مثقفون يتحدثون عن دور الذاكرة في الصراع مع إسرائيل

في الذكرى الواحدة والستين للنكبة:

مثقفون يتحدثون عن دور الذاكرة

في الصراع مع إسرائيل

كوثر عرار

عند اجتياح اسرائيل للبنان قامت بقصف ثم سرقة مركز الابحاث الفلسطيني، وفي بغداد كان الاستهداف للمتحف الوطني ولأكبر مكتبة في الوطن العربي، ومن ثمار التسوية مع اسرائيل، تغيير المناهج الدراسية، واخيرا سرقة الحجر الأموي من باحة المسجد الأقصى ووضعه في الكنيست، هل تشكل الذاكرة العربية تهديدا للمشاريع الاستعمارية؟.

هذا السؤال توجهت به القدس العربي الى نخبة من المثقفين الأردنيين والفلسطينيين في الذكرى الحادية والستين للنكبة:

بهجت أبو غربية

بدأ العمل على تشويه الذاكرة العربية منذ الانتداب البريطاني على فلسطين حيث بدأ الترويج من قبل اليهود والانكليز بأن فلسطين، وطن بدون شعب لشعب بدون وطن، وللأسف القرار السياسي الرسمي العربي منذ تلك اللحظة كان متواطئا في ذلك، ولولا نضال شعبنا الإسلامي العربي، وتمسكه بتاريخه وثقافته ومقاومته، لكانت الأمور أكثر سوءا، وهذا التشويه والتزوير عالمي ولكن تشويه ذوي القربى تأثيره كبير وصعب على الأجيال الجديدة، مثلا الدول التي وقعت اتفاقيات مع الكيان الصهيوني أول ما قامت به العمل على إزالة حالة العداء بشكل منهجي، من خلال تغيير المناهج الدراسية التي يتربى عليها أجيال، وهذا التغيير منسجم مع المعاهدات المبرمة والتي تستهدف الذاكرة وتشويه المقاومة الفلسطينية العربية، وعندما توصل المعلومة لهذا الجيل بشكل ملتبس، مثلا: في الدورات التدريبية لمدراء المدارس في الأردن، المتعلقة بتغير الأسلوب المنهجي للتعليم وزعت عليهم مجموعة أوراق اطلعت على بعضها، فلفتت انتباهي قصة تدرس لهذا الجيل(محمد وشلومو كانا يملكان قطعة ارض وتراشكا في مياه واحدة، فاختلفا على المياه، وحصل بينهما شجار، قسما المياه بينهما وعاشا بأمان وسلام). تخيلي أن يصبح هذا العدو المحتل مالكا وشريكا لأرض قتل وهجر أهلها، وهناك خلاف بسيط على المياه!!!! هذا هو التزوير والتشويه، والذي يرتب مسؤولية كبيرة على أصحاب الضمير الإسلامي العربي لمواجهته وإنقاذ الجيل. والدور الأساسي للأسرة التي يجب أن ترضع التاريخ الحقيقي لأبنائها. لان الاستعمار يراهن في مشروعه على تخريب ذاكرة الأجيال، ولكن ستفشل كل رهاناته كما سيفشل مشروعه الاحتلالي بإذن الله.

د. وليد سيف

الصراع، يشمل الجوانب المختلفة للهوية العربية والفلسطينية بصورة خاصة، ما يميز الأمم والشعوب هويتها التي إذا ذابت في هوية اخرى فان الأمة تضيع وتتلاشى وتفقد خصوصيتها وهذا استخدام مجمل وحقيقي لوجود الأمة. منذ أكثر من ثلاثين سنة هناك هجمة منظمة تستهدف نظم المعاني لإحلال نظم جديدة من المعاني تتعارض مع المشروع الإسلامي والعربي والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ويخوض الاستعمار معركة المعاني والمفاهيم ليستكمل غزو الأرض واغتصاب الوطن بغزو العقول واغتصاب الأحلام وفرض خطابه ومعانيه وروايته، ونلاحظ ان بعض الكتاب يحذرون من استخدام مصطلح الكيان الصهيوني، الوطن العربي، الأمة العربية، ويفضلون بدلا منها مصطلح 'إسرائيل'، 'الشرق الأوسط'، و 'شعوب المنطقة' يتجاهل الكثيرون رواية اغتصاب فلسطين عام 1948 ويفضلون أن تبدأ الرواية بحرب حزيران (يونيو) عام 1967، ألا ترى كيف تحولت القضية الفلسطينية من قضية عربية يقف فيها العرب جميعا طرفا في الصراع، إلى قضية تخص الفلسطينيين؟ وإن كان للعرب دور فيها فيُختزل في 'مساندة الشعب الفلسطيني' في أحسن الأحوال، مهما اجتهد الخطاب الاحتلالي الأمريكي الهوى في تحريف الرواية وتشويه المعاني، ووضع الجلاد والضحية في مكان واحد. كل هذا يدخل في تحريف منهجي لكل الحقائق والتعريفات والمفاهيم وهذه جبهة هامة جدا في الصراع مع المشروع الصهيوني الذي يعمل على تحريف وتشويه الذاكرة العربية والرواية التاريخية ولا بد من إحياء نظم المعاني التحررية لمواجهة الروايات والخطابات والمعاني البديلة التي تسهل تكريس واقع الخضوع والإذعان، ولكن الحقيقة الثابتة هي ان الكيان الصهيوني مشروع استعماري إحلالي استيطاني. والقضية الفلسطينية في المقابل تبقى القضية المركزية للعرب ولا تنفصل عن عمقها العربي، وهي بذلك تنتظم في مشروع النهوض العربي بكل جوانبه المادية والثقافية والروحية والسياسية التي تتضمن شرط التحول الديمقراطي الصحيح غير المرتهن للأجندات الأجنبية والذي يجمع تعريفه بين البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية، فلا يُقصي الحريات المدنية والسياسية انطلاقا من مفهوم ضيق للديمقراطية الاجتماعية، ولا يتجاهل الحقوق الاجتماعية بدعوى المبادئ الليبرالية. والرواية الفلسطينية هي بالضرورة عقدة رئيسية في الرواية العربية الشاملة. والخيارات في صوغ مفرداتها وتعريف معانيها هي الخيارات التي يتبناها هذا الطرف أو ذاك في توصيف الواقع العربي وتشكيل مساره. فالمعجم السياسي الذي يتضمن معنى المقاومة والتحرير هو نفسه الذي يتضمن معاني الأمة العربية والوطن العربي والوحدة والتحرر والنهوض والديمقراطية الحقيقية والتكامل والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والأمن القومي، ورفض سياسات الإذعان والاستسلام والهيمنة الامبريالية والتبعية والاستغلال والفساد والديكتاتورية.

علي أبو السكر

أية أمة بلا ثقافة وبلا تاريخ مجموعة من الشتات لا يربطها أي عقد أو أي رابط، ما يربط الأمة ببعضها تاريخها وثقافتها وعقيدتها، وامتنا العربية والإسلامية تمتلك كنزا من الذخيرة الثقافية والتاريخية والعقائدية يدفع الأمة إلى الاستنهاض والاستيقاظ مهما كانت الضغوطات، لان تاريخنا مشرق وفيه الكثير من الانتصارات في القيم الحضارية، وبالتالي هذه الثقافة هي الباعث الحقيقي والقوي لانبعاث الأمة من جديد، وعبر التاريخ هناك محاولات لتدمير هذه الثقافة منذ الحروب الصليبية وإلقاء مكتبة بغداد في نهر دجلة، وصبغت المياه بحبر هذه الثقافة، وفي الزمن الحاضر تم العبث والتدمير بالمتاحف والمكتبات واستباحة دماء العلماء، وفي فلسطين طمست معالم ثقافية كثيرة من قبور وآثار ومساجد، وتم التركيز على القدس لأنها منارة العالم الإسلامي والعربي، والسعي لهدم المسجد الأقصى وأي معلم ثقافي لهذه الأمة، مستقبل الأمة لا يمكن أن يقرأه من لا يقرأ تاريخ هذه الأمة، ومن ينقطع عن التاريخ لا يمكن أن يفهم المستقبل. والتاريخ المشرق لا بد وان ينتج مستقبلا مشرقا ان شاء الله.

تاريخ وثقافة وعقيدة الأمة التي رسخت قيما ومبادئ ومفاهيم،كلها تشكل خطورة على أعدائها، لأن هذه الثقافة تأبى عليها الانصياع والذوبان والإنحناء للأعداء، وتدفع الأمة إلى المقاومة والجهاد لتعيد المشاعل والأمجاد من جديد وإضاءة الظلمة التي أوجدها الاستعمار القديم والحديث، وهذا الانبعاث لذاكرة الأمة سيؤدي إلى انحسار وإزالة الاحتلال، ولكل ذلك يتم العمل على التزوير والتشويه وقلب الحقائق التاريخية..

المطران عطا الله حنا

المؤامرة كبيرة علينا، وهناك أشياء غير معلنة وغير معروفة ستتكشف مع/span> مرور الوقت، وإننا كعرب وكمؤسسات ثقافية وإعلامية وهيئات تعنى بالتاريخ والتراث، علينا ان نكون في حالة يقظة وانتباه دائم وان ندق ناقوس الخطر، لان هناك استهدافا حقيقيا للثقافة العربية، أنا من أولئك الذين يتابعون ما ينشر في بعض الفضائيات والإعلام، وهناك إعلام مغرض وموجه لعقول العرب يهدف إلى تسميم عقولهم واقتلاعهم من جذورهم ومن ثقافتهم، يريدوننا ان نتغرب عن هويتنا وعن ثقافتنا وعن قوميتنا تحت عناوين قد تكون ديمقراطية وحرية والى ما ذلك، وبالتالي اعتقد أنه يجب ان نروض ذواتنا وشبابنا على المناعة، أي لا يمكننا ان نمنع هذه الثقافة في ظل العولمة ولا يمكننا ان نمنع ما يأتي إلينا من كل أصقاع الدنيا ولكن ما يجب ان نقوم به هو التوعية السليمة والتمسك بثقافتنا وديننا وبهويتنا وقوميتنا وتراثنا وتاريخنا العربي والإسلامي الذي يجب ان نفتخر به وننتمي إليه، واستهداف المؤسسات الثقافية في فلسطين وفي العالم العربي ينصب تحت عنوان المساس والتزوير للثقافة والتاريخ العربيي والإسلامي.

طاهر العدوان

طبيعة الصراع بين العرب وبين الصهيونية تجعل العامل الثقافي في مقدمة أدواته. ومع أن المشروع الصهيوني في فلسطين يستند إلى حقبة دينية (اليهودية) قبل الميلاد، والى روايات تاريخية عن قيام دولة يهودية في أجزاء صغيرة من فلسطين، فان الفكر الصهيوني في حالة عداء مستمرة مع تاريخ المنطقة وثقافاتها المتعددة، لان التاريخ لا يعطي أي حق لمشروعية وجود 'إسرائيل' الحالية، فالحضور اليهودي، السياسي والثقافي والأثري، غائب ومجهول تماما في تاريخ بلاد الشام وخاصة فلسطين والقدس.'إسرائيل'، التي لا تملك تاريخا ولا تراثا ثقافيا ولا معالم أثرية تعطيها الشرعية بأنها جزء من دول المنطقة، هي بالأساس دولة علمانية تنتمي إلى عصر القوميات في أوروبا، ونتاج فكري ومادي لمرحلة الغزو الاستعماري للعالم الجديد (أمريكا ولشعوب إفريقيا وآسيا). انها تنتمي إلى أفكار الاستيطان وقتل الشعوب الأصلية وإبادة جنسها، إلى جانب محو ثقافاتها وتاريخها كما جرى على أيدي موجات الهجرة الأوروبية إلى القارتين الأمريكيتين .ولأنها تنتمي إلى هذه المدرسة الاستعمارية الاستيطانية الاحلالية، فإنها تسعى منذ أقيمت إلى تدمير الثقافات والمعالم التاريخية العربية والإسلامية، وصولاً إلى تغيير الوعي العربي ومسح ذاكرته، وبما يسمح بتقبل شرعية الوجود الصهيوني الاستعماري الاستيطاني. لهذا كان العقل العربي هو هدف حروب إسرائيل كلها مثلما هو هدف مشاريعها السلمية.

محمد كناعنة ' أبو أسعد'

الذاكرة الجماعية تشكّل سياج أمان للهوية الجمعية لأيي شعب أو أمة، هذه الذاكرة بتفاصيلها الصغيرة وعناوينها الكبيرة تكون مُستهدفة بكل ما تحملهُ من معانٍ فردية وجماعية، ثقافة وتاريخ وحضارة وطنية وقومية ودينية وإنسانية، وليس صدفة أن يقوم التتار بحرق مكتبة بغداد والقاهرة، وليس صدفة أن يقوم تتار العصر الحديث الأمريكان والصهاينة بنهب متحف بغداد بشكل متعّمد ومدروس وعن قصد، وما جرى في بيروت من تدمير ونهب لمحتويات مركز الدراسات، وفي القدس مؤخرًا من سرقة للحجر الأموي من باحة المسجد الأقصى ووضعه في ساحة 'الكنيست الصهيوني' بل هي أدلة على خوف ورعب الاستعمار والاحتلال من التاريخ، وما يحتويه من ذاكرة جماعية تربط الإنسان بالمكان، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

ولكن الأنكى في الأمر أن نجد من يتساوق مع هذه المشاريع من أبناء الشعب الواقع تحت الاحتلال والاستعمار، فتغيير مناهج التعليم على سبيل المثال في مناطق السلطة الفلسطينية، يشكل خطوة خطيرة للغاية، وليس صدفةً أن يقوم الكيان الصهيوني بالإصرار على هذا التغيير وملاحقة ومتابعة ما يجري في مدارس الضفة الغربية، وكذا سن قانون منع التحريض من قبل سلطة رام الله إنما يصب في ذات الخانة. وإنه لمن السخرية بمكان أن يتعلم طلاب فلسطينيون في مناهج التدريس بأنّ مدن الساحل الفلسطيني هي غزة وخان يونس، وأنّ شمال فلسطين هي جنين. نعم إنّ الذاكرة العربية الجماعية، بما تحوي من مضامين وحدوية ترتبط بالتاريخ وخاصة النضالي، فالشيخ عز الدين القسام كان عربيًا سوريا واستشهد في فلسطين وكان صلاح الدين الأيوبي كرديًا مسلمًا عراقيًا، وعبد القادر الجزائري اختار دمشق ليعيش فيها، وعبد الناصر جُرح في فالوجة فلسطين عام 1948، والمجاهد عمر المختار يعيش في ذاكرة العرب من المحيط للخليج كمدافع عن العروبة، وجول جمّال العربي السوري المسيحي فجر نفسه في الباخرة المدمّرة البريطانية حين كانت تعتدي على مصر العروبة.

إنَّ الذاكرة العربية الجماعية تحوي العناصر والمُركبات مما يجعلها تحمل في طياتها بذور انتصارها على الاستعمار والتخلف والاحتلال. ومما يجعلها تشكل تهديدًا دائمًا وحقيقيًا وفاعلاً للمشاريع الاستعمارية، خاصة وأن بعض هذه المشاريع يقوم على سياسة 'فرّق تسُد' وعلى وجه التحديد بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، ولكن أثبتت التجربة حتى اللحظة فشل ما ذهبوا إليه، وما زالت هذه الذاكرة الجمعية مستهدفة لما تحويه من عناصر قوة في مواجهة مشاريع التفتيت القُطري الاستعماري، ولما تحويه من عوامل الحفاظ على الذات الجمعية خاصة وأننا في عصر تتكالب فيه القوى الاستعمارية خلف مسميات مختلفة، لضرب المشروع القومي العربي الوحدوي.