لبنى ياسين

لبنى ياسين:

سألحق بركب الماغوط وأخون وطني

لبنى ياسين

بسام الطعان/ القامشلي ـ القحطانية

 [email protected]

لبنى ياسين أديبة وكاتبة سورية، تدهش القارئ بقلم له أسلوب بارع، تخرجت في كلية الحقوق جامعة دمشق 1993، أشاد بها الكاتب المصري الكبير أسامة أنور عكاشة حيث كتب: الأدب الجيد هو الذي يدهش ويثير ذلك المزيج الساحر من التجاوب بالعقل مع ما يلمس أوتار القلب.وهذا ما لمسته في قصص لبنى ياسين. صدر لها ثلاث مجموعات قصصية هي: ضد التيار- انثى مع قفص موت صابر، وهي تنشر نتاجها الأدبي في الكثير من الصحف والمجلات العربية.

كيف بدأت علاقتك بالأدب، ولماذا اخترت مجال القصة القصيرة، وهل للأديب الوالد محمود ياسين دور في ذلك؟

بدأت علاقتي بالأدب من خلال القراءة منذ سنوات الطفولة، أما لماذا اخترت القصة القصيرة فأنا لم اخترها هي التي اختارتني وفرضت نفسها على قلمي، كنت طفلة صغيرة عندما كتبت قصص أطفال، وفجأة وبدون سابق إنذار، باغتني نضج عفوي في قلم الطفولة، فكتبت قصة عن شاب فلسطيني عاد إلى وطنه ليقتل جنديا إسرائيليا انتقاما لهدم منزله وقتل أسرته، كنت في الخامسة عشرة من العمر، وكانت تلك قصتي القصيرة الأولى التي نشرت دون أي تعديل في جريدة الثقافة في دمشق، منذ ذلك الوقت وأنا متورطة في القصة القصيرة، وبالطبع لوالدي العزيز دور مهم في إظهار موهبتي ولكن ليس في اختيار النوع الأدبي، فكما أسلفت القصة فرضت نفسها على قلمي،ولكن أبي حفظه الله لم يألُ جهدا في تشجيعي ودفعي وتقديمي ككاتبة.

ما هي مقومات القصة الناجحة برأيك؟

من وجهة نظري أن نجاح القصة القصيرة يتعلق بالتقاط اللحظة أو الومضة المناسبة بالدرجة الأولى، والتكثيف اللازم لتلك اللحظة، وبالطبع لا أغفل دور اللغة، والخاتمة المناسبة، والقدرة على إمساك القارئ من تلابيبه وشده لإكمال قراءة القصة، فالتصعيد بطريقة تعتمد على التشويق، وإثارة فضول القارئ للوصول إلى الخاتمة أمر في غاية الأهمية بالنسبة للقصة القصيرة.

ما الحيز الذي تشغله اللغة عندك، إلى جانب مسائل العاطفة والمشاعر والخيال والحرفة القصصية، هل تجعلين اللغة بطلا في أعمالك الأدبية؟

كثيرا ما لاحظت ككاتبة وكقارئة أن القصة المكتوبة بلغة شعرية عالية لها جمهور لا يستهان به، حتى حين تكون الفكرة مكررة وليست جديدة إلا أن طرحها بلغة متميزة يشد القارئ دائما، وأنا أحب أن اشتغل على اللغة في القصة، لإعطائها حقها من الجمالية المتوقعة منها، ولأترك عليها توقيعي غير المرئي.

لماذا يتخوف الجيل الراهن من الكتاب التطرق الى المسائل الحساسة، هل السبب هو الخوف من السلطة، أم هو نقص في الوعي المعرفي، أم هو انحدار في الموهبة وضحالة في التجربة؟

