حوار مع الأستاذ الدكتور حلمى محمد القاعود

أبو الحسن الجمّال

ذكرياتهم مع شهر الصيام – رمضان 1436هـ = يوليه 2015م

6234.png

الدكتور حلمى محمد القاعود قيمة علمية كبرى، طبقت شهرته الآفاق فى مصر وخارجها، يتخذ الصدق والصراحة مع النفس منهجاً فى الحياة.. لم يعرف النفاق والتزلف إلى الطغاة وعاش مقاوما لهم طوال حياته .. برع فى مجالات عدة منها الأدب تخصصه الرفيع حيث ألف فيه الكتب والأبحاث كما عمل أستاذاً ورئيساً لقسم اللغة العربية فى كلية الآداب طنطا كما أنه مفكراً إسلامياً من طراز فريد ينضم إلى كتيبة المخلصين من أرباب هذا المجال منهم محمد محمد حسين، وأنور الجندى، ومحمد الغزالى، ومحمد جلال كشك، ومحمد عمارة، وغيرهم..

(المسلمون) أجرت معه هذا الحوار بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم ودار حول ذكرياته مع هذا الشهر الكريم مبينا اختلاف عادات الأمس عن عادات اليوم، كما يتحدث عن الإبداع فى رمضان ورمضان فى الأدب العربى، وموضوعات سوف نستمتع بها فى السطور التالية:

1-كيف تتذكر شهر رمضان؟

شهر رمضان ذكرى الجمال والجلال ، والانتقال من واقع الحياة ودوامة الغرق في الماديات إلى عالم صاف شفاف . في طفولتي كان رمضان يمثل دنيا جديدة لا تتحقق طوال العام إلا في هذا الشهر المبارك، وبعيدا عن مظاهر الطعام والشراب ، هناك حالة الفرح بالمسحراتي الذي كان يدور بطبلته وصوته الرقيق ليقوم بتسحيرنا ونحن صغار اسما اسما وكنا نفخر بهذا التسحير الذي يذكر أسماءنا وينال عليه ما يستحق من كرم أهل الدار . ثم أذان المغرب وما يتعلق بإطلاق الراية الخضراء من مئذنة القرية ، إيذانا بالإفطار ، وصوت الصفارة القوي الذي ينطلق في الوقت نفسه من محلج فرغلي للقطن متزامنا مع إضاءة مآذن المسجد الإبراهيمي بمدينة دسوق التي نراها على الجانب الآخر من النهر ، ثم أذان الشيخ عبد العظيم زاهر بصوته الشجي العذب المبتهل قبيل الأذان في مسجدنا. رمضان ذكريات الطفولة الجميلة بامتياز . أما رمضان الشباب والمسئولية فهو رمضان التجنيد والعسكرية عقب هزيمة 1967 ، وفي العسكرية آلام وأحزان وأشجان وآمال ، كان العبور أبرز أحداثها مع استعادة الثقة بالله ثم بالنفس . ورمضان في الشيخوخة له وضع آخر .

2- هل اختلفت العادات والتقاليد فى رمضان اليوم عن الأمس؟

بالتأكيد اختلفت أشياء كثيرة . هناك الآن الفانوس الصيني ، والمسحراتي على الطبل الكبير الأجش الجهم . والمسلسلات الهلس التي تشوه الإسلام وتشيطن المسلمين وتشغل الناس عن العبادة والصلاة وتمدح اليسار – أي الشيوعية - لدرجة أن يتشدق بواب العمارة في أحد المسلسلات أنه يعرف اليسار والوزير اليساري الماجن ، ناهيك عن عرض موضوعات المخدرات والمسْكرات والدعارة في حوارات بائسة تنضح سفالة وقذارة وبذاءة ، فضلا عن العري والبجاحة والوقاحة التي تظهر بها العوالم والمشخصاتية   . رمضان اليوم حالة بلاستيكية سائلة إلى حد كبير!

3- كيف كان أهل القرى ومنها قريتكم المجد ونواحيها يحيون أيام رمضان وهل اختلف الحال اليوم؟

أهل القرى كانوا يحتشدون للشهر الكريم بالعبادة والصلاة والصدقات ، والبعد عن الخلافات والمشاحنات . وكان للقرآن الكريم في هذا الشهر حضور طاغ على كل ما عداه . وكانت الأسر الغنية تستضيف طوال ليالي الشهر أفضل قراء المنطقة لإحيائها  بالقراءة المجودة داخل المندرة أو المضيفة، ويتنقل الناس هنا وهناك بما فيهم الأشقاء النصارى  لسماع الصوت الجميل من هذا القارئ أو ذاك . اليوم الزمان اختلف . 

4- كيف يكون الإبداع فى رمضان مختلفا عنه فى الشهور الأخرى ؟

بالنسية لي كان رمضان ومازال فرصة جيدة للقراءة والكتابة ، وخاصة بعد الفجر ، حيث أقرأ أو أكتب حتى الضحي ، ثم أنصرف إلى الأعمال اليومية . في مرحلة الدراسة والتلمذة كنت أراجع دروسي في فترة ما بعد صلاة الصبح بوصفها فترة هدوء وسكون ، وأجد فيها ذهني أقدر على التركيز والفهم . ولعلي منذ هذه المرحلة اتخذت فترة ما بعد صلاة الصبح مجالا للقراءة الثقيلة - إن صح التعبير - والكتابة الدقيقة في الموضوعات الذهنية التي تحتاج إلى صبر وتركيز وتحليل . بالطبع لم أعد في المرحلة الأخيرة مع وهن الصحة وضعف الجسم وتعدد المتاعب الصحية قادرا على العمل اليومي عقب جهد ما بعد الفجر ، فلا بد من فترة نوم تفرضها الشيخوخة حتى أستطيع معاودة العمل .

5- رمضان فى الأدب العربى المعاصر..هل عبر الأدب بشكل كاف عن هذا الشهر الكريم؟

إلى منتصف القرن العشرين كان الأدب العربي والإسلامي يعبر جيدا عن كل المناسبات الإسلامية وليس رمضان وحده . كان الشعراء والكتاب يكتبون عن مطلع العام الهجري الجديد، والهجرة والمهاجر – صلى الله عليه وسلم – والمولد النبوي الشريف والإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان وغزوة بدر وفتح مكة ونزول القرآن الكريم ورمضان والصيام والقيام والزكاة والعيدين ، وحين سيطر الشيوعيون وأشباههم على الحياة الثقافية والأدبية وهيمنوا على الصحف ووسائل الإعلام ، لم يعد هناك اهتمام برمضان أو غيره في الأدب أو الكتابة العامة . كل ما هنالك صفحات باهتة في الصحف اليومية تظهر طوال شهر رمضان معظمها مشغول بالفتاوي عن مبطلات الصيام وقيمة زكاة الفطر ، ثم موضوعات إنشائية فارغة أو مسروقة من كتاب الظلال، مع نقول لأحداث وطرائف من الكتب القديمة .

من المؤكد أن الشيوعيين وأشباههم أفسدوا الأدب العربي واللغة العربية والذوق العربي، وهم في كل الأحوال لا يخفون عداءهم لرمضان والإسلام ، فهم لا يصومون ولا يقومون ولا يزكون ولا يصلون . ويعدون ذلك استنارة وتقدمية .. وتجديدا لما يسمونه الخطاب الديني، للأسف الشديد !  

6- أشهر الكتب والأبحاث والمقالات التى أنجزتها فى رمضان؟

هناك كتب كثيرة انتهيت منها في رمضان . فالعمل في الكتاب قد يستغرق عاما أو عامين أو ثلاثة ، وربما أكثر من ذلك ، ويأتي الانتهاء في رمضان فرصة طيبة تتوج مرحلة من الجهد والمشقة، هناك أيضا بعض الكتب التي بدأتها في رمضان وانتهيت منها في شهر آخر ، ولكن يمكنك أن تجد بعض الكتب التي تطل منها رائحة رمضان مثل البلاغة القرآنية ، والبلاغة النبوية ، وروائع القصص النبوي ، والقصائد الإسلامية الطوال ، ومحمد –صلى الله عليه وسلم – في الشعر العربي الحديث ، وغيرها .

7- هل ما يعرض من أعمال فنية تتفق وجماليات الشهر الكريم؟

الحرب على الإسلام قائمة منذ قرنين من الزمان ، وتأخذ شكلا تدريجيا يتسق مع المقاومة الإسلامية المفترضة ، والقوم استطاعوا بعد 1952 أن ينسفوا كثيرا من عناصر المقاومة الإسلامية ، وأولها الإعلام الإسلامي القوي ، والفكر الإسلامي القوي، وعلماء الإسلام الأقوياء . نحن الآن في وضْع الأسري للفكر المادي البائس الأرعن، وللأسف فإنه يملك مقومات الاتصال والدعاية والإنتاج، ولهذا فإن منتجيه ، يسرحون ويمرحون، ويفعلون ما يريدون ضد الإسلام والمسلمين، ويحظون بمباركات جهات عديدة ، والشعب في مجمله يعيش مرحلة من عدم التوازن، ويستجيب بسهولة ويسر لما تبثه الشاشة الصغيرة، وخاصة إذا دغدغ أحاسيسه وغرائزه، وناغى العواطف المشبوبة في غلاف من الضحك أو الفكاهة التي تطيح بكل المواضعات الخلقية والدينية والاجتماعية . عليك أن تسأل: لماذا يحتشدون بعشرات المسلسلات في الشهر الكريم، بينما ينامون طول العام دون تقديم عمل جديد واحد؟ إنهم يبتغون هدفا معينا يريدون تحقيقه غير الهدف المادي والإعلانات، وخاصة أن معظم المنتجين من اليساريين، أو التجار الذي لا يفكرون في القيم والأخلاق .  

8- أمنيات تمنيتها فى هذا الشهر الفضيل وتحققت، وأخرى تتمناها؟

الأمنيات التي تحققت كثيرة والتي لم تتحقق أكثر . وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن ينعم على شعبنا بالحرية والكرامة والعدل . شعبنا المظلوم يعاني من متاعب كثيرة ، وقد حطم الأشرار حلمه في الحرية ، وأوردوه موارد التهلكة ، وإني لواثق أن الله سينصفه في يوم ما ، عسى أن يكون قريبا . ورمضان كريم . 

وسوم: العدد 623