولتين" ويوجد صلات قرابة وتاريخ، وينطبق هذا على العراق والأردن، ولكن مع الأردن الذي يستطيع أن يحمي قراره السياسي بقوة سلاحه، أما لبنان بحكم تركيبته الطائفية لم يستطع أن يحمي قراره السياسي، ورفيق الحريري أراد أن يحمي هذا القرار، وكان يريد أن يقول للسوريين إذا كنتم تريدون بعض النفوذ أنا أشارككم فيه، ولكن نظام الأسد لا يقبل المشاركة مع أحد، كان يقول رستم غزالي وغازي كنعان ومحمد ناصيف من هذا "........." الذي يريد أن يشاركنا، يعني هم لا يريدون رئيس وزراء لبنان أن يشاركهم في حكم بلده.

أنا إعجابي به هو صبره وقدرته على التحمل، والحمل الذي حمله على أكتافه، وكمية الإهانات التي حملها فقط لكي يحافظ على لبنان وأمن لبنان. كان يذهب مع النظام السوري بأشياء لا يمكن لأحد أن يذهب فيها، كنت أسأله أين تذهب هكذا؟ ولكنه كان يعلم أن هذه الرخاوة يوجد مقابلها شدة، لولا رفيق الحريري لما كانت هناك ثورة الأرز، والشيء الأهم أن يكون زعيم وطني وسني، وبالدرجة الأولى أن يكون لبنانياً، وهذا الشيء لم يشهده تاريخ لبنان حتى اليوم؛ ليس المسيحيون الذين يأتون بالاستقلال لأنهم يأتون به من فرنسا، ولكن من سوريا والعرب، السنّة هم الذين يأتون بالاستقلال.

13 ـ السيد جوني عبده، ما رأيك بالقمة العربية الأخيرة مع عدم حضور كثير من الرؤساء العرب للقمة؟

النظام في سوريا يقول إنها نجحت، وأنا لا أعرف أين نجحت القمة؟ لم يخبرونا أين نجحت، وفي أي موضوع نجحت هذه القمة! لم تنجح في موضوع الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، ولا اللبناني، ولا العراقي؛ عملياً، غياب السعودية ومصر والأردن ولبنان واليمن وغيرهم دليل واضح على فشل تلك القمة بامتياز، هل نجحت بوجود جزر القمر وموريتانيا وجيبوتي؟!!!

14 ـ هل ترى أن النظام في سوريا مهدد من الداخل، وأن الأكراد سيكونون السبب في التغيير؟ هل يتخوف النظام السوري من الأكراد مع تشكيل كيان كردي في العراق وتبلور القضية الكردية في إيران وتركيا على المستوى الدولي؟

أنا لا أظن أن القضية الكردية في سوريا ستكون حافزاً لإسقاط النظام السوري على الإطلاق، وأن المعاملة التي يعاملها النظام للأكراد والحالة القمعية القاسية جداً لا تسمح لهم القيام بممانعات أكثر مما قاموا به، إنما النظام يتفكك من داخله. هناك خلاف بين الرؤوس الثلاثة آصف شوكت وماهر الأسد وبشار الأسد، ولا أحد منهم يحب الآخر ولكن هم يعلمون أن أي انفصال بينهم هو انهيار لنظامهم الأمني بالكامل، وبالتالي هم متماسكون الآن نوعاً ما، بالرغم من وجود بعض الخلافات بين شقيقة الرئيس وزوجته التي ذهبت إلى الإمارات، ولكن رئيس الوزراء وولي العهد جاء إلى سوريا، وظن الجميع أنه لأجل لبنان، ولكن الحقيقة كانت لأجل التصالح بين بشرى وشقيقها بشكل أو بآخر، ولكن بقيت الأمور الأخرى ببرودة كبيرة، وأظن أنها جاءت إلى فرنسا وعادت إلى سوريا، إنما لا يوجد أي لجوء سياسي لها، لا يزال هناك برود في العلاقة بين العائلة الواحدة ولا أعلم إلى أين ستصل. يقول الأستاذ عبد الحليم خدام، إن مصير آصف شوكت هو مصير غازي كنعان.

إن النظام لا يخاف من الأكراد حتى بعد انتفاضة آذار، إنما يخاف من الطائفة السنية وليس من عرق، هذه الطائفة لا تزال حتى الآن خاضعة لهوس الرئيس السوري، ولا يستطيع بشار الأسد أن يتصور لماذا لا يخضع له السنة في لبنان كما خضعوا له في سوريا. مارس الحالة القمعية في لبنان إلى أقصى درجاتها حتى اغتيال رئيس وزرائها ولم تخضع هذا الطائفة، كطائفة للنظام السوري. باعتقادي الخاص، أن هذه الطائفة سوف تستفيد في سوريا من ـ ليس بسبب الطائفةـ إنما هي نتيجة حتمية للتطورات في المنطقة والعالم بالكامل، وليس لها علاقة بالحالة القمعية التي يستخدمها النظام، لا بد أن يظهر البدر في ليلة ظلماء في سوريا وهذه حقيقة حتمية ربما قريبة.