لا أرى من ناحيتي أن الجيل الراهن يخاف من الاقتراب من المسائل الحساسة، أظن انه الشعور بالخيبة وعدم الجدوى، عندما كتبت عن العراق وعن عبير الطفلة التي اغتصبها وأحرقها عشرة جنود أميركيين، أو عن حصار غزة والجوع والموت اللذين أحاقـــــــا بها، انتـــابني شعور بالخجــل، فماذا تفعل الكلمات أمام أم دفنت ابنها تحت التراب بسبب رصاصة من رشاش فاجر، وشقيقه الآخر مايزال مفقودا، أو وراء القضبان؟ وماذا يكون شعور الكاتب وهو يقدم كلمات مقابل الدم والجوع والذل والعار والخوف والموت.. كلمات لا تغير من الواقع المر أي شيء، أظننا وصلنا إلى حد القرف من الكلام، من التنديد والشجب والمقالات والقصص التي تصب في بوتقة واحدة «كلمات»، بالإضافة إلى القوانين المغلوطة التي نسجتها مرحلة الكفر بكل القيم، فأنت ترى الآن أن أسرع طريق للوصول إلى سدة الشهرة هو أن تمشي عاريا في وسط الطريق، وهكذا بإمكانك أن ترى أن فنانات العري حققن شهرة ومالا.. هذه المفاهيم أفرزت أدبا خطت كلماته وجمله من وحي زوايا محرمة ودهاليز سفلية لا تجسد رقيا في الرؤية ولا في الفكرة، إلا أنها تمنح اسما متداولا على كل لسان، وكتبا تعاد طباعتها وترجمتها على رغم أنها لا تملك قيمة أدبية حقيقية، وهكذا فمن يبحث عن الرواج السريع في هذا الزمن عليه أن يبتعد عن الالتزام، والقضايا الموجعة، والمواضيع الشائكة، ويذهب إلى حيث المتعة المحرمة.

ما رأيك في القصة القصيرة جدا، وهل تمتلك شروط وخصائص الابداع الأدبي؟

من وجهة نظري الشخصية لا اعتقد أن القصة القصيرة جدا جديرة بأن تصنع اسماً لكاتب، ولا أن تبرز تميزه، لذلك لا أرى أن لها استقلالية كنوع أدبي، فهناك الروائي والقاص والشاعر، وليس هناك كاتب متخصص في هذا النوع المختزل جدا من الأدب، ولا أظن انه سيكون، لكن من جهة أخرى جميل ذلك التكثيف الشديد للحظات من رحم الحياة، حتى اللحظة أنا لا استطيع أن أفهم وجود قصة قصيرة جدا واحدة مكتوبة بشكل مستقل تقف وحدها في فضاء صفحة بيضاء لا يشغل بياضها سوى سطرين أو ثلاثة، لكنني استطيع أن أتقبلها إن كانت ضمن مجموعة من القصص القصيرة جدا للكاتب نفسه على أنها لحظات أو ومضات متتابعة أو لها علاقة ما بعضها ببعض، أو كما في إحدى مجموعات الأديبة الكبيرة كوليت الخوري، حيث كانت قد وضعت القصص القصيرة جدا كمقدمة صغيرة للقصص القصيرة، إلا أنها مستقلة وفي صفحة تحمل عنوان القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا معها في الصفحة نفسها كأنها تقدم لها، لكن ليس في ثوب المقدمة أيضا.

حين تمسكين القلم، هل يكون القارئ أو الناقد في مخيلتك، يجلس إلى جانبك، ويرسم معك وجهة القلم وخارطة القصيدة؟

عندما اجلس للكتابة تكون الفكرة طاغية على كل تفكيري، وعلى رغم انه يجب وضع القارئ والناقد بعين الاعتبار، إلا أنهما أيضا معنيان بالفكرة، والتركيز عليها يكون في خدمة المتلقي سواء كان قارئا أم ناقدا، أن ترضي بنص واحد جميع الأذواق ذلك ضرب من المحال، لذلك لا أقيد نفسي، وما أفعله أنني أعطي الفكرة حقها، وبما أنني قارئة قبل أن أكون كاتبة فهذا يمكنني من الحكم على ما أكتب بطريقة موضوعية إلى حد ما.

كيف تنظرين إلى الحركة النقدية السورية، وهل أخذت إبداعاتك حقها من الاهتمام والتقييم؟

لنتفق على فكرة مهمة، النقد غائب في جميع أنحاء الوطن العربي، فالنقد كالكتابة لا يطعم خبزا، والخبز أولوية على مائدة الإنسان، لهذا لن ترى ناقدا أو كاتبا متفرغا في أنحاء الوطن العربي إلا فيما ندر، ولهذا أيضا لا تجد مشروعا نقديا واضحا، إنما هي في الغالب جهود واجتهادات فردية تكلف الناقد وقتا وجهدا دون أي مقابل، ولكي أكون نزيهة في إجابتي وجب أن أشير إلى أنني لا أقيم في سورية وبالتالي فانا غائبة نسبيا عن المشهد النقدي وعن الساحة الأدبية في سورية، وبالتالي لا استطيع الحكم على النشاط النقدي والأدبي الفعلي هناك دون معاينة ميدانية ليست في مقدوري في الوقت الحالي.

يدعي البعض أن القصة القصيرة تعيش أيامها الأخيرة، وأيضا هناك من يقول إن القصة القصيرة تدريبات كتابية تسبق الرواية، ماذا تقولين في ذلك؟

على العكس تماما أرى أن القصة القصيرة حاضرة وبقوة، كجنس أدبي منفصل له استقلاليته وشروطه وتفاصيله الزمانية والمكانية والبعيدة كل البعد عما للرواية من شروط، خصوصا في هذا الزمن المسمى عصر السرعة، حيث أصبح الإنسان يريد أن ينجز كل شيء بأسرع ما يمكن كأنه يتسابق مع إيقاع الزمن المتسارع، مما يجعل القصة القصيرة مناسبة لفلسفة السرعة، وللقارئ الذي يحترف الركض.

ماذا ينقص المرأة العربية لتبدع أكثر ولتصل إلى ذروة الاتزان في إبداعاتها؟

لا ينقصها شيء، بعيدا عن الطبيعة الفيزيولوجية التي تستهلك طاقتها في أولى سنوات شبابها في إنشاء العائلة والحمل والولادة والتربية، تلك السنوات عادة تجبر المرأة على الابتعاد بشكل أو بآخر عن طموحاتها الشخصية خارج إطار العائلة، وفيها يقتصر انجاز المرأة على ما تقتضيه الأمومة ومحاولة تقمص واعتياد الدور الجديد كزوجة وأم، وهو انجاز يحسب لها، لكنه من جهة أخرى يؤخرها عن مسيرة الرجل، حيث يكون عمرها الإبداعي المفترض مجتزءاً، وهذا ما لا يدركه الرجل غالبا بسبب تكوينه المختلف.

هل هناك من الكتاب من اثر في سيرتك الأدبية؟

انظر بإعجاب إلى لغة الكاتبة القديرة أحلام مستغانمي، تسحرني عباراتها الشعرية في ثلاث روايات، وهي وان كانت تحمل غالبا الفكرة والتفاصيل المدهشة نفسها، لكنها مرصوفة بلغة ساحرة تشد القارئ وتسحبه إلى أجواء الرواية. تعجبني نازك الملائكة بكم العواطف المتدفقة من قصائدها، ويعجبني التزام أبي الشاعر محمود ياسين بقضايا الأمة، باولو كويلو الذي يعتني بالتفاصيل إلى حد الدهشة، ألبير كامو، إيزابيل الليندي وتلك الانسيابية التي تكتب بها.

كل كاتب قرأت له وجدت بين سطوره خفاياه الخاصة في الإبداع، تلك التي تميزه عن غيره وتجعل له اسما مختلفا.

بعد هذه المسيرة الطويلة والجميلة في عالم الإبداع، هل لديك مشكلة ما؟

لدي مشكلة ولا ادري ان كانت في الوطن أو من الوطن، مشكلة في فلسطين، في حصار غزة، العراق الذي ينزف ويستنزف، لدي خيبة بسبب كل ما يجري حولي،لدي مشكلة في كرامتي الإنسانية المحاصرة بالذل والضعف، لدي مشكلة بمواطنيتي التي تفرض علي واجبات ولا تقدم لي حقوقا

لدي مشكلة كفر بالهوية، وأظن أنني سألحق بركب الماغوط وأخون وطني أنا أيضا.