مع المفكر حلمي القاعود

المفكر حلمي القاعود:

حكامنا حولوا نصر أكتوبر لإذعان واضح للعدو!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أبو الحسن الجمال

خاص لمحيط

قضيت ست سنوات بين النكسة والنصر

صعاليك المشهد الثقافي ليسوا بخير

كامب ديفيد شغلتني عن مواصلة الأدب بعد “الحب يأتي مصادفة”

الدكتور حلمى محمد القاعود هو قامة أدبية كبرى ، عُرف بتصديه للتيار المهيمن على واقع الثقافة المصرية ، وقد تحدث لـ”محيط” عن ذكرياته فى القوات المسلحة التى أمضى بها ست سنوات متتالية على خط النار فى الجبهة ..

تعرض القاعود لشظف العيش وقسوته فى الملاجىء والدشم ..يمضى نهاره فى التدريب الشاق انتظارا ليوم الكرامة في الوقت الذي كان كتاب بارزين يروجون لأكذوبة أن جيش إسرائيل لا يقهر ..

 وإلى نص الحوار :

*متى التحقت بالقوات المسلحة ومتى خرجت من الخدمة بها؟

- عقب الهزيمة التاريخية التي صنعها جمال عبد الناصر وتدمير الجيش المصري بصورة غير مسبوقة في التاريخ، وسقوط دولة المخابرات والبصاصين، بدأ التفكير في إقامة جيش جديد على أسس جديدة، وعلاقة مختلفة بين الجندي والضابط، مع تعديل في نوعية الجندي الذي يتعامل مع الأسلحة الحديثة ، كان نصيبي أن أجند بعد  الهزيمة، وظللت تحت الرداء العسكري نحو ست سنوات، حتى تم تسريحي بعد ست سنوات تقريبا، وكنت شبه عسكري محترف.

ما هى الذكريات الجميلة فى هذه المدة؟*

-هي ليست جميلة بالمعنى المعروف للجمال، فقد كانت خشنة وقاسية ومؤلمة، ليس بسبب المعاناة اليومية في التدريب والاستعداد للقتال وطول مدة التجنيد بلا نهاية منظورة في الأفق أيامئذ، ولكن بسبب الشعور النفسي القاتل، أن ترى عدوك أمامك يمارس الإذلال ضدك كل ثانية تمر بك، وفي الوقت نفسه ترى الحكم الفاشي في الداخل يقمع الآراء، ويكذب على الناس، ويمارس السلطة الأبوية الجاهلة على صفوة المثقفين الحقيقيين الذي لا يقفون على أبوابه . كان الزعيم المهزوم دائما يبيع للناس كلاما وتهويشا، ويصادر حرياتهم وإنسانيتهم بلا رحمة .

وأبواق النفاق والتدليس والتبرير تعمل بلا توقف، وتضخم من قوة العدو ، وتحطم معنويات جنود الوطن المساكين، وكأن الأعداء استأجروهم ليقوموا بدور التثبيط والإحباط وزرع الهزيمة الداخلية. وللأسف مازال هؤلاء يعملون حتى اليوم ويمارسون دورهم الخياني ضد الشعب والحرية والإسلام .

الجمال الذي يمكن التماسه في هذه الأيام السوداء هو الأمل الذي كان يملأ جوانح الفقراء والبسطاء من المجندين بالنصر القادم . أما خارج المعسكرات فقد كان اللصوص الكبار ، وأساتذة الجهل النشط وأعداء الحرية يعملون بلا كلل ولا ملل لنهب الوطن وإشاعة الانحراف أو الفساد وتقنينه، حتى أخذ الوضع يتغير قليلا بعد رحيل الطاغية المهزوم ومجيء رفيقه ونائبه السادات الذي يحسب له اتخاذ قرار شن الحرب وعبور قناة السويس في ظل ظروف غير مواتية .

ما هى ذكرياتك مع زملائك وقادتك؟

- كان لي زملاء طيبين بسطاء من كافة أنحاء الوطن . جاءوا إلى التجنيد وكل منهم يحمل مشكلاته ومعاناته وآلامه، وكانوا يتحملون متاعب التجنيد ، وقسوة غارات العمق التي كان يشنها العدو المجرم ، وكان هناك ضباط الاحتياط  - وبعضهم كان زميل دراسة – يعيشون معاناة بقية الجنود ، وكان هناك ضباط يملكون الإيمان ، ويحبون الوطن ، وآخرون يعيشون مرحلة الجيش القديم والغطرسة والشكلية البائسة والعنجهية التي تجعلهم في معزل عن بقية الأفراد .

ولكن مصر في مجموعها الطيب كانت تنتظر ساعة المواجهة مع القتلة اليهود حتى جاءت اللحظة التاريخية ، فتوجهوا جميعا إلى ناحية الشرق، وبدءوا في محاورة القتلة بأسلوب لم يتوقعوه .

*ما هى ذكرياتك حول المواقف الصعبة والمهمة التى تعرضت لها؟

- المواقف الصعبة كثيرة ومؤلمة ، ولكننا بفضل الله كنا نتجاوزها ، ونعبرها بهدوء ، وأهم شيء في الحياة العسكرية أن تكون عقيدتك تجاه عدوك الغاصب ، وليس تجاه أخيك أو شعبك الطيب . ومن فضل الله أن القيادة عرفت رجلا اسمه سعد الدين الشاذلي كان يعيش كأنه جندي بسيط ، ويعلم ما يعانيه زملاؤه الجنود ، فكان يصدر لهم الكتيبات والتعليمات التي تساعدهم على مواجهة المصاعب والمتاعب . وللأسف سجنوه مكافأة له على قيادته لأعظم عبور في التاريخ ، وأشادوا بالخيّاب والجهلة والأدعياء !

*كيف تناول الأدباء هذه المناسبة؟

- دعني أقول لك، كان هناك نوعان من التناول. الأول قام به بعض صبيان الأجهزة الأمنية الذين يعملون في الصحافة والإعلام، وهؤلاء قاموا بما يمكن تسميته بالأعمال التجارية مثل المسلسلات والأفلام، فجاءت أعمالهم أقرب إلى التسطيح والدعاية، ومنهم من كتب في الأجناس الأدبية مقالة وقصة ورواية وشعرا ، وحاول تسفيه الوازع الديني الذي عبر به المقاتلون، وسخر وا من هتاف الله أكبر، وقتال الملائكة مع المؤمنين، هؤلاء من أدعياء اليسار والناصرية، والناس تعلم أنهم عملاء للأجهزة الأمنية المعادية للحرية والإسلام.

النوع الآخر يتمثل في الأعمال الفطرية التي كانت تنشر في حينها، ومعظم هذه الأعمال كان يكتبها مقاتلون حقيقيون فضلا عن الشرفاء من الكتاب والأدباء، مع ملاحظة أن معظم المشاهير لم يكتبوا عن العبور ومواجهة العدو، وإن كانوا قد كتبوا عن الصلح مع العدو وضرورته تحت مسمى السلام!

نشرت أعمال كثيرة ،ولكن صعاليك الكتّاب الذين يتصدرون المشهد الثقافي الآن يزعمون أنه لا يوجد أدب عبّر عن الحرب إلا بعض كتاباتهم الرديئة. مصر بخير، ولكن الصعاليك الذين يتصدرون المشهد الثقافي ليسوا بخير !

 ما أعمالك الإبداعية والأدبية حول المناسبة 

 كنت أعيش الهزيمة بدمي ودموعي، كتبت مجموعتين من القصص تراوحت بين الرمز والواقع، وكتبت رواية وحيدة اسمها “الحب يأتي مصادفة” نشرتها دار الهلال عام 1976م، وشغلتني كامب ديفيد وما تلاها من مآس عن مواصلة الكتابة الروائية والقصصية، لأني وجدت أن المقالة صارت ضرورية لمواجهة الانهيار السياسي والاجتماعي الذي ترتب على الصلح الأسود الذي جعل رئيسا مصريا كنزا للعدو الصهيوني، وجعل له أتباعا يؤيدونه، ويطالبون بإعلانه بطلا خالدا!

*كيف ترى حرب أكتوبر بعد 41 سنة من وقوعها؟

 تظل حرب رمضان أعظم حروب التاريخ ، ولكن السياسة أضاعت كثيرا من طعم النصر وبهجته ، وخاصة الدور الذي قام به الحكام الأعراب ، الذين تركوا دعم مصر المنهكة اقتصاديا ، ودعموا صدام حسين في حربه مع إيران بالمليارت ، ممادفع السادات إلى الاستسلام والذهاب إلى القدس المحتلة ليطلب صلحا هو إلى الإذعان أقرب !