15 ـ سعادة السفير كيف ترى مستقبل النظام السوري وعلاقاته العربية والإقليمية والدولية، خاصة إيران و"إسرائيل"؟

مع إيران و"إسرائيل" ليس لديه أي مشكلة، يعني أنه مرتاح لهذا، وبالتالي اعتقد أن هذه العلاقة هي الأساس في تثبيت هذا النظام، وبصورة خاصة العلاقة مع "إسرائيل"، أما العلاقة مع الدول العربية، التي عندها مشكلة أساسية مع التعنت الإسرائيلي في عملية السلام، فيستفيد منها النظام السوري. هذا السلام لن يأتي بين ليلة وضحاها، والتجارب علمتنا أن هذا السلام سيأخذ وقتاً، وأثناء أخذ هذا الوقت هناك دول تدعي الممانعة والمقاومة تقول: إنه لن تستطيعوا فعل شيء هكذا، ولكن لا يوجد أحد يقول لهم إنكم أنتم أيضاً لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً.

إن المقاومة من قبل "حزب الله" وحركة حماس لن تحصل على شيء، والنظام في سوريا يعمل مزيجاً من هذين المنحيين: "ندعي المقاومة ونطلب السلامة بنفس الوقت"، أنا لا أظن أن الأمور ستصلح بين النظام والدول العربية، وإذا حدث شيء من هذا القبيل أكيد سيكون مؤقت، وقد يكون من بينها لبنان، ولا يمكن أن تستمر العلاقة الصحيحة لأن عقل النظام السوري لا يحمل أي ثقافة تعايش وسلام ولأنه سوف " يطير".

16 ـ هل تؤكد خبر أن الاجتياح العسكري للبنان تم بعلم وموافقة النظام السوري السابق، شرط أن لا يتجاوز 40 كم؟ وماذا عن اتّهام المكتب الإعلامي للرئيس أيميل لحود لك بمعرفتك بالاجتياح!!؟

نعم صحيح، كان لي علم بهذا الاجتياح. لكنهم يتهمونني بأبعد من هذا؛ يتهموني أني مهندس هذا الاجتياح ومن كان وراءه؛ أنا افتخر إذا كان بإمكاني أمر "إسرائيل"، وهم يلبون طلبي متى يأتوا ومتى يرحلوا!! بدون أدنى شك، كان لدي علم، وبلغت الإخوان في سوريا بهذه المعلومات، وبلغت أبو عمار بالذات بأن هناك هجوماً إسرائيلياً على لبنان قد يصل إلى بيروت، وكان حكمت الشهابي رئيس الأركان وقتذاك، وطلب مني الرئيس سركيس أن أبلغ محمد غانم المسؤول السوري في لبنان قبل غازي كنعان، وكان جوابه "لا تهددنا ب"إسرائيل" نحن سنتولى أمرها، وأن هذا تهويل"؛ وقد أبلغنا أنا والسيد بشير الجميل آنذاك هاني الحسن، وهو المستشار السياسي لياسر عرفات في لبنان، وقلنا لهم إذا كنتم تريدون وقف هذا الاجتياح فالرئيس إلياس سركيس وبشير الجميل وأبو عمار ونحن مستعدون للإعلان عن اجتماع. وفي هذه الحالة، "إسرائيل" ستحسب الحساب قبل الاجتياح وتعد للعشرة، كنا قد دعينا هاني الحسن للغداء، ولكنه قال بأنه سيذهب إلى أبي عمار ويعود، ولكنه ذهب وحتى هذه اللحظة لم يعد!

نعم، كانت المعلومات بحوزتي وأبلغتها للفلسطينيين، وطبعاً الرئيس السوري الراحل كان له علم بهذا!

17 ـ سعادة السفير، هل تعتقد أنه إذا شعر النظام باقتراب حبل العدالة إلى عنقه، قد يلجأ إلى إطلاق رصاصة الرحمة على نفسه ويعلن حرباً على "إسرائيل" في جبهة الجولان؟

حتى لو أعلن هذا فلن تحميه من العدالة الدولية؛ وأنا لا اعتقد أنه سيعلن الحرب، وما لدي من معلومات، هو حول تواطئ بين النظام السوري و"إسرائيل" في مواضيع عديدة ومنها الجولان وغيرها. كنت أظن في وقت من الأوقات أن النظام في سوريا لا يمكن أن يُبقيَ الجولان هكذا من بعد حرب تموز وحرب 2000، إما أن يفاوض أو يقوم بحرب؛ النظام ضُرب عدة مرات ولم يرد؟ وكان همه الوحيد أن لا تكون الضربات الإسرائيلية متتالية ومتقاربة، أي أن تكون في فترات متباعدة حتى يستطيع النظام ابتلاعها؛ هذا هو كلام النظام السوري ل"إسرائيل".

18 ـ ماذا لديك من معلومات تشير لعلاقة النظام السوري واتصالاته مع "إسرائيل" في زمن الأسدين، الأب والابن؟

هذا ليس غريباً عن النظام السوري وبشار الأسد؛ إن ما لدي من معلومات أن هناك اجتماعاَ سرياً حصل مع ماهر الأسد ومسؤولين أمنيين إسرائيليين، وكل ما يأتي في الصحافة الآن والإعلام الإسرائيلي المفتوح، والنكران من قبل النظام ومن ثم المصادقة عليه، وكل هذا الكلام الذي سمعناه هو عن طريق وساطة تركية، هناك اتصالات بينهما، وهذه اعترافات من المسؤولين الإسرائيليين وصحافتها وتخفيف الخبر من قبل النظام. حتى في حرب تموز كان هناك اتصال بينهما، لكن الشيء الغريب أن إيران تسكت عن هذا، ولو افترضنا جدلاً أن "إسرائيل" ستعطي الجولان، لا أعلم ماذا سيكون الموقف الإيراني!

19 ـ هل توافق على مقولة الدلع الماروني، الذي تمثل برفض بكركي إسقاط إيميل لحود في الشارع، وقلب التوازن على المسرح اللبناني؟ وماذا لو تم إسقاطه وقتذاك؟ وهل برأيك كانت المعادلة ستُحسم لصالح فريق 14 آذار، وكان لبنان تجنّب ما عصف به في الأعوام المنصرمة؟

نعم، بدون أدنى شك أنا أوافق على تلك المقولة، وأن البطرك الماروني أخطأ خطأ جسيماً، ولا يمكن له أن يرى بعين واحده. الشارع اللبناني أجبر رئيس الحكومة على الاستقالة بموجب إرادة ثورة الأرز والحشود الثائرة، فلا يمكن للبطرك أن يقول لا يمكن إسقاط رئيس الجمهورية، هل لأنه ماروني؟ ولأن رئيس الوزراء سني مسموح إسقاطه في الشارع؟ هذا الكلام كان طائفياً وغرائزياً لا علاقة له بالوطنيات والسياسة، والخطأ عندما قالوا للناس عودوا إلى منازلكم في الساعة الخامسة، هم كانوا قادمين لأجل حل المشكلة، أما إذا كانت عملية عرض عضلات والعودة إلى المنازل هذا لا يفي بالغرض، وليس البطرك وحده من أخطأ، إنما قيادات 14 آذار الذين استمعوا لرغبة البطرك بعدم الذهاب إلى بعبدا، كنا سنتجنب الاغتيالات اللاحقة التي حصلت.

20 ـ سعادة السفير، لو عاد بك الزمن إلى الوراء، هل تختار جوني عبده رجل الأمن والسياسي؟ أم تختار شخصية أخرى ليس لها علاقة بالسياسة؟

لا، لا أختار شخصية أخرى وهذه ليست بقدرتي ورغبتي، أنا لا استطيع أن أكون شخصية أخرى. لو أستطيع أن أكون رجل أعمال كبير أجني المال ودخلي كبير، ربما كان لدي رغبة وقتها أن اترك هذا العمل، ولكني لا أعرف القيام بأعمال من هذا القبيل. ثانياً، عندما ندخل المدرسة العسكرية في لبنان، ربما في البداية للحصول على لقمة العيش، ولكن بمرور الزمن تُولد بذور الوطنية التي لا يمكن لنا التخلي عنها، أنا اعتقد أن حياتي كلها ليست سوى محاولات ولا تزال، شيء منها ينجح والآخر يفشل وهكذا.

21 ـ السيد جوني عبده كلمتك الأخيرة للشعب اللبناني والشعب السوري.

أنا أريد أن أقول شيئاً للعرب وللمعارضة السورية، إن هذا النظام لا يمكن أن يزول إلا في فتح مساحات إعلامية قوية أياً تكن هذه المعارضة، والتخويف من هذا النظام وأن "إسرائيل" تدعمه لأنها لا تعلم من هو البديل، أو ربما قد تكون القاعدة أو .... إلخ، لا أظن بأن الإخوان المسلمين هم الذين يخوّفوا، هم جزء من المعارضة السورية ويجب إقناع الجميع بأنهم لا يشكلون الخطر لا على سوريا، لا على لبنان ولا على العالم العربي إذا شاركوا في قلب هذا النظام، ولا يعني هذا أن البديل هم الإخوان المسلمون. فقط المعارضة السورية عليها إقناع الدول ذات الشأن، والتي لها تأثير بأن هناك بديلاًً سلمياً وبديلاً ديمقراطياً عن هذا النظام، ولا يجوز أن نترك هذه الدول على خوفها ممَن هو البديل؟ وبالتالي تظل تتمسك بهذا النظام. إن البديل لن يكون القاعدة ولن يكون نظام أسوأ من الحالي أبداً